المصاري بتشتري من جميعُه بقلم: فؤاد سليمان
2009-07-29 15:13:16
مهنة البغاء هي من أقدم المهن في التاريخ البشري، بل إن هناك من يدّعون أنها أقدمها، فلدى أوائل القبائل البشريّة نَظَّمت مجموعة من النساء أنفسهن وبدأن يقترحن أجسادهن على الرجال كشركاء لعملية الجنس مقابل النقود. وقبل وجود النقود، تم ذلك مقابل بضع أرغفة من الخبز. هكذا، أيّها الأعزاء، بدأت مهنة البغاء التي  تطوّرت اليوم إلى درجة أصبحنا فيها نرى إعلانات في الانترنت لصالونات بغاء متنوّعة، مع صور حقيقية للصبايا اللواتي يعملن فيها. أما بالنسبة لي، فإن علاقتي مع هذا الموضوع بدأت حين بلغت التاسعة عشره. لقد أقنعني يومها أحد أصدقائي بزيارة إحدى الصالونات في حيفا فذهبنا وجلسنا في غرفة الانتظار، ثم جاءت ثلاث نساء، واحدة منهن كانت جميلة وأنيقة فذهبت معها الى غرفة كانت مضائة بالفلورسنت الاحمر، وهناك فقدتُ عذريتي.
 
إن الطريقة التي تٌعامل فيها الزانيات في بلادنا تثير فيَّ الكثير من الغضب، فالكثير منهن ٌُستدرجن بطرق وأحابيل شتّى من دول فقيرة مثل روسيا. وحين يصلن إلى بلادنا، تُؤخذ منهن جوازات سفرهن، ثم تسجن في بيوت حيث تعانين الكثير من الإذلال.
 
الطريقة الوحيدة القادرة، بحسب رأيي، على حل مشكلة البغاء، وضمان قدر مقبول من حقوق العاملات فيها، تتلخص في تحويلها إلى مهنة قانونيّة وخاضعة للمراقبة. لكن حتى الآن، فإن المجتمع الإسرائيلي والمؤسسات الحكوميّة لا يُبدون اهتمامًا كافيًا بحقوق الباغيات، اللواتي بقين ضحايا الاستغلال الشنيع. أنا متأكد من أن هناك رجال حكومة يزورون تلك الباغيات اللواتي تعذبن وديس على كرامتهن. كذلك فإني أعتقد أن ظاهرة البغاء هي ظاهرة معقّدة، فمن ناحية معينة هي تفيد للمجتمع، ذلك لأنها تُنفّس الكثير من العنف. مثلاً، بدلاً عن أن يضرب فلان من الناس ابنه، فإنه يذهب الى زانية و"يفش غلّه" ويعود الى عائلته مع ابتسامة واسعة على شفتيه. من الناحية الأخرى، هنالك الباغيات اللواتي تُغتصبن وتعاقبن بطرق غير إنسانية، مما يضعنا أمام معضلة أخلاقية يمكن حلّها فقط بطرق إنسانية ومتفهمة. لا يصح أن نقول لأنفسنا "الله يخرّب بيوتهن، زانيات قليلات حيا" ونبصق في الهواء بكراهية، بل علينا أن نفهم هذه الظاهرة، وبالخصوص علينا أن نحاول فهم الموضوع من زاوية نظر الباغيات أنفسهنّ. هنالك العديد من الكتب التي كُتبتها باغيات تصفن فيها تجاربهن. مثلا، هنالك كتاب اسمه "عاملة، حياتي كباغية" للكاتبة الأمريكية دولوريس فرينش، تصف فيه كيف ملّت حياتها كموظفة عادية وتحوّلت الى الزنا. كما وتصف الكاتبة تجاربها مع الزبائن بالتفصيل. طبعًا، هنالك غير هذا الكتاب الكثير من الكتب والوثائق التي يمكننا من خلالها أن نُثقف أنفسنا فيما يتعلّق بهذه المهنة العريقة قبل اتخاذ موقف أخلاقي إزاءها.
 
ألاحظ أن هنالك الكثير من الدعايات والإعلانات لزانيات، منهن ما يسمى بـ"إسرائيليات ومنهن "روسيات"، ومنهن العربيات اللواتي يتزايدن في كل أسبوع، وتتراوح أسعار خدماتهن من بضع مئات وحتى الآلاف من الشواقل. السوق شغّال، وكل زبون يأتي لأسبابه المختلفة، فمن الزبائن من يعانون من الوحدة ومنهم الطمّاعون ومنهم المتعطّشون لجسد المرأة، وأنا أتساءل: كيف يمكن لمجتمع أن يُبقي كل هذا الـ "أكشن"، المليء بالإجرام الذي يحيط بهذه المهنة، خارج السيطرة والمراقبة.
بعد أن نظرت الى بعض الإعلانات في الانترنت لكي آخذ انطباعًا عمّا هو معروض على زبائن الجنس في بلادنا، وضعت في الـ"يوتيوب" أغنية للمغنية الأمريكية تينا تيرنر عنوانها "الراقصة الخاصة"، والتي تقول كلماتها: "الرجال يأتون لهذه الأماكن، كل الرجال متشابهون، أنا لا أنظر الى وجوههم، ولا أسأل عن أسمائهم، لا أنظر اليهم كبني بشر، حتى ولا أفكر فيهم بتاتًا، أُبقي فكري حول النقود، وأُبقي نظري مسلّطًا على الحائط. أنا راقصتك الخاصة، راقصة من أجل النقود، وسأفعل ما تريد. انا راقصتك الخاصة، من أجل النقود، وأي موسيقى قديمة سوف تُستقبل بفرح".
 
استمعت لهذه الأغنية ثم أشعلت سيجارة وقلت لنفسي: "الراقصات كتار، والزلام بتروح، وزيّ ما في حب في جنس، والمصاري بتشتري من جميعُه"، ثم أخذت رشفة من الشاي وأنا أفكر بما تقوله هذه الأغنية.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق