كلام خطير بقلم القاضي والاعلامي يوسف اسماعيل
2009-05-21 21:38:40
هذا كلام خطير يأتي في ظرف زمني شديد الحساسية وفي مرحلة تعتبر نقطة مفصلية على طريق المساعي والجهود الإقليمية والدولية المبذولة لجسر الهوة وإقامة جسور التواصل والتقارب والتوافق بين العرب واليهود دعامة والفلسطينيين والاسرائليين بصورة خاصة.
هذا الكلام المثير للاحتقار والذكريات الأليمة والضغينة كتبه على صفحات ملحق جريدة " معاريف " يوم الجمعة الأخير (15/5/2009) كاتب مثقف وجدي وله قراء كثيرون هو بن درور يميني تحت عنوان " النكبة اليهودية" وذلك بمناسبة ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني التي مرت في ذلك التاريخ.
وحسب ادعاءات السيد يميني فان النكبات التي حلت بأبناء الشعب اليهودي في عدد من الدول العربية والإسلامية أقسى وأفظع من نكبة الشعب الفلسطيني في عام 1948 على الرغم هؤلاء اليهود كانوا مواطنين مخلصين لدولهم ولم يعلنوا الحرب عليها كما فعل الأمين العام الجامعة العربية في حينه عزام باشا الذي مرح بعد اعلان استقلال اسرائيل بساعات معدودة ان الحرب ضدها"ستكون حرب إبادة" وكما دعا الحاج أمين الحسيني الذي كان مقربا من هتلر المسلمين الى الجهاز المقدس والى "القضاء على جميع اليهود".
ويضيف الكاتب بن درور يميني :"أنها كذبة ان يهود البلاد العربية عاشوا بسلام في مجتمعاتهم وانه بسبب الحركة الصهيونية وإيذاء العرب في فلسطين بدأت معاناة اليهود" هذه الكذبة تكررت مرات لا تحصى ويجب وضع حد لها.صحيح ان أكثرية يهود البلاد العربية لم يواجهوا فضائع الكارثة (النارية)ولكن ذلك لا يعني ان وضعهم،حتى قبل الصهيونية،كان افضل بكثير".
ويضرب بن درور يميني امثلة على حياة اهل الذمة اليهود في كنف الانذمة العربية الاسلامية عبر القرون الماضية بدون ان يشير الى المصادر التي استقى منها معلوماته.ومما يقوله:اولا:يقولون ان"العصر الذهبي" الذي شهد ازدهار اليهود في اسبانيا هو دليل على التعايش اليهودي ،الإسلامي تحت الحكم الإسلامي.ولكن الامر لم يكن كذلك دائما.ففي عام 1011 وفي ظل الحكم الإسلامي حدثت اضطرابات في قرطبه راح ضحيتها بين مئات وآلاف اليهود.وفي عام 1066 حكم بالإعدام على يوسف هنجيد وقتل معه مابين أربعة آلاف الى ستة آلاف يهودي.وفي عام 1148 بدأت مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ اليهود وذلك بعد سيطرة "الموحدين" على مقاليد الحكم.
ثانيا:شهد المغرب سلسلة من المذابح ضد اليهود.ففي القرن الثامن أبيدت مجموعات كاملة على أيدي إدريس الأول.وفي عام 1022 قتل المسلمون ستة ألاف يهدي في فاس.وفي أعوام 1790 و1792 و1864 و1880 و1902 و1907 وقعت مجازر ضد اليهود في مختلف أنحاء المغرب.
ويواصل الكاتب يميني ادعاءاته ويروي حكايات عن أعمال عنف وقتل وسلب وتشريد وقعت ضد اليهود في قرون غابرة في كل من الجزائر وليبيا والعراق وسوريا وإيران واليمن ومصر. ويروي يميني ان الرئيس العراقي الأسبق نوري السعيد وضع في عام 1949 خطة لطرد يهودي العراق الى اسرائيل عبر الأراضي الأردنية بحجة ان هذه الخطة تجسد مبدأ التبادل السكاني بين العرب واليهود , غير ان الأردن وقفت سدا منيعا بوجه دخول يهود العراق الى أراضيه فتم تنفيذ خطة نوري السعيد عن طريق بلدان اخرى.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول انه لا يستهدف تضخيم النكبة اليهودية وان مقاله لا يشمل كل المجازر ومصادرة الأملاك وماسي يهود البلاد العربية بل بالعكس اذ انه يرى انه اذا فهم العالم العربي عامة والفلسطينيون خاصة ان الطرد وضياع الأملاك والدماء التي سفكت لم تقتصر على جانب واحد فقد يفهمون ان هذا الماضي هو من اختصاص دروس التاريخ.فالمعاناة كانت عظيمة ولكنها معاناة شعوب كثيرة من بينها يهود وعرب مروا في ظروف قاسية خلال نشوء دول قومية جديدة.ولذلك يجب رواية قصة النكبة اليهودية ليس لتعميق العداء وإنما لطرح الأمور بصورة حقيقية والتراضي بين الشعوب.
هذه ليست ترجمة لمقال الكاتب يميني وإنما لجزء يسير من فقراته المحشوة بقصص احداث واضطهاد وقتل وسلب وتشريد لا يمكن الا ان تشعل نار الحقد والكراهية ونزعة الانتقام في صدور قرائه اليهود حتى وان كان السيد يميني يتغطى بتراء حمل ويدعي انه لا يستهدف سوى وضع الحقائق في نصابها الصحيح وتحقيق التراضي بين الشعوب.
وبالرغم من ان السيد يميني لم يذكر المصادر الذي اعتمد عليها في مقاله الأشبه ما يكون بلائحة اتهام بالغة الخطورة ضد أنظمة عربة وإسلامية خلال الألف سنة الماضية،وبالرغم من ان يهود اسرائيل العرب (وهم اليهود الذين أتوا من البلاد العربية) يتناقلون حتى اليوم ذكريات الآباء والأجداد عن حياتهم الطبيعية والمستقرة بين ابناء عمومتهم العرب الى ان نشأت ونشطت الحركة الصهيونية... بالرغم من ذلك فلا نرى أي حكمة او فائدة في خوض مثل هذا الجدال الضار والعقيم والذي لا يستند الى مصادر تاريخية موثوقة. بل نذهب الى ابعد من ذلك ونقول اننا لا ندافع عن أنظمة عربية مستبدة حكمت بالنار والحديد وظلمت شعوبها،بمن فيهم العرب واليهود،في العقود الماضية.ولكن لا يسعنا الا ان نسأل ونتساءل:
أولا: حتى لو افترضنا جدلا ان كل ما كتبه بن درور يميني صحيح فمن الواضح ان الشعب الفلسطيني لم يرتكب أي أثم بحق اليهود.واذكر انه بعيد حرب الايام الستة عام 1967 وإزالة الحواجز والأسلاك الشائكة بين القدس الشرقية والقدس الغربية رأيت بأم العين لقاءات العرب المقدسيين واليهود المقدسيين الحميمة والأخوية ودموع الفرح تملا عيونهم وتسيل في شوارع القدس.فلماذا يجب على الفلسطينيين تحمل نتائج واعباد واتمان تعرفات وانحرافات أنظمة عربية ظلمتهم وقامرت بقضيتهم ليس بأقل من ظلمها لشعوبها بمن فيهم اليهود؟
ثانيا:حتى لو افترضنا جدلا ان ادعاءات السيد يميني صحيحة فما هي الفائدة المرجوة من فتح جروح عشرة قرون سابقة في الوقت الذي تسعى فيه قوى الخير الصلاح الى تضمين جروح الأحسن القريب وإرساء قواعد التسامح والتفاهم والتقارب والعدالة لبناء مرح الحياة المشتركة والثقة المتبادلة والمستقبل الواعد ؟
وبقي ان نوضح ان هذه التساؤلات التي نطرحها على " الصنارة " نبعث بها ايضا الى الكاتب في صحيفة " تعاريف"،فإذا عاد...سنعود.                

     

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق