إبليس فيلسوف العنف الأول بقلم: النائب مسعود غنايم
2009-04-25 15:43:22
إن العنف الذي تشهده شوارعنا ومجتمعاتنا بكل أشكاله وألوانه وبكل مجالاته وميادينه، من عنف نفسي إلى كلامي إلى جسدي وغيره، بل والعنف الذي يشهده العالم من شرقه إلى غربه، يثبت بأن هناك عوامل داخلية نفسية وأخرى خارجية بيئية تساهم في إطلاق مارد العنف الوحشي من قمقمه.
إن العنف يبدأ في البداية في عالم المفاهيم. فعلى المستوى الشخصي والبيتي والمحلي، عندما نربي أوالدنا على أن معنى الرجولة والكرامة يتمثل بفرض سيطرتهم الكلامية والجسدية على الآخرين وعندما نربيهم على عدم التنازل عن أي "حق" من "حقوقهم" بأي ثمن وتحت أي ظرف، نحن بمعنى آخر ندعوهم لأن يتقاتلوا عند أي مشكلة أو صراع حربهم الأخيرة، يكونوا أو لا يكونوا، إنها تربية اليد على الزناد.
إن الكثير من شباب اليوم وشاباته هم نتاج مفاهيم موروثة خاطئة تشرع العنف باسم الرجولة والكرامة، وهم ضحايا وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي تجعل من العنف خبزهم اليومي، والأفلام العنيفة التي تظهر البطل الذي يقضي على أعدائه بأبشع الطرق والوسائل.
تربية اليد على الزناد تجعل من كل مراهق وكل مواطن قنبلة موقوتة مستعدة للانفجار عند أول مواجهة، انتصارا للكرامة وللرجولة وللشرف وغيرها من المفاهيم التي تحولت أحيانا إلى أوثان وأصنام تعبد وتذبح قرابين العنف عند أرجلها.
إن سبب العنف الأول، بل العنيف الأول كان إبليس. وقصة إبليس مع آدم تعتبر عبرة لبني البشر ليتجاوزوا مسألة العنف ويتعلموا الدروس ليتفادوا الوقع في بحار الدم التي سالت على مذبح العنف. ولكن الإنسان للأسف الشديد اعتنق مذهب إبليس العنيف الذي افتتح عصر العنف برفضه الاعتراف بالآخر وهو آدم، ورفضه السجود له اعترافا بعظمة خلقه، فأطلق إبليس حينها أول قاعدة تبرر العنف وإلغاء الآخر وهي قوله: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}.
إن هذه الآية جاءت لتدل البشرية على أن بداية العنف تكمن في النظرة الأنانية العنصرية التي يعتقد فيها الإنسان بأنه أفضل من الآخرين وأن من حقه عدم الاعتراف بهم وبوجودهم فيبرر لنفسه استعمال العنف لإلغائهم وشطبهم من عالم الوجود.
لقد كان المنهج القرآني حكيما وراقيا في التعامل مع قضية العنف عندما أورد بالتفصيل قصة ابني آدم (قابيل وهابيل) والصراع الذي دار بينهما واستخلاص العبرة من نتائجه. والقرآن الكريم عندما ذكر القصة لم يذكر اسمي أبناء آدم بل قال (ابني آدم) دون تحديد للأسماء، لأنه أراد أن تكون هذه القصة والعبرة منها، في كل زمان ومكان يعيش فيه أبناء آدم، ولأن مسألة العنف ومحاولة إلغاء الآخر سوف يعيشها بنو آدم حيثما كانوا لأنها قضية البشرية والإنسانية التي توالدت من آدم أبي البشر.
الآيات التي وردت في القرآن الكريم بيّنت أسباب الصراع بين ابني آدم، وهي الأسباب الثابتة الدائمة والقائمة على: الأنانية وحب السيطرة والاستسلام للغرائز والأهواء والعصبية.
وذكرت الآيات رد ابن آدم الضحية على أخيه الذي هدده بالقتل فقال: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين}. إن الآية المذكورة تظهر صمام الأمان الذي يخفف من العنف وسفك الدماء، والذي يؤدي بالتالي للحد من التمادي في العنف، وهذا الصمام هو: {إني أخاف الله رب العالمين}.
إن ابن آدم أراد أن يعلمنا بأن العنف لا يعالج بعنف مماثل، وأن قاعدة (العين بالعين والسن بالسن) هي قاعدة تكرس العنف وتزيد في سفك الدماء ولا تقدم حلا. إن البعض يفهم خطأ بأن هذه القاعدة (العين بالعين والسن بالسن) هي قاعدة دينية وإسلامية، وهذا غير صحيح، لأن الإسلام يأمر الإنسان المؤمن أن يحسن وأن يعامل الآخرين بخلق حسن بغض النظر عن تعاملهم معه. وقد وضع الإسلام قاعدة: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} وقاعدة {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.
إن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالقواعد والتعاليم السمحة التي تحث على نبذ العنف والوقاية منه، فقال صلى الله عليه وسلم عن مفهوم الرجولة والقوة: (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من ملك نفسه عند الغضب). وقال في حديث آخر: (عرّفوا ولا تعنّفوا)، فوضع العلم والمعرفة والتربية مقابل العنف. وأمر الناس باتباع أسلوب التعليم والتربية الحسنة وليس أسلوب العنف والشدة. والأمثلة كثيرة على تسامح الإسلام ورفقه بالآخرين.
إن هذه الآيات والأحاديث يجب أن يتعلم منها كل إنسان فيه مشاعر إنسانية، حتى لا يعتقد البعض بأن الإسلام هو دين عنف وإرهاب مع أي كان وحيثما كان، كما يصوّره البعض أو كما تعتقده بعض الجماعات التي تخلط الجهاد ضد محتل أجنبي بالإجرام بحق الأطفال والأبرياء المدنيين.
إن تربية القهر والاستبداد التي عاشتها المجتمعات العربية على امتداد العالم العربي ولدت جيلا من القنابل الموقوتة التي أخذت تؤمن بأن الحل الوحيد هو الانتقام واستعمال العنف ضد الأنظمة والمجتمعات. وخطيئة أنظمة الاستبداد أنها شرّعت العنف ضد كل من يعارضها فكانت مظاهر العنف التي نراها ثمارا مرة لهذه الحقب من الاستبداد.
يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: "إن من يعامَل بالقهر يصبح حملا على غيره، إذ هو يصبح عاجزا عن الذود عن شرفه وأسرته لخلوه من الحماسة والحمية ويقعد عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، وبذلك تنقلب النفس عن غايتها ومدى إنسانيتها".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق