حكومة النساء لدى الخلفاء بقلم: عبد الله نمر بدير
2009-04-15 19:33:46
إنّ من النساء من أتين الميل إلى الحكم والرغبة فيه، رغم ما فيه من مشاق ومتاعب، لأنهنّ لا يرين في شيء من الأشياء مستحيلاً، فتلك ظاهرة في طبعهنّ وغريزتهنّ، فهن يرغبن في الإحاطة بكل شيء علماً وعرفان، ما تحته وما فوقه، يتممن النقص الذي فيهن ، فهن يحكمن عشاقهن فإذا أخطئن ما أملن، حكمن أزواجهن وأولادهن، ثم تعدين ذلك إلى حكم صواحبهن، فإذا وجدن المجال ذا سعة، وكن من يلوذ بالملوك والأمراء والوزراء، سوّلت لهن أنفسهن أن يحكمن الرعية ويدبرن أمورها.
 
وقبل أن أبداً أذكر الجاحظ قد لاحظ بعض هذا، فقال:" انه لم يزل للملوك إماء يختلفن في الحوائج ويدخلن في الدواوين، ويستطعن بسحرهن من عذوبة القول والجمال أن يتخطين الحواجز والعقبات، عند أرجل الرجال فيصلن إلى مبتغاهن، في السيطرة والقيادة والأمر النهي".
 
فالسفاح ابتعد عن النساء، فلم يرغب فيهن، وحاول أحد مقربيه أن يغريه بوصفه بعض الجواري والنساء الأحرار، فلم يفلح وكان يقول، العجب ممن يترك أن يزداد علماً، ويختار أن يزداد جهلاً، فسئل ما تأويل ذلك قال أن يترك مجالسة أهل العلم والرأي والسداد، ويدخل إلى امرأة فلا يزال يسمع سخفاً ويروي نقصاً.أما المنصور كان ألين منه وأقرب سمعاً وطاعة للنساء، تزوج ابنة منصور الحميرية، فشرطت عليه أن لا يتزوج أو يفعل شيء إلا بأمرها ورضاها ففعل ولم يتعدى سلطانها زوجها.
 
وبدأ سلطان المرأة يقوى منذ تولي المهدي الخلافة، وتزوج الخيزران، فقد كانت هي الأمر الناهي في القصر، تقرب من تشاء فلما ولي الهادي الخلافة زاد نفوذ الخيزران وتدخلها في شؤون الدولة، وقد كان الخلفية الهادي يتناول المسكر، ويلعب ويلهو، ولا يقيم أي وزن للخلافة، فكانت المواكب لا تخلو من بابها والذين يحجون إليها فاستفحل أمر السلطة لديها. واستيقظ الهادي من غفوته أو غفلته، ورأى أن الأمور خرجت من يده وأصبح طرطوراً بين يدي أمه، فأراد أن يعاندها يوماً، ولم يطعها فيما تريد فصار يعنفها ويؤنبها، ويقول لها خير لك أن تلزمي بيتك وتصوني نفسك فكانت الخيزران من الراغبات في الحكم والسيطرة، ولا يردها تعنيف أو تأنيب فألمها ذلك فقررت أن تنتقم من ولدها الهادي، فبعثت إليه جواريها يداعبنه فغطين وجهه وجلسن فوقه حتى مات، فخلى الأمر كله لها وقد تم لها ما أرادت، فأصبحت تملك من الأموال والغلة ما لا يحصى، فلما ولي هارون الرشيد الخلافة كانت الخيزران هي الناظرة في الأمور وكان الرشيد لا يعصي لها أمراً ولكنها توفيت فخلى الجو للرشيد فأستبد الرشيد برأيه وخاصة بعد مقتل البرامكة، ولم يكن لزبيده من الأمر زمن الرشيد ما كان للخيزران وأن كانت هي أيضاً ذات سلطان، تصل وتعطي وتشفع ولكنها ما كانت تتدخل في شؤون الدولة، ولعل ذلك راجع إلى البرامكة الذين استولوا على الأمور كلها، وفي الحقبة الممتدة بين خلافة المأمون والمعتضد نلاحظ تدخل المغنيات والشواعر في أمور الدولة، وكان لهن سطوة عند الخلفاء، حتى إن طلبت أحداهن من ذلك الخلفية أن يولي رجلاً يحبها الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك الخلفية هذا الأمر لأن له من ذلك إرباً وكان من هن أيضاً من يتعصبن لطائفة سياسية أو يتبعن مذهباً فيقضين حوائج أهل تلك المذاهب، هكذا أصبحت النساء تحكم وترسم في قصور الخلفاء والأمراء.
حتى وصل الأمر بالشاعر ابن بسام أن يقول:
ما للنساء والكتابة..... والعمالة والخطابة
هذا لنا ولهنّ منا..... أن يبتنّ على جنابه
 
هكذا كانت أيام الخلفاء في عهد العباسين، طرب وغناء ومجون ونساء كالمقتدر الذي ظل على عرش الخلفاء زهاء خمسة وعشرون عاماً والنساء من حوله يحكمن، وكان على رأسهن سيدة يقال لها زيدان، وقد استطاعت زيدان هذه أن تتمكن من جواهر المقتدر وأن تأخذ سبحة لم يرى مثلها، وكان يضرب بها المثل فيقال سبحة زيدان وكان قيمتها 3 مائة ألف دينار، واستطاعت أن تجعل دارها سجناً فقد سجن عندها علي إبن عيسى ابن داؤود بعد وزرائها ومن قبله بابن الفرات عندها، كما أسلم إليها الحسين بن حمدان أيضا.
 
وثمة خليفة آخر لعبت به النساء وهو المستكفي ، فقد كان عبداً لحسن الشيرازية حتى أصبحت تأمر وتنهي في قصر الخليفة فأنخرقت الهيبة بهذه المرأة وذهبت الرسوم التي كانت للخلافة وصارت الدار طريقاً لكل من لم يراها. يتضح من هذا ما كان عليه خلفاء بني العباس حتى منتصف القرن الرابع وما كان من أثر النساء فيهن، وما أدى تدخلهنّ في الأمور من إنخراق الهيبة وضياع الأمور وانتشار الفوضى.
 
وهذه نتائج طبيعية محتومة لمن يولي أمره لامرأة ويدعها تفعل ما تشاء، إذا كان هذا الأمر منذ تلك الفترة لهُ وقع وتأثير لدى الأمراء والخلفاء، فما بالك تأثير ذلك عند العوامِ والبسطاء، وهذا ما نعيشهُ اليوم من واقع مرير أن تستغل بعض النساء انحصار قوامة الرجال في ظل القوانين الوضعية التي منحتها إياها حكومات لا تقيم لكتاب الله أي اعتبار ولا سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لنصل إلى وضع من تفكك أسري وعائلي حتى وصلت الأمور إلى أن نصل إلى نسبة طلاق عالية جداً ما بين ال 40% والـ 50% . وقد وصل الأمر ببعض النساء أن تقيم دعوى على زوجها تحت عنوان أن الزوج يريد أن يغتصبها فتلجئ إلى القانون الوضعي أو المدني من أجل أن تحمي نفسها من زوجها، الذي إذا أراد أن يعاشرها، وهي غير راغبة في ذلك فذلك يعتبر اغتصاب، وإنّي لا أستغرب أن مثل هذه القوانين السلبية تشجيع المرأة على تفكيك الأسرة وضياع المودة والترابط بين الزوجين ، بل أرى مثل هذه القوانين هي سياسة مدروسة من أجل تفتيت مجتمع محافظ واختراقهِ، وقد يكون ذلك جزء من خطة كاملة لإبعادنا عن ديننا الحنيف، لأنّ الدين هو الإطار الحامي لوجودنا وقيمنا بل به عزنا وفخرنا، دنيا وآخرة.
 
لذا أرجو من كل الأزواج والزوجات أن يحكموا دينهم وشرعهم بينهم وأن لا يلجئوا إلى أي قوانين قد تكون نافعة لهم مؤقتاً ولكنها عليهم وبال وشر على المدى القريب والبعيد، فرحموا أنفسكم وتمسكوا بدينكم وشرعكم فوا الله ما حاد منا أحد عن ذلك إلا خسر وذُلّ.
 
 
والله ولي التوفيق
 
عبد الله نمر بدير ( أبو الناشد)
كفر قاسم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق