حربٌ ضَرُوسٌ في سَهْلِ يِرْكا وَسَهْلِ جُولِس خِلالَ الحَمْلَةِ الصَّليبيَّةِ الثَّالثةِ
2015-06-27 13:30:58
حربٌ ضَرُوسٌ في سَهْلِ يِرْكا وَسَهْلِ جُولِس خِلالَ الحَمْلَةِ الصَّليبيَّةِ الثَّالثةِ
 
من أَرشيف البروفيسور علي صغيَّر
 
شَهِدَ مُحِيطُ عكَّا، خُصوصًا القِسمُ الشِّمالِيُّ مِن سَهْلِ تلكَ المدينةِ، ذلكَ القِسْمُ المُمْتَدُّ مِن مَجْرى نهرِ النَّعَامَيْنِ في الجنُوبِ، حتَّى شارع عكَّا   صَفَد في الشِّمالِ، ومِنَ السُّورِ الشَّرقِيِّ لِعَكَّا في الغربِ ومَفْرَقِ العِيَاضِيَّةِ في الشَّرقِ، مُنذُ بدايةِ الحَملةِ الصَّليبيَّةِ الثَّالثَةِ، عندما وصلتْ إِلى ميناءِ عكا أُولى المجموعاتِ العسكريَّةِ الأوروبيَّةِ خلالَ شهرِ آبَ عام 1188، وحتَّى استسلامِ عكَّا للصَّليبيِّينَ بتاريخِ 12.7.1191 م، عملِيَّاتٍ عسكريَّةً كثيرةً ومعارِكَ طاحِنَةً. والحملَةُ الصَّليبيَّةُ الثَّالثَةُ كانتْ رَدَّ الفِعْلِ الغاضِبِ لِكِبارِ زُعَمَاءِ أُوروبا على سُقُوطِ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الأُولى بِيَدِ السُّلطانِ صلاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ وجُيُوشِهِ في أَعقابِ معركةِ حِطِّينَ الفاصِلَةِ، التي دارتْ رَحَاها يَوْمَيِ الجمعةِ والسَّبْتِ المُوافِقَيْنِ للثَّالثِ والرَّابِعِ مِن تَمُّوزَ عام 1187 م. وقدْ دامَتِ الحملَةُ الصَّليبيَّةُ الثَّالثَةُ، كما هو معروفٌ، بينَ السَّنَواتِ 1189 و 1192 م. 

 الجُزْءُ الغربيُّ مِن القسمِ الشِّماليِّ من سَهْلِ عكَّا، والمعروفُ باسمِ "سَهْل مُرَّانَ"، تتبعُ مُعظمُ أَراضِيهِ لسُكَّان يِرْكا، أَمَّا الجُزْءُ الشَّرقِيُّ مِنهُ فَتتبعُ مُعظمُ أَراضِيهِ لسُكَّانِ جُولِسَ. هذانِ السَّهلانِ الزِّراعيَّانِ الجميلانِ لا يُوحِيانِ للناظرِ إِليْهِما هذِهِ الأَيَّامَ إِلاَّ بالطِّيْبَةِ والودَاعَةِ، ولا يطرأُ على بالِ مَنْ لمْ يدرسْ تاريخَ الحملةِ الصليبيَّةِ الثَّالثةِ، ولا يمرُّ بِبالِهِ، أَنَّ معاركَ ضارِيةً كثيرةً دارتْ فوقَهُما، وأَنَّ دِماءً غزيرةً أُرِيْقَتْ عليْهِما، خلالَ تلكَ الفترةِ مِن تاريخِ البلادِ.

ونحن نُقدِّم فيما يلي مُختصرًا لأهمِّ الأحداثِ السياسيَةِ والأعمالِ العسكريَّةِ التي رافقتِ الحملةَ الصليبيةَ الثَّالثةَ في هذِهِ البلادِ، ابتداءً من معركةِ حِطِّينَ، وانتهاءً بصُلحِ الرَّملةِ، بينَ ريكاردُوسَ قلبِ الأَسدِ، ملكِ اﻧﭼلترا، وصلاحِ الدِّين الأَيُّوبيُّ، سلطانِ الدَّولةِ الأَيُّوبيَّةِ، ذلكَ الصُّلحُ الذي أَنهَى تلكَ الحملةَ. وسوفَ نذكُرُ أَهَمَّ الأَحداثِ التي حصلتْ في سَهْلَي يِرْكا وجُولِسَ خلالَ تلكَ الحملةِ، وبعضَ الأَحداثِ التي حصلتْ في مملكةِ أُورشليمَ الثَّانيةِ مُنذُ التَّوقيعِ على اتِّفاقيَّةِ الرَّملةِ وحتى وفاةِ السلطانِ صلاحِ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ.

أَحداثُ الحملةِ الصليبيةِ الثَّالثةِ في فلسطينَ، وبخاصةٍ أَحداثُ حصارِ عكا، مذكورةٌ في مصادرَ كثيرةٍ، مِن أَشهرِها كتابُ "الكاملُ في التَّاريخِ"، لابنِ الأَثيرِ (1160  1233 م)، وكتابُ "البِدايةُ والنِّهايةُ"، لابنِ كثيرٍ (1300  1375 رم)، و"كتابُ الرَّوْضَتَيْنِ في أَخبارِ الدَّولَتينِ النُّورِيَّةِ والصَّلاحِيَّةِ"، لِشهابِ الدِّينِ عبدِ الرَّحمنِ أَبي شامَةٍ (1202  1267 م)، وكتابُ "النَّوادِرُ السُّلطانِيَّةُ والمَحاسِنُ اليًوسُفِيَّةُ" لِبهاءِ الدِّينِ بنِ شَدَّادٍ (1145  1234 م)، صديقِ صلاحِ الدِّينِ ومُستشارِهِ، ومُؤرِّخِ تلكَ الحملةِ التي كانَ شاهدَ عِيانٍ لجانبٍ كبيرٍ مِنْ أَحداثِها، ولكنَّنا سوفَ نُورِدُ فيما يلي قِطَعًا تشهدُ ببعضِ الأَحداثِ التي سوفَ نسرُدُها، من كتابِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ"، لِلْعِمادِ الأَصْفَهانِيِّ (1125 – 20.6.1201 م)، الذي كانَ هو الآخرُ رفيقًا لصلاحِ الدِّينِ الأَيُّوبيِّ، وكاتبًا لتاريخِ حُرُوبِهِ، وَكَابنِ شدَّادٍ، كانَ شاهدَ عِيانٍ لغالبيَّةِ أَحداثِ الحملةِ الصليبيَّةِ الثَّالثةِ. ويمتازُ هذا الكتابُ بدقَّةِ وصفِهِ لِلأَحداثِ، وبِلُغتِهِ البديعةِ الجميلةِ. ولِلْعِمادِ الأَصْفَهانِيِّ كتابٌ آخرُ في حُرُوبِ صلاحِ الدِّينِ، وسيرةِ حياتِهِ، هو كتابُ "أَلبَرْقُ الشَّامِيُّ". وقدِ اختصرَ هذا الكتابَ الفتْحُ البُنْدَارِيُّ (1190 – 1245 م)، ودعا كتابَهَ باسمِ "سَنَا البرقِ الشَّاميِّ".

 
         
 
 3 و 4.7.1187: (يَوْما الجُمعة والسَّبت): معركةُ حِطِّينَ. صلاحُ الدِّينِ الأيوبيُّ يهزمُ الصليبيِّينَ هزيمةً نكراءَ. ﭼﯥ دي لُوزينيان، ملكُ مملكةِ أُورشليمَ الأُولى، أَوِ الدولةِ الصليبيةِّ الأُولى، وآخرُ ملوكِها، يقعُ في الأسرِ، وصلاحُ الدِّينِ يمتنعُ عن قتلِهِ ويكرِمُهُ، ثمَّ يرسِلُهُ إِلَى دمشقَ ليُسجَن هناكَ، ولكنْ بعدَ أنْ حلفَ لصلاحِ الدِّينِ أيمانًا غليظةً كثيرةً على تعهُّدِهِ بالامتناعِ عنْ مُحاربةِ المُسلمينَ في المستقبلِ.
 
 8.7.1187: صلاحُ الدِّينِ يصلُ إِلَى عكا، وحاكِمُها الصليبيُّ جُوسيلين دِي كُورتينِي (Joscelin  de  Courtenay) يعرِضُ على السلطانِ تسليمَ المدينةِ.

 10.7.1187: صلاحُ الدِّينِ يستلمُ عكا ويدخُلُها. 

 خبرُ معركةِ حِطِّينَ يصلُ إِلَى أُوروبا عنْ طريقِ تاجرٍ منْ مدينةِ البُندُقيَّةِ.

 2.10.1187: مدينةُ القدسِ تسقطُ بيدِ صلاحِ الدِّينِ. 

 20.10.1187: البابا أُوربانُ الثالثُ يُتوفَّي مباشرةً عندما يصلُهُ نبأُ معركةِ حِطِّينَ.

 21.10.1187: البابا ﭼرﻳﭼوريُوسُ الثامنُ يُنتخبُ خلفًا للبابا أُوربانَ الثالثِ. 

 27.10.1187:  البابا ﭼرﻳﭼوريُوسُ الثامنُ يدعو إِلَى حملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ.

 3.11.1187:  البابا ﭼرﻳﭼوريُوسُ الثامنُ يدعو مرَّة أُخرى إِلَى حملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ في بيانٍ يُعْرفُ في التاريخِ باسمِ ""Audita  Tremendi، أي "سَمِعْتُ النَّكْراءَ". يستهلُّ البابا بيانَهُ هذا، الذي أصدَرَهُ قبلَ أَنْ يعلمَ بسقوطِ القدسِ بيدِ صلاحِ الدِّينِ، بالمزمُورِ التاسعِ والسبعينَ للنَّبيِّ داوودَ عليهِ السَّلامُ، وهو يقولُ فيه أنَّه سمعَ الأهوالَ عندما عَلِمَ بما حصلَ لمملكةِ أُورشليمَ الصليبيَّةِ في معركةِ حِطِّينَ، وهو ينسبُ ما حصلَ لتلكَ المملكةِ إِلَى خطاياها الكثيرةِ، وهو يحثُّ دولَ أوروبا على القيامِ بحملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ مِن أَجلِ استردادِ ما فقدَهُ الصليبيُّونَ خلالَ تلكَ المعركةِ. 

هكذا يبدأُ هذا البيانُ (بالَّلاتينيةِ):
 
"Audita  tremendi  severitate  judicii,  quod  super  terram  Jerusalem Divina  manus  exercuit,  tanto  sumus  nos  horrae  confuse,  tantisque afflicite  doloribus,  ut  non  facile  nobis  occurreret  quid  agere,  aut  quid  facere  deberemus,  nisi  quod  Psalmista  deplorat,  et  dicit:  Deus,  venerunt  gentes  in  haereditatem  tuam:  coinquinaverunt  templum  sanctum  tuum:   posuerunt  Jerusalem  in  pomorum  custidiam",  etc…
 
وترجمةُ ذلكَ هي كما يلي:
 
"عندما سَمِعنا قسوةَ الحُكْمِ المُخيفِ الذي أَنزلتْهُ يدُ اللهِ على بلادِ أُورشليمَ، انزَعَجْنا نحنُ وإخوتُنا برُعْبٍ شديد، وابْتُلِيْنا بحُزنٍ عظيمٍ، بحيثُ لم نَعُدْ ندري ما نفعلُ، أو ما ينبغي أنْ نفعلَ، سِوى أن نُرَدِّدَ عَويلَ صاحبِ المَزْمُورِ حينما يقولُ: اَلَّلهُمَّ، إِنَّ الأُمَمَ قَدْ دَخَلُوا مِيرَاثَكَ. نَجَّسُوا هَيْكَلَ قُدْسِكَ. جَعَلُوا أُورُشَلِيمَ أَكْوَامًا"، الخ...
 

 نهايةُ شهرِ تشرينَ الثاني عام 1187: نبأُ سقوطِ القدسِ بيدِ صلاحِ الدِّينِ يصلُ إِلَى البابا ﭼرﻳﭼوريوسَ الثامنِ.

 17.12.1187: البابا ﭼرﻳﭼوريُوسُ الثامنُ يُتوفَّى بشكلٍ مُفاجِئٍ.

 19.12.1187:  إجتماعٌ يُعقدُ في مدينةِ شْتراسْبُورغ الألمانيَّةِ (حاليًّا مَعَ فرنسا) من أجلِ تجنيدِ حملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ.

 19.12.1187: البابا كليمنسُ الثَّالثُ يُنتَخَبُ خلفًا للبابا ﭼرﻳﭼوريوسَ الثَّامنِ، وهو يدعو مباشرةً بعدَ انتخابِهِ إِلَى حملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ.

شهرُ كانون الثانيِّ عام 1188: يتَّفقُ هنري الثاني ملكُ إﻧﭼلترا مع فيليپَ الثاني ملكِ فرنسا على وُجُوبِ القيامِ بحملةٍ صليبيَّةٍ جديدةٍ، ويتَّفقانِ أيضا على إنهاءِ حالةِ العداءِ التي كانتْ قائمةً بينَهُما مِنْ أجلِ تحقيقِ هذا الهدفِ.

 شباطُ عام 1188: قادةُ إﻧﭼلترا يقرِّرُونَ في مؤتمرِ ﭼِدِﻳﻧْﭼتُون (Geddington  Council) فرضَ ضريبةٍ على رعاياهُمْ مِنْ أجلِ تمويلِ الحملةِ الصليبيَّةِ الجديدةِ، وعلى هذِهِ الضريبةِ يُطلقونَ اسمَ "عُشُورُ صلاحِ الدِّينِ" (Saladin  Tithe). مقدارُ هذِهِ الضريبةِ كانَ 10% مِنْ قيمةِ المُمتلكاتِ الشَّخصيَّةِ، أَمَّا على مُواطِنيْ إﻧﭼلترا اليهُودِ فمقدارُها كانَ 25%.

آذارُ عام 1188: قادةُ فرنسا يتَّخِذونَ قرارًا مُشابهًا بشأنِ فرضِ ضريبةِ "عُشُورُ صلاحِ الدِّينِ" على رعايا بلادِهِم.

 27.3.1188: إجتماعٌ يُعقدُ منْ أجلِ نفسِ الهدفِ في مدينةِ مِيْنْتْس الألمانيَّةِ، فيما يُعرَفُ في التاريخِ فيما بعدُ باسمِ "مُؤتمرُ مِيْنْتْس" (Reichstag  zu  Mainz)، أو "لجنةُ الرَّبِّ" Curia  Dei)، بالَّلاتينيةِ)، أو "لجنةُ المسيحِ" (Curia Christi، بالَّلاتينيةِ). ابتُدِئَ هذا الاجتماعُ يومَ الأحدِ بالصَّلاةِ المعروفةِ:
 
"Laetare,  Jerusalem;   conventum   facite   omnes   qui   diligitis   eam;  gaudete   cum   laetitia,  quia   in   tristitia  fuistis:  ut   exsultetis,  et satiemini   ab   uberibus   consolationis   vestrae". (Isaias, 66, 10).

وترجمةُ ذلكَ هي كما يلي:
 
"افْرَحُوا مَعَ أُورُشَلِيمَ وَابْتَهِجُوا مَعَهَا، يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. اِفْرَحُوا مَعَهَا فَرَحًا، يَا جَمِيعَ النَّائِحِينَ عَلَيْهَا". (سفر النبي إشْعِيَا، الأصحاحُ 66، الفقرةُ 10).
"שִׂמְחוּ אֶת יְרוּשָׁלִַים וְגִילוּ בָהּ כָּל אֹהֲבֶיהָ שִׂישׂוּ אִתָּהּ מָשׂוֹשׂ כָּל הַמִּתְאַבְּלִים עָלֶיהָ". (יְשַׁעְיָהוּ, ס"ו, י).

 

 ربيعُ عام 1188: تصلُ إِلَى ميناءِ طرابلُسَ بلبنانَ سُفُنٌ أرسَلَها غُليُومُ الثَّاني ملكُ جزيرةِ صقليَّة (Guillaume  II  King  of  Sicily)، لِمُساعدةِ الصليبيينَ في الشَّرقِ.

11.7.1188: صلاحُ الدِّينِ يُطلقُ سراحَ الملكِ ﭼﯥ دي لُوزينيان مِنْ سجنِهِ بدمشقَ، كما تعهَّدَ خلالَ حصارِ عسقلانَ. ﭼﯥ دي لُوزينيان يُغادرُ دمشقَ ويتوجَّهُ إِلَى طرابلُسَ بلُبنانَ، ثمَّ إِلَى صُور، ولكنَّ حاكمَها كُونراد دِي مونتفيرَّا يمنَعُهُ مِنَ الدُّخولِ إِليها، مُتَّهِمًا إيَّاهُ بهزيمةِ حِطِّينَ.

 22.8.1188: تصلُ إِلَى ميناءِ عكا أُولى المجموعاتِ العسكريَّة الألمانيَّةِ، وكانتْ هذِهِ المجموعاتُ العسكريَّةُ قدْ خَرَجَتْ مِنْ مدينةِ كُولُونيا بألمانيا.

 خريفُ عام 1188:  مجموعاتٌ عسكريَّةٌ أوروبيَّةٌ صليبيَّةٌ تصِلُ إِلَى عكا.

 21.1.1189: بدايةُ تجمُّعِ الجيوشِ الصليبيَّةِ في أُوروبا تحتَ إمرةِ مُلوكِ فرنسا وإﻧﭼلترا وألمانيا مِنْ أَجلِ القيامِ بحملةٍ صليبيَّةٍ كردِّ فعلٍ على هزيمةِ الصليبيَّينَ في معركةِ حِطِّينَ.

شتاء عام 1189: كانَ فترةَ تحضيراتٍ أخيرةٍ للحملةَ الصليبيَّةِ في إﻧﭼلترا.

ربيعُ عام 1189: الملكُ ﭼﯥ دي لُوزينيان يُحاولُ مرَّة أخرى أَنْ يدخُلَ مدينةَ صُور، هذِهِ المرَّة مع زوجتِهِ الملكةِ سيبيلا (Queen  Sibylla)، ولكنْ دونَ جدوى، عندها يَتَّخِذُ قرارًا بالتَّوجُّهِ نحوَ عكا من أجلِ حصارِها، ويأْمُرُ أتباعَهُ أَنْ يرافِقُوه.

 11.5.1189: ألامبراطورُ الألمانيُّ فْرِيدْرِيكُ الأولُ بارْبا روسَّا (أي فْرِيدْرِيكُ ذو اللحيةِ الحمراءِ) (Frederick 1 Barbarossa) وابنُهُ الثاني كُونراد فْرِيدْرِيكُ السَّادسُ دُوقُ شْوابْيَا 
(Conrad  Frederick  VI  von  Hohenstaufen, Frederick von Schwaben) يبدآنِ حملتَهما الصليبيَّةَ برفقةِ مائةِ ألفِ جنديٍ عنْ طريقِ البرِّ، وليسَ عنْ طريقِ البحرِ، لعدمِ توافرِ سُفُنٍ بالقَدْرِ الكافي لنقلِ جيشِهِ الضَّخمِ، بعدَ أَنْ خرجوا مِن مدينةِ رِﻳﭼﻳنْسْبُورغ بألمانيا. كانَ على الامبراطورِ الألمانيِّ أَن يقطعَ آسيا الصُّغرى بسُرعةٍ لأَنَّ الامبراطورَ البيزنطيَّ اسحق أَﻧﭼﻳﻟُوس الثاني (Isaac  Angelus II) كانَ قدْ عقدَ اتِّفاقيَّةً مع صلاحِ الدِّينِ ضِدَّ الصليبيِّينَ. خلالَ شهرِ حزيرانَ عام 1190 تصِلُ هذِهِ المجموعةُ إِلَى دولةِ أرمينيا المسيحيَّةِ.

 26.8.1189: الملكُ ﭼﯥ دي لُوزينيان يصلُ إِلَى عينِ البصَّةِ، بالقُربِ من قريةِ البصَّةِ بشمالِ فلسطينَ، وقوَّاتُهُ الأماميَّةُ تصلُ إِلَى قريةِ الزِّيبِ على شاطئِ البحرِ الأبيضِ المتوسِّطِ. 

 28.8.1189: أنْدْرِي دِي بْرِيِيْن (André  de  Brienne) ، سيِّدُ بلدةِ رَامِيرُو (Ramerupt) الفرنسيَّةِ، التي تقعُ في منطقةِ شاﻣْﭙﺎنْيا - الأَرْدِيْن ((Champagne – Ardenne.  يصِلُ إِلَى عكا. 

 28.8.1189: الملكُ ﭼﯥ دي لُوزينيان يبدأُ حصارَهُ على عكا، ناكِثًا بوُعودِهِ لصلاحِ الدِّينِ، وحانِثًا بأَيمانِهِ لهُ، بعدمِ الاشتراكِ أبدًا في قتالِ المسلمينَ بعدَ حِطِّينَ، وكانَ معَهُ 600 فارسٍ و 7000 راجلٍ، ولكنْ مِن شدَّةِ خوفِهِ مِن عِزِّ الدِّينِ جُرْدَيْكَ، قائدِ الحاميةِ الإسلاميَّةِ بعكا، لمْ يجرُؤْ على الصُّعودِ على تلِّ الفُخَّارِ إِلاَّ خلالَ ساعاتِ الليلِ. 

 31.8.1189: الملكُ ﭼﯥ دي لُوزينيان يُهاجمُ أَسوارَ عكا بُغيةَ احتلالِ المدينةِ، ولكنَّهُ يفشلُ في ذلكَ.

* خبرُ وصولِ الملكِ ﭼﯥ دي لُوزينيان إِلَى عينِ البصَّةِ يصلُ إِلَى صلاحِ الدِّينِ حينما كانَ مُحاصِرًا قلعةَ الشّقِيفِ بجنوبِ لُبنانَ. عندها يفكُّ صلاحُ الدِّينِ حصارَهُ على تلكَ القلعةِ ويتوجَّهُ نحوَ الحُولةِ ثمَّ نحوَ جُبِّ يوسُفَ ثمَّ نحوَ المُنْيا على شاطئِ بحيرةِ طبريَّا (في هذا الموقعِ يتواجدُ حاليًا كيبوتسُ ﭼﻳﻧوسارَ، קיבוץ גינוסר)، وفي ذلكَ الموقعِ يصِلُ صلاحَ الدِّينِ خبرُ وصولِ الملكِ ﭼﯥ دي لُوزينيان إِلَى عكا، عندها يُغادرُ السُّلطانُ المُنْيا مُتَّجهًا إِلَى كفر كَنَّا وينامُ مَعَ جنودِهِ ليلةً في أَراضيها، ثمَّ إِلَى صَفُّورية، وهناكَ تتَّحدُ معَهُ قوَّاتٌ إسلاميَّةٌ أتتْ مِن تِبنينَ بلُبنانَ. بعدَ ذلكَ يتوجَّهُ صلاحُ الدِّينِ، على ما يبدُو عَبْرَ وادي عبلِّينَ، نحوَ تلالِ الخرُّوبةِ، وهيَ التِّلالُ القليلةُ الارتِفاعِ المُحيطةُ بِشَفاعَمْرُو، والتي دعاها الصليبيُّونَ بالاسمِ Carobieh، وكانَ ذلكَ بتاريخِ 29.8.1189. مِن ذلكَ الموقعِ كانَ باستطاعةِ صلاحِ الدِّينِ أَنْ يشاهدَ بوضوحٍ مدينةَ عكا وأسوارَها، و"البُرْجَ الملعونَ"، (Tour  Maudite,  Turris  Maledicta) كما دعاهُ الصليبيُّونَ، أو "بُرْجُ القتالِ"، كما دعاهُ المسلمونَ، وموقِعُهُ كانَ عندَ نقطةِ تقاطُعِ السُّورَيْنِ الشِّماليِّ والشَّرقيِّ للمدينةِ. أمَّا الصليبيُّونَ فكانُوا قدْ سبقوا صلاحَ الدِّينِ بثلاثةِ أيامٍ في الوصولِ إِلَى سهلِ عكا، واتَّخذوا مِن تلِّ الفُخَّارِ (37 م، وهو يُعرفُ هذِهِ الأيامُ باسمِ "تلّ ناﭙﻮليُون، תל  נפּוליאון") مركزًا لهُم، وقدْ بقيَ هذا التَّلُّ مركزًا لقواتِهِم مدَّةَ ثلاثِ سنواتٍ مُتتالياتٍ، منذُ بدايةِ حصارِهِم لعكا وحتى استسلامِها لهُم عامَ 1191. الصليبيُّونَ دَعَوْا تلَّ الفُخَّارِ باسمِ Toron، أي "التَّلُّ"، أمَّا المسلمونَ فَدَعَوْهُ باسمِ "تلُّ المصلَّبة". إِلَى الغربِ من تلالِ الخَرُّوبةِ، وعلى طولِ الطَّريقِ إِلَى شَفاعَمْرُو، ينتصبُ "تلُّ كَيْسانَ" (תל  כיסון)، وارتفاعُهُ حوالي 40 مترًا فوقَ سطحِ البحرِ. وقدِ اتَّخذَ صلاحُ الدِّينِ مِنهُ مركزًا لقوَّاتِهِ عددًا مِنَ المرَّاتِ خلالَ فترةِ حصارِ عكا. الصليبيُّونَ دَعَوْا تلَّ كَيْسانَ بالاسْمَيْنِ Toron  de  Saladin، و Toron  Saladini، أي "تلُّ صلاحِ الدِّينِ". تلٌّ قريبٌ آخرُ كانَ لَهُ دورٌ في معاركِ الحملةِ الصليبيَّةِ الثالثةِ، هو "تلُّ العِياضِيَّةِ" (85 م)، وهو يقعُ تمامًا بجِوارِ مفرقِ الطُّرُقِ الذي لا يزالُ يحملُ نفسَ الاسمِ، أي "مفرقُ العِياضِيَّةِ" بالعربيَّةِ، و צומת  יסיף، بالعبريَّةِ، الذي يقعُ إِلَى الشِّمالِ  مِنْ تلِّ كَيْسانَ. مِنْ هذا التلِّ أيضا اتَّخذَ صلاحُ الدِّينِ مركزًا لقوِّاتِهِ عددًا مِنَ المرَّاتِ خلالَ فترةِ حصارِ عكا. مِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أَنَّ قريةً عربيَّةً كانتْ موجودةً عندَ الأقدامِ الجنوبيَّةِ لهذا التلِّ خلالَ الفترةِ الصليبيَّةِ، وكانتْ تحمِلُ نفسَ الاسمِ، أي قرية "العِياضِيَّة" (25 م) وقدْ دعاها الصليبيَّونَ في وثائِقِهِم بالاسمِ La  Hadia، وآثارُها تُعْرَفُ اليومَ بالعبريَّةِ باسمِ חורבת  עוּצָה، وهي لا تزالُ بارِزَةَ لِلعِيانِ إِلَى الجنوبِ مِنْ شارعِ عكا  صفد، وبِجِوارِهِ تمامًا. 
طيلةَ فترةِ حصارِ عكا خلالَ الحملةِ الصليبيَّةِ الثالثةِ كانَ صلاحُ الدِّينِ ينتقلُ بمركزِ ثقلِ قوَّاتِهِ بينَ تلالِ الخرُّوبةِ  وشَفاعَمْرُو وتلِّ كَيْسانَ وتلِّ العِياضِيَّةِ. 

 خلالَ المراحلِ الأُولى لحصارِ عكا لمْ يُشكِّلِ الصليبيُّونَ أَيَّ خطرٍ على قوَّاتِ صلاحِ الدِّينِ، ولمْ تُغلِقِ المدينةُ بوَّاباتِها خلالَ ساعاتِ الَّليلِ. وكانَ بمقدورِ السلطان أَنْ يعزِلَ القوَّاتِ الصليبيَّةَ المُتواجدةَ على تلِّ الفُخَّارِ وحولَهُ تمامًا عنْ ميناءِ عكا، ولكنَّهُ لمْ يستغلِّ الفرصةَ التي كانتْ مُتاحةً لهُ مِنْ أجلِ ذلكَ، وقدِ استغلَّ الصليبيُّونَ هذا الوضعَ وبَنَوْا لهُم ميناءً صغيرًا عندَ الطَّرفِ الشِّماليِّ لشاطئِ عكا، ولا تزالُ آثارُ هذا الميناءِ واضحةً حتى اليومَ. وكانَ الصليبيُّونَ عندما يُشاهدونَ أَشرِعةَ السُّفُنِ القادمةِ لنجدتِهِم مْنْ رأْسِ تلِّ الفُخَّارِ يُسرعونَ إِلى الميناءِ ويفرغونَ حمولاتِها ويعودونَ إِلَى مواقعِهِم. وهكذا كانتِ العساكرُ الصليبيَّةُ تزدادُ قوَّةً وبأْسًا مِنْ يومٍ لآخرَ. خلالَ هذِهِ الفترةِ اتَّخذَ جنودٌ مِنْ مدينةِ ﭙﻳزا الإيطالية مواقعَ لهُم عندَ مصبِّ نهرِ النَّعامَيْنِ، إِلَى الجنوبِ مْن عكا، وعزلُوا بذلكَ المدينةَ تمامًا تقريبًا عنْ حيفا، التي كانتْ مركزَ مُؤنٍ وعتادٍ وذخيرةٍ للجيوشِ الإسلاميَّةِ.

 شَهْرا آبَ وأيلولَ عام 1189: المعسكرُ الصليبيُّ يكبُرُ بشكلٍ مُتزايدٍ ومُتواصلٍ. خلالَ هذينِ الشَّهريْنِ تصِلُ إِلَى الميناءِ الصليبيِّ بعكا أساطيلُ دانماركيَّةٌ وفرنسيَّةٌ. على رأْسِ القوَّاتِ الفرنسيَّةِ كانَ جاك داﭭﻳن (Jacque  d'Avsene)، الذي عُيِّن فيما بعدُ قائدًا لكلَّ القوَّاتِ الصليبيَّةِ خلالَ فترةِ الحصارِ. ويصِلُ إِلَى عكا أيضا أُسطولٌ أَلمانيٌّ بقيادةِ لُودﭭﻳﭳ لاندﭼراف (أي دُوق) فُون ثُورﻳﻧﭼن (Ludwig  Landgraf  von  Thuringen)، الذي لمْ ينضمّ إِلَى القيصرِ الألمانيِّ فْرِيدْرِيكَ باربا روسَّا الذي توجَّهَ نحوَ عكا عنْ طريقِ البَرِّ، وإِنَّما أَتى عنْ طريقِ البحرِ. في نهايةِ هذِهِ الفترةِ يصِلُ إِلَى عكا أُسطولٌ إِيطاليٌّ، وبِذا يُصبحُ المعسكرُ الصليبيُّ خَطِرًا بشكلٍ كبيرٍ على القوَّاتِ الإسلاميَّةِ.  

 
هنالكَ روايةٌ تقولُ أَن السلطانَ صلاحَّ الدِّينِ قضى فترةً نَقاهَةٍ في خيمةٍ بموقعِ الأَرضِ المعروفِ باسم "مرَاح زِيَّان" بأَرضِ يِرْكا

 
روايةٌ كُنَّا نسمعُها من المُعَمَّرِينَ مِن سكانِ يِرْكا ونحنُ صغارٌ تقولُ أَن صلاحَّ الدِّينِ قضى فترةً نقاهَةٍ في خيمةٍ بموقعِ الأَرضِ المعروفِ باسم "مرَاح زِيَّان"، في الطَّرفِ الغربيِّ من أَراضي يِرْكا، في أَعقابِ وعكةٍ صِحِّيَّةٍ أُصِيبَ بها خلالَ حصارِ عكا، ونحنُ لم نجدْ في كتبِ التَّاريخِ ذكرًا لهذه الحكايةِ، ولكنَّنا نعلمُ أَنَّ السلطانَ أُصيبَ عددًا منَ المرَّات بالمرضِ أَثناءَ تلكَ الفترةِ، ولذا فمِنَ الجائِزِ أَن يكونَ هذا الأمرُ قد حصلَ فعلاً، وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ، فمِنَ المُحتملِ أَن يكونَ السلطانُ قد قضى فترةَ النَّقاهةِ تلك قبلَ سقوطِ عكا بأيدي الصليبيِّينَ، وربَّما خلالَ صيفِ إحدى السَّنتينِ 1189 أو 1190، أو خلالَ أشهرِ الصَّيفِ الأولى من عامِ 1191، حينما كانَ السلطانُ لا يزالُ مُتواجدًا في مُحيطِ عكا. وموقعُ الأرضِ المذكورُ موجودٌ على رأْسِ تلٍّ قريبٍ مِنَ البحرِ، وارتفاعُهُ 176 م، وهو كثيرُ الرِّيحِ، ويَهُبُّ عليهِ خلالَ ساعاتِ النَّهارِ من أيامِ الصَّيفِ، نسيمٌ بحريٌّ قويٌّ ورطبٌ وباردٌ ومُنعِشٌ، وهو، عدا عن ذلك، قريبٌ من عكا، ومن المُمكنِ مشاهدةُ المدينةِ وجانبٍ من سهلِها ومُحيطِها من رأسهِ، وكانَ بمقدورِ السلطانِ أَن يصِلَ منهُ إِلَى جبهةِ القتالِ بسرعةٍ إذا استدعى الأمرُ، وكانَ بعيدًا عن مواقعِ الصِّراعِ بين عساكرِ السلطانِ وجُيوشِ الصليبيِّينَ، بحيثُ كانت تُضْمَنُ بِهِ للسلطانِ الرَّاحةُ المطلوبةُ من أجل الشَّفاءِ من مرضِهِ. 

وتجدُرُ الإِشارةُ إِلَى أَنَّ سكانَ قريةِ أَبو سنان يقولونَ أَنَّ الخيمةَ التي قضى بها صلاحُ الدِّينِ فترةَ النَّقاهةِ التي نتحدَّثُ عنها نُصِبَتْ بموقعِ الأرضِ المعروفِ باسمِ "خَرُّوب أَبو قَيْس"، الذي تتبعُ مُعظمُ أَراضيهِ لَهُم، والذي يقعُ على رأْسِ تلٍّ ارتفاعُهُ 165 م، وينتصِبُ إِلى الجنوبِ مِنْ تلِّ "مرَاح زِيَّان"، وإِلى الجنوبِ مِن مجرى وادي النَّبي زكريَّا عليهِ السَّلامُ. ونحنُ لا ندري أَيَّ هاتينِ الرِّوايتينِ هي الصَّحيحةُ، ولكن، وعلى كلِّ حالٍ، تضاربُ الآراءِ هذا هو دليلٌ واضحٌ على اعتِزازِ سكانِ هاتينِ القريتينِ بِحُلُولِ صلاحُ الدِّينِ ضيفًا، إِنْ لمْ يَكُنْ عندهُم وفي منازِلِهِم، فَعَلَى الأَقلِّ في أَراضيهِم.

 السَّنواتُ 1189 و 1190 و 1191: طيلةَ هذِهِ المدَّةِ كانَ الصليبيُّونَ مُحاصَرِيْنَ مِنْ جهتينِ: مِنَ الغربِ عَنْ طريقِ الحاميةِ الإسلاميَّةِ المُتواجدةِ بعكا، ومِنَ الشرقِ عَنْ طريقِ قوَّاتِ صلاحِ الدِّينِ المُتمركِزةِ على التِّلالِ التي تُغْلِقُ على سهلِ عكا مِنْ تلكَ الجهةِ. وهكذا، كانَ أيُّ هجومٍ صليبيٍّ باتِّجاهِ الغربِ على عكا يعقبُهُ هجومٌ إسلاميٌّ عليهِم مِنْ قوَّاتِ السلطانِ في الشَّرقِ، وأيُّ هجومٍ لهُم باتِّجاهِ الشَّرقِ على قوَّاتِ السلطانِ يعقبُهُ هجومٌ عليهِم مِنْ قِبَلِ الحاميةِ الإسلاميَّةِ بعكا. الصليبيُّونَ كانوا يعلمونَ تمامًا أَنَّهم إذا ابتعدُوا عَنْ قاعدتِهِم في تلِّ الفُخَّارِ، إِلَى الشَّرقِ أو إِلَى الغربِ، فسوفَ يحتلُّ صلاحُ الدِّينِ قاعدتَهُم هذِهِ بسهولةٍ. هذا الوضعُ دامَ ثلاثَ سنواتٍ مُتتالياتٍ، معاركُ ضاريةٌ كانتْ تنشبُ بينَ الطَّرفينِ خلالَ الربيعِ والصيفِ والخريفِ، أمَّا خلالَ الشتاءِ فكانَ يسودُ بينَهُما هدوءٌ نسبيٌّ. طيلةَ هذِهِ المدَّةِ كانتْ تصِلُ إِلَى الصليبيِّينَ قوَّاتٌ عسكريَّةٌ مِنْ جميعِ أنحاءِ أوروبا، وكانتْ تصِلُ قوَّاتٌ إسلاميَّةٌ لنجدةِ صلاحِ الدِّينِ، مِنْ مِصْرَ وسوريا والعراقِ.

 14 و 15.9.1189: المسلمونَ، بقيادةِ تقيَّ الدِّينِ عُمَرَ، حفيدِ صلاحِ الدِّينِ لأَخِيهِ، وقائدِ الجناحِ الأَيمنِ للقوَّاتِ الإسلاميَّةِ، يقومونَ بهجومٍ عنيفٍ على الصليبيِّينَ. في أعقابِ هذا الهجومِ يستطيعُ تقيُّ الدِّينِ عُمَرُ أَنْ يخترقَ صفوفَ الصليبيِّينَ، وأَنْ يصِلَ إِلَى البوَّابةِ الشِّماليةِ لعكا، وأَنْ يدخلَ المدينةَ، وأَنْ يصعدَ على أسوارِها، وأَنْ يشاهدَ بأُمِّ عينيهِ الجنودَ الصليبيِّينَ الذين يُحاصِرُونها، والمُتمركِزينَ قُربَ أسوارِها، وأَنْ يقدِّم لسكانِ عكا مُؤنًا وذخيرةً، وأيضا أَنْ يفتحَ الدَّربَ التي تربطُ عكا ببلدةِ الزِّيبِ الواقعةِ إِلَى الشِّمالِ مِنْ عكا، على شاطئِ البحرِ الأبيضِ المتوسطِ. في أعقابِ هذا النصرِ ينقلُ صلاحُ الدِّينِ مركزَ قوَّتِهِ مِنْ منطقةِ الخرُّوبةِ إِلَى تلِّ العِياضِيَّةِ، القريبِ مِنْ تلِّ الفُخَّارِ ومِنْ عكا. خيمةُ السلطانِ تُقامُ على رأسِ هذا التَّلِّ، أمَّا الجناحُ الأيمنُ، أَوِ المَيْمَنَةُ، فتمتدُّ مِنْ هناكَ على شكلِ قوسٍ نحوَ الغربِ حتى البحرِ الأبيضِ المتوسطِ. يترأَسُ هذا الجناحَ ابنا صلاحِ الدِّينِ، الأفضلُ والظَّافرُ، وبِهِ كانتْ تتواجدُ قوَّاتٌ من المُوصلِ ودِيارِ بكرٍ، ومِنْ فلسطينَ بقيادةِ صارِمِ الدِّينِ قايمازَ النَّجَمي وحُسامِ الدِّينِ بنِ لاجِينَ، صاحبِ نابلسَ، وتقيِّ الدِّينِ عُمَرَ، الذي كانَ موقعُهُ على شاطئِ البحرِ تمامًا، إِلَى الشِّمالِ مِنْ عكا. أمَّا الجناحُ الأَيسرُ، أَوِ المَيْسَرَةُ، التي تمتدُّ على شكلٍ قوسٍ أيضا، فرأْسُها كانَ عندَ تلِّ العِياضِيَّةِ، وآخرُها عندَ نهرِ النَّعامَيْنِ، إِلَى الجنوبِ مِنْ عكا. في هذا الجناحِ كانَ جنودٌ أكرادٌ، بقيادةِ سيفِ الدِّينِ المشطُوبِ، وكانَ أيضا جنودٌ من جبلِ سِنْجارَ، وجنودٌ أكرادٌ أسديُّونَ أقوياء.  
 
الصَّليبيونَ يُهاجِمونَ عَسَاكرَ صلاحِ الدِّينِ بِتَلِّ العياضيَّةِ، ويَصِلُونَ حتَّى خَيْمَةِ السُّلطانِ على رأسِ التَّلِّ، والسُّلطانُ يَدْحَرُهُم
 
 4.10.1189: الصليبيُّونَ بقيادةِ ﭼﯥ دِي لُوزينيان وكُونْراد دِي مُونْفِيرَّا يُهاجمونَ قوَّات تقيِّ الدِّينِ عَمْرَ المُتواجدةَ قُربَ شاطئِ البحرِ إِلَى الشِّمالِ مِنْ عكا، غيرَ بعيدٍ عن حَيِّ "مُون مِيْزار (Mont  Musard) هناكَ، ويُرغِمُونها على التَّقهقُرِ والتَّراجعِ باتِّجاهِ تلِّ العِياضِيَّةِ، ويستطيعونَ بذلكَ أَنْ يعزِلُوا عكا عنْ بلدةِ الزِّيبِ، حيثُ كانتْ تتواجدُ، كما ذكرْنا، مُؤنٌ وذخيرةٌ تابعةٌ للقوَّاتِ الإسلاميَّةِ. وعندما يُوقِنُ الصليبيُّونَ مِن نصرِهِم هذا يُهاجِمُونَ قلبَ المعسكرِ الإسلاميِّ على تلِّ العِياضِيَّةِ، ويصِلُونَ حتى خيمةِ صلاحِ الدِّينِ التي كانتْ منصوبةً فوقَ رأسِ التلِّ، عندها يهربُ كثيرونَ مِن جنودِ السُّلطانِ الذينَ لم يكونوا مستعدِّينَ لهجومٍ كهذا، ويصِلُ بعضُ الهاربينَ ركضًا حتى موقِعَيِ الصِّنَبْرَةِ والأقحُوانَةِ، عندَ الشاطئِ الجنوبيِّ لبُحيرةِ طبريا، ويصِلُ بعضُهم حتى دمشقَ، ومِن جُملةِ الهاربينَ كانَ العمادُ الأصفهانيُّ، زميلُ السُّلطانِ، ورفيقُ دربِهِ، وكاتبُ سيرةِ حياتِهِ، وهو يشهدُ على نفسِهِ بذلكَ في كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ". على رأسِ الصليبيِّينَ المُهاجِمينَ كانَ، على ما يبدو، أندْرِي دِي بْرِيِيْن الفرنسيُّ (André  de Brienne)  ولُودﭭﻳﭳ لاندﭼراف فُون ثُورﻳﻧﭼن الألمانيُّ، اللذانِ كانتْ قوَّاتُهُما تتمركزُ على تلٍّ بالقُربِ مِن "عَين البقر"، بجوارِ السُّورِ الشرقيِّ لعكا. ولكنَّ الصليبيِّينَ المُنتشِينَ بالنَّصرِ يبدأونَ بنهبِ الخيامِ الإسلاميَّةِ والسُّوقِ المجاورِ لها، وعندها ينقطعُ اتِّصالُهُم مع باقي قوَّاتِهِم، وحينما يشعُرونَ بذلكَ، ويبدأُونَ بالعودةِ إِلَى قواعدِهِم، يكونُ صلاحُ الدِّينِ قدْ جمعَ ما بقي مِن قوَّاتِهِ في الجناحِ الأَيمنِ الذي هزَمَهُ الصليبيُّونَ، والذي كانَ يترأسُهُ ابناهُ الأفضلُ والظَّافرُ وظهيرُ الدِّينِ بنُ البْلَنْكَرِيِّ وقطبُ الدِّينِ بنُ نورِ الدِّينِ وحُسامُ الدِّينِ بنُ لاجِينَ وقايمازُ النَّجميُّ وتقيُّ الدِّينِ عُمَرُ، وكلَّ قوَّاتِهِ في الجناحِ الأيسرِ الذي لم يتضرَّرْ مِن هذِهِ المعركةِ، لأنَّهُ لمُ يشتركْ بها، والذي كانَ يترأسُهُ سيفُ الدِّينِ المشطوبُ ومجلِّي بنُ مروانَ ومجاهدُ الدِّينِ يارين كُوْش (أو مجاهدُ الدِّينِ يَرْتَعِش أَو يَرْنَقُش) ومظفَّرُ الدِّينِ كُوكْبُوري وسيفُ الدِّينِ يازْكُج ورُسلانُ بُغا، وأَنْ يهاجمَ الجنودَ الصليبيِّينَ العائدينَ إِلَى قواعِدِهِم، وأَنْ يقتلَ منهُم المئاتِ، بحيثُ كانتْ كلُّ الطريقِ من تلِّ العِياضِيَّةِ حتى تلِّ الفُخَّارِ ملأى بجثثِهِم، ومِن جُملةِ الصليبيينَ الذين قُتِلوا في هذِهِ المعركةِ كانَ جِيرار دِي رِدِيْفُور (Gerard de Ridefort)، قائدُ الفرقةِ العسكريَّةِ الصليبيَّةِ التابعةِ لأخويَّةِ فُرسانِ الهيكلِ، ورئيسُ هذِهِ الأخويَّةِ منذُ نهايةِ عامِ 1184، وأَنْدْرِي دِي بْرِيِيْن (André  de  Brienne) ، سيِّدُ بلدةِ رَامِيرُو (Ramerupt) الفرنسيَّةِ. هزيمةُ الصليبيِّينَ هذِهِ كانتْ صعبةً جدًا عليهِم، ولكنَّ نصرَ صلاحِ الدِّينِ لم يكنْ كاملاً، لأنَّ جنودَهُ عجزُوا عَنِ احتلالِ القواعدِ العسكريَّةِ الصليبيَّةِ المُتواجدةِ على رأسِ تلِّ الفُخَّارِ وعلى رأسِ تلِّ "مون مِيزار". بعدَ النصرِ يأْمرُ صلاحُ الدِّينِ بإلقاءِ جُثثِ القتلى الصليبيِّينَ في مياهِ نهرِ النَّعَامَيْنِ. 
 
العِمادُ الأصفهانيُّ، زميلُ السَّلطانِ، وكاتبُ سيرةِ حياتِهِ، يشهدُ على نفسهِ ويقولُ: كُنْتُ أَحدَ الذين هربوا مِنَ العِراكِ يومَ هَجَمَ الصليبيُّونَ علينا في العِياضِيَّة
 
يقولُ العِمادُ الأصفهانيُّ في هجمةِ الصليبيِّينَ على عساكرِ السلطانِ بتلِّ العِياضِيَّةِ، وفي هَرَبِهِ هو نفسُهُ من العِراكِ، في الصفحاتِ 197 – 199 من الجزءِ الأَوَّل من كتابِهِ "الفَتْحُ القُسِّيُّ في الفَتْحِ القُدسيِّ"، ما يلي:
 
"وأصبح الفرنج يوم الأربعاء العشرين من شعبان، وقد رفعوا الصُّلبان، وزحفت أُسودُهم على غاب المُرَّان، وطارت بهم خيولُنا عِقْبانًا على عِقْبان، وجرت بالجبال منهم رياح، وجالوا دون التَّل كأنَّهم له وشاح. وخرجوا على التعبية، وشفعوا نداء الكُفر بالتَّبْرِية للتَّربية، وتقدَّموا مُعتزمين، وعزموا مُصمِّمين، وثاروا ثورة الشِّيطان، وفاروا فَورة الطُّوفان، وقدَّموا الرَّاجل أمام الفُرسان. وزحفوا أطلابًا، وحفزوا طُلاَّبًا. ودبُّوا دبيب الليل إِلَى النهار، وهبُّوا هُبوب الخيل إِلَى المِضمار، وأَجروا سيول السَّوابق إِلَى القرار، وجرُّوا ذيول السَّوابغ إِلَى الغِوار. وتحرَّكوا وهم هضاب، وتداركوا وهم غِضاب. وما زالت مسيرتُهم تكثُر وتكثُف، وتعطُو وتعطف، وتفور وتثور، وترود وتدور، وتهُمُّ وتُهَمْهِم، وتدمدم وتدوِّم، وقد عبَّى السلطان ميمنته وميسرته، وطلب من الله نصرته، وثبَّت قلبَه وقلبُه ثابت، وحزبه في صف الحرب نابت، ورعبُه لكبَّة العدو كابت، وهو يمر بالصُّفوف، ويأمر بالوقوف، ويحض على حظ الأبد، ويحث على الجِلاد والجَلَد، ويثوب للوثُوب، ويندب إِلَى النُّدوب، ولما شاهد شروق برقهم، وخُرُوق مُروقهم، وكثافة ميسرتهم، وحشو حُشود كثرتهم، أنهض رجال القلب، لتقوية ميمنته على الحرب، وكان الملك المُظفَّر تقيُّ الدِّين من الميمنة على الجناح، في جمع يعثُر بعثيره وارِدُ الصَّباح، وكلَّما تقدَّموا تأخَّر ليستجرَّهم، ويحذر مَكْرَهُم ومَكَرَّهُم، فعرفوا أنه لا قِبَلَ لهم بمُقابلته، وأن هذا ليس ميقات مُقاتلته، فتركُوه واستقبلوا القلب، وزخر بحرُهم وعبّ، وحملوا حملة دَوِي منها الدَّو، واسوَّد منها وجَوِيَ الجوَ، ووصلوا إِلَى جُموع ديارِ بكرٍ والجزيرة، وغاصوا في لجَّتِها بغُدران السَّوابح والسَّوابغ الغزيرة، وكانت من القلب للجناح للطَّيران، وجبالُها على الرِّياح للجَرَيان، فعرفوها بالغِرَّة، واستضعفوها لدى الكَرَّة، وألَمُّوا بها فما أَلَمَّت، وهَمُّوا بها فما هَمَّت، واندفعت فما دفعت، وتراجعت وما رجعت، وتعكَّست وما عَكَسَت، وأَدبرت وما تدبَّرت، ولكونها غير عارفة بقتال الفرنج هابت وما هَبَّت، ولابت وما لَبَّت، ورابت وما رَبَّت، وجاءوا إِلَى القلب وقلبُوه، وحاربُوه وحَرَبُوه، وخَرَّبوا حزبه، وخرقوا حُجْبَه، وهنالك اسْتُشْهِدَ كِرامٌ باعُوا أنفسَهم بالجنَّة، وأَسَنُّوا نُحورَهم نحو الأسِنَّة، منهم الأمير مَجَلِّي بن مروان وكان مجلّيا في المُرُوَّة، والظَّهير أَخو الفقيه عيسى وكان ظاهر الفُتُوَّة، وآخرون اعترفوا بذنوبِهم، فرَحَضُوا بماء الشَّهادة دَرَن حُوبِهم، وصعدوا إِلَى مُخيَّم السلطان، طامعين في استطالة حزب الصُّلبان، وكُنْتُ في جماعةٍ من أهل الفضل قد ركبنا في ذلك اليوم، ووقفنا على التَّلِّ وننتظر ما يكون من القوم، وما ظَنَنَّا أن القوَّة تَهِي، وأن الواقِعة إلينا تنتهي، فلمَّا خالطُونا في المُخيَّم، وباسطُونا في المجثم، وكُنَّا على بِغَال، بغير أُهْبَةِ قتال، استدرَكْنا أمرنا، وأخذنا منهم حَذَرَنا، ورأينا العسكر مُوَلِّيا، والمُنهزم عَمَّا تركه من خيامه ورَحْلِه مُتَخَلِّيا، فوفقْنا في الاندفاع، وأَلْفَيْنا الاستضرار في المال عين الانتفاع، فوصلنا إِلَى طبريَّا فيمن وصل، ووجدنا ساكنها قد أَجفل، فسُقْنا إِلَى جسر الصِّنَبْرَة ونزلنا على شرقِيِّه، وكلٌ منَّا ذاهل شِبْعِه وريِّه، مُفكِّر فيما يكون من أمره، مُنكسر القلب لَما تمَّ على الإسلام من كسره، لا يألف مبيتا، ولا يُلْفِي بيتا، مُمْسِك بلجام فرسه، قد آذن ضِيْقُ نَفْسِهِ بضِيْقِ نَفَسِه، ومن المُنهزمين مَن بلغ عَقَبَة فِيْق وهو غير مُفِيْق، ومنهم مَن وصل إِلَى دمشق غير مُعَرِّجٍ على طريق، وأقمنا بموضِعِنا  على الخَوَى، والخيلُ واقفةٌ بلجُمها والطَّوَى، والغُمض غير طارق، والفَرَق غير مُفارق، والقلوب مُرتاعة مُرتابة، والأدعية إِلَى الله مرفوعة مُستجابة، وتحدَّث الناس فيما بينهم بأنَّ الإسلام قد عاد جَدُّه، وعدا جُندُه، وأنَّ الكفْر حاد فَلُّه وفُلَ حَدُّه، وأنَّ الميسرة ثبتت فثاب اليُسر، والأسديَّة انتصروا فأَسِد النصر، وكان هذا الصَّدى يقوى، والصَّدأُ يَروى، والبُشرى تسري، والبُرْدُ بها تجري، والناس بين مُصدِّقٍ ومُكذِّب، وذاهبٌ في مذهب من الظّن مُذْهَب مُهذّب، حتى عَبَرَ سَحَرًا علينا خادمٌ اسمه صافي، وقد وَرَدَ مورد الظَّفر الصَّافي، فنادى أَين العِماد، فقد جاءَه من النَّصر المُراد، فأسرعنا إليه، واجتمعنا عليه، فقلنا ما الخبر، وكيف ضَفَا الظَّفر، وصفا الكدر، وقَدَرَ السلطانُ وتسلَّط القَدَر، وإِلَى أين أنت سارٍ بالنَّبأ السَّار، وفي أيَّة دارٍ تنزل تنزل بمُنْزَلِ النَّصر الدَّار، فقال أنا بشير دمشق بالنَّبأ العظيم، والخبر الكريم، فقلنا أهلاً بِشائِر البشائِر وطائِر الأوطار، والسَّائِر بالمسار والأخ البارِّ بالأخبار، والصَّديقِ الصَّادق، والمُوَفَّق المُوافق، ومرحبًا بالخصيِّ الخاص لمَّا مَرَّ حَبَا فحَلَّ بالخبرِ الفَحْلِ فَحَلا، وكم أَمَّ للنَّجح أملاً وجَلا وَجَلا، فأُبْنا مَحبُورين، وثُبْنا مُثابين مأجُورين، ونَدِمْنا على ما نَدَّ مِنَّا في الهزيمة، وعزَّ علينا ترْك الأخذ بالعزيمة، ولقينا السلطانَ وقد فَتَكَ وقَتَل، وجَدَّ وجدَّل، وانتقم من القوم ومن مقامه ما انتقل، وقد شَلَّ الجُموع وجمع الأشلاء، وأَدامَ الإجْراء حتى أَجرى الدِّماء".
  

       الطَّريق مِن تَلِّ العِياضِيَّةِ حتَّى تَلِّ الفُخَّار كانتْ مَلأَى بِجُثَثِ القتلى مِنَ الصَّليبيين (أَكثرُ من 7000 قتيلٍ)
 
وهو يقولُ في كسرِ الصليبيِّينَ ودحرِهِم بعدَ هجمتِهِم على معقلِ صلاحِ الدِّينِ بتلِّ العِياضِيَّةِ، وفي القتلِ الذى وقعَ خلالَ ذلكَ، بتاريخِ 4.10.1189،  في الصفحاتِ 199 – 201 من الجزءِ الأَوَّلِ من كتابِهِ "الفَتْحُ القُسِّيُّ في الفَتْحِ القُدسيِّ"، ما يلي:
 
"لمَّا تمَّت الكسرة، وعمَّت الفترة، وكَرَّت الكَرَّة، وأَمرَّت تلك المرَّة، وصل جماعة من الفرنج إِلَى خيمة السلطان وَشِيْمَ من عارض اعتراضهم شُؤْمُ شِيْمَة الشَّيطان، وجالوا جولة، وصالوا صولة، ثمَّ رأَوْا عنهم انقطاع أَشياعِهِم، وعدِموا اتِّباع أَتباعِهِم، فشرعوا في اندفاعِهِم، وهابوا الوقوف على اجتماعِهِم، فانحدروا عن التَّل، وقد جاءوا بقوَّة العزّ فآبوا بضعف الذُّلّ، واستقلَّهم أَصحابنا فركبوا وحَكَّموا في رقابِهِم أَسيافَهم، وردُّوهم وأَرْدَوْهم، وَعَدَوْا على شركائهم في الشِّرْك فأَعْدَوْهم، وكان في مسيرنا عسكر سِنجار والأَسديَّة فما زالوا وما زَلُّوا، بل وَصَلُوا وَصَالُوا وَصَلَّوْا، وحملت عليهم ميمنة الفرنج فكأّنَّما مرَّت بالجبال الرِّياح، وخالطوها فودَّعت أَجسامَها الأَرواح، وعاد مَن كان من الميمنة الإسلاميَّة بالبُعد حادّ المَضاء ماضي الحدّ، مثل تقي الدِّين، وقايماز النَّجَمي، والحُسام بن لاجين، ومَن ثبُت مِن أَبطال المُجاهدين، فَعَكَروا على ميسرة الفرنج فَشَلُّوها، وأَنهلوها من دمائها وأَعَلُّوها، ولفُّوها وفلُّوها، ولقُّوها وأَقلُّوها، ووضعوا فيها السُّيوف، وأَوضعوا إليها الحُتوف، وأَوسعوها قتلاً ذريعًا، وما أَبطأَ الوقت حتى صار مِقدامُها صريعًا سريعًا، فلم يُفْلِت من الأَعداء إلاَّ أَعداد، ولم يَنْجُ من آلافها إلاَّ آحاد، وأَمست لنار الحرب فَراشًا، ولأرض المعركة فِراشًا، وتبعها أَصحابُنا حتى كلَّت سيوفُهم وكلُّوا، وملَّت لُتُوتُهم ولُيُوثُهم وملُّوا، وفُرِسَ زهاء خمسة آلاف فارس، من كلِّ مُمارٍ مُمارِس، ومُستوحشٍ بالموت آنِس، ومِمَّن أَوْدَى في الإقدام من الدَّاويَّة، ولم تَحْمِهِ من الحِمام نارُهُ الحامية لنار الحميَّة، وحُكِيَ عنه أَنَّه قال عَرَضْنا في مائة أَلف وعشرة آلاف، أَحلاف إلحافٍ وَأُلاَّف إتلاف، بلا تلاف، فلمَّا عجزوا، وبالخندق احتجزوا، وقف عنهم أَجنادُنا، وبلغ المدى فيهم جهادُنا واجتهادُنا، ومن العجب أَنَّ الذين ثبتوا منا لم يبلغوا أَلفًا فردُّوا مائة أَلف، وآتاهم الله قوَّة بعد ضعف، وكان الواحد منا يقول قتلت من المُثلِّثين ثلثين وأربعين، وتركتهم بالعراء عُراةً مصرَّعين، ولا شك أَنَّ الله أَنزل ملائكته المسوَّمين، وكلٌ يتحدَّث بعد ذلك ممَّا شهده، ويعهد إلينا بما عَهِدَه،  وحكى بعضُهم قال كُنتُ على فرسٍ قَطُوف، ما له مُنَّةُ سيرٍ ولا وقوف، وأَنا مُنهزم من فارسٍ مُدجِّج في بحر الحرب مُلَجِّج، وهو على جبل يجري به جري الرِّيح، ويُنادي بشعار المسيح، وقد لزَّ بقُربي حصانَه، وهزَّ لصُلبي سنانَه، فما شككتُ أَنَّه يشُكُّني بلَهْذَمِه، ويفُكُّني بمِخْدَمِه، وأَيِسْتُ من البقاء، وأَنِسْتُ للشَّهادة وللقاء، واستعذت بالله واستعنت، وتشاهدتُ ممَّا شاهدت، ثمَّ أَبطأَت عَليَّ صدمتُه، وأَخطأَتني حدمتُه، فالتفتُّ فإذا هو وحصانُه مُلْقًى كلاهُما، وما وجدتُ بالقُرب أَحدًا يقول إِنَّه أَرداهُما، فعرفت أَنَّه نصرٌ إلهي، وصُنعٌ ربَّانيٌّ في مذاق الإيمانِ شهيٌّ، وفي آفاق الإحسان بهيّ، فأَيقنتُ أَنَّ النَّصرة ما مُلِكَتْ إلاَّ لملائكةٍ نَصَرَت، وأَنَّ الظُّهور ما سَرَّ إلاَّ لأسرارٍ لله ظَهَرَت".

 5.10.1189: صلاحُ الدِّينِ ينقلُ مركزَ ثقلِ قوَّاتِهِ إِلَى تلالِ الخَرُّوبة. بعدَ ذلكَ بعددٍ مِنَ الأيامِ ينتهي الفصلُ الأوَّلُ مِن حصارِ عكا، ويستعدُّ الفريقانِ لقُدومِ فصلِ الشِّتاءِ، الذي سوفَ يتحوَّلُ سهلُ عكا خلالَهُ إِلَى مُستنقعٍ وأرضٍ شديدةِ الُوحُولةِ. 

 31.10.1189: تصِلُ إِلَى عكا خمسونَ سفينةً مصريةً، وتشقُّ لها دربًا إِلَى مينائِها، وتطردُ السفنَ الصليبيَّةَ المُتواجدةَ هناكَ إِلَى مدينةِ صور.

 22.11.1189: القيصرُ الألمانيُّ يصل إِلَى مدينةِ أَدريانُوﭙوليس (حاليًا مدينةُ إدرنه التُّركيَّةُ، إِلَى الغربِ مِنَ استانبولَ). 

 شَهرا تشرينَ الأوَّلِ وتشرينَ الثاني عام 1189: صلاحُ الدِّينِ يتلقَّى نجداتٍ مِن مِصْرَ بقيادةِ شقيقِهِ العادلِ، ويُدْخِلُ مُؤنًا وذخيرةً إِلَى عكا المُحاصرةِ التي كادَ سكانُها أَنْ يستسلموا للصليبيِّينَ.
 
الطَّرَفَانِ كانا يَقْتَتِلانِ بضراوةٍ كأشدِّ الأعداءِ أَحيانًا، ويَلْعَبَانِ ويَرْقُصَانِ سَوِيَّةً كَأصْدَقِ الخِلاَّنِ أَحيانًا أُخرى
 
جُنُودٌ كثيرونَ مِن جيوشِ الصَّليبيِّينَ ومِن عساكرِ صلاحِ الدِّينِ، على حدٍّ سواء، كانُوا، خلالَ حصارِ عكا، يُقدِمُونَ بجُرْأَةٍ على النِّزالِ والصِّراعِ فَيَقْتَتِلُوْنَ بضراوةٍ وبعُنفٍ، ثمَّ يسأَمونَ القتالَ وينفرُونَ مِنَ العِراكِ، فيقتربونَ مْن بعضِهِم ويطلبونَ الأَمانَ، ثمَّ يَنْسُوْنَ الحربَ وويلاتِها ويَلْهُوْنَ كالأَحِبَّةِ ويلعبونَ سويَّةً ويرقُصونَ معًا كالأصدقاءِ. كثيرونَ مِن هؤلاءِ، خصوصًا أُولئكَ الذينَ مرَّتْ عليهِم سنواتٌ كثيراتٌ طِوالٌ في المعاركِ خلالَ حروبِ صلاحِ الدِّينِ، منذُ معركةِ حِطِّينَّ، وما قبلَها، كانوا قدْ مَلُّوا الحروبَ فعلاً. وفي هذا يقولُ العِمادُ الأصفهانيُّ في الصفحةِ 196،  من الجزءِ الأَوَّلِ مْن كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ"، ما يلي:
 
"وفي كل يوم تقوم الحرب على ساق، والأرواح في مساق، والمِصاع على اتِّساق، وكم قُتِلَ من حزب العدوِّ وأُسِر، وربَّما مَلَّ الحزبان، وكَلَّ الغَرْبان، فتوافقا على الأمان، وتواقفا يتكلَّمان، وربَّما أَقدموا ثمَّ نكصوا، وغَنَّوْا ورقصُوا، وإذا لَغِبُوا لَعِبُوا، واستراحوا إِلَى الوقوف إذا تعبوا، ومن نوادر ما جرى وغرائبِه، ومُلَحِ ما تمَّ وعجائبِه، أَنَّ الطائفتين في بعض الأيام، ضجرتا من الحرب على الدَّوام، فقال واحدٌ من الفرنج إِلَى متى هذا القتال، وقد فَنِيَ الرِّجال، فاخرجوا صبيانكم إِلَى صبياننا، وليكونوا في أَمانكم وأَماننا".
 

 نهايةُ شهرِ كانونَ الأَوَّلِ عامَ 1189: يصِلُ إِلَى ميناءِ عكا أُسطولٌ مصريٌّ كبيرٌ بقيادةِ حُسامِ الدِّينِ لُولُو، ويشقُّ هو الآخرُ دربًا لهُ إِلَى الميناءِ.

 شتاءُ 1189/1190: يمرُّ بدونِ قتالٍ. عكا واقعةٌ تحتَ حصارٍ مُزدوَجٍ، فالصليبيُّونَ يُحاصِرونها، وصلاحُ الدِّينِ يُحاصِرُهم، ولكنَّ سكانَها آمنونَ في بيوتِهِم، لا ينقصُهُم طعامٌ ولا تنقصُهُم ذخيرةٌ، وعساكرُ إسلاميَّةٌ عديدةٌ تعودُ إِلَى بلادِها بدونِ الاشتراكِ في القتالِ، والصليبيُّونَ في مواقعِهِم حولَ أسوارِ عكا ومعزولونَ عن أوروبا، لأنَّ السُّفُنَ الأوروبيةَ لا تستطيعُ الاقترابَ مِنَ المدينةِ بسببِ العواصفِ الشتويةِ القاسيةِ، وأَمواجِ البحرِ العاتِيةِ، وهُم يُعانونَ من تفشّي الأمراضِ ومن غلاءِ الأسعارِ. طيلةَ هذه الفترةِ، ولمدَّةٍ طويلةٍ بعدَها، يستعينُ صلاحُ الدِّينِ بالحَمامِ الزَّاجِلِ وبالعَوَّامِينَ مِن أَجلِ الاتِّصالِ مع عكا المُحاصرةِ، وأَشهرُ هؤلاءِ العَوَّامِيْنَ كانَ "عيسى العَوَّامُ"، الذي كانَ ينقلُ الرَّسائلَ مِن عكا وإليْها، وكانَ ينقلُ أيضا الأموالَ إِلَى المدينةِ، وهي مربوطةٌ على حزامٍ مشدُودٍ إِلَى وَسَطِهِ، وقد ماتَ غرقًا في إحدى هذِهِ الجولاتِ البحريَّةِ.   

 14.2.1190: القيصرُ الأَلمانيُّ يعقدُ مَعَ القيصرِ البيزنطيِّ اسحقَ أَﻧﭼﻳلُوس اتفاقيةً يتعهَّدُ بموجِبها هذا الأخيرُ بتقديمِ العونِ العسكريِّ للقيصرِ الأَلمانيِّ خلالَ حملتِهِ العسكريَّةِ.

 بدايةُ ربيعِ عامِ 1190: ابتداءً مِن هذا التاريخِ يبدأُ الصليبيُّونَ باستخدامِ آلاتِ قتالٍ كبيرةٍ وأبراجِ حِصارٍ ضخمةٍ مِن أجلِ هدمِ أَسوارِ عكا واحتلالِها. الحاميةُ الإسلاميَّةُ بعكا كانتْ تستخدمُ "النار اليُونانيَّة" مِن أجلِ حرقِ آلاتِ القتالِ وأَبراجِ الحِصارِ الصليبيَّةِ. و"النارُ اليُونانيَّةُ" كانتْ جِرارًا مليئةً بالقارِ والزَّيتِ والكِبريتِ والنفطِ، وكانتْ تُلقى وهي مُشتعلةٌ على آلاتِ الحربِ الصليبيَّةِ مِن فوقِ أَسوارِ المدينةِ.

 25.4.1190: صلاحُ الدِّينِ ينقلُ مركزَ ثقلِهِ مِنَ الخَرُّوبةِ إِلَى تل كَيْسانَ، الواقعِ إِلَى الغربِ مْن طَمْرَة.
 27.4.1190: الصليبيُّونَ ينصُبونَ أبراجًا للحِصارِ بِلِصْقِ أَسوارِ عكا ويصعدونَ عليها بالسَّلالمِ، إلاَّ أَنَّ حاميةَ عكا تُرْغِمُهُم على التَّقهقُرِ.
 2.5.1190: صلاحُ الدِّينِ ينقلُ مركزَ ثقلِهِ مِن تلِّ كَيْسانَ إِلَى تلِّ الحَجَلِ (أو تلُّ العُجُولِ)، وهو، على ما يبدُو، الموقعُ المعروفُ حاليًّا باسمِ "خربة طَنطُور" (73 م)، إِلَى الجنوبِ من قريةِ المَكْرِ، وبِجِوارِ شارعِ عكا  صَفَد مِن جهتِهِ الشِّماليَّةِ.
 5.5.1190: حاميةُ عكا تحرقُ ثلاثةَ أبراجِ حِصارٍ صليبيةٍ ضخمةٍ. 
 شهرُ أيارَ عام 1190: خلالَ هذا الشهرِ يصِلُ إِلَى ميناءِ عكا أُسطولٌ من مِصْرَ، وطاقمُهُ يُدْخِلُ إِلَى عكا المُحاصَرةِ مُؤنًا وعتادًا وذخيرةً. وحينما كانَ القتالُ في أَوْجِهِ يصِلُ صلاحَ الدِّينِ خبرُ وصولِ القيصرِ الأَلمانيِّ فْرِيدْرِيك باربا روسَّا إِلَى آسيا الصُّغرى، عندها يُرسِلُ صلاحُ الدِّينِ تقيَّ الدِّينِ عُمَرَ شمالاً مِن أجلِ مُلاقاة باربا روسَّا ومنعِ تقدُّمِهِ نحوَ عكا. في غُضونِ ذلكَ يقومُ جنودٌ صليبيُّونَ بهجومٍ على القوَّاتِ الإسلاميَّةِ التي كانَ يترأَسُها العادلُ شقيقُ صلاحِ الدِّينِ، وكانَ العادلُ قدْ حلَّ مكانَ تقيِّ الدِّينِ عُمَرَ، بعدَ أَنْ توجَّهَ هذا الأخيرُ مع جنودِهِ شمالاً. الجنودُ الصليبيُّونَ يَصِلُونَ حتى بلدةِ الزِّيبِ وينهبونَ المُعسكرَ الإسلاميَّ الموجودَ هناكَ. جنودُ صلاحِ الدِّينِ يَلْتَفُّوْنَ حولَهُم ويقتُلونَ معظَمَهُم، وفي نفسِ الوقتِ حاميةُ عكا تهاجمُ الجنودَ الصليبيِّينَ مِنَ الخلفِ.

● 10.6.1190: القيصرُ الألمانيُّ يغرقُ في مياهِ نهرِ كاليْكَادْنُوس (Calycadnus) (أو نهر سالِف، Saleph) (الإسمُ التركيُّ الحاليُّ لهذا النَّهرِ: نهرُ جُك صُو (Gök – Su  Neher بمنطقةِ كِيليكْيا بجبالِ طُورُوسَ. مَعَ موتِ القيصرِ الأَلمانيِّ يتفرَّقُ جيشُهُ، وفقط فرقةٌ عسكريَّةٌ صغيرةٌ، تُقَدَّرُ ﺑ۔ 5000 جنديٍّ، مِن أَصلِ اﻟ۔ 100,000 جنديٍّ الذينَ أًتَوْا مَعَهُ مِن أَلمانيا، تتقدَّمُ مَعَ ابنِهِ فْرِيدْرِيك دُوق شْوابيا  ((Friedrich  von  Schwaben وتَصِلُ إِلَى مدينةِ صُور خلالَ شهرِ آبَ عام 1190. 

 27.7.1190: نباُ موتِ القيصرِ الأَلمانيِّ فْرِيدْرِيك باربا روسَّا غرقًا في مياهِ نهر جُك صُو بجبالِ طُورُوس يصِلُ إِلَى صلاحِ الدِّينِ.

 صيفُ عامِ 1190: تصِلُ مِن أوروبا عساكرُ كثيرةٌ لنجدةِالصليبيِّينَ.

 نهايةُ شهرِ أَيلولَ عامِ 1190: الصليبيُّونُ يُحاولونَ احتلالَ "بُرج الذّبَّان" (מגדל הזבובים)، الموجودَ في ميناءِ عكا، ولكنَّ جنودَ صلاحِ الدِّينِ الذينَ كانُوا مُتواجِدينَ بالبُرجِ يحرِقُونَ السُّفنَ الصليبيَّةَ وبُرجَ الحِصارِ الخشبيَّ العائمَ ﺑ۔۔ "النار اليُونانيَّة". 

 2.10.1190: صلاحُ الدِّينِ ينقلُ مركزَ ثقلِهِ إِلَى شَفاعَمْرُو الأكثرِ أَمْنًا.

 7.10.1190: هِنري دِي شاﻣﭙانيا (Henri  de  Champagne) (وهو يُعرَفُ عندَ كاتِبي سيرةِ صلاحِ الدِّينِ مِنَ المؤرِّخينَ العربِ باسمِ "الكُنْدُهْرِي"، وهي لفظةٌ مصدرُها لقبُهُ الفرنسيُّ "Le  Comte  Henri"، أَيّ "النَّبيلُ هِنرِي")، وابنُ القيصرِ الأَلمانيِّ فْرِيدْرِيك باربا روسَّا، فْرِيدْرِيك السَّادسُ دوق شْوابيا، يصِلانِ إِلَى عكا، وكلُّ واحدٍ منهُما على رأسِ فرقةٍ عسكريَّةٍ صليبيَّةٍ كبيرةٍ. هِنري دِي شاﻣﭙانيا، مُباشرةً بعدَ وصولِهِ إِلَى مُحيطِ عكا، يستلِمُ قيادةَ الجيشِ الصليبيِّ. مِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أَنَّ هِنري دِي شاﻣﭙانيا أصبحَ بعدَ سُقوطِ عكا بيدِ ريكاردوسَ قلبِ الأَسدِ عامَ 1190، أَوَّلَ ملوكِ مملكةِ أورشليمَ الثانيةِ، أَوِ المملكةِ الصليبيَّةِ الثانيةِ في فلسطينَ. هِنري دِي شاﻣﭙانيا وفْرِيدْرِيك السَّادسُ دوق شْوابيا يُحاولانِ مرَّةً أخرى احتلالَ "بُرج الذّبَّان"، ولكنَّهُما يفشلانِ.

 11.11.1190 أَو 12.11.1190: الصليبيُّونَ يمكثونَ ليلةً واحدةً بالقُربِ مِنَ الآبارِ التي حفرَها صلاحُ الدِّينِ عندَ أقدامِ تلِّ الحَجَلِ (أو تلّ العجول) (على ما يبدو خربةُ طنطُور، التي تقعُ إِلَى الجنوبِ من قريةِ المَكْرِ، كما ذكرْنا)، ثمَّ يُهاجِمونَ في الصباحِ حيفا، حيثُ تواجدتْ مُؤنٌ وذخيرةٌ وعتادٌ للجيشِ الإسلاميِّ. الصليبيُّونَ يتحرَّكونَ بمُحاذاةِ مجرى نهرِ النَّعامَيْنِ، على طولِ ضفَّتِهِ الشرقيةِ، ويَصِلُونَ حتى منابِعِهِ، التي يدعُوها المؤرخونَ المسلمونَ باسمِ "رأس الماء"، ثمَّ يعبرونَ النهرَ إِلَى ضفَّتِهِ الغربيةِ ويتمركزونَ على رأسِ تلِّ كُرْدَانَه (תֵּל אֲפֵק) (21 م)، ويقضُونَ ليلتَهم هناكَ، وجنودُ صلاحِ الدِّينِ يهاجمونَهم طيلةَ الليلِ، ويَكْتَشِفُ الصليبيُّونَ في الصباحِ أَنَّهم مُحاصَرونَ من كلِّ الجهاتِ من قِبَلِ جيشِ صلاحِ الدِّينِ، فيعودونَ إِلَى قواعِدِهم وخيامِهم، عبرَ جسرِ دْعُوْقَ. ومِن بينِ الصليبيِّينَ الذينَ قُتِلوا أثناءَ هذِهِ المناوشاتِ نذكرُ رَالْف أُوْﭪ ألْتَا رِﻳﭙﺎ، رئيسَ شَمامِسَةِ مدينةِ كُولْتشِسْتِر في بريطانيا 
 (Ralph  of  Alta  Ripa,  Archdeacon  of  Colchester)

 11.11.1190 - 14.11.1190: صلاحُ الدِّينِ يأمرُ قوَّاتِهِ بالتراجعِ من تلِّ العِياضِيَّةِ إِلَى تلِّ كَيْسانَ، ويأمرُ أيضا بنقلِ الذخيرةِ والمُؤنِ إِلَى القَيْمُونَ (יוקנעם حاليًّاوكذلكَ إِلَى الناصرةِ. السلطانُ نفسُهُ كانَ، كما ذكرْنا، في شَفاعَمْرُو، ومَيْمَنَةُ جيشِهِ كانتْ تمتدُّ من شَفاعَمْرُو حتى شاطئِ البحرِ إِلَى الشِّمالِ مِن عكا، ويترأَسُها ابناهُ الأفضلُ والظافرُ، وعلاءُ الدِّينِ خُرَّمُ شاه وأخوهُ الملكُ العادلُ وحُسامُ الدِّينِ بنُ لاجينَ وقايمازُ النَّجميُّ وعزُّ الدِّينِ جُرْدَيْكُ وحُسامُ الدِّينِ بشارة وبدرُ الدِّينِ يَلْدِرِم، أمَّا المَيْسَرَةُ فكانتْ تمتدُّ من بلدةِ شَفاعَمْرُو حتى الأقدامِ الغربيةِ لتلالِ شَفاعَمْرُو، وكانَ يترأسُها عمادُ الدِّينِ زَنْكِي ومُعِّزُ الدِّين زَنْكِي وتقيُّ الدِّينِ عَمْرُ وسيفُ الدِّيِنِ المشطوبُ.

 شهرُ كانونَ الثاني عام 1190: ينهدمُ جزءٌ مِن سورِ عكا، ولكنَّ الصليبيِّينَ الضُّعَفَاءَ للغايةِ لا يستطيعُونَ أَنْ يستغلُّوا الفُرصةَ وأَنْ يدخلُوا عَبرَ ذلكَ الجزءِ من السُّورِ إِلَى المدينةِ. 

 شتاء 1190/1191: كانَ صعبًا جدًا على الصليبيِّينَ. سَهْلُ عكا يتغطَّى بالمستنقعاتِ ويصعُبُ أو حتى يستحيلُ قطعُهُ، الجوعُ والمرضُ يَقْضِيَانِ على الكثيرينَ مِن بينِ الصليبيِّينَ، وكثيرونَ منهُم يترُكُونَ المعسكراتِ الصليبيةَ وينضَمُّونَ إِلَى معسكرِ صلاحِ الدِّينِ ويَعتَنِقُونَ الإسلامَ. خلالَ هذا الشتاءِ تَتَأَسَّسُ في مُحيطِ عكا الأخويَّةُ الصليبيَّةُ العسكريَّةُ التّيُوتُونيَّةُ الألمانيَّةُ، والهدفُ من انشائِها كانَ علاجَ الجَرْحَى من بينِ الجنودِ الصليبيِّينَ، خُصوصًا الألمانَ مِنهُم، ومِن أجلِ هذا الهدفِ أقامُ الألمانُ مستشفًى قُرْبَ عكا. هذِهِ الأخويَّةُ لا تزالُ قائمةً حتى الآنَ ومركِزُها الحاليُّ موجودٌ في مدينةِ ﭭيينَّا بالنَّمْسا. عندَ تأسيسِها أُطْلِقَ عليها بالَّلاتينيةِ الاسمُ التاليُّ:
 
Ordo  Domus  Sanctae  Mariae  Theutonicorum  Hierosalymitanorum.
وبالألمانيَّةِ:
Orden  der  Brueder  vom  Deutschen  Haus  der  Heiligen  Maria  in  Jerusalem.
وترجمةُ ذلكَ هي كما يلي:
 
"أخويَّةُ البيتِ التّيُوتُونيِّ الألمانيِّ التابعِ للقِدِّيسةِ مَرْيَمَ بأُورشليمَ".
 
خلالَ موسِمِ الشتاءِ هذا يتوقَّفُ القتالُ بسببِ المطرِ والعواصفِ والبَرْدِ والوحلِ والمستنقعاتِ في محيطِ عكا. قلائلُ من المسلمينَ كانتْ لديهِمُ الجرأةُ في الدُّخولِ إِلَى عكا المُحاصَرةِ، وعندما يُسْتَبْدَلُ الأُمراءُ المسلمونَ السِّتُّونَ الذينَ كانوا في المدينةِ لا يَجْرُؤُ على الدُّخولِ إليها سوى عشرينَ أميرًا، من بينِهِم كانَ سيفُ الدِّينِ المشطوبُ وعزُّ الدِّينِ رُسْلانُ. بهاءُ الدِّينِ قراقُوشُ، حاكمُ المدينةِ، لا يُغادِرُها ويبقى فيها. مِن بين الأُمراءِ الذينَ يُغادِرُونَ عكا خلالَ هذا الموسِمِ نذكرُ الأميرَ حُسامَ الدِّينِ أَبا الهَيْجاءِ السَّمِينَ، الذي استُشْهِدَ، فيما بعدُ، عام 1191 في معركةٍ مَعَ الصليبيِّينَ قُربَ قرية كَوْكَب، التي أُطلقَ عليها لاحقًا الاسمُ "كَوْكَبُ أَبي الهَيْجاء"، نسبةً لهُ. أَحفادُهُ يسكُنُونَ فيما بعدُ في الرُّويْسِ، وعينِ حَوض، وسِيرين، وكَوْكَبِ أَبي الهَيْجاءِ، حيثُ يوجدُ قبرُهُ حتى هذه الأَيام.  

 20.1.1191: كُونراد فْرِيدْرِيك السَّادسُ دُوق شْوابْيَا، إِبنُ الامبراطورِ الأَلمانيِّ فْرِيدْرِيك بارْبا روسَّا الأَوَّلُ (Conrad  Frederick  VI  von  Hohenstaufen)، يُتوفَّى مريضًا أثناءَ حِصارِ عكا.

بدايةُ ربيعِ عام 1191: تصِلُ نجداتٌ عسكريَّةٌ إسلاميَّةٌ مِن سوريا ومِنَ العراقِ إِلَى صلاحِ الدِّينِ. 

 20.4.1191: ﻓﻳﻟﻳپ أوغُسطس الثاني، ملكُ فرنسا يصِلُ إِلَى عكا. 

 8.6.1191: ريكاردوسُ قلبُ الأَسدِ ملكُ اﻧﭼلترا يصِلُ إِلَى عكا، ومعَهُ 25 سفينةً مُحَمَّلةٌ بالجنودِ والذّخيرةِ. 
 
ريكاردوسُ قلبُ الأَسدِ، ملكُ اﻧﭼلترا، يطلبُ من صلاحِ الدِّين فِواكِهَ وثَلْجًا، ودَجَاجًا وفَرَارِيجَ، ويطلبُ أيضا أَنْ يلتقي بِهِ شخصِيًّا في مَرْجِ عكا، وعلى ما يبدُو في سهلِ يِرْكا، أَو سهلِ جُولِس، والسُّلطانُ يُرسِلُ له ما أَرادَ، ولكنْ يرفضُ لِقاءَهُ
 
 ريكاردوسُ قلبُ الأَسدِ، ملكُ اﻧﭼلترا، مدَّةً قصيرةً بعدَ وصولِهِ إِلَى عكا، يُوفِدُ رسولاً إِلَى صلاحِ الدِّينِ بِطَلَبِ لقائِهِ في "المَرْج"، كما يقولُ العِمادُ الأصفهانيُّ، ولا شكَّ في أَنَّ هذا المَرْجَ هو سهلُ عكا، ونظرًا لأَنَ خيمةَ قلبِ الأَسدِ كانتْ في حينِهِ على رأسِ تلِّ الفُخَّارِ، وخيمةَ صلاحِ الدِّينِ كانتْ على رأسِ تلِّ العِياضِيَّةِ، ونظرًا لأَنَّ الطريقَ التي تربطُ بينَ هذينِ التَّلَّينِ كانتْ، ولا تزالُ، تمرُّ في الطَّرفِ الشِّماليِّ لسهلِ عكا، وتمامًا عندَ الحدِّ الشِّماليِّ لِسهلِ يِرْكا ولِسهلِ جُولِسَ، فمِنَ المُحتملِ جدًا أَنَّ هذا اللقاءَ لو تَمَّ فعلاً لكانَ قدْ حصلَ قُربَ منتصفِ الطَّريقِ بينَ تلِّ العياضيَّةِ وتلِّ الفُخَّارِ، عندَ الطَّرفِ الشِّماليِّ لأحدِ هذينِ السَّهلينِ، أَو قريبًا جدًا منهُ. وعلى كلِّ حالٍ، فإِنَّ اللقاءَ الذي حصلَ بينَ الملكَيْنِ العادلِ والأَفضَلِ، شَقِيقَي صلاحِ الدِّينِ، ورسولِ قلبِ الأَسدِ، تَمَّ هناكَ. العِمادُ الأصفهانيُّ يقولُ أَنَ قلبَ الأَسدَ طلبَ طُيورًا ودجاجًا لإطعامِ بازٍ نَحِيلٍ هزيلٍ كانَ قدِ التقطَهُ في البحرِ خلالَ إبحارِهِ مْن اﻧﭼلترا إِلَى عكا، ويُريدُ أَن يُقدِّمَهُ، طبقًا لِقولِ رسُولِهِ، هديَّةً للسلطانِ بعدَ أَن تَتَحَسَّنَ صحَّتُهُ. ويقولُ أيضا أَنَّ صلاحَ الدِّينِ أَرسلَ لقلبِ الأَسدِ، بناءً على طلبٍ منْهُ، فواكِهَ وثلجًا، ولكنَّ كلَّ هذا الإحسانِ لمْ يُجْدِ نفعًا مَعَ قلبِ الأَسدِ، فبعدَ عددٍ قليلٍ من الأيامِ، وبعدَ أَن سقطتْ عكا بيدِهِ، أَمَرَ، كما سوفَ نرى فيما يلي، بقتلِ كلِّ مُسلِمي عكا قُربَ آبارِ العِياضِيَّة، وعلى ما يبدُو، في السَّهلِ التابعِ حاليًّا لسكانِ جُولِسَ. 
هذه كانتْ أُولى المُفاوضاتِ بينَ قلبِ الأَسدِ والملكِ العادلِ نِيابَةً عن شقيقِهِ السلطانِ، ولمْ ينتُجْ عنها شيءٌ، وقدِ استُؤنِفتِ المُفاوضاتُ بينهُما عددًا مِنَ المرَّاتِ بعدَ ذلكَ، ولكنْ ليسَ في سهلِ عكا، وإنّما في يازُورَ والرَّملةِ، في السَّهلِ السَّاحليِّ الأَوسطِ، بعدَ سُقوطِ عكا بأَيدي الصليبيِّينَ، كما سوفَ نرى فيما يلي. 

العِمادُ الأصفهانيُّ الذي يدعُو قلبَ الأَسدِ في كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ" بالاسمِ "لِيْجَرْت"، يقولُ في هذا الأَمرِ في الصفحتينِ 348 و 349، مِنَ الجزءِ الثاني من كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ":

 "كان قد خرج منذ أَيام رسول، وسأَل أَن يكون له إِلَى السلطان وُصول، فاجتمع به الملكانِ العادل والأفضل، وقالا له لا يُمكن لقاء السلطان لكلِّ مَن يُرسل، وما كلُّ مقصودٍ عليه يُعرض، لِيُعْلَم في الأوَّل هل هو ممَّا يُقْبَل أَو عنه يُعْرَض، فأَعلمهما الحال، وعرَّفَهما سبب الإرسال، فأحضراه بالنَّادي السُّلطاني فَمَثُل بين يديه، وأَوصل تحية ملك الانكتير (أَي الإﻧﭼليز) إليه، وقال هو يُؤثر بك الاجتماع، ولخطابك الاستماع، فإن أَعطيته أَمانًا خرج إليك، وأَورد مقصوده عليك، أَو شئت كان الاجتماع به في المَرْج، خَالِيَيْنِ مِنَ مُقتضيات المرج، وكلاكُكما عن عسكره مٌنفرد، ولحديثه في الخَلوة مُورِد، فأجابه السلطان وقال إذا اجتمعنا فهو لا يفهم بلساني وأَنا لا أَفهم بلسانه، ونُحِيل بالبيان على تُرْجُماني وتُرْجُمانه، فيكون ذلك التُّرْجُمان رسولا، فلعلَّه يَرِدُ بسُوْلِ ويُصْدِرُ سُوْلا، فلمَّا لجَّ في الطَّلب، وأَلحَّ في الأَرب، استقرَّ أَن يكون الحديث مع الملك العادل، وأَن تنجح من عنده وسائل الرَّسائل، ودخل وقد أَخذ أَمانا، وانقطع بذلك زمانا، فشاع عندنا أَنَّ ملوكهم منعوه، ومن رُكوب الخطر فَزَّعُوه، فأَنفذ ملك الانكتير رسوله بعد أَيام، يُنكر ما شاع من تَأَمُّرٍ للفرنج عليه وأَحكام، وقال الأُمور مُفوَّضة إليَّ، وأَنا أَحكم ولا يُحْكَمُ عليَّ، فأَفاتني الغرض، ثمَّ قال الرَّسول من عادات الملوك المُهاداة، وإن دامت بينهما الحرب والمُعاداة، وعند الملك ما يصلُحُ للسلطان فهل تأْذنون في حمله وقبوله، وأَخذه من يد رسوله، فقال الملك العادل نقبل الهديَّة بشرط المُجازاة، واستدامة المُكافأة للمُوازاة، فقال عندنا بُزَاةٌ وجوارحُ، قد لَقِيْتُها في البحرِ جوائح، وقد ضعُفت فهي طلائح رَوَازِح، ونُريد طيرًا ودجاجًا تصلُح لطعمها، فإذا استوت حملناها للهديَّة على رسمها، فقال العادل لا شكَّ أَنَّ الملك مريض وقد احتاج إِلَى دجاج وفَرارِيج، ونحن نحمل له منها كُلَّ ما احتيج، فلا تجعل طعام البُزاة في حُجَّة، واسلك غير هذه المَحَجَّة مَحَجَّة، وانفصل حديث الرِّسالة على قول الرَّسول هل لكم حديث، فقُلنا أَنتم طلبتُمونا لا نحن طلبناكم وما لنا معكم حديث لا قديم ولا حديث، ثمَّ انقطع حديث الرِّسالة إِلَى يوم الاثنين سادس جُمادى الآخرة فخرج من عند الملك في الرِّسالة مُقَدَّم، ومعه أَسيرٌ مغربيٌّ مُسلم، وأَحضره على سبيل الهديَّة، وأَوصل إِلَى السلطان ما حمل من التَّحيَّة، فشرَّفه بخلعته، واعتدَّ له بهديَّته، ثمَّ خرج يوم الخميس تاسع الشَّهر رسل ثلثه، وما كانت رسالتُهم تُسفرُ عن مقصود بل فيها رثاثة وغَثاثة، وهؤلاءِ طلبوا للملك فاكهة وثلجًا، ولم يسلكوا في غير هذه الحاجة نهجا، فأَكرم السلطان بما سأَلوا، ووفَّرَ لهم منه فحملوا، وسأَلوا أَن يتفرَّجوا في الأسواق، فَفَتح لهم فيه على الإطلاق". 
 
شَهَامَةُ السُّلطانِ صلاحِ الدِّينِ الأَّيَّوبِيِّ تَتَجَلَّى بِأَرْوَعِ صُوَرِها وَأَبْهَى حُلَلِها حتَّى في أَصْعَبِ الظُّرُوفِ وأَحْلَكِ الأَوقاتِ خِلالَ فترةِ الحِصارِ المُزْدَوَجِ على عكَّا أَيَّامَ الحملةِ الصَّليبيَّةِ الثَّالثةِ 
 
يُجْمِعُ المؤرِّخُونَ، مِنَ العَرَبِ ومن غيرِ العَرَبِ، أَنَّ شهامةَ صلاح ِالدِّينِ هي مَثَلٌ أَعلى يُحْتَذَى بِهِ، ونِبراسٌ لامِعٌ يُسْتضاءُ بِهِ، خصوصًا وأَنه عاش في عصرٍ كانَ التَّزَمُّتُ الدِّينيُّ الأَعْمَى رَمْزًا بارِزًا مِن رُمُوزِ غالِبِيَّةِ قادَتِهِ، وكانَ التَّحَامُلُ القَوْمِيُّ والعِرْقِيُّ والمَذْهَبِيُّ والطَّائِفيُّ والسِّياسِيُّ والفِكْرِيُّ، رُكْنًا أَساسِيًّا مِن أَرْكانِ تفكيرِهِم، ولكنَّ صلاحَ الدِّينِ لم يَكًنْ كذلِكَ، فقد كانَ مِن طِينَةٍ أُخرى، ومِن مَعْدِنٍ مُغايِرٍ، فَكانَ يَجمعُ، إِلَى جانبِ الشَّجاعَةِ الفائِقَةِ، وشِدَّةِ البَأْسِ الهائِلَةِ، وقُوَّةِ الإِرادَةِ الكبيرةِ، ورَبَاطَةِ الجَأْشِ المُذْهِلَة، عَفافًا جَلِيًّا، وزُهْدًا أَصِيلاً، وكَرَمًا بالِغًا، وتَسَامُحًا مُدْهِشًا، وشَفَقةً مُتَناهِيَةً، حتَّى تجاهَ أَلَدِّ أَعدائِهِ، وحتَّى في أَصْعبِ الأَوقاتِ وأَحْرَجِ الظُّرُوفِ بالنِّسْبَةِ لهُ. ولا يزالُ مسلكُ صلاحِ الدِّينِ، ساكِنًا في وُجْدانِ الكثيرينَ حتى هذه الأيامِ الحاضِرةِ، ولا تزالُ شخصيَّتُهُ مَثَارًا للإِعجابِ ومَحَطًّا للاحترام، ونحنُ نذكرُ فيما يلي حادثتينِ حَصَلَتا خِلالَ فترةِ الحِصارِ المُزْدَوَجِ على عكَّا، تُعطِيانِ فكرةً جَلِيَّةً عن شخصيَّتِهِ الفَذَّةِ النَّادرةِ. 
 
صلاح الدِّين يُرْجِعُ طفلاً صليبيًّا رضيعًا اختَطَفَهُ بعضُ الُّلُصوصِ إِلَى أُمِّهِ
 
حينمَا كانَ السلطانُ مُحاصِرًا الصليبيَّينَ المُحاصِرينَ عكا، وحينمَا كانتْ رحى الحربِ دائرةً بينَ الطَّرفينِ، اختطفَ بعضُ الُّلصوصِ المُسلمينَ طفلاً صليبيًا وباعُوْهُ، وعندما طلبتْ أُمُّهُ منِ قادةِ الصليبيَّينَ أَنْ يُساعدوها في إرجاعِهِ إليْها، أَفهمُوْها أَنَّ أَحدًا غيرَ السلطانِ لا يستطيعُ أَنْ يُعِيدَهُ إِليها، وعندمَا قالتْ لهُم كيفَ يُمكنُ أَنْ يكونَ ذلكَ ونحنُ في حربٍ طاحنةٍ معَهُ، أَجابوها أَنَّ السلطانَ رحُومٌ ورقيقُ القلبِ، وإذا توجَّهتْ هي شخصيًّا إليهِ فسوفَ يردُّ رضيعَها إليها، وعندمَا سألتْ عن مصيرِها عندمَا تدخلُ إِلَى منطقةِ جيشِ السلطانِ، أَجابوْها أَنَّ جُنودَهُ لنْ يؤذُونَها بشيءٍ، وأَنَ الشَّريعةَ الإسلاميَّةَ لا تُجيزُ الاعتداءَ، خُصوصًا على النِّساءِ، وهكذا، شدَّتْ أَزْرَها وتوجَّهتْ نحوَ مُعسكرِ السلطانِ في تلالِ الجليلِ الأَسفلِ الغربيِّ، إِلَى الشَّرقِ مْن عكا، ووصلتْ وهي باكيةٌ نادِبةٌ، واستأذنتْ من الجُندِ في الدُّخولِ على السلطانِ، فأَذنُوا لها، فدخلتْ وشرحتْ قصَّتها، وهي تنوحُ وتبكي، فَهدَّاَ السلطانُ من رَوْعِها وأَمَرَ بأَن يأَتُوْهُ بالرَّضيعِ فورًا، فوجدُوا أَنَّهُ قدْ بِيْعَ، فأَصَرَّ السلطانُ على إحضارِهِ، وعندمَا أُحْضِرَ، دفعَ ثمنَهُ لشاريهِ، وسلَّمَهُ إِلَى أُمِّهِ، فضمَّتْهُ إِلَى صدرِها وأَرضعَتْهُ في خيمةِ السلطانِ وبِحُضُورهِ، وكانتْ عيناهُ تدمعانِ، ثمَّ أَرجَعَها بأَمانٍ إِلَى ربْعِها.
ويكتبُ العِمادُ الأصفهانيُّ في هذِهِ القصَّةِ بلغتِهِ المُؤثِّرةِ، وبأُسلوبِهِ الرَّصينِ الرَّائعِ، في الصفحتينِ 332 و 333 من الجزءِ الثاني من كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ"، ما يلي:
 
"كان لُصوصنا في الليل استلبوا طفلاً من يد أُمِّه، وفطموه رضيعًا له ثلاثة أَشهر في غير أوان فطمه، واستحلوا بحُكم الجهاد في جنح الظلام جُنَاح ظُلمه، وفجعوها بواحدها وساعدها، وكدَّروا صفو مواردِها، وقطعوا عنها فِلْذَة كبدها، وأَسعروا عليها جذوة كمدها، وحرموه درَّ لبنها فَدَرَّ دمعُها، وأَبعدوه عن مُناغاتها ومُناجاتها فَوَقَرَ عن كلِّ حديثٍ سمعُها، فَخَرَجَت والِهة، وللحياة كارهة، وللخدِّ خامِشة، مُعْوِلَة مُوَلْوِلَة، مُذْهَلَة مُشتعِلة، قد شُدِهَت ودُهِشت، وتاهت واستوحَشَت، قد سُلِبَ عقلُها، مُذ سُلِبَ طفلُها، وغاب ذهنُها، مًذ غاب ابنُها، وتكرَّر بالحنين والأَنين ترجيعُها، وتردَّد للقلوب ممَّا فاجأها وفجعها من الكُروب تفجيعُها، وهي نائحة في كلِّ ناحيةٍ نادبة في كلِّ نادٍ نادية، لكلِّ فؤادٍ عادية في كلِّ واد، فلم يشعر السلطان إلاَّ بامرأةٍ بالباب واقفة، وبالنَّحيب هاتفة، وللدُّموع حادرة بِتصاعُد أنفاسِها، ومن الخلق مُستوحشة لذَهاب استئناسها، قارضة صدرَها بتقطيعِها، ضارعة لفقد رضيعِها، مُعْوِلَة على الطِّفل مُعَوِّلَة على الُّلطف، مُتنكِّرة من النُّكر مُتعرِّفة إِلَى العُرْف، فأَحضرها السلطان وهي باكية، ونار اكتئابها ذاكية، تتحدَّرُ عبراتُها، وتتصعَّد زفراتُها، وتتلهَّب حسراتُها، تُبَكِّي ببُكائها، وتشتكي من دائها، وتنشُد ضالَّتها، وتطلب مُهجتَها، وتسأل عن حشاشتها، وتشتعل نار قلبِها على فَرَاشَتِها، فلمَّا شاهدها السلطان خريبةً حزينة، مِسكينة مُستكينة، مُتَجنِّنة مُتَحنِّنة، مُولعة مُوَلَّهة، مُوجُعة مُتوَّهة، سمع شكواها وفهمها، ورثَى لبلواها ورَحَمَها، ورقَّ بلطفه للطِّفل الرَّقيق، وسلك بفضله طريق التَّوفيق، وطلب الرَّضيع، فقيل له إنَّه قد بيعَ وأُضيع، فإنَّ آخذيه باعوه بثمنٍ بخس، ولم يعرضوه في سُوق بَزٍّ ولا سُوق نخس، فما زال يبعث ويبحث عنه، ويلومُ باذلَه كيف لم يَصُنْه، حتى جيءَ به في قماطه، وقد كاد يُلَفُّ في عباءة اعتباطه، فلمَّا أَبصرت واحدها، ضمَّت عليه ساعدها، وَدَعَت وَعَدَت، وشدَّت يدها به وَشَدَت، فأعادها، وبنواله أَفادها، وبَرَّد حرَّها بِرَدِّ رُوحِها، وأَسا ما أَساء الأُسَى من جروحِها وقُروحِها، ورَوَّحها بِرَوْحِها، وفرع دَوْحِها، وأَغناها بغنائها للشُّكر عن نوحها، وظهر سرُّ سرورها عليها بِبَوْحِها، وشيَّع معها مَن أَوصلها إِلَى موضعها، وقد اجتمع شملُ المُرضعة بمرضَعِها، وما ردَّ الطِّفل إلاَّ بعد ما اشتراه بثمنٍ يُرضيه، وهذه نادرة من جُملة أَياديه".  
 
صلاحُ الدِّينِ يُعتقُ أَسيرًا صليبيًّا هَرِمًا أَتى مِن أَجْلِ زيارةِ كنيسةِ القيامةِ 
 
حينمَا كانَ السلطانُ في معسكرِهِ قُربَ العياضيَّةِ أَحْضَرَ إليهِ جُنودُهُ خمسةً وأَربعينَ أَسيرًا صليبيًّا كانوا قدْ أُسِرُوا في البحرِ قُربَ بيروتَ، ومِن جُملةِ هؤلاءِ كانَ رجلٌ هَرِمٌ، أَجابَ عندمَا سألَهُ السلطانُ عن داعي قُدُومِهِ إِلَى فلسطينَ بأَنَّه أَتى من أَجلِ زيارةِ كنيسةِ القيامةِ في القدسِ قبلَ وفاتِهِ، والقدسُ والكنيسةُ كانتا في حينِهِ بيدِ السلطانِ، وكانَ بمقدُورِ السلطانِ أَن يمنعَهُ عن ذلكَ وأَن يفعلَ بِهِ ما يشاءُ، إِلاَّ أَنَه أَمَرَ جُنودَه بإعادتِهِ فورًا إِلَى قومِهِ على فَرَسٍ، كي يقضي واجبَهُ الدِّينيَّ الذي من أَجلِهِ أَتى إِلَى هذهِ الدِّيارِ.
ويقولُ العِمادُ الأصفهانيُّ في هذِهِ الحادثةِ في الصفحتينِ 325 و 326 من الجزءِ الثاني مِن كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ"، ما يلي:

"ووصل إليه من بيروت خمسة وأَربعون أَسيرًا من الفرنج، أُخِذُوا بالمراكب في البحر من الَّلج، وفيهم شيخٌ هِمٌ هَرِم، ...، قد طعن في السِّن، وَوَهُنَ كالشَّن، وانحنى كالحنية، وما أَمِن من المنيَّة، وتحاماه الحِمام، وعامت في بحر لياليه وأَيامه الأَعوام، ...، فتعجَّب السلطان من مجيئه من البلاد الشَّاسعة، واختياره الضِّيق على الأَرجاء الواسعة، فسأَله كم بينه وبين وطنه، ولأَيِّ سببٍ حركتُه من سكنه، فقال اَمَّا بلدي فعلى مسافة شُهور، وإنَّما خرجتُ بقصد كنيسة القِيامة لأظفر بالحج المبرور، فَرَقَّ له وَمَنَّ عليه بالإطلاق، وأَخرجه من ذلِّ الرِّقِّ إِلَى عزِّ العتاق، وردَّه إِلَى الفرنج راكبًا على فرس، ولم يَرَ قتلَهُ ولا أَسرَهُ حيث رأَى نفْسًا مُرتهنة بنَفس،...".
 
عائِلاتٌ أُوروبيَّةٌ وأَمِيرِكيَّةٌ مسيحيَّةٌ عديدةٌ تحملُ الاسمَ "صلاح الدِّين"(Saladin إجلالاً واحتِرامًا لِحَضْرَةِ السَّلطانِ صلاحِ الدِّينِ الأَّيَّوبِيِّ
 
لاقى السلطانُ صلاحُ الدِّينِ، في حياتَهِ، وبعدَ مماتِه، عندَ المسلمينَ وغيرِ المسلمينَ، وعندَ العربِ وغيرِ العربِ، وعندَ الشّرقيِّينَ وعندَ الغربيِّينَ، وعندَ أَصدقائِهِ وحتى عندَ أَعدائِهِ، اجلالاً واحترامًا كبيريْنِ، قلَّما حَظِيَ بهما رجلٌ سياسيٌّ وعسكريٌّ آخرُ على مدى التَّاريخِ. ولا تزالُ عائِلاتٌ أُوروبيَّةٌ وأَمِيرِكيَّةٌ مسيحيَّةٌ عديدةٌ تحملُ اسمَهُ، الذي يكتُبُه الغربيُّون بأَشكالٍ مختلفةٍ، 
Saladin،  Saladine،  Saladino،  Salandino،  Salardino،  Salatino.  ومَرْجِعُ هذا الاحترامِ وهذا الإجلالِ، هو مَسْلَكُ صلاحِ الدِّينِ، ورحمتُهُ، وحُنُوُّهُ وعطفُهُ على بني البشرِ، أَيًّا كانُوا، أَصدقاءً أَمْ أَعداءً، إضافةً إِلَى زُهدِهِ وتَقَشُّفِهِ وتواضُعِهِ، إِلَى جانبِ كَرَمِه ورُجُولتِهِ وشجاعتِهِ. ولا عجبَ في ذلك ، فالعِمادُ الأصفهانيُّ، كاتبُ سيرةِ حياتِهِ، ورفيقُهُ في الحُروبِ، يقولُ أَنَّ مَنْ لا يعرِفُهُ كانَ إذا جالسَهُ لم يَدْرِ أَنَّهُ السلطان لِشدَّةِ تواضُعِهِ، ويقولُ عنهُ أيضا أَنَّ ذويهِ لم يجدُوا معهُ، عندَ وفاتِهِ، ما يكفي مِنَ المالِ لتمويلِ مراسيمِ جنازتِهِ.  
شهرُ حزيرانَ عام 1191: ﻓﻳﻟﻳپُ أوغُسطس الثاني، ملكُ فرنسا، يقومُ بهجوماتٍ ثلاثةٍ على عكا، ولكنَّهُ يفشلُ في احتلالِها.
2.7.1191: يصِلُ إِلَى عكا أُسطولٌ عسكريٌّ إﻧﭼليزيٌّ كبيرٌّ.

 2 و 3.7.1191: ﻓﻳﻟﻳپُ أوغُسطس الثاني، ملكُ فرنسا، يقومُ بهجومٍ جديدٍ على عكا بالقُربِ مِن "البُرج الملعون"، وينهدمُ جزءٌ مِنَ السُّورِ، وحاميةُ عكا تحرِقُ كليًا كلَّ آلاتِ الحصارِ والقتالِ الصليبيَّةَ التي كانتْ مُتواجِدةً مُقابلَ هذا الجزءِ مِنَ السُّورِ. 

 4.7.1191: الحاميةُ الإسلاميَّةُ بعكا تُعلنُ للصليبيَّينَ أَنها مستعدَّةٌ لتسليمِ المدينةِ بمُوجبِ شروطٍ معيَّنةٍ، ولكنَّ طلبَها يُرْفَضُ.

 ليل 5.7.1191: صلاحُ الدِّينِ يُحاولُ أَنْ يُخرِجَ حاميةَ عكا وسكانَها تحتَ جنحِ الظَّلامِ، ولكنَّ خطَّتَهُ تفشلُ لانكشافِها.

 5 و 6.7.1191: ﻓﻳﻟﻳپُ أوغُسطس الثاني، ملكُ فرنسا، يقومُ بهجومٍ جديدٍ آخرَ على عكا.

 11.7.1191: عكا تسقطُ في أيدِي الصليبيَّينَ، بقيادةِ ريكاردُوسَ قلبِ الأسدِ، ملكِ اﻧﭼلترا، وﻓﻳﻟﻳپُ أوغُسطس الثاني، ملكِ فرنسا. قبلَ سُقوطِها يُهاجِمُها قلبُ الأسد، وسكانُها المُحاصَرونَ يطلبونَ المفاوضاتِ مِنْ أجلِ تسليمِ المدينةِ سلميًّا، وسيفُ الدِّينِ المشطوبُ يُجري مفاوضاتٍ مع قادةِ الصليبيِّينَ من أجلِ الاستسلامِ. الصليبيُّونَ يعتبرونَ كلَّ سكانِ عكا، العسكريِّينَ والمدنيينَ، أسرى حربٍ، ويُصادرونَ كلَّ ممتلكاتِهم، ويطلبونَ مقابلَ اطلاقِ سراحِهم اعتاقَ كلِّ الأسرى الصليبيِّينَ الموجودينَ بيدِ صلاحِ الدِّينِ، ويطلبونَ أيضا دفعَ مبلغ 200 ألفِ دينارٍ، وإعادةَ الصليبِ الحقيقيِّ الذي غَنِمَهُ صلاحُ الدِّينِ في معركةِ حِطِّينَ. بعدَ سقوطِ عكا تهبطُ معنوياتُ الكثيرينَ مِن جنودِ صلاحِ الدِّينِ وأُمرائِهِ، أمَّا معنوياتُ السلطانِ فتبقى عاليةً كما كانتْ دائمًا. عددٌ مِن الأُمراءِ قادةِ الجيشِ الإسلاميِّ يَيْأَسُونَ مِنَ الوضعِ ويتركونَ السلطانَ ويعودونَ إِلَى بلادهِم، ومِن بينِ هؤلاءِ كانَ عزُّ الدِّين أَرْسِلُ، وحُسامُ الدِّين تَمُرْتَاش بنُ جاوْلِي، وسُنْقُرُ الوُشَاقِيُّ، وعبدُ القادرِ الحلبيُّ. خلال حصار عكا يُقتَلُ حوالَي 300,000 جنديٍّ صليبيٍّ.

 12.7.1191: الصليبيُّونَ يدخلونَ عكا، ويرفعونَ أعلامَهُم فوقَ قلعتِها، وفوقَ قلعةِ فُرسانِ الهيكلِ، وكذلكَ فوقَ كنيسةِ الصليبِ المُقدَّسِ (واسمها الَّلاتيني هو: Ecclesia  Sanctae  Crucis). قلبُ الأَسدِ يسكنُ في قلعةِ المدينةِ، وﻓﻳﻟﻳپ أوغُسطس الثاني يسكنُ في قلعةِ فُرسانِ الهيكلِ. بهذا تعودُ عكا إِلَى ما كانتْ عليهِ قبلَ معركةِ حِطِّينَ، أي أَنَّها تعودُ لتصبحَ مدينةً صليبيَّةً مرَّةً أُخرى، وفيما بعدُ عاصمةً لمملكةِ أُورشليمَ الصليبيَّةِ الثانيةِ في فلسطينَ، تلكَ المملكةُ التي كُتِبَ لها أَنْ تدومَ مائةَ عامٍ، حتى سقوطِها بيدِ المماليكِ بقيادةِ السلطانِ خليلِ بنِ قلاوُونَ بتاريخِ 18.5.1291.  

 12.7.1191: يتَّفقُ الصليبيونَ مبدئِيًّا بعكا على أن يُنَصَّبَ جي دِي لوزينيان، ملكًا على مملكةِ أُورشليمِ الجديدةِ طيلةَ حياتِهِ، ولكنْ مَعَ تقليصٍ كبيرٍ في صلاحِيَّاتِهِ، ومِنْ دُونِ أَنْ يكون لهُ الحقُّ في توريثِ الحكمِ بعدَهُ، واتُّفِقَ أيضا أَنَّهُ مَع موتِهِ ينتقلُ الحُكمُ إِلَى كُونراد دِي مونفيرَّا، ولِورثتِهِ مِنْ بعدِهِ. 

 31.7.1191: فيليپُ الثاني ملكُ فرنسا يُغادِرُ عكا عائِدًا إِلى بلادِهِ، ويترُكُ جيشَهُ تحتَ إِمْرَةِ هُوغ الثَّالِثَ، دُوْقِ بُورْﭼُونْدِيا (Hugh  III,  Duke  of  Burgundy).
 

قلبُ الأَسدِ يقتلُ غدرًا كل مُسْلِمي عكا قُربَ تلِّ العِياضيَّةِ، على ما يبدو في سهلِ جُولِسَ

 
 20.8.1191: قلبُ الأَسدِ يقتلُ غدرًا كلَّ سكانِ عكا المسلمينَ، أطفالاً وشيوخًا، ورجالاً ونساءً، وجنودًا ومواطنينَ عُزَّلاً، وعددُهُم كانَ 2700،  بينَ تلِّ العِياضِيَّةِ وتلِّ كَيْسانَ، وقليلاً إِلَى الجنوبِ مِن آبارِ العِياضِيَّةِ، تلكَ الآبارُ التي لا تزالُ بِئْرٌ واحدةٌ مِنها باقيةً حتى اليومَ بجوارِ الجانبِ الشِّماليِّ لشارعِ عكا  صفد، على بُعدِ مسافةٍ قصيرةٍ إِلَى الغربِ مِن مفرقِ العِياضِيَّةِ (צומת  יסיף)، في السَّهلِ الذي تتبعُ أراضيهِ حاليًّا لقريةِ جُولِسَ. جنودُ صلاحِ الدِّينِ يُشاهدونَ مِن بُعْدٍ، مِن تلِّ كَيسانَ، التَّجَمُّعَ البشريَّ هذا ولكنَّهُم لا يدرُونَ ما يجري هناكَ، وعلى كُلِّ حالٍ، لم يكُنْ بمقدورِهِم تقديمَ العونِ للأَسْرَى. حُجَّةُ قلبِ الأَسدِ في عمليةِ الغدرِ هذِهِ أَنَّ السلطانَ لم يَفِ بوُعدِهِ في تحريرِ الأسرى الصليبيِّينَ المحجوزينَ عندَهُ، ولمْ يدفعْ كلَّ المبلغِ الذي تعهَّدَ بدفعِهِ، ولمْ يُرجِعِ الصليبَ الحقيقيَّ للصليبيِّينَ، ولكنَّ قلبَ الأَسدِ كانَ في الواقعِ يُبطِنُ غيرَ ما يُظهرُ، فكانَ لهُ هدفانِ آخرانِ مُختلفانِ، أوَّلُهُما إخافةُ جنودِ السلطانِ وردعِهِم عنْ قتالِهِ، وثانيهُما التَّخلُّصُ نهائيًّا مِن سكانِ عكا المسلمينَ ومِن عبءِ إعاشتِهِم، هذا عدا عن خَشيَتِهِ مِن أن يُشكِّلُوا خطرًا أمنيَّا على قوَّاتِهِ بعكا بعدَ أَنْ يُغادِرَها، لأنَّهُ كانَ ينوِي أَنْ يتقدَّمَ بجيشِهِ جنوبًا من أجلِ احتلالِ مدينةِ القدسِ، ولكنْ، وكما هو معروفٌ في التاريخِ، فقدْ كُتِبَ على قلبِ الأَسدِ ألاَّ يُحقِّقَ هذا الهدفَ أَبدًا. ولا تزالُ عمليَّةُ القتلِ هذِهِ وَصْمَةَ عارٍ كبيرةً في تاريخِ قلبِ الأَسدِ، خصوصًا وأنَّهُ كانَ قدْ طلبَ مِن صلاحِ الدِّينِ، عددًا مِنَ الأيامِ قبلَ ذلكَ، أَنْ يُرسِلَ لَهُ ثلجًا وفواكَهَ حينما كانَ مريضًا، وقدْ لبَّى السلطانُ طلبَهُ وأَرسلَ لَهُ ما طلبَ، كما ذَكَرْنا سابقًا. ويقولُ العِمادُ الأصفهانيُّ في جريمةِ قتلِ مُسلِمي عكا غدرًا على يدِ قلبِ الأَسدِ قُربَ تلِّ العِياضِيَّة، في الصفحتينِ 372  و 373  من الجزءِ الثاني من كتابِهِ "الفتحُ القُسِّيُّ في الفتحِ القُدسيِّ"، ما يلي:

"وفي عصر يوم الثلاثاء سادس عشر رجب ركبت الفرنجيَّة بأَسرها، وخرجت من مُستقرِّها، وسارت بِخيْلِها ورجالها، وجحفلها وحفلها، وجاءت إِلَى المرج الذي بين تل العِياضِيَّة وتل كَيْسان، ونفَّذ اليَزَكُ وأّخبر السلطان، وركبت العساكر نحوها مُتسابقة مُتلاحِقة، وشامت صوارمَ صادفةَ وعزائمَ صادقة، وكان الملاعين، قد أَحضروا أَسارى المسلمين في الحِبال واقفين، وحملوا عليهم وقتلوهم بأَجمعهم، وأَلْقَوْهُم على مصرعهم، فحمل عليهم العسكر وهاجم، وضرب بأَمواجه أَمواجهم، وقتل منهم خلقًا، وأَوسع فيهم خرقًا، واستشهد منهم كُردي حُمَيْدِي وبدويّ، وكلاهما من الموصوفين بالشَّجاعة وهو من ماء الرَّحمة على الكوثر رَوِيّ، فلمَّا انصرف العدوُّ إِلَى خيامه، وركد الرَّوع بمُثارِ قَتامه، شُوهِدَ المُستشهدون بالعراء عُرْيا، وإنَّما عُرُّوا ليكتسوا من حلل الجنان التي أَكرمهم الله بها وَشْيا، ومضى الناس إليهم فعرفوا معارفهم، ووصفوا في سبيل الله مواقفهم، وما أَكرمهم رجالا، وأَحسنهم في الشَّهادة والسَّعادة حالا، ...".
 
أمَّا مُؤلِّفُ كتابِ Itinerarium  Peregrinorum  et  Gesta  Regis  Ricardi (أي: "دليلٌ لرحلةِ الملكِ ريكاردوسَ وأَعماله للأَجانبِ")، وهو، على ما يبدُو، ريتشارد دِي ﭡِﻣْﭙﻟُو (Richardus  de  Templo)، وقد وَضَعَهُ في مطلعِ العِقدِ الثاني مِنَ القرنِ الثَّالثِ عشرَ الميلاديِّ، فيقولُ في ذلكَ ما يلي:
 
Occidiuntur  a  nostris  obsides  Salahadini
 
"Postquqm  revera  constitit  regi  Ricardo,  transacto  jam  termino  et ultra,  quod  obdurate  corde  Salahadinus  nihil  ultra  curaret  de  redimendis  obsidibus;  coacto  consilio  majorum  in  populo,  decretum  est  nihil  ulterius  frustra  expectandum,  sed  ut  obsides  decollarentur,  reservatis  aliquot   tantum  do  majoribus  et  nobilioribus,  si  forte  vel  ipse redimerentur, sive  pro  quibuscunque aliis  Christianorum  captivis  commutandis.  Rex  Ricardus  in  opprimendis  Turcis  funditus  semper  aspirans,  ad  conterendam  ipsorum  protervam  arrognatiam,  et  legem  Mahumetican  confundendam,  Christianitatem  vindicandam;  die  Veneris  proxima post  Assumptionem  Beatae Mariae,  a  civitate  jussit  educi  Turcorum  obsidum  vinctos  duo  millia  et  septingentos  ad  decollandum.  Nec   mora,  prosiliunt  satellites, alacriter  jussa complentes,  et  animo  gratanti,  ut  videlicet,  in  ultione  redderent talionem,  annuente   gratia  divina,  super  morte  Christianorum,  quos  ipsi  peremerant  arcuum  missilibus  vel  balistarum"
 
وترجمةُ ذلكَ هيَ كما يلي:
 
كيفَ قُتِلَ أَسْرَى صلاحِ الدِّينِ من قِبَلِ رجالِنا
 
"عندما أَصبحَ واضحًا للملكِ ريكاردوسَ أنَّ المدَّة التي انقضتْ أَطولُ مِنَ المدَّة التي اتُّفَقَ عليها، وأنَّ صلاحَ الدِّينِ كان عنيدًا، وأنَّه لنْ يُتعبَ نفسَهُ بمشقَّةِ فداءِ الأسرى،  دعا إِلَى اجتماعٍ لرؤساءِ الشَّعْبِ، وهؤلاءِ قرَّرُوا أنَّ الأسرى يجبُ أنْ يُشنقوا، عدا عنْ بعضِ النُّبلاءِ منَ الطبقةِ العُليا، الذين قد يَفْدُوْنَ أنفسَهُم، أو قدْ تتمُّ مبادلتُهُم ببعضِ الأَسْرَى المسيحيَّينَ، ومِنْ أجلِ القضاءِ على أُصولِ الأتراكِ وفُرُوعِهِم، ومِنْ أجلِ معاقبتِهِم على غطرستِهِم الوحشيَّةِ، وكذلكَ مِنْ أجلِ الغاءِ الشَّريعةِ المُحَمَّديِّةِ، ومِنْ أجلِ تثبيتِ الدِّيانةِ المسيحيَّةِ، وبَعْدَ عيدِ رفعِ مَرْيَمَ العذراءِ المُباركةِ، أَمَرَ الملكُ ريكاردوسُ بأَنْ يُقادَ الأسرى الأتراكُ اﻟ۔ 2700 بعيدًا عنِ المدينةِ (أي عن عكا)، وأن يُشنقوا هناكَ، وقد سارَ جنودُهُ ببهجةٍ مِنْ أجلِ تنفيذِ أوامرِهِ، ومِنْ أجلِ الانتقامِ بعونِ النِّعمةِ الإلهيَّةِ، مِنْ هؤلاءِ الذينَ قتلُوا كثيرينَ مِنَ المسيحيِّينَ بالنَّشاشيبِ من أقواسِهِم وبالقذائفِ مِنْ آلاتِهِمِ القَذُوفَةِ".   
 
ولا شكَّ في أَنَّ عباراتِ التَّطرُّفِ التي وَرَدَتْ في هذِهِ الفقرةِ، والأَعمالَ التي تُعَبِّرُ عنها، لا ترتكِزُ على أُسُسٍ دينيَّةٍ، فالدِّياناتُ كُلُّها، كما هو معروفٌ، وخصوصًا الديانات السَّماويَّةُ الإبراهيميَّةُ الثَّلاث، وكلُّ المذاهبِ التي انحدرتْ مِنها، وكلُّ الفِرَقِ التي تَفَرَّعَتْ عَنها، ترفضُ الغدرَ والقتلَ، وهي تدعُو بقوَّةٍ وبحرارةٍ إِلَى المحبَّةِ والتَّسامُحِ، ولا شكَّ أيضا في أَنَّ مَرْجِعَ هذِهِ العباراتِ وهذِهِ الأَعمالِ، هو التَّعَصُّبُ الدِّيني الأَعمى الذي كانَ مُسيطرًا على أَدْمِغةِ وأَفكارِ الكثيرينَ مِن أَبناءِ القُرُونِ الوُسطى، والانصِياعُ لِلأَوهامِ التي كانتْ تُعَشِّشُ في أَذهانِهِم، ولِرياحِ الجهلِ التي كانتْ تَعْصِفُ بعُقُولِهِم.   
 
 22.8.1191: قلبُ الأَسدِ يتَّجِهُ ببُطءٍ بجيشِهِ جنوبًا بمُحاذاةِ الشاطئِ في حملةٍ عسكريةٍ دامتْ سنواتٍ ثلاثًا، مِن شهرِ آبَ عام 1191 حتى شهرِ تشرينَ الثاني عام 1192، مَعَ توقُّفٍ عَنِ القتالِ مدَّتُهُ كانتْ ثلاثةَ أشهرٍ خلالَ مواسمِ الشتاءِ.  

 5.9.1191: قلبُ الأَسدِ يجتمعُ مع الملكِ العادلِ، أخي صلاحِ الدِّينِ، في محاولةٍ للتوصُّلِ إِلَى اتفاقيَّةٍ لحلِّ الصِّراعِ بينَ الطَّرفينِ.

 7.9.1191: معركةُ أَرْسُوفَ. قلبُ الأَسدِ يهزِمُ جيشَ صلاحِ الدِّينِ بالقُربِ مِن قريةِ أَرْسُوفَ في السَّهلِ السَّاحليِّ الأوسطِ.

حولَ 12.9.1191: قلبُ الأَسدِ يُرسِلُ همفري أُوْف تُورون (Humphrey  of  Toron) إِلَى صلاحِ الدِّينِ بطلبٍ لتجديدِ المُفاوضاتِ بينهُما، والسلطانُ يُوافقُ على ذلكَ.

 3.10.1191: تتجدَّدُ المفاوضاتُ بينَ قلبِ الأسدِ والملكِ العادلِقلبُ الأَسد يقترحُ على العادلِ أَنْ يتزوَّجَ اختَهُ جوانا، أرملةَ ملكِ صِقليَّةَ، وأَنْ يسكنَ الزَّوجانِ الملكيَّانِ في القدسِ، مُقابلَ التَّقيُّيدِ بشروطٍ عدَّةٍ، منها تنازلُ صلاحِ الدِّينِ عَنِ الأراضي التي احتلَّها للصليبيِّينَ، وإرجاعُ الصليبِ الحقيقيِّ لهم، وتبادلُ للأسرَى،  وإِدارةُ قرى البلادِ من قِبَلِ الأخويَّاتِ العسكريَّةِ الصليبيَّةِ، وإِدارةُ القلاعِ العسكريَّةِ الصليبيَّةِ مِن قِبَلِ العادلِ وزوجتِهِ. وعندما رفضتْ جوانا عرضَ الزَّواجِ من العادلِ لِكَوْنِهِ مُسلِمًا، إقترحَ قلبُ الأَسدِ عليهِ أَنْ يتنصَّرَ كي يتمَّ الزَّواجُ، ولكنَّ العادلَ رفضَ ذلكَ، وعندها اقترحَ قلبُ الأَسدِ على العادلِ أَنْ يتزوَّجَ ابنةَ اختِهِ، ولكنَّ هذا الاقتراحَ رُفِضَ هو الآخرُ.   

نهايةُ شهرِ أيلولَ عام 1191: صلاحُ الدِّينِ يُمسِكُ بعُملاءَ للصليبيِّينَ كانتْ بأيديهِم رسائلُ مُوجَّهةٌ لُه مِنْ حاكمِ القدسِ، يشكُو بها مِنْ نقصٍ في الغذاءِ والذَّخيرةِ في المدينةِ، وكانَ بنيَّةِ هؤلاءِ العُملاءِ أنْ يُسلِّموا تلكَ الرَّسائلَ للصليبيِّينَ.  

 18 و 23.10.1191: تتجدَّدُ المفاوضاتُ بينَ قلبِ الأَسدِ والملكِ العادل

 8.11.1191: قلبُ الأَسدِ والعادلُ يجتمعانِ في جوٍّ وُدِّيٍّ بخيمةٍ خلفَ الخطوطِ العسكريَّةِ الإسلاميَّةِ قُربَ مدينةِ الرَّمْلةِ. الرَّجُلانِ يتبادلانِ الهدايا، ويتذوَّقانِ مأكولاتٍ شرقيَّةً وغربيَّةً، ومطربةٌ شرقيَّةٌ تُغنِّي بالعربيَّةِ لقلبِ الأَسدِ، بناءً على طلبٍ منهُ، وكثيرونَ مِنْ جنودِ قلبِ الأَسدِ يلومُونَهُ على اجتماعِهِ بالعادلِ، ويعتبرونَ قَبولَ صلاحِ الدِّينِ وشقيقِهِ العادلِ الاجتماعَ بقلبِ الأَسدِ مُناورةً مِنْ طرفِهِما لكسبِ الوقتِ ولإعاقةِ الهجومُ الصليبيِّ على القدسِ مِنْ أجلِ استردادِها.

الفترةُ بينَ شهرِ تشرينَ الأَوَّلَ عام 1191 - كانُون الثَّاني عام 1192: قلبُ الأَسدِ يُحاولُ التَّقَدُّمَ بجيشِهِ نحوَ القدسِ مِنْ أَجلِ استردادِها مِنْ يدِ المسلمينَ، ولكنَّهُ يتراجعُ خَشْيَةَ صلاحَ الدِّينِ.

 20.1.1192: قلبُ الأَسدِ يتوجَّهُ نحوَ مدينةِ عسْقلانَ، التي كانَ صلاحُ الدِّينِ قدْ دَمَّرَها عامًا قَبلَ ذلكَ، في مُحاولةٍ مِنْ طَرَفِهِ لاستردادِها.

 20.4.1192: قلبُ الأَسدِ، بعدَ أَنْ تيقَّنَ أَنَّ قادةَ الصليبيِّينَ يرفُضُونَ تنصيبَ ﭼﯥ دي لُوزينيان ملكًا على مملكةِ أَورشليمَ الثَّانيةِ، لأَنَّهُم كانوا يعتبِرونَهُ أَوَّلَ المُذْنبينَ في هزيمةِ حِطِّينَ، ومَنعًا للحربِ الدَّاخليَّةِ بينَ الصليبيِّينَ، يبيعُهُ جزيرةَ قُبْرُصَ، ويصبحُ ﭼﯥ ملكًا عليها، ومِنْ بعدِهِ أَحفادُهُ يحكُمونَ الجزيرةَ لمدَّةِ قرنيْنِ كامِلَيْنِ مِنَ الزَّمانِ. 

 20.4.1192: إِثْنانِ مِنْ فِئَةِ الحشَّاشِينَ الإسماعيليَّةِ يغتالُونَ بعكا كُونراد دِي مونفيرَّا، أَوَّلَ مُلوكِ مملكةِ أَورشليمَ الثَّانيةِ، أَيَّامًا قلائِلَ بعدَ انتخابِهِ رسميًّا لهذا المنصبِ. 

 5.5.1192: إِيزابيلاَّ، ملكةُ مملكةِ أَورشليمَ الثَّانيةِ، وأَرملةُ الملكِ المقتولِ كُونراد دِي مونفيرَّا، تتزوَّجُ، بتأييدِ ومُوافقةِ قادةِ الصليبيِّينَ مِنْ أَجلِ منعِ القلاقلِ في الدَّولةِ الصليبيَّةِ واستمرارِ الحُكمِ بها، مِنْ هنري دِي شاﻣﭙانيا، الذي يصبحُ مباشرةً ملكًا عليها.

شَهْرا حزيرانَ وتمُّوزَ عام 1192: قلبُ الأَسدِ يُحاولُ التَّقَدُّمَ بجيشِهِ نحوَ القدسِ مِنْ أَجلِ استردادِها مِنْ يدِ المسلمينَ، ولكنَّهُ يتراجعُ في هذِهِ المرَّاتِ أيضا خَشْيَةَ صلاحَ الدِّينِ، ولا يصلُ المدينةَ أَبدًا. 

 2.9.1192: إتِّفاقيَّةُ الرَّملةِ بين صلاحِ الدِّينِ وقلبِ الأَسدِ. هذا الاتِّفاقُ يُنهي الحملةَ الصليبيَّةَ الثَّالثةَ، ويضمنُ للصليبيِّنَ دولةً نحيفةً على طولِ السهلِ الساحليِّ للبلاد. وقدْ قُدِّرَ لهذِهِ الدَّولةِ أَنْ تستمرَّ في البقاء، كما ذكرْنا سابقًا، مدَّةَ مائةِ عامٍ، إِلَى أَنْ قَضَى عليها السلطانُ المملوكِيُّ خليلُ بنُ قلاوُونَ بتاريخِ 18.5.1292.

 9.10.1192: قلبُ الأَسدِ يُغادِرُ عكا مُتَّجهًا إِلَى وطنِهِ، وفي طريقِ عودتِهِ يُسْجَنُ في النَّمسا، ولا يصلُ بلادَهُ إِلاَّ خلالَ عام 1194.

 4.3.1193: يُتَوَفَّى السلطانُ صلاحُ الدِّينِ بدمشقَ ويُدْفَنُ بِجِوارِ قبرِ الملكِ نُورِ الدِّينِ زَنْكِي في المدرسةِ العزيزيَّةِ قُربَ الجامعِ الأُمويَّ. مَعَ وفاةِ صلاحِ الدِّينِ تتفكَّكُ الدَّولةُ الأَيُّوبيَّةُ التي كانَ هو مُؤسِّسَها، ويقولُ مُؤرِّخُونَ كثيرونَ أَنَّ وفاتَهُ، وما أَعقبَها مِنْ ضعفٍ في الدَّولةِ الأَيُّوبيَّةِ، كانتْ سببًا أَساسيًّا في بقاءِ مملكةِ أَورشليمَ الثَّانيةِ. 
 
فيما يلي الحلقةُ الأُلى مِنَ المُسلسلِ العربيِّ "صلاحُ الدِّين الأَيُّوبيُّ" (المُسلسلُ كُلُّهُ في نحوِ ثلاثينَ حلقة):



وفيما يلي الحلقةُ الثَّانية مِنَ المُسلسلِ العربيِّ "صلاحُ الدِّين الأَيُّوبيُّ":


وفيما يلي الحلقةُ الثَّالثةُ مِنَ المُسلسلِ العربيِّ "صلاحُ الدِّين الأَيُّوبيُّ":

وفيما يلي فيلمٌ وثائِقيٌّ مِنْ انتاجِ قناةِ "الجزيرةُ الوثائِقيًّةُ" حولَ أحداثِ الحملةِ الصليبيَّةِ الثَّالثةِ:

وفيما يلي مقطعٌ مِنَ الفيلمِ الوثائِقيِّ "Saladin  &  Richard  the  Lionheart" (صلاحُ الدِّينِ ورِتْشارْد قلبِ الأَسدِ):



 وفيما يلي مقطعانِ مِنَ الفيلمِ الأَميركِي "The  Crusades"،  للمُخرِج سِيسِيلْ بْلُونْتْ دِي مِل
 ((Cecil  Blount  de  Mille‏، مِن عام 1935 (المقطعُ الثَّاني مِن هذينِ المقطعيْنِ حولَ حصارِ عكا عام 1191): 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق