العنف وفوضى السلاح يهددان أمننا الاجتماعي والأخلاقي
2009-04-04 11:40:34

اليوم، أكثر من أي يوم قد مضى، بدأنا نشعر بأن ما يجري في قرانا ومدننا العربية من أعمال قتل واعتداء وشجار وعمليات سطو، هو خطر أمني من الدرجة الأولى، ويجب أن نولي له أهمية كبرى كما نولي الاهتمام لمسألة الصراع على الأرض أو ضد سياسة التمييز، لأن ما يجري في قرانا ومدننا أصبح أكثر انتشارا وأكثر خطرا من الناحية النوعية بسبب استعمال القنابل والأسلحة النارية في حوادث القتل والاعتداء المذكورة.

إن الخطر الكامن وراء هذا الارتفاع كمّا ونوعًا هو فقدان الإنسان العربي للشعور بالأمان في بلده، وهذه المرة ليس خوفا من عنف السلطات، بل خوفا من عنف الجيران وذوي القربى. هذا الأمان، المهدَّد حاليا، كان أهم ميزة يتميز بها المجتمع العربي بسبب تركيبته القوية ودور العائلة والعلاقات الأسرية الحميمة، ولكن هذه الشبكة من الأمان آخذة بالتقلص بفعل التغيرات السريعة والهائلة التي يمر بها المجتمع العربي منذ أكثر من ثلاثة عقود.
التغير السريع الذي طرأ على المبنى الاجتماعي والحضاري للمجتمعات العربية لم يكن له مثيل من حيث تسارع عملية التغيير، بحيث نستطيع القول إن ما جرى من تغير في كل المجالات خلال ثلاثين سنة يعادل ما جرى من تغير قبل ذلك على مدار أكثر من مائة سنة، إن لم يكن أكثر. ومن التغيرات التي حدثت ضعف دور العائلة الكبيرة في توفير شبكة علاقات اجتماعية شكلت حضنا دافئا للفرد، وضعف دور العائلة بشكل عام، وتقلص مساحة العلاقات الاجتماعية بفعل التطورات التقنية والتكنولوجية التي أوجدت للفرد مسار حياة مساحته، محدودة اجتماعيا واسعة عالميا، ولا شك أن الانتقال من طور الاعتماد على الأرض والزراعة إلى طور الصناعة والخدمات وغيرها من مصادر المعيشة غير الزراعية أثّر على المبنى الاجتماعي التقليدي.
مجتمعاتنا العربية تنتقل من طور إلى طور آخر دون أن تبدع أو تطوّر ضوابط اجتماعية وأخلاقية جديدة تتناسب مع المرحلة العولمية وعصر انفجار المعلومات الذي فتح آفاقا وعوالم لم تكن معروفة أو مطروقة في السابق. إن هذا التغير والتطور أشبه بسيارة ازدادت فيها دواسات الوقود (البنزين) فأصبحت أكثر سرعة، لكنها لم توازن ذلك بزيادة قوة الكوابح أو الفرامل لضبط هذه السرعة.

ما يشهده مجتمعنا العربي في دولة إسرائيل من عنف في الشوارع والبيوت والمدارس، والأخطر من كل ذلك تغلغل عصابات الإجرام المنظم بشكل تدريجي وسيطرتها على مجموعات من شبابنا، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والترهل الاجتماعي والانفتاح العولمي الذي يشجع على اللاإنتماء لأي رابطة أو دائرة انتماء اجتماعية أو قومية، كل ذلك يدعونا جميعا، دون فرق أو تمييز، لليقظة والحذر من هذا التطور الخطير، والعمل على وقفه بسرعة.

هذه العصابات تعمل على أخذ دور العائلة التقليدية حتى أنها تسمى (عائلات الإجرام)، على منوال المافيا الإيطالية والأمريكية، وهي تفعل ذلك عن طريق توفير المال والحماية لأعضائها أو المؤيدين لها، وكذلك توفير دائرة انتماء قد تكون مفقودة لدى الشباب هذه الأيام.
فوضى السلاح التي تشهدها قرانا ومدننا العربية من المؤشرات الخطيرة على تدهور الأمن الاجتماعي والأخلاقي الذي وصلنا إليه. وهذا السلاح الذي في معظمه إما مسروق أو مشترى من الجيش وعصابات الإجرام يستعمل لتصفية الحسابات العائلية أو الشخصية، ويستعمل في عمليات السطو والاعتداء والقتل الذي نقرأ عنه ونسمع عنه كل يوم تقريبا.
هذا السلاح جعل من حياتنا أشبه بمسلسل عنف دموي لا نعرف بدايته أو نهايته. وهنا أنا لا أعمم، لأن هناك قرى ما زالت إلى حد ما آمنة أو بعيدة عن هذا الجو. ولكن كما يبدو فإن معظم القرى والمدن العربية ستدخل في هذه الدوامة بالتدريج. لذلك يجب العمل سريعا وعلى جميع المستويات للتصدي لهذه الظاهرة، ومحاولة علاجها، لأنها تهددنا جميعا، وعلينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي ازاء هذه الظاهرة التي تهدد نسيجنا الاجتماعي وعالمنا الأخلاقي بالانهيار.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق