القيم الأخلاقية بروفيسور حسيب شحادة
2009-03-08 16:35:50
يُعتبر علم الأخلاق (جمع خُلْق أو خُلُق، وهو لغةً الطبائع والعادات والطبيعة) أحد أركان مباحث الفلسفة على مذاهبها المختلفة منذ
 القدم، وتتطرق الفلسفة إلى قيم ثلاث أساسية: الحق والخير والجمال. يتّسم علم الأخلاق بالموضوعية والنزاهة ويطمح لسبْر كُنه
 الأشياء كما هي دون الاتكاء على أية أهواء ونزعات ذاتية. الفلسفة الإغريقية ولا سيما السقراطية هي منبع معظم الفلسفات الأخلاقية، وترى تلك الفلسفة أن الإنسان ذو طبيعة خاصة بغض النظر عن واهب هذه الطبيعة. انصب همّ الأخلاقيين في القرون القديمة على معرفةالذات وتبنّي قواعد معينة للسلوك والمعاملة مع الآخر. ويرى سقراط مثلا أن أسمى خدمة يستطيع الإنسان أن يقدمها لصديقه هي في إطار التهذيب الأخلاقي، وقد حضّ على احترام القوانين المدونة وغير المدونة، ونحن بدورنا هنا نؤكد على “غير المدونة” فالوازع يمليها وهو حاضر دوما. وتؤكد كافة المدارس السقراطية على أن الحكمة أو المعرفة هي خير ما يمكن أن يملكه الإنسان، وعلى قمة أنماط هذه المعرفة تتربع معرفة الخير، وفي طيات هذه المعرفة تكمن الفضائل الأخرى. الفلسفة في الفكر الإغريقي عبارة عن فن الحياة الخيرة وعلم دراستها.
عُصارة علم دراسة الأخلاق في منظور الكنيسة في القرون الوسطى هي: صفاء النفس، ويضم هذا:
 الطاعة والنفور من الدنيا والصبر والإحسان والعلاقة بين المسيحية والثروة والطهارة
 والخشوع والواجب الديني. وفي اعتقاد بعض الفلاسفة مثل توما الأكويني لكل عمل أو حركة يقوم بهما أي كائن حي ناطق أو أعجم غاية أو
 خير ما والخير هذا عند الإنسان هو التفكير. وهناك بعض الشبه بين الرؤية العامة الأخلاقية لدى الأكويني والغزالي فهي مرتكزة
 على الصوفية. يرى الغزالي أن بعض الناس قد وُلد حسن الخلق بالفطرة وأن السبيل لتربية الخلق هو التخلق، ترويض النفس على مكارم
 الأخلاق وهدف الأخلاق هو السعادة الأخروية. وفي رؤية الغزالي لا وجود لأية غاية اجتماعية إذ يرى أن كل سعادة في هذه الدنيا ما هي إلا
 مجازية. وقد وجّه الغزالي للفلسفة ضربة قاصمة لقرن تقريبا حتى مجيء أبي الوليد ابن رشد 1126ـ1198وفي الفلسفة البوذية نرى أن الأخلاق تتمحور في الحصول على الخلاص بواسطة التحرر من الشهوات والرغبات الجسدية. وهناك شبة بين بين
 “الطريق الوسط” البوذية في تحقيق السعادة الروحية والفكرة الأرسطية المتمثلة بتحقيق “الوسط العادل” وهو سرّ الحياة الأخلاقية.
قد يكون مذهب كانط أشهر المذاهب الأخلاقية في الفلسفة الحديثة ويتمركز حول فكرة “الواجب”. وهناك سؤال محيّر: هل الحاسّة
الخلقية مكتسبة أم فطرية؟ وهناك عدة أجوبةمنها: من الفلاسفة مثل شوبنهور من يذهب إلى أن الإنسان غير قادر على تغيير أخلاقة التي فطرعليها فالبشر منهم الأخيار ومنهم الأشرار فالحَمَل يولد وديعا والذئب مفترسا. وأنصار المذهب الفطري يتساءلون عن قيمة ونجاعة محاولة الإصلاح الأخلاقي فهي عبثية لا طائل تحتها في نظرهم. وهناك فريق متفائل مثل جان جاك روسو يقول إن الإنسان خيّر بطبعه والشرّ
عارض عليه وهناك فريق آخر وهم المتشائمون مثل البوذية والكنيسة المسيحية ويقول العكس أي أن الإنسان شرّير بطبعه والخير طارئ عليه،
الإنسان منذ الخطيئة الأولى، أكل التفاحة المحرّمة، أصبح شرّيرا وليس بمقدوره إصلاح نفسه بنفسه فهو بحاجة لمخلص إلهي. وهناك رأي
 ثالث قال به علماء أمثال الفيلسوف الفارسي من القرن الثالث عشر الخواجة نصير الدين الطوسي يقضي بأن الأخلاق مركّبة من جزئيات فطرية
 وأخرى اكتسابية.
وسقراط يندرج تحت زمرة المتفائلين ويرى أن سر الشرّ يكمن في الجهل، جهل الخير ووسائله وعارضه في هذا تلميذه أفلاطون الذي رأى جازما أن العلم وحده غير كاف لجعل الإنسان فاضلا وأضاف معللا لو تيّسر نقل الفضيلة بالتعليم كما هي الحال بالنسبة للعلوم المختلفة عبر
 الأدلة والبراهين لتمكن حكماء أثينا من جعل تلامذتهم فضلاء مثلهم. وجاء أرسطو وقال إن الإنسان ليس عقلا كما ادعى سقراط وليس عقلا وعاطفة كما اعتقد أفلاطون بل إن الإنسان بحاجة لإرادة فعالة. هذه الإرادة هي الجوهر في فلسفة أرسطو القائلة بأن الفضيلة ليست فقط
 علما وإيماناً فهما لا يدفعان الإنسان إلى العمل بدون توفر الإرادة القوية. ويضيف أرسطو لا بدّ في عملية تحقيق التربية الخلقية من تدريب متواصل على تنفيذ ما نعلم. وكتاب أرسطو في علم الأخلاق معروف ومحط اهتمام الدارسين،
 ومن الجلي أن قسما كبيرا من التعاليم السماوية منصبة في خانة الأخلاقيات وجاء في الحديث النبوي “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”
 وقيل ان الاسلام ما يقبله عقلك ويصدقه عملك يشار إلى أن غاية كل فلاسفة الأخلاق هي البحث عن السعادة وهي مختلفة لدى بني البشر فسعادة
 الأناني غير سعادة الحكيم والفيلسوف. وهناك من يقول إن البشر اخترعوا الشيطان كشماعة لتعليق كل ما فيه من شرّ وفساد وضلال الخ. في
 حين أن الإنسان نفسه هو الشيطان ناشر الخصام والشرّ. ويبدو أن نيتشه هو الوحيد الذي عرّى القيم الأخلاقية التي آمن بها الإنسان منذ
 قرون عدة وهاجم “العقل” وفلاسفته كسقراط ويدعو نيتشه إلى عدم الاعتراف بالقيم الأخلاقية ويحاول مراجعتها مجددا، إنه لا
 يعترف بما نسميه خيرا أو شرا. وهناك من يرى في لا أخلاقية نيتشه خطوة على الطريق للوصول إلى الإنسان الأرقى الساعي نحو المزيد من
 الحيوية في كل شيء. ربما كان البحث عن القيم الأخلاقية أكثر الأبحاث الفلسفية التي أثيرت منذ أقدم الأزمنة.
وتعتبر غريزة الإنسان في حب التملك (ولدى الكثيرين البلص واللهط!) من أقوى الغرائز منذ القدم وفيها مقدار كبير جدا من الأنانية. ومن
 نافلة القول أن الإنسان الطبيعي السليم نفسا وعقلا يقف دوما بجانب الحق والخير والعدل ويدافع عنها ويتمسك بالفضيلة ليس تجنبا
 للعقاب ولا طمعا في ثواب وما أندر مثل هذا الإنسان في أيامنا هذه. ليست الفضيلة تجنبَ الرذيلة، الفضيلة ألا تشتهيها ويقال لو انعدم الخلود لما وجدت الفضيلة. بعبارة أخرى، سالك سبيل الشرّ والباطل غير سوي في عقله وروحه وبحاجة للمعالجة النفسية. كل إنسان صالح يتمتع بالفضيلة وهي الخير والحق والتسامح والتضامن مع البشر ولا دخل لوضعه المادي أو العلمي أو لشكله الخارجي في صلاحه. فمن الأخطاء الشائعة في مجتمعاتنا العربية القول المستهجن كيف هذا الإنسان المتعلم والمربي والمسؤول عن أجيال يقوم بمثل هذه الأفعال الساقطة أخلاقيا وقانونيا مثل النميمة والتعجرف والتوجهن والظلم والفساد والكذب والكيل بعدة مكاييل والتقلب وفق الأهواء والمصالح. على كل صاحب حقّ أن ينال
 حقه هذا دون أي شرط أو قيد والظلم انتهاك صارخ للحق ولا مساومة في الحقوق ولا مكان للميول والنزعات والأمزجة المتقلبة الحرباوية. على الشاري الدفع وعلى البائع القبض وكل مسؤول عما يخصّه. وفي الإيدولوجيا الشيوعية أوضح ماركس وإنجلز
 مثلا أن الأخلاقيات هي نتاج النظامين الاقتصادي والاجتماعي والجانب التاريخي للشعب وحددا معالم الدرب السوي نحو السعادة والحرية والعدالة. وفي المرحلة اللاحقة في علم الأخلاق لا بد من ذكر اسم لينين أولا وبليخانوف ولافارج وبيبل وكروبسكاياوماكارينكو وغيرهم ثانيا. وفي الأخلاق الاشتراكية نزعة جماعية في حين أن الرأسمالية تشدد على الجانب الفرداني. وضعت الأخلاق لتنظيم حياة الإنسان بشكل مرض ومن لا يهتم بنفسه يهلك ومن لا يهتم إلا بنفسه وأهدافه لا يستحق الحياة الإنسانية. بغية تطبيق النظام والحق والأخلاق القويمة لا بد
 أحيانا من استخدام القوة ريثما يتبناها الناس، الحق بلا قوة أعزل والقوة بدون حق عمياء مدمرة. الناس معادن، أثمنها أعلاها أخلاقا! وهناك من يقول، كديڤد هيوم، بعدم وجود موضوعي للفضيلة والرذيلة وهما بمثابة وجهة نظر إنسانية!
(بعض المصادر: نيتشه تأليف د. فؤاد زكريا؛المشكلة الخلقية تأليف د. فؤاد زكريا؛ المجمل في تاريخ علم الأخلاق تأليف د. هـ. سدجويك؛ الأخلاق عند الغزالي تأليف زكي مبارك؛ الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع تأليف د. محمد بدوي؛ المشكلة الخلقية والفلاسفة تأليف
 أندريه كرسون؛ القيمة الأخلاقية تأليف عادل العوا؛ نيتشه عدو المسيح تأليف يسري إبراهيم).
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق