الفَيَضَاناتُ الشَّتَوِيَّة عند المَدْخَلِ الغربي لِيِرْكا، لماذا تزدادُ حِدَّتُها مِن عامٍ لآخرَ ؟
2015-01-18 10:45:52
الفَيَضَاناتُ الشَّتَوِيَّة عند المَدْخَلِ الغربي لِيِرْكا، لماذا تحدُثُ ولماذا تَتَكَرَّرُ ولماذا تزدادُ حِدَّتُها مِن عامٍ لآخرَ ؟
علي صغيَّر

فَيَضَاناتٌ شَتَوِيَّةٌ تحصلُ كُلَّ عامٍ عِندَ المَدْخَلِ الغربِي لِيِرْكا، عادةً عندَ المفرقِ الشَّرقي بين يِرْكا وجُولِس، وأَحيانًا كثيرةً على طُولِ الشَّارع الذي يربِط هذا المفرق مَعَ المفرق الغربي الرَّئِيسي  بين هاتَينِ القريتَينِ على شارع رقم 70، وهو الشَّارع الذي يربِطُ مفرق العِياضِيَّة (צומת  יסיף) مَعَ مفرقِ الكابري، مارًّا بقرية كفر ياسيف. هذه الفَيَضَانات تُسَبِّبُ، كما هو معروفٌ، مُضَايَقَاتٍ لِكُلِّ مَنْ يَتَوَاجَدُ هُناكَ وقتَ حُدُوثِها، وخُصوصًا لسائِقِي السَّيَّارات، وهي تُسَبِّبُ عرقلةً في المُواصلات، وتُؤَدِّي أحيانًا إلى حوادثِ سَيْرٍ قد تكونُ خطرةً، وإلى دمارٍ في الشَّارع وإلى تراكُمِ رواسبِ الوادي مَعَ ما يتواجَدُ بها مِن أَوساخٍ ونُفاياتٍ عليه. والسُّؤال هو لماذا تحصلُ تلك الفَيَضَانات بالذَّاتِ هُناك، ولماذا هي تَتَكَرَّرُ كُلَّ عام، وما هُو الحَلُّ لهذه المُشكلة. وسوفَ نُحاوِلُ فيما يلي أَن نُوَضِّحَ هذه الأُمُور، وأَن نُجيبَ على هذا السُّؤال. 

ومِنْ أَجْلِ توضِيحِ ذلك نقولُ أَوَّلاً أَنَّ هذه الفَيَضَانات هي فيضاناتٌ لِوَادٍ (שטפונות  של  נחל)، وليست فيَضَانات سُيُولٍ جبليَّة (שטפונות של מי נֶגֶר עילי). وللأّودِيَة مَجَارٍ أَو قَنَوَاتٌ معروفةٌ ومحفُورَةٌ في سطحِ الأَرض، بِها تجري المياهُ وقتَ الفَيَضَان، وكُلُّ وادٍ يُبْقِي بعدَ الفَيَضَانِ مجرىً محفُورًا وواضِحًا لهُ، أَو قَنَاةً محفُورةً وواضِحةً له، حتَّى لو تَوَقَّفَ جَرَيَانُ الماءِ بِهِ. والأَودِيةُ قد تُغَيِّرُ مواقِعَ مجاريها أَو قنواتِها مَعَ الوقت، وذلكَ طِبقًا لطاقَةِ المِياهِ التي تجري بِها، وهذه تَتَعَلَّقُ بِعَوَامِلَ عديدةٍ، مِن أَهمِّها مقادِيرُ المياهِ الجارِيَةِ بِها، وسُرعَةُ جَرَيانِها، ومدى انحدارِ المجرى، ولكن، وفي كُلِّ الأَحْوال، يجب أَن يَتَوَاجَدَ دائِمًا مجرًى واضَحٌ لِكُلِّ وادٍ. أَمَّا الفَيَضَاناتُ النَّاتِجةُ عَنِ السُّيُولِ فهي تلك التي تحصلُ، وقتَ سُقُوطِ المطر، وأَحيانًا تستَمِرُّ بعضَ الوقتِ بعد تَوَقُّفِهِ، على المُنحدراتِ الجبليَّة، وتهبطُ إلى الأَماكنِ المُنخفِضة، تحت تأثيرِ الجاذبيَّة الأَرضيَّة. لهذا النَّوعِ مِنَ الفَيَضَانات لا تَتَواجَدُ مَجَارٍ عميقةٌ وثابِتَةٌ، أَو قنواتٌ عميقةٌ وثابِتَةٌ، فالمِياهُ تجري في هذه الحالات، هُنا وهُناك، على شكلِ طبقاتٍ غيرِ سميكةٍ فوق المُنحدرات الجبليَّة، وقد تُكَوِّنُ لها مجاري أَو قَنَوَاتٍ مُؤَقَّتَةً، ولكنَّ أَعْماقَها تكونُ صغيرةً، وأَطوالَها تكونُ قصيرةً، ومواقِعُها على تلكَ المُنحدرات تتغيَّرُ ليسَ فقط مِن عامٍ لآخر، وإنَّما أَيضا مِنْ فَيَضَانٍ لآخر.

الفَيَضَانُ هو فَيَضَانُ وادي الكَوَاشِين
وادي الكَوَاشِين (נחל  יָסָּף) هو الذي يُسبِّبُ هذه الفَيَضَانات. بدايةُ هذا الوادي هي في الطَّرَفِ الشَّرقي لكيبوتس كِيْشُور (קיבוץ  כּישּׂוּר)، قليلاً إلى الجنوب مِن مفرق التُّوفانيَّة (צומת  תֶפֶן)، وهو يتَّجِهُ غربًا، ضامًّا إليهِ عددًا مِن الرَّوافدِ على طُولِ مجراه، إلى أَن ينتهي في البحر الأبيض المتوسِّط إلى الغربِ مِن كيبوتس "لُوحَامِي ﮪَﭼِيْطاؤوت" (קיבוץ  לוחמי  הגטאות). وادي الكَوَاشِين هو وادٍ جافٌّ، وكذلك رَوَافِدُه. والقصدُ مِن ذلك أَنَّه يبقى جافًّا مُعظمَ العام، لا تجري بِهِ المياه، ولا في رَوَافِدِه، إلاَّ في موسِمِ المطر، وفقط بعد سُقُوطِ رواسِب غزيرة على حَوْضِه وعلى أَحْواضِ رَوَافِدِه. طول وادي الكَوَاشِين هو 20.5 كيلومتر، والمُعدَّلُ السَّنوي لِصَبيبِ مياهِهِ هو 2.2 مليون متر مُكَعَّب، مِن أَصلِ 200 مليون متر مُكَعَّب، وهو المعدَّلُ السَّنوي لمجموعِ ما تَصُبُّهُ كلُّ أَوديةِ البلاد التي تنصرِفُ مياهُها غربًا إلى البحر الأبيضِ المتوسِّط.

 وتجدُر الإشارةُ إلى أَنَّ الإسم "وادي الكَوَاشِين" معروفٌ بشكلٍ خاصٍّ لدى سكَّان يِرْكا وجُولِس، وهو اسمٌ أُطْلِقَ على هذا الوادي نسبةً لموقعِ الأرضِ المعروفِ باسم "الكَوَاشِين"، الذي يقع إلى الجنوبِ مِن يِرْكا، والتَّابِعَةِ مُعظمُ أَراضيهِ لسكَّانِها. لهذا الوادي اسمٌ آخرُ وهو "وادي الغَمْيَة"، وهو اسمٌ يُطْلِقُهُ البعضُ على كلِّ الوادي، مِن بدايَتِهِ حتَّى مصبِّهِ، في حين يُطْلِقُهُ آخرونَ على الأقسام الغربيَّة مِن مجراه، قُرْبَ مصبِّهِ في البحر.

لوادي الكَوَاشِين رافِدانِ رئِيسيَّانِ، واحدٌ يأتيهِ مِنَ الجهة الشَّماليَّة، وآخرُ يأتيهِ مِنَ الجهة الجنوبيَّة، وهما كما يلي:
1.      وادي "زاخ" (נחל  זָך). يندَمِجُ مَعَ "وادي الكَوَاشِين" في جهتِهِ الشِّماليَّة. بدايةُ مجراه إلى الجهة الجنوبيَّة الغربيَّة مِن يِرْكا، وإلى الغرب مِن جَث، وإلى الجنوب مِن خربة عَكْرُوش (חורבת  עָכִיר)، وهو يخترق قرية أَبو سنان، ثمَّ يندمجُ مَعَ وادي الكَوِاشِين إلى الجهةِ الجنوبيَّةِ الغربيَّةِ مِن كيبوتس "نِيْسْ عَمِيْم" (קיבוץ  נֶס  עמים). طول وادي "زاخ" هو 10.4 كيلومتر.
لِوادي "زاخ" يوجدُ رافِدٌ رئيسيٌ، وهو وادي "أَبو الذَّهب" (נחל  אֶזְהָב)، وبدايةُ مجراهُ في المُنحدرِ الغربي لِيِرْكا، على بُعدِ مسافةٍ قصيرةٍ إلى الغربِ مِن "المَدْوَر"، ويتَّجِهُ غربًا مُختَرِقا قريةَ أَبو سنان، ثمَّ يندمجُ مَعَ وادي "زاخ".  للمياهِ التي تجري في وادي أَبي الذَّهب دورٌ في الفَيَضَاناتِ الشَّتَوِيَّةِ التي تحصلُ في قرية أَبو سنان، فهو يجري بداخلِ تلكَ القرية في قناةٍ هندسِيَّةٍ، وهي لا تكفي في حالاتٍ كثيرةٍ لصرْفِ كلِّ مياهِهِ وقت الفَيَضَاناتِ الكبيرةِ.

2.      وادي "يِتْسْهار" (נחל  יִצְהָר). يندمجُ مَعَ "وادي الكَوَاشِين" في جهتِهِ الجنوبيَّة. بدايةُ مجراهُ إلى الغربِ مِن قريةِ دير الأَسد، وهو يندمجُ مَعَ وادي الكَوَاشِين إلى الجنوب مِن كيبوتس "نِيْسْ عَمِيْم"، قبل اندماج وادي "زاخ" معه. طول  وادي "يِتْسْهار" هو 14.4 كيلومتر.
رافدٌ مشهورٌ لوادي "يِتْسْهار" هو وادي "سْمَاك" (נחל  חַמְרָה)، وبدايةُ مجراهُ على بُعدِ مسافةٍ قصيرةٍ إلى الجنوب مِن كيبوتس يْلِخ (קיבוץ  פֶּלֶך).
مساحةُ حوضِ تصريفِ وادي الكَوَاشِين، من بدايتِهِ حتَّى مَصَبِّهِ في البحر، هي 66.4  كيلومترًا مُرَبَّعًا. لا تشترِكُ كلُّ هذه المساحةِ في توليدِ الفَيَضَاناتِ عند المدخلِ الغربي لِيِرْكا، وما يشترِكُ مِنها هي فقط تلكَ المساحةُ التي تقع إلى الشَّرقِ مِنَ ذلكَ المدخل.
 
 وادٍ جافٌّ قريبٌ آخرُ هو وادي المجنونة (נחל  בית  העֶמֶק)، الذي يقع إلى الشِّمال مِن يِرْكا، بينها وبين قرية جَث. هذا الوادي يستمدُّ مُعظمَ مياهِهِ مِن النَّبعِ الكارْسْتي المعروف باسم "عين المجنونة" (עין  יִפְעָם) الموجودِ في وسطِ مجراه، والذي لا تنبَثِقُ مِنهُ المياهُ إلاَّ بعد ارتفاعِ مُستوى المياهِ الجوفيَّةِ تحتَهُ وقطعِها لقعرِهِ، ولا يحصلُ ذلك إلاَّ بعدَ سُقُوطِ رواسِب غزيرة على حَوْضِه. مَصَبُّ هذا الوادي هو في البحر الأبيض المتوسِّط بالقُربِ مِن كيبوتس ﺸَﭬِﻲ تْسيُون (שבי  ציון). ولكنَّ فَيَضَاناتِ وادي المجنونة لا تُؤثِّر على حركة السَّيْر مِن يِرْكا وإليها عندَ مدخلِها الغربي، وكذلك مِن وإلى أَبو سنان وكفر ياسيف، وذلك لأَنَّ مجراهُ بعيدٌ عن هذه القرى.
وادي المجنونة يُسبِّبُ، وقتَ فَيَضَانِهِ، عرقلةً في حركةِ السَّيرِ بين يِرْكا وجث، لأَنَّ الشَّارعَ الضَّيِّقَ الذي يربِط بين هاتينِ القريتينِ يقطعُ قعرَ الوادي تمامًا، على بُعْدِ عددٍ مِن مِئاتِ الأمتارِ إلى الغربِ مِن عينِ المجنونة، ومياهُ الوادي، مَعَ ما تحملُهُ مِن مجروفاتٍ تقطعُ ذلكَ الشَّارعَ وتجري عليهِ، وفي ذلك خطرٌ كبيرٌ للمواصلات على طُولِهِ، خصوصًا وأَنَّهُ لم يُشَقَّ بموجبِ التَّخطيطاتِ الهندسيَّةِ المطلوبة كي يكونَ آمِنًا بالقَدْرِ المطلوب، فهو، عدا عن ضيقِهِ، بدونِ أَرْصِفَةٍ على جانِبَيْهِ، ويحتوي على مُنعَطَفَاتِ خطرةٍ، وانحداراتٍ شديدة.
مساحةُ حوضِ تصريفِ وادي المجنونة، من بدايتِهِ حتَّى مَصَبِّهِ في البحر، هي 71 كيلومترًا مربَّعًا (هنالك مِن الخُبراءِ مَن يجعلُها 73 كيلومترًا مربَّعًا). طولُهُ هو 22.7 كيلومتر، وأَكبرُ كميَّةِ مياهٍ جَرَتْ بِهِ، كما تمَّ قِياسُها في مجراه بالقُربِ مِن كيبوتس ﺸَﭬِﻲ تْسيُون، كانت بتاريخ 20.1.2010، وكان مقدارُها 42  مترًا مُكَعَّبًا في الثَّانية، وفترة الرُّجُوع لهذا الصَّبيبِ هي مرَّة كلَّ 50 عامًا. المُعدَّلُ السَّنوي لِصَبيبِ مياهِهِ هو 2.2 مليون متر مُكَعَّب. وصَبِيبُ (ספיקה, Discharge) الوادي أَوِ النَّهر هو مُجْمَلُ ما هو يجري بِهِ مِن مياهٍ، خلالَ مُدّةٍ زمنيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، كشهرٍ، أَو سنةٍ، أَو غير ذلك.

هذه الأوديةُ كُلُّها، كما ذكرنا، هي أَوديةٌ جافَّةٌ لا تجري بها المياهُ إلاَّ في أَعقابِ سُقُوطِ رواسبَ غزيرة، ولكنَّها كانت في عُصُورٍ جيُولوجيَّةٍ سالِفة، عندما كانت بلادُنا أَكثرَ مَطَرًا، أَوديةً دائِمةَ الجَرَيَانِ، خِلالَ تلكَ العُصُور تكوَّنت مجاريها وتِشَكَّلت أَحواضُها. وحوضُ الوادي (אגן  ההיקוות) هو تلكَ المنطقةُ التي تُزَوِّدُ مجراهُ بالمياهِ، ولِكُلِّ وادٍ حوضُهُ، وكُلُّ قطعةِ أَرضٍ تتبعُ لِوَادٍ مُعَيَّن، ولا يجوزُ أَن تتبعَ لأَوديةٍ اثنينِ أَو أَكثرَ مِن ذلك.

وما هو سببُ هذه الفَيَضَانات ؟
السَّببُ الأساسي هو عدم مقدرة الصُّخورِ والأتربة الموجودة في حوض تصريف وادي الكَوَاشِين على استيعابِ كلِّ مياهِ الرَّواسِبِ (المطر السَّائِل، والثَّلج والبَرَد) السَّاقطة عليهِ. هذا الأمر لا يحصلُ عادةً في بدايةِ موسِمِ المطر، أي مباشَرَةَ بعد انقضاءِ فَصْلَيِ الصَّيفِ والخريفِ الطَّويلَيْنِ والجافَّيْن، فالتُّربةَ في هذه الحالةِ تكونُ جافَّةً، وأَحيانًا جافَّةً جدًّا، ولذا فهي تمتصُّ تقريبًا كلَّ مياهِ المطر التي تسقطُ عليها، حتَّى لو كانَ المطرُ غزيرًا، وهكذا فهذهِ المياهُ لا تصلُ مجرى الوادي، ولا يحصلُ جَرَيَانٌ للماءِ بِهِ. وهذا الأمر لا يحصلُ عادةً أيضا في نهايةِ موسِمِ المطر، أي بعدَ انقِضاءِ فصلِ الشِّتاءِ وانقِضاءِ مُعظمِ فصلِ الرَّبيع، في هذه الحالاتِ تكونُ التَّربةُ قد جَفَّتْ، وأَصبحتْ قادِرةً مِن جديدٍ على امتصاصِ معظم مياهِ الرَّواسبِ التي تسقطُ عليها.
فَيَضَانات وادي الكَوَاشِين تحصلُ عادةً في وسطِ موسمِ المطر، وعلى وجهِ الخصوصِ بعدَ سقوطِ رواسبَ غزيرة، خصوصًا عندما تسقطُ بكميَّاتٍ كبيرةٍ خلالَ مُدَدٍ زمنيَّةٍ قصيرةٍ، في هذه الحالات تكونُ التَّربةُ شِبهَ مُشبَعَةٍ بالمياه، ويكفي عندها لعاصفةِ مطرٍ قويَّةٍ أَن تُوَلِّد الفَيَضَان، فكلُّ المياهِ التي تعجزُ التُّربةُ عنِ امتصاصِها تجري كمياهِ سُيُولٍ على المُنحدراتِ الجبليَّةِ الموجودةِ في حوضِ التَّصريف، وسُرعانَ ما تصلُ هذه المياهُ إلى مجرى الوادي مُتدفِّقَةً ومُندفِعَةً إلى الغرب باتِّجاه البحر، ومُوَلِّدةً فَيَضَاناتٍ في الأماكِن المُنخَفِضة، عند المدخلِ الغربي ليِرْكا، وفي كُرُومِ الزَّيتونِ المُتاخِمة والمُجاورة له.

ولماذا يتكرَّرُ حُدوثُ هذه الفَيَضَانات، ولماذا تزدادُ حِدَّتُها مِن عامٍ لآخرَ ؟
حُدوثُ هذه الفَيَضَاناتِ يتكرَّرُ كلَّ عامٍ، وعادةً يتكرَّرُ أَكثرَ مِن مرَّةٍ في موسِمِ المطرِ الواحد، لأَنَّ ارتِواءَ الصُّخورِ التي تُكَوِّنُ حوضَ تصريفِ الوادي، وارتِواءَ الأَتربة التي تُغَطِّي تلك الصُّخور، بالمياه، هي مسألةٌ تحصلُ خلال موسِمِ المطرِ كلَّ عامٍ، وهي تحصلُ دائِمًا أَكثرَ مِن مرَّةٍ خلال العامِ الواحد. وتجدُرُ الإشارةُ هُنا إلى أَنَّ مقدرة الأَتربةِ والصُّخور على استيعابِ المياهِ تختلفُ مِن نوعِ تربةٍ لآخرَ، ومِن نوعِ صخرٍ لآخر، وذلك طِبقًا للخواصِّ الفيزيائِيَّة والكيماويَّةِ لتلك الأَتربة ولتلك الصُّخور.

أَمَّا أَسبابُ ازديادِ حِدَّةِ هذه الفَيَضَاناتِ مِن عامٍ لآخرَ فهي كما يلي:

  1. إتِّساعُ الرُّقعةِ المَبنِيَّةِ في حوضِ تصريفِ الوادي مِن عامٍ لآخرَ. فكلُّ دارٍ تُبْنَى، وكلُّ شارعٍ يُعبَّدُ، وكلُّ ساحةٍ تُعَبَّدُ أو تُبَلَّطُ، تُؤدِّي إلى تَقَلُّصِ المساحاتِ القادِرةِ على امتصاصِ مياهِ المطرِ في حوضِ التَّصريف. الرَّواسِبُ التي تسقطُ على هذه المباني والشَّوارعِ والسَّاحاتِ تجري بسرعةٍ إلى الأَسفل باتِّجاهِ مجرى الوادي وتُعَجِّلُ مِن حُدوثِ الفَيَضَان. ونظرًا لأَنَ البِناءَ يزدادُ مِن عامٍ لآخرَ، فمِنَ المُتَوَقَّعِ أَن تزدادَ خُطُورةُ هذا العامِلِ مِن عامٍ لآخر أيضاَ، وهذا الأَمرُ يُلْزِمُ تخطيطًا مُسبقًا ودقيقًا لكيفيَّة التَّصريف المُستقبلِي لفائِضِ المياهِ التي تسقطُ على حوضِ التَّصريف.
  2. إلقاءُ النُّفايات، وبالذّاتِ النُّفايات الثَّقيلة وذات الحُجُومِ الكبيرةِ، في حوضِ التَّصريف، وخُصوصًا إذا أُلْقِيَتْ في المجرى نفسِهِ، وحتَّى بالقُربِ مِنهُ. هذا الأَمرُ يُؤدِّي إلى انغِلاقٍ جُزئِيٍّ، أَو حتَّى إلى انغِلاقٍ كُلِّيٍّ للمجرى، فَكُتَل النُّفايات الثَّقيلة قد تعجزُ مياهُ الوادي عن جرفِها، والكُتَلُ الكبيرةُ الحجمِ قد لا تدخلُ في العَّبَّاراتِ الصغيرة الموجودة على مجرى الوادي ومجاري روافِدِه. في حالاتٍ كهذه لا يبقى أَمَامِ المياهِ الجاريةِ في المجرى إلاَّ أَن تفيضَ على ما يتواجَدُ في طريقِها على جانِبيهِ، مُوَلِّدةً فَيَضَاناتٍ قد تكونُ خَطِرَةً وجارِفةً.
  3. تَضييقُ المجرى الطَّبيعي للوادي. هذا الأَمرُ يحصلُ عادةً نتيجةً للبِناءِ المُتاخِم للمجرى، أَو بداخِلِهِ، وَمِنَ الطَّبيعي أَنْ تَعجزَ القناةُ الضَّيِّقَةُ المُتَبَقِّيَةُ مِنهُ، في هذِهِ الحالاتِ، عن تصريفِ كلِّ المياهِ، فتفيضُ عندها المياهُ الزَّائِدةُ على الجانِبَيْنِ.
  4. العَبَّارَاتُ الصَّغيرةُ الموجودةُ في المواضِعِ التي يتقاطَعُ بها مجرى الوادي مع الشَّوارع. عَبَّارَاتٌ كهذه موجودةٌ عندَ نقطةِ تقاطُعِ الشَّارع مَعَ مجرى وادي الكَوَاشِين، عند المدخلِ الغربي لِيِرْكا. عَبَّارَةٌ صغيرةٌ مِن هذا النَّوع موجودةٌ أيضا عند نقطة تقاطُعِ مجرى وادي "زاخ" مَعَ الشَّارعِ في الطَّرفَ الشِّمالي لقرية أَبو سنان، إلى الشِّمالِ مِن مقام النَّبي زَكَرَيَّا عليه السَّلام.
وما هو الحَلُّ ؟
الحلُّ هو الامتناعُ عَنِ إلقاءِ النُّفاياتِ في مجرى الوادي، والامتناعُ عنِ البناءِ بلصْقِهِ، وعن تضييقِ مجراه، وعن تغييرِهِ بشكلٍ عشوائِي.  
أَمَّا بالنِّسبةِ لحركةِ البِناءِ المُتزايِدة في حوضِ الوادي، وهي حركةٌ طبيعيَّةٌ ولا يجوزُ منعُها إذا تمَّتْ طبقًا للقانُونِ وللتَّخطيطِ الهندسي المطلوب، فالأَمرُ يُلزِمُ اهتمامًا أَكثرَ بالوادي، وبمسألةِ شَقِّ الشَّوارِعِ وتعبيدِها، وسائِرِ أَعمالِ التَّطويرِ والبناءِ في حوضِهِ، وبإنشاءِ العَبَّاراتِ والجُسُورِ في المواضِعِ التي يتقاطعُ بها مجراهُ مع الشَّوارع. ومِن أَجلِ ذلكَ ينبغي أَن يُؤخَذَ بالحسبانِ عامِلانِ أَساسِيَّانِ:

  1.  الازديادُ المُتَوَقَّعُ في المساحةِ المَبنِيَّةِ في حوضِ الوادي، في كلِّ القرى وسائِرِ أَشكالِ الاستيطان الموجودةِ بِهِ، خلال مدَّةٍ مُستقبلِيَّةٍ طويلةٍ بالقَدْرِ الكافي، وكلَّما كانت هذه المدَّةُ أَطولَ، تكونُ الحساباتُ والتَّخطيطاتُ أَكثرَ دِقَّةً. هذه المساحاتُ يجبُ طَرْحُها مِن مُجملِ المساحاتِ القاِدِرةِ على استيعابِ مياهِ الرَّواسِب وامتصاصِها في حوضِ الوادي، فكلُّ المطرِ الذي سوفَ يسقطُ عليها سوفَ يجري إلى الأَسفلِ باتِّجاهِ مجاري الأَودية، وسوفَ يكونُ جُزءًا مِن الفَيَضَانات المُستقبليَّة. 
الازديادُ المُتَوَقَّع في المساحة المَبنِيَّة في حوضِ الوادي مُتَعَلِّقٌ، بالطَّبع، بمدى التَّكاثُر السُّكَّاني الحالي وبمدى التَّكاثُر السُّكَّاني المُستقبلي المُتَوَقَّع في هذه المنطقة، وهذه المعلوماتُ مُمكِنٌ الحُصُولُ عليها مِن وزارةِ الدَّاخليَّة.

القرى والمستوطناتُ التي يجب أَن يُؤخَذَ التَّكاثُر السُّكَّاني بها بالحِسبانِ هي:
أ‌.         يِرْكا: والحديثُ هُنا عن تلكَ المساحاتِ التي سوفَ تنصرِفُ مياهُها جنوبًا إلى وادي الكَوَاشِين (جُزءٌ صغيرٌ مِن المساحاتِ المَبنيَّةِ حاليًّا في يِرْكا تنصرِفُ مياهُهُ شمالاً باتَّجاهِ مجرى وادي المجنونة، وسوفَ يكونُ الأَمرُ كذلك بالنِّسبةِ لبعضِ المساحاتِ المُتَوَقَّعِ أَن تُبْنَى في المُستقبل في الطَّرفِ الشِّمالي للقرية).
ب‌.     جُولِس: ألأحياءُ الشِّماليَّةُ التي تنصرِفُ مياهُها حاليًّا، وسوفَ يستمِرُّ انصِرافُها مُستقبلاً، باتِّجاهِ وادي الكَوَاشِين (ألأَحياءُ الجنوبيَّة مِن جُولِس تنصرِفُ مياهُها جنوبًا نحو وادي "يِتْسْهار").
ت‌.     دير الأَسد: ألأَطرافُ الشِّماليَّة الغربيَّة، خصوصًا المنطقة المعروفة باسم "خِربة البْيَار، أَو خِربة البْيَارَة" (موقعٌ أَثري مِنَ الفترتينِ الرُّومانيَّة والبيزنطيَّة، تكثُرُ بِهِ الآبارُ المحفورةُ في الصُّخورِ الصُّلبة). هذه المنطقة تنصرِفُ مياهُها غربًا إلى وادي الكَوَاشِين.
ث‌.     كيبوتس كِيْشُور (קיבוץ  כּישּׂוּר): كلُّ مياهِهِ تنصرِفُ إلى وادي "كِيْشُور"، وهو رافدٌ لوادي الكَوَاشِين.
ج‌.      كيبوتس تُوﺎل (קיבוץ  תוּבָל): كلُّ مياهِهِ تنصرِفُ إلى وادي الكَوَاشِين.
ح‌.      كيبوتس يلِخ (קיבוץ  ֶלֶך): كلُّ مياهِهِ تنصرِفُ إلى وادي الكَوَاشِين.
خ‌.      أَبو سنان: مياهُها تنصرِفُ إِمَّا إلى وادي "زاخ" أو إلى وادي أَبو الذَّهب، وهُما، كما ذَكَرْنا، رافِدانِ لِوادي الكَوَاشِين.
د‌.        كفر ياسيف: مياهُها تنصرِفُ غربًا إلى روافِدَ لوادي الكَوَاشِين، ولكن نظرًا لأَنَّ هذه القرية تقع إلى الغرب مِن يِرْكا ففائِض مياهِ الرَّواسِبِ السَّاقطة عليها لا يُسبِّبُ الفَيَضَانات عند المدخلِ الغربي لِيِرْكا.
 
2.      أَكبرُ فَيَضانٍ حصلَ في وادي الكَوَاشِين، منذُ بدايةِ قياسِ فَيَضَاناتِ ذلكَ الوادي، وفترة رُجُوعِ أَو تَكْرَارِ ذلك الفَيَضَانِ (זמן  חזרה,  Return period  (Recurrence interval,. وفترةُ الرَّجُوعِ أَوِ التَّكْرارِ هي المدَّة الزَّمنيَّة التي يُتَوَقَّعُ لحادثٍ طبيعي، كفَيَضَانٍ، أو هزَّةٍ أَرضيَّة، أَو صَبيبٍ لنهرٍ أَو وادٍ، أَو سُقوطِ  كميَّةٍ معيَّنةٍ مِنَ المطر، أَن يحدُثَ أَو أَن يتكرَّرَ مرَّةً أُخرى بعد انقضائِها. فترة الرَّجُوع أَوِ التَّكْرار هي مقياسٌ إِحصائِي يعتمدُ على تاريخِ حُدوثِ ذلك الحادثِ في الماضي.
وأَكبرُ فَيَضانٍ حصلَ في وادي الكَوَاشِين مُسَجَّلٌ ومعروفٌ، وكذلكَ بالنِّسبةِ لفترةِ رُجُوعِهِ أَو تَكْرَارِهِ، ومِنَ المُمكنِ الحصولُ على هذه المعلوماتِ مِن مصلحةِ الخدماتِ المائِيَّة في البلاد (השירות  ההידרולוגי). ومِن المُمكنِ أَيضا الحصولُ على معلوماتٍ كثيرةٍ أُخرى تتعلَّقُ بهذا الوادي، وبوادي المجنونة، وغيرِهِ مِنَ الأَوديةِ وسائِرِ الموارِدِ المائِيَّةِ في البلاد.
أَكبرُ فَيَضانٍ حصلَ في وادي الكَوَاشِين يُعَيِّنُ لنا أَبعادَ العَبَّاراتِ والجُسُور التي يجبُ أَن تُنْشَأَ في المواقعِ التي يتقاطعُ بها الوادي، أو أَيِّ واحدٍ مِن روافِدِهِ مَعَ الشَّارع، فكلّ عَبَّارَةٍ تُبْنَى عليهِ يجبُ اَن تسمحَ لِمياهِ أَكْبَرِ فَيَضَانٍ أَن تمرَّ عبرَها، وأَيُّ جسرٍ يُنْشَأُ عليهِ يجبُ أَن يسمحَ لِمياهِ ذلكَ الفَيَضَانِ أَن تمُرَّ تحتَهُ بسهولةٍ ومِن دونِ أَيِّ عرقلةٍ لحركةِ السَّيْرِ أو للمُشاةِ على الشَّارعِ فوقَهُ.
وإذا بُنِيَتِ العَبَّارَاتُ والجُسُورُ على مجرى الوادي طبقًا لهذهِ المعلوماتِ واستِنادًا عليها، وإذا رُوْعِيَتِ الأُمورُ التي ذكرناها، فبذلكَ سوفَ يكونُ الحَلُّ لمشكلةِ الفَيَضَاناتِ الشَّتويَّةِ عندَ المدخلِ الغربي لِيِرْكا، بِعَوْنِ الله.

 
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق