أتُونٌ قديمٌ لِصُنعِ الكِلْسِ في أرضِ يِرْكا
2014-12-22 12:39:58
من أرشيف البروفيسور علي صغيَّر

أتُونٌ قديمٌ لِصُنعِ الكِلْسِ في أرضِ يِرْكا

تُوجَدُ في الطَّرف الغربي مِن أراضي يِرْكا بقايا أتَاتِينَ عديدةٍ لصُنعِ الكِلْس،كانت فعَّالةً حتَّى نهاية فترة الانتداب البريطاني، ثمَّ توقَّفَ استعمالُها بعدَ قيامِ دولةِ إسرائيل،حينما بدأتِ الدَّولةُ ببناءِ مصانعَ عصريَّةٍ في جميعِ أنحاءِالبلاد مِن أجلِ هذا الهدف، وحينما أصبحَ الكِلْسُ مُتوافِرًا بشكلٍ كبيرٍ وبأسعارٍ رخيصة. عددٌ كبيرٌ مِن هذه الأتَاتِين تدمَّرَ واختفى منذ عشراتِ السِّنين، ولم يبقَ إلاَّ القليلُ منها.بعضُ هذه الأتَاتِين تدمَّر نتيجةً لأعمالِ التَّطويرِ واستصلاحِ الأراضي في مُحيطِ تلك الأتُنِ، مِن أجلِ استغلالِ الأرضِ في الزِّراعة، وبعضُها الآخر بسببِ الإهمالِ والتَّوقُّفِ عَنِ استعمالِها. ونحنُ نعرِضُ فيما يلي واحدًا من تلك الأتَاتِين الباقية.

الأتَاتِينُ التي كانت في أراضي يِرْكا كانت حُفَرًا أُسطُوانيَّة الشَّكل حُفِرَتْ في سطحِ الأرض، عُمقُ الواحد مِنها كان عددًا مِن الأمتار، وقُطْرُهُ كان عددًا مِن الأمتارِ كذلك. قُطْرُ الأتُونِ الذي نتحدَّثُ عنه حوالي 3.7 مترًا، وعُمْقُهُ غيرُ معروفٍ لأنَّ الأتربةَ والحجارةَ والنباتات البَرِّيَّةَ تُغطِّي قعرَهُ، ولكنَّ العُمقَ المكشُوف مِنه يبلغ 1.7 مترًا.جوانِبُ هذا الأتُونِ لا تزالُ مُبَطَّنَةً بالحجارةِ الجِيريَّة، كما كانت عليهِ في حينِهِ. عندما كان هذا الأتُونُ فَعَّالاً كانت تُبْنَى حولَ فُوَّهَتِهِ وفوقَ سطحِ الأرض قُبَّةٌ مِن الحجارةِ الجِيريَّةِ التي أُعِدَّت لإنتاج الكِلْس، وعليها كانت تُوضَعُ طبقاتٌ مِنَ التُّراب، كانت تُغَطِّيها تمامًا، وعلى هذه الطَّبقاتِ كانت تُبْنَى قُبَّةٌ خارجيَّةٌ مِن الحجارة الجِيريَّة، وكلُّ ذلك مِن أجلِ منعِ تسرُّبِ الحرارةِ مِن داخل الأتُون إلى خارجه. مِن سطحِ الأرضِ إلى قعرِالأتُونِ كانت تُحْفَرُ حُفرةٌ مِن أجلِ إدخالِ الوَقُودِ عَبْرَهَا، وفوقَ سطحِ الأرضِ، في قُبَّةِ الحجارةِ الجِيريَّةِ، كانت تُتْرَكُ فَتْحَةٌ أُسطوانيَّةٌ صغيرةُ القُطْرِ مِن أجلِ التَّهويَة.

المدَّةُ المطلوبةُ لإنتاجِ الكِلْسِ مِن الأتُونِ الواحِدِ كانت تدومُ، في المُعدَّل، بين أربعة وسبعةِ أيَّامٍ، طبقًا لحجم الأتُون.

ومِنَ الجدير بالذِّكر أنَّ أتَاتِينَ خاصَّةً أُخرى كانت تُقامُ مِن أجلِ صُنعِ الزُّجاجِ، وأُخرى مِن أجلِ صُنعِ الخَزَف.

البِلاَّنُ والقُنْدَوْلُ، نباتانِ بَرِّيَّانِ استُخْدِمَا بكثرةٍ وَقُودًا في الأتَاتِين

طيلةَ المدَّة التي كان الأتُونُ فَعَّالاً خلالَها، لَيلاً ونَهارًا، كان على العامِلينَ بِهِ أن يدفعوا بالوَقود عميقًا إلى داخلِه، وهذا الوَقود كان مِن الحطبِ ومِنَ النَّباتاتِ البَرِّيَّة، خصوصًا مِن نباتَيِ البِلاَّن (أوِ البَلاَّن) (סירה  קוצנית,    (Sarcopoterium  spinosumوالقُنْدَوْل (القَنْدُوْل بالَّلهجةِ الدَّارِجة) (קידה שעירה, (Calycatome  villosa، الكَثِيرَيِ الانتشارِ في منطقة تواجُدِ هذه الأُتُنِ. هذِهِ المرحلةُ كانت مِن أصعبِ مراحلِ العملِ في الأتَاتِينِ، وخلالَها كانت تتصاعدُمِنها أعمدةٌ عاليةٌ مِن الدُّخان، كانت تُشاهَدُ مِن بعيد.بعد الانتِهاءِ مِن عملِ الأتُونِ كان العامِلونَ بِهِ ينتَظِرونَ عددًا مِنَ الأيَّام كي تَخْمُدَ النَّارُ بداخلِه كُلِّيًّا وتَبرُدَ الحجارةُ الكِلْسيَّةُ النَّاتجةُ عنِ انحلالِ صخورِ الجِير، ثم كانوا يفتحونَ الأتُونَ ويجمعونَ تلكَ الحجارةَ ويضعونها في أكياسٍ ويُرسلونها على الدَّوابِ إلى حيثُ الحاجةُ إليها. وكانوا يستخرِجونَ، إضافةً إلى تلكَ الحجارةِ، ما يترسَّبُ في قعر الأتُونِ مِن مسحُوٌقِ كِلْسٍ ورماد، وهذا الخليطُ كان يُستخدمُ في طَلْيِ سُطُوحِ البيوت، خصوصًا مباني العُقُود، وكذلك في قِصارةِ جُدران المنازل وآبارِ المياه، مِن أجلِ تكوينِ طبقةٍ عُليا صُلبةٍ وغيرِنفَّاذةٍ للماء. على هذا الخليطِ كانوا يُطلِقون الإسم "بَرْبَرِيْقَة"، وأحيانًا كان البَنَّاؤُون والقصَّارُون يُضيفون إليهِ، قبل العملِ بِهِ،كُسورًا ناعمةً مِنَ الخَزَف، ورمادًا نباتيًّا، وكانوا يَدْعُون الخليطَ الجديدَ النَّاتِجَ "قَصْر ملّ".

وما دُمنا في الحديث عَنِ البِلاَّنِ، فنُضيفُ ونقولُ أنَّهُ يبدو لنا أنَّ لفظة "بلاَّن"،بكسرِ الباءِ أو فتحِها، دخلت إلى العربيَّة مِنَ الَّلفظة اليُونانيَّة Βαλανεῖον "بَالانايُون"، التي تعني "حَمَّام" بتلك الُّلغة، والقصدُ مِن ذلك هو الحَمَّام اليُوناني العُمومي القديم، وفيما بعدأيضا الحَمَّام الرُّوماني العُمومي القديم.هذه الحَمَّاماتُ كانت تعملُ بالحطب، وفي حينِهِ كان يتواجدُ العديدُ منها في بلادِنا، خصوصًا في المُدُن الكبيرة. وهكذا فلفظة "بلَاَّن" بالعربيَّة (وبصيغة الجمع "بَلاَّنات")، تعني "حَمَّام"، وهي تعني كذلك الشَّخص الذي يخدُمُ في الحَمَّام. ومِن هُنا يبدو أنَّ هذه الَّلفظةَ استُخْدِمَت أيضا للتَّعريفِ عن النَّباتِ الشّائِك المعروف بنفس الإسم، لكثرة استعمالِهِ وَقودًا في تنك الحَمَّامَات وفي الأفرانِ أيضا،بفضلِ سرعةِ اشتعالِهِ واحتراقِه. وقد دخلت نفسُ الَّلفظةُ اليُونانيَّةُ إلى الُّلغة الَّلاتينيَّة للتعبيرِ عن الحَمَّام ( Balneum  Balineumبصيغةِ المُفرد، و Balneae و Balinea بصيغةِ الجمع)، ودخلت كذلك إلى الُّلغة العبريَّة (בלן)، وهي تعني بالعِبريَّة الشَّخصَ العامِلَ في الحَمَّام، أوِ الشَّخصَ المسؤولَ عنه.وبهذه المناسبةِ نقولُ أنَّ الإسمَ "إقليم البِلاَّن"، وهو اسمُ واحِدٍ مِن أقاليمِ السُّفُوحِ الشَّرقيَّة لجبلِ الشَّيخ بسُوريا، يُنْسَبُإلى هذا النَّبات، لكثرةِ تواجُدِهِ هناك. ومِنَ الجدير بالذِّكر أنَّ الرُّومان أطلقوا على الحَمَّام العُمومي لفظةً لاتينيَّةً إضافيَّةً أُخرى، وهي لفظةُ Thermae.

أمَّا مصدرُ لفظة القُنْدَوْل، أوِ القَنْدُوْل بالَّلهجةِ الدَّارِجة، فهو، على ما يبدو، الَّلفظةُ الَّلاتينيَّةُ Candela، التي تعني "شَمْعَة"، ومِن نفسِ الَّلفظةِ الَّلاتينيَّةِ أتَتِ الَّلفظةُ العربيَّةُ "قِنْدِيل"، التي تعني "مِصباح". وسبب تسمِيَةِ هذا النَّبات بهذا الإسم هو لونُ أزهارِهِ الصَّفراء الزَّاهِيَة، التيتُشبه الشُّمُوعَ أوِ القناديلَ المُضيئَة.

وبهذه المُناسبة نذكرُ أيضا أنَّ نباتَ البِلاَّنِ مذكورٌ في عددٍ مِن أسْفارِالتَّوراةِ، وهو مذكورٌ، في الأصلِ العِبريِّ للتَّوراةِ، تحتَ الإسم "סירים"، ولكنَّ التَّرجماتِ العربيَّةَ للكتابِ المُقَدَّسِ لا تذكُرُه بالإسم "بِلاَّن"، وإنَّما بالإسم العامّ "شَوْك". النَّبي إشْعِيا يذكُرُهُ في قولِهِ:

"وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا الشَّوْكُ. الْقَرِيصُ وَالْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا. فَتَكُونُ مَسْكِنًا لِلذِّئَابِ وَدَارًا لِبَنَاتِ النَّعَامِ".

سِفْرُ النَّبي إشْعِيا، الإصحاح 34، الفقرة 13.

"וְעָלְתָה אַרְמְנֹתֶיהָ סִירִים קִמּוֹשׂ וָחוֹחַ בְּמִבְצָרֶיהָ וְהָיְתָה נְוֵה תַנִּים חָצִיר לִבְנוֹת יַעֲנָה".

ספר ישעיהו, ל"ד, י"ג.

ويذكُرُهُ كذلك النَّبي هُوْشَع في قولِهِ:

"لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا".

سِفْرُ النَّبي هُوْشَع،الإصحاح 2، الفقرة 8.

"לָכֵן הִנְנִי-שָׂךְ אֶת-דַּרְכֵּךְ, בַּסִּירִים; וְגָדַרְתִּי אֶת-גְּדֵרָהּ, וּנְתִיבוֹתֶיהָ לֹא תִמְצָא".

ספר הושע, ב, ח.

ويذكُرُهُ كذلك النَّبي ناحُوم في قولِهِ:

"فَإِنَّهُمْ وَهُمْ مُشْتَبِكُونَ مِثْلَ الشَّوْكِ، وَسَكْرَانُونَ كَمِنْ خَمْرِهِمْ، يُؤْكَلُونَ كَالْقَشِّ الْيَابِسِ بِالْكَمَالِ".

سِفْرُ النَّبي ناحُوم،الإصحاح 1، الفقرة 10.

"כִּי עַד-סִירִים סְבֻכִים, וּכְסָבְאָם סְבוּאִים; אֻכְּלוּ--כְּקַשׁ יָבֵשׁ, מָלֵא".

ספר נחום, א, י.

ويَرِدُ ذكرُ هذا النَّبات أيضا في سِفْر الجَامِعَة، وهو مِن أَسْفارِ العهدِ القديمِ مِنَ الكتاب المُقَدَّسِ:

"لأَنَّهُ كَصَوْتِ الشَّوْكِ تَحْتَ الْقِدْرِ هكَذَا ضَحِكُ الْجُهَّالِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ".

سِفْر الجَامِعَة، الإصحاح 7، الفقرة 6.

"כִּי כְקוֹל הַסִּירִים תַּחַת הַסִּיר, כֵּן שְׂחֹק הַכְּסִיל; וְגַם-זֶה, הָבֶל".

קוהלת, ז, ו.

ويوجدُ في سِفْرِ النَّبي إشْعِيا ذكرٌ لاستخدام النَّباتاتِ الشَّوْكِيَّة في الأتَاتِين. هكذا يقولُ النَّبي:

"وَتَصِيرُ الشُّعُوبُ وَقُودَ كِلْسٍ، أشْواكًا مَقْطُوعَةً تُحْرَقُ بِالنَّارِ".

سِفْرُ النَّبي إشْعِيا، الإصحاح 33، الفقرة 12.

"וְהָיוּ עַמִּים מִשְׂרְפוֹת שִׂיד קוֹצִים כְּסוּחִים בָּאֵשׁ יִצַּתּוּ".
ספר  ישעיהו, לג, יב.

ويَرِدَ ذكرُ الأتَاتِينِ في أَسْفارٍ أُخرى مِن أسْفارِ التَّوراةِ:

"وَتَطَلَّعَ نَحْوَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، وَنَحْوَ كُلِّ أَرْضِ الدَّائِرَةِ، وَنَظَرَ وَإِذَا دُخَانُ الأَرْضِ يَصْعَدُ كَدُخَانِ الأَتُونِ".
سِفْرُ التَّكوين، الإصحاح 18، الفقرة 28.
"וַיַּשְׁקֵף עַל פְּנֵי סְדֹם וַעֲמֹרָה וְעַל כָּל פְּנֵי אֶרֶץ הַכִּכָּר וַיַּרְא וְהִנֵּה עָלָה קִיטֹר הָאָרֶץ כְּקִיטֹר הַכִּבְשָׁן".ספר בראשית, י"ט, כ"ח.
"وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ الأَتُونِ، وَارْتَجَفَ كُلُّ الْجَبَلِ جِدًّا".

سِفْرُ الخُرُوج، الإصحاح 19، الفقرة 18.
"וְהַר סִינַי עָשַׁן כֻּלּוֹ מִפְּנֵי אֲשֶׁר יָרַד עָלָיו יְהוָה בָּאֵשׁ וַיַּעַל עֲשָׁנוֹ כְּעֶשֶׁן הַכִּבְשָׁן וַיֶּחֱרַד כָּל הָהָר מְאֹד". ספר שמות, י"ט, י"ח.


وفي التّتِمَّةِ الخارجيَّةِ لسِفْرِ النَّبي دانيال هنالكَ وصفٌ رائِعٌ لأعمدةِ الدُّخانِ المُنبَعِثَةِ مِنَ الأتَاتِينِ والمُرتفِعةِ فوقَهَا:

"فارْتَفَعَ الَّلهِيبُ فَوْقَ الاتُونِ تِسْعًا وأرْبَعِينَ ذِرَاعًا...".
تَتِمَّةُ سِفرِ دانيالَ، الإصحاح 3، الفقرة 47.
"ויעל הלהב מעל הכבשן כתשע וארבעים אמה...".
התוספות החיצוניות לספר דניאל, 3, 47.


ويَرِدَ ذكرُ الأتَاتِين كذلك في إنجيلِ متَّى، وهو أوَّلُ أَسْفارِ العهدِ الجديد مِنَ الكتابِ المُقَدَّس:

"وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ".

أنجيل مَتَّى، 13، 42 و 50.

صُخورُالجِير تَنْحَلُّ بداخِلِ الأتَاتِين، ولا تحترِق

ومن الخطأِ أن نقول أنَّ ما يحصل لصخورِالجِير بداخِل الأتَاتِينِ هو عمليَّةُ احتِراقٍ لتلك الصُّخور، وذلك لسبَبَيْنِ، أوَّلُهُما: عمليَّةُ الاحترِاقِ، من النَّاحيةِ الكيماويَّةِ، هي عمليَّةُ تأكْسُدٍ، بمعنى أنَّ ما يُعْرَفُ ﺒـــ "عدد التَّأكْسُد" (מספר חמצון,(Oxidation Number  الخاصِّ بالعنصرِ الكيماوي المُشترك بها، يرتفعُ في أعقابِ تلك العمليَّة. وبناءً على ذلك، فحرق عنصرِ الكربُون (ورمزه الكيماوي هو C)، مثلاً، وتكوين غاز ثاني أوكسيد الكربُون في أعقابِ ذلك، يُؤدِّي إلى ارتفاع "عدد التَّأكْسُد" لهذا العنصر مِن صِفر، كمايكونُ قبل عمليَّة الاحتراق، إلى +4، كما يُصبِحُ بعد الاحتراق. و "عددُ التَّأكْسُد" هو مُجملُ الشَّحنة الكهربائيَّة للذَّرَّة، فإذا الذَّرَّة ربحت إلكتروناتٍ يكون عدد تأكسُدِها سالبًا، وإذا خَسِرَت إلكتروناتٍ يكون عدد تأكسُدِها مُوجبًا، وإذا لم تربحْ ولم تخسرْ إلكتروناتٍ يكونُ عددُ تأكسُدِها صِفرًا. بقيَ أن نذكرَ أنَّ خسارةَ الإلكترونات مِن قِبَلِ الذَّرَّة هي عمليَّة "تأكسد" (חמצון, (Oxidation، وأنَّ عمليَّةَ رِبحِ الإلكتروناتِ مِن قِبَلِ الذَّرَّة هي عمليَّة "اختزال" (חיזור, (Reduction. وهكذا، فقبلَ الاحتراقِ يكونُ "عددُ تَأكْسُد" عنصرِ الكربُون صِفْرًا لأنَّه يكونُ لا يزالُ حُرًّا، بمعنى أنَّه لا يكونُ مُتَّحِدًا مع أيِّ عنصرٍ كيماوي، ولذا فإنَّ عدد إلكتروناتِ الذَّرَّة الواحدة مِن ذرَّاتِهَ، وهذه الإلكتروناتُ هي سالبةُ الشَّحنةِ الكهربائيَّةِ، يكونُ مُساوِيًا لعدد ﭙروتُوناتِ تلك الذَّرَّة،وهذه اﻠﭙروتُوناتُ هي مُوجبةُ الشَّحنةِ الكهربائيَّةِ، أمَّا خلالَ احتراقِهِ، أي خلالَ عمليَّةِ تأكْسُدِهِ،فتخسرُ كلُّ ذرَّةٍ مِن ذرَّاتِهِ أربعة الكتروناتٍ تربحُها واحدةٌ مِن ذرّاتِ الأوكسيجين، وبسبب ذلك يُصبحُ مُجملُ شحنتِهِ الكهربائيَّة أكبرَ بمقدارِ4 مِن شحنتِهِ السَّالبة.

أمَّا السَّبب الثَّاني فهو كَوْنُ عمليَّاتِ الاحتراق، أي تفاعُلاتِ الاحتراق،عمليَّاتٍ أو تفاعُلاتٍ مُطْلِقَةٍ للحرارة(Exothermic Chemical  Reactions)، فعند حرقِ الكربُونِ، أو الحطبِ أو الخشبِ، أو أي نوعٍ مِن انواعِ الوَقود، غازِيًّا كان أم سائِلاً أم صٌلبًا، تنطلق الطَّاقةُ الكامنةً في تلك الموادّ على شكل إشعاعاتٍ حراريَّة، وهذا الأمر ليس فقط لا يحصلُ مُطلقًا لصُخُورِ الجِيرِ في أتَاتِين الكِلْس، وإنَّما يحصلُلها عكسُ ذلك تمامًا، فعمليَّة تكوين الكِلْسِ من الحجارةِ الجِيريَّة تحتاجُ إلى طاقةٍ كبيرةٍ، وهذه الطَّاقة تأتي مِن الأخشابِ والأحطابِ التي تُحْرَق في تلك الأتَاتِين، ومِن هُنا يُسْتنتجُ أنَّ عمليَّةَ تكوينِ الكِلْسِ مِن الجِير هي عمليَّة مُستَهْلِكَة للحرارة (Endothermic Chemical  Reaction)، وبعبارةٍ أخرى، فما يحترقُ بداخِل الأتَاتِين هو الحطبُ، وهو مصدرُ الطَّاقة، أمَّا الحجارةُ الجِيريَّة فلا تحترقُ وإنَّما تمرُّ في عمليَّةِ انحلالٍ كيماويٍّ (התפרקות, (Decomposition، وعن تلكَ العمليَّةِ ينتجُ الكِلْسُ الحيُّ.

انحِلالُ الجِير بداخل الأتَاتِين هو انحلالٌ كيماويٍّ بسيط

عندما تصلُ درجةُ الحرارةِ بداخلِ الأتُونِ إلى 825 درجة مئويَّة تبدأ كُتلُ الجِير بالانحِلالِ إلى  الكِلْس، وهو أوكسيد الكالسيُوم (CaO)، وإلى غاز ثاني أوكسيد الكربُون (CO2)، طبقًا للمعادلةِ الكيماويَّةِ البسيطةِ التَّالية:

CaCO3→825°C→ CaO + CO2

الكِلْس الذي ينتجُ عن هذا الانحِلالِ يُعرف باسم "الجِير الحَيّ" (סידחי,(Quick  Lime، وهو الذي يُسْتَخْدَمُ في البناءِ والقِصارةِ.

ما هي كميَّة الكِلْسِ التي تنتج عنِ انحِلال الجِير ؟

مِن أجلِ حساب ذلك يجبُ أن نجري حسابًا بسيطًا مُستَخدِمينَ ما يُعرفُ ﺒـــ"ألأوزان الذَّرِّيَّة" (משקלים אטומיים, (Atomic  Weights   للعناصرِ الكيماويَّةِ المُشترِكَةِ في عمليَّةِ الانحِلال. و "الوزن الذَّرِّيّ" للعنصرِ الكيماوي هو مُعدَّلُ كُتلةِ ذرَّةِ ذلك العنصرِ الكيماوي بالمُقارَنَة مع كُتلة ذرَّة عنصر الكربُون، وهي تُعادِل 12 وحدة كُتلة ذرِّيَّة. بناءً على ذلك تكونُ الأوزانُ الذَّرِّيَّة للعناصرِالكيماويَّةِ المُشترِكَةِ في عمليَّةِ الانحِلال كما يلي:

مِن هنا ينتُج أنَّ وزنَ الجُزيءِ الواحدِ من الجِير، أي مِن مادَّة كربُونات الكالسيُوم هو 100 (حاصل جمع 40 و 12 و 3x16)، وينتُجُ أيضا أنَّ وزنَ الجُزيءِ الواحدِ من الكِلْس هو 56 (حاصل جمع 40 و 16)، وانَّ وزنَ الجُزيءِ الواحدِ من غاز ثاني أوكسيد الكربُون هو 44 (حاصل جمع 12 و 2  x 16).

يُسْتَنتَجُ مِن هذا الحساب أن كل 100 كيلوغرام مِن صخرِالجِير تعطي 56 كيلوغرامًا مِن الكِلْس، و 44 كيلوغرامًا مِن غاز ثاني أوكسيد الكربُون، أي أنَّ الطُّنَّ الواحد مِن صخرِالجِير يعطي 560 كيلوغرامًا مِن الكِلْس، و 440 كيلوغرامًا مِن غاز ثاني أوكسيد الكربُون،هذا على اعتبارِ أنَّ صخرَالجِير نقِيٌّ تمامًا، وأنَّه يتكوَّنُ 100% مِن مادَّةِكربُونات الكالسيُوم، ولكن صخورَالجِير، في الواقعِ، ليست نقيَّةً تمامًا، وإنَّما تحتوي على شوائِب، ولذا فإنَّ كميَّاتِ الكِلْسِ النَّاتِجةِتكونُ أقلَّ مِن ذلك. غاز ثاني أوكسيد الكربُون الذي كان ينتجُ عن الانحلالِكان ينطلقُ ويتراكمُ في الهواء، وفي حالاتِ الاحتراقِ غيرِ الكاملِ للحطبِ بداخل الأتُون كانت تنطلقُ كميَّاتٌ مِن غازِ أوَّل أوكسيد الكربُون السَّامِّ، تمامًا كما يحصلُ في "المَشَاحِر" المُستَخدَمة لصُنع الفحم النَّباتي.

كيف يؤدِّي الكِلْسُ وظيفتَهُ في البِناء ؟

قبلَ استخدامِ الجِيرِ الحَيِّ تُضافُ إليهِ الكميَّاتُ المطلوبةُ مِن الماءِ، وعندها تتفاعَلُ هاتانِ المادَّتانِ مُكَوِّنتانِ ما يُعرفُ ﺒـــ "الجِير المُطْفَأ" (סיד כבוי, (Slaked lime، وبلغةِ الكيمياء هو هيدروكسيد الكالسيُوم (Ca(OH)2)، وهو مادَّة قاعِديَّة.إلى "الجِيرِ المُطْفَأِ" تُضافُ الكميَّاتُ المطلوبةُ مِن رملِ البحرِ، والخليطُ النَّاتج يُستخدمُ كمادَّةٍ لاصِقةٍ في البناءِ لتثبيتِ حجارةِ الجُدرانِ في مواقِعِها، ونفسُ الخليط يُستخدمُ كذلكَ في القِصارة. وهذا التَّفاعُل، وهو تفاعُلٌ مُطلِقٌ للحرارة، هو كما يلي:

CaO + H2O → Ca(OH)2

الجِيرُ الحَيُّ يتفاعلُ مَعَ غازِ ثاني أوكسيد الكربُون الموجودِ في الهواء، طبقًا لتفاعُلٍ كيماويٍّ بسيطٍ، مُكَوِّنًا،مِن جديدٍ، مادَّة كربُونات الكالسيُوم (CaCO3)، التي مِنها سابِقًا تكوَّن هو نفسُهُ.كربُونات الكالسيُوم هي مادَّة مَتِينَةٌ وصُلبة وهي تُثَبِّتُ حجارة الجُدران في مواضِعِها، وتُثَبِّتُ القِصارة في مواقِعِها، وهذا هو سِرُّ استخدامِ الكِلْسِ في مجالِ البناءِ. هذا التَّفاعُلُ هو كما يلي:

Ca(OH)2 + CO2 → CaCO3 + H2O

ونحنُ نرجو ونأملُ مِن الجميعِ أن يحافِظوا على هذا الأثر التَّاريخي، وعلى كلِّ ما يتواجَدُ في أراضي يِرْكا ومُحيطِها، وأينما كانَ أيضا، مِن آثارٍ تاريخيَّةٍ، فهذه الآثارُ تشهدُ على تُراثٍ عريقٍ وتاريخٍ مجيد، إنَّهُ تُراثُنا وإنَّهُ تاريخُنا، ولا يجوزُ لأحدٍ أن يُخفيهما أو أن يمحوهما.

ونرجو ونأملُ أيضا الحِفاظَ على المعالِم الطِّبيعيَّة الرَّائِعة الموجُودة في أراضي يِرْكا ومُحيطِها، وأينما كانَ أيضا، فالطَّبيعة مدرسة، ومكانٌ للتَّأَمُّلِ، ولراحةِ النَّفْس، وللعِبادة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق