صفحاتٌ مِن التَّاريخ الجيُولُوجِي ليِرْكا ومُحِيطِها
2014-11-21 10:31:32
 
مِن أرشيف البروفيسور علي صغيَّر
 
صفحاتٌ مِن التَّاريخ الجيُولُوجِي ليِرْكا ومُحِيطِها الطَّبقاتُ الصَّخريَّةُ المعرُوفةُ باسم "تَكْوين يِرْكا" تَرَسَّبَت في الموقعِ الذي أُقِيمَتْ عليه القرية، وكذلكَ في مُحيطِها القريب، قبل حوالَي 90 مليون عامًا، على قعْرِ بحْرٍ كانتْ مِياهُهُ تَزْخَرُ بالكائِناتِ الحَيَّةِ البحريَّةِ
 
أوَّلاً: ما هو التَّكوينُ الجيُولُوجِي ؟
 
قبلَ أن نتحدَّث عن "تكوين يِرْكا"، مِن المُفضَّل أن نُوَضِّحَ عددًا مِن المُصطلحات الجيُولُوجِية، كي يسْهُلَ فهمُ الموضوعِ على القارئ غيرِ المُلِمّ بأُصُولِ الجيُولُوجِيا.
 
التَّكوين الجيُولُوجِي هو طبقةٌ واحدةٌ أو عددٌ مِن الطَّبقات الصَّخريَّة الرُّسوبيَّة (أي الطَّبقات التي تكوَّنت عن طريق التَّرسيب، إمَّا مِن المياه، كمياهِ البُحيراتِ والبحارِ والمُحيطاتِ والأنهارِ العاديَّةِ، أو الأنهارِ المُتجمِّدةِ، أو الكُتَلِ الجليديَّةِ، أو الرِّياحِ، وغيرِ ذلك) وله امتدادٌ جغرافي مُعَيَّن يُمكن تحديدُهُ، وعُمْرٌ جُيولُوجي يُمكن تعيينُهُ، وقد تكونُ منطقةُ امتدادِهِ كبيرةً وقد تكونُ صغيرةً، وفي كل الحالات يجب أن تكون للتَّكوين الجيُولوُجِي الواحِد نفس الصِّفات الصَّخريَّة والمعدِنيَّة تقريبًا في كُلِّ مناطق امتدادِه وانتشارِه. وقد يكونُ التَّكوين الجيُولوُجِي سميكًا وقد يكونُ غيرَ سميكٍ، ولكن ينبغي أن يكونَ سُمْكُهُ كافِيًا لرسم خريطة له في كل مناطق تواجدِه. لكُلِّ  تكوين جُيولُوجي اسمٌ خاصٌّ بِه، عادةً هو اسم الموقع الجغرافي الذي بِهِ تظهر صفات ذلك التَّكوين بشكل واضحٍ وبارزٍ للعيان. قد يُقْسَمُ التَّكوينُ، في الحالاتِ التي يتكوَّنُ بها مِن عددٍ مِن الطَّبقاتِ المُختلفةِ الصِّفاتِ، إلى أقسامٍ ثانويَّةٍ يُطْلَقُ على الواحدِ مِنها اسم "عُضْو صخري جيُولُوجي" (פְּרָט  ליתולוגי  גיאולוגי,
 Geological  Lithological  Member). تنضَمُّ كلُّ التَّكويناتِ الجيُولُوجِية التي تنتمِي إلى عصرٍ جيُولُوجيٍّ واحد، أو إلى فترة جيُولُوجيَّة واحدة، إلى مجموعةٍ واحدةٍ يُطْلَقُ عليها اسم "مجموعة صخريَّة" (חבורת  סלעים גיאולוגית,   Lithological  Group Geological)، فتكوينُ يِرْكا مثلاً، موضوعُ حديثِنا، ينتمي إلى المجموعة الصَّخريَّة المعروفة باسم "مجموعة يهودا" (חבורת   יהודה, Judea Group)، وهذه تشمل كل التَّكوينات الجيُولُوجِيَّة التي ترسَّبت خلال الفترة الجيُولُوجِية المعروفة بالاسم "الفترة الطَّباشيريَّة العُلْيا" (תור  הקריטיקון  העליון, Upper  Upper Cretaceous  Period)، التي كانت بدايتُها قبل 97 مليون عامًا تقريبًا، أمَّا نهايتُها فكانت قبل 65 مليون عامًا تقريبًا مِن زمانِنا الحاضر، أي انَّها امتدَّت طيلة 32 مليون عامًا تقريبًا. هذه الفترة الجيُولُوجِية هي القسم الثَّاني، والأحدث، من العصر الجيُولُوجِي المعروف بالاسم "العصر الطَّباشيري" – سُمِّيَ بهذا الإسم بسبب كثرة ترسيب الصُّخور الكربوناتيَّة، أي الصُّخور المُحتوِية على أيُوْنات الكربونات   (CO3)-2 ، مثل صخر الجير وصخر الطَّباشير وصخر الدُّولُومِيت، خِلالَهُ.
 
مِن المُهمِّ أن نذكر هُنا أنَّ الصَّخرَ المُستَخْرَجَ مِن مُحيطِ خِربة مِبلِي، إلى الشَّرق مِن يِرْكا، والمُكَوَّنَ مِن الجير البحري الصُّلب، والمعروف تِجاريًّا باسم "صخر يِرْكا" أو "حَجَر يِرْكا"، والمُسْتَخْدَم في البناء، لا يتبعُ، مِن النَّاحية الجيُولُوجيَّة، ﻠــ "تكوين يِرْكا"، وإنَّما لتكوين جيُولُوجيٍّ آخر، هو "تكوين البِعْنَة" (תֽצוּרָת  בּֽעְנָה)، نسبةً لقرية البِعْنَة المُجاوِرة، وهو يرجعُ إلى عصر الطُّورُون الأعلى، أي أنَّ هذا التَّكوين أحدثُ عُمْرًا مِن تكوين يِرْكا، ويُقَدَّرُ عُمْرُهُ بحوالي 88 مليون سنة، وصخْرُهُ في منطقة الشَّاغُور، حيث تقع قرية البِعْنَة، يُعْرَفُ باسم "صخر البِعْنَة" أو "صخر ساجُور"، وهو صخر صُلبٌ وبلُّورِيّ ومُمتازٌ للبناء، لونُهُ أبيض في منطقة الشَّاغُور، ولكنَّه يَمِيلُ للصُّفْرَة في المنطقة الواقعة إلى الشَّرق مِن يِرْكا، مَعَ أنَّ للصَّخر في كِلتا المنطقتَيْن نفسَ العُمر الجيُولُوجِي، والمسافة بين هاتين المنطقتين ليست كبيرة، وهذه ظاهرة مألُوفة في الصُّخُور الرُّسُوبيَّة، إذ قد تختلف خواصُّهَا مِن موقعٍ لآخر، حتَّى لو كان الموقِعانِ قريبيْنِ مِن بعضِهِما، ويُطلْقُ على هذه الظَّاهِرة اسم "تغيُّرات في السَّحْنَة"، أي سَحْنة الطَّبقة الصَّخريَّة الرُّسُوبيَّة (שינויי  פציאס,  (Facies  changes. وَيُذْكَرُ أنَّ منازِل كثيرةً في يِرْكا بُنِيَتْ في الماضي مِن حجارةٍ جيريَّة صُلبة، لونُها أبيض يميلُ قليلاً إلى الَّلوْنَيْنِ الرَّمادِي أو الأصفر، اقْتُطِعَتْ مِن موقع الأرض المعروف باسم "ظَهْر مْتِيْبِن"، الذي يقع إلى الشَّرق مِن القرية، وإلى الغرب مِن خِربة التُّوفانيَّة. الطَّبقات الصَّخريَّة التي اقْتُطِعَتْ مِنها هذه الحِجارةُ تتبعُ، طِبقًا لأبحاث البروفيسور رَفائِيل فْرُويْنْد، الذي سَوْفَ يَرِدُ اسمُهُ، وسَوْفَ تُذْكَرُ أبحاثُهُ، فيما يلِي، ﻠــ "تكوين يانُوح"، مَعَ أنَّ أبحاثًا حديثةً تُشير إلى أنَّ هذه الطَّبقاتِ الصَّخريَّةَ تابِعةٌ ﻠــ "تكوين البِعْنَة"، الذي يمتازُ بصخُورِهِ الجيريَّة البيضاء، وأنَّ كُلَّ الطَّبقات الصَّخريَّة التي اعْتُبِرَتْ في الماضِي جُزءًا مِن "تكوين يانُوح" ما هي في الواقع سوى جُزءٍ مِن "تكوين البِعْنَة"، وفارِقُ الَّلون، وسائِرُ الفُروق الأخرى، بينها وبين "تكوين البِعْنَة"، ليست سِوَى فُروقٍ طبيعيَّة ناتِجة عن تغيُّراتٍ في خواصِّ الصَّخر، مِن مَوضِع لآخر، أي أنَّها ليست سِوَى تغيُّراتٍ طبيعيَّةٍ في "سَحْنَة" الصَّخر.  اقْتِطاعُ الحجارةِ مِن أجل البِناء مِن موقعِ "ظَهْر مْتِيْبِن" استمرَّ حتَّى السَّنواتِ الأولى بعد قيام الدَّولة.
 
مُلاحظات:
 
أ‌.  الجير (אֶבֶן  גֽיר, ((Limestone: صخر رُسوبي بحري يتكوَّن مِن مَعْدِن "الكالسيت" (Calcite)، الذي يتكوَّن مِن مادَّة كربُونات الكالسيوم (CaCO3).
 
ب‌.  الدُّولُومِيت: (דוֹלוֹמֽיט, (Dolomite: صخر رُسوبي بحري أيضا، يتكوَّن مِن مادَّة كربُونات الكالسيوم مع مادَّة كربُونات الماغنيسيُوم 2(Ca,Mg(CO3.
 
ت‌.  الطَّباشير (קירטוֹן, (Chalk: صخر رُسوبي بحري أبيض الَّلون، وقد يكونُ ناصعَ البَيَاضِ، يتكوَّن عن طريق تَرَاكُمِ هياكِلَ لحيواناتٍ بحريَّةٍ أحاديَّةِ الخليَّةِ صغيرةٍ جدًّا، خُصوصًا مِن نوع "المُنَخْرَبَات" أو "المُثَقَّبَات"، أو الفُورامينيفِيرا, Foraminifera) ، وكذلك لحيواناتٍ بحريَّةٍ دقيقةٍ جدًا أخرى تُعْرَفُ ﺑــ "ألطَّلائِعِيَّات" (Coccolithophorids) على قِيعانِ البحارِ العميقةِ، وهذه الهياكِلُ تتكوَّن، مِن النَّاحية الكيماويَّة، مِن مادَّة كربُونات الكالسيُوم (CaCO3).
 

سُكَّان يِرْكا، مِثل غالبيَّة سكَّان هذه البلاد، كانُوا يُطلِقُونَ على هذه الصَّخر اسم "صخر الرَّشْق"، وكانوا يستخدِمُون مسحُوقَهُ، ولِمُدَّةٍ طويلة مِنَ الزَّمان، بعد بَلِّهِ في الماء، في "رَشْق"، أي في تبييض، جُدران منازِلِهِم مِن الدَّاخل، وعلى المواضِعِ التي كان ينكشِفُ فيها، في أطرافِ القرية على سطح الأرض، كانوا يُطلِقُون اسم "المَرَاشِق"، ومِن أقربِ "المَرَاشِق" إلى سكَّان يِرْكا، وإلى سكَّانِ القرى المُجاوِرة أيضا، وكذلكَ مِن أفضَلِهَا بسببِ جَوْدَة صُخُورِها، كانت تلكَ الموجودة في أطرافِ قرية كُفر ياسيف القريبة، وصُخُور الطَّباشِير الموجودة هُناك ترجِع إلى العصر الجيُولُوجي المعرُوف باسم "عصر السِّيِنُون"
(תקופת  הסֽינוֹן, (The  Senonian  Period، وأعمارُ صُخُورِهِ، بشكل عام، تتراوح بين 88.5 و 83 مليون عامًا.
 
ث‌. السَّحْنَة الجيُولُوجيَّة (פציאס  גיאולוגי,   (Geological  facies: مُجْمَلُ الخواصِّ التي تمْتاز بها طبقةٌ واحِدة أو عددٌ مِن الطَّبَقات الصَّخريَّة الرُّسُوبيَّة المُترَسِّبَة فوق بعضِها، مِن حيثُ التَّركيب المعدِني والمَبانِي الرُّسوبيَّة ومُحتَوَيات الكائِنات المُتحَجِّرَة، والتي تُمَيِّزُها عن طبقةٍ أو طبقاتٍ صخريَّة رُسوبيَّة أخرى مُجاوِرة، وهي تُعَبِّرُ عن ظُروفِ ترسيب تلك الطَّبقة أو تلك الطَّبقات.
 

 
البروفيسور رَفائِيل (رافِي) فْرُويْنْد، العالِمُ الجيُولُوجِيُّ الذي أوْجَدَ المُصْطَلَح " تكوين يِرْكا"
 
 أوَّلُ مَن أطلقَ هذا الإسم (تكوين يِرْكا، תֽצוּרָת  יֽרְכָּא) كان العالِمُ الجيُولُوجِيُّ الكبيرُ المرحوم البروفيسور رَفائِيل (رافِي) فْرُويْنْد (פרופ' רפאל  (רפי)  פרוינד, ז"ל) (1933 – 1980)، مِن فرع الجيُولُوجِيا بالجامعة العبريَّة، وذلك في رِسالة الماجستير التي أنهاها عام 1959، والتي كان موضوعُها "المَبنى الجيُولُوجِي للمنطقة المُمتدَّة بين يِرْكا والبُقَيْعَة"، في تلك الرِّسالةِ أدخل أيضا المُصْطَلحَيْن "تكوين يانُوح" (תֽצוּרָת  יָנוּח)، نسبة لقرية يانُوح المُجاورة، وهو مُصْطَلَحٌ أطْلَقَهُ على طبقات صخريَّة رُسوبيَّة أقدم من الطَّبقات الصَّخريَّة التي يتكوَّن مِنها "تَكْوين يِرْكا"، ولذا فهي موجودة تحتَها، وكذلك المُصْطَلَح "تكوين الكِشْك" (תֽצוּרָת  קישְק)، نسبةً لوادي الكِشْك، وهو أحد روافد وادي المجنونة (נחל  בית  העמק)، وهو يلتقي معه إلى الشَّرق من عَيْن المجنونة (עין  יֽפְעָם). الطَّبقات الصَّخريَّة التَّابعة لهذا التَّكوين، أي "تكوين الكِشْك"، أحدث من الطَّبقات الصَّخريَّة التَّابعة لتكوين يِرْكا، ولذا فهي موجودة فوقَه. المرحوم البروفيسور رَفائِيل فْرُويْنْد تطرَّق كثيرًا للمبنى الجيُولُوجي لمنطقة يِرْكا ومُحيطِها كذلكَ في رِسالة الدُّكتوراه التي أنهاها عام 1962. وبودِّي أن أذكر بهذه المُناسَبَة أنَّي كُنتُ واحدًا مِن تلاميذِهِ في مطلعِ سنواتِ السَّبعينَ مِن القرنِ الماضي. ولا أزال أذكر مقدرتَهُ المُدهِشة على تبسيط القضايا الجيُولُوجِيَّة، حتَّى أعْقَدَهَا وأعْوَصَهَا، وتقريبِها إلى ذهن السَّامِعِ في رحلاتِهِ الجيُولُوجِية ومُحاضراتِه، وإلى ذهن القارئِ في أبحاثِه ومقالاتِه. ولا أزال أيضا أذكر براعتَهُ في تحليل واستخلاص التَّاريخ الجيُولُوجِي للأرض، وسَبْرِ أغوارِها وكشفِ خباياها واستنباطِ مَبانِيها، وما اعتْرَى صخورَها وطبقاتِها مِن عمليَّاتِ رفعٍ أو خَفْض، أو كَسْرٍ أو ثَنْي، أو ترْسيبٍ أو جَرْف، حتَّى لو كانت المُدَّة الزَّمنيَّة التي مرَّت بها الأرض عشرات ملايينِ السِّنين، أو مِئاتِها، علمًا بأنَّ هذا ليس دائمًا بالأمر السَّهل. ولا أزال أذكر المقاطع والخرائط الجيُولُوجِية التي كان يرسِمُها لمناطق ومواقع مِن مُحيط يِرْكا، مثل "وادي الكَوَاشِين"، و "وادي سْمَاك"، و خِلّة إسْمِيْر"، و "شْقيف الحِنَّاوِي"، و "مُغْر الحَمام"، و "وادي المجنونة"، و "وادي الكِشْك"، و "وادي الرُّحْرَاح"، و "وادي كِسْرَى"، و "أبو طارُوح"، ومُحيط "قلعة التُّوفانيَّة"، و "مْعَلَّقَة يانُوح"، وغيرها. كان يعرفُ مواقعَ مِن أراضِي يِرْكا، ربَّما يجهلُها في هذه الأيَّام كثيرونَ مِن أبناءِ القرية. ولا أزال أيضا أذكر شرحَه الدّقيق والمُفَصَّل حول أنواع الحيوانات البحريَّة البائِدة، التي مِنها كانت تتكوَّن المُستعمرات المَرْجانِيَّة الكبيرة والمُتَحَجِّرة حاليًّا، والموجودة في مُحيط يِرْكا؛ في منطقة مجد الكُروم، وخِربة مِبْلي، وخْلال العِبِّه، والقْصَيْر، ومُحيط يانُوح. ولا أزال أذكر أيضا وقْفَتَه عند الطَّرَف الجنوبي لبِرْكَة يِرْكا، وشرحَه هناك، لطلاَّب فرع الجيُولُوجِيا في الجامعة العبريَّة، حول المبنى الجيُولُوجِي للجليل الأعلى الغربي، ولمنطقة يِرْكا بالذَّات، وللصُّخور التي مِنها يتكوَّن "تكوين يِرْكا"، تلك الصُّخور التي كانت مُنْكَشِفةً بوضُوحٍ في قعرِ البِرْكَة، حينما كانت البِرْكَةُ لا تزالُ قائمةً، يكبُر حجمُها في الشِّتاء، عندما كانت تأتيها مياهُ السُّيُول مِنَ المُنحَدَرِ الغربي لجبلِ الرُّغَب (جبل الرُّوس سابقًا)، وينكمِش في الصَّيف، بسبب تبخُّرِ المياه مِنها، وشُرْبِ قطعانِ المواشِي مِن مِياهِها، ولا أزالُ أيضا أذكرُ شرحَه الرَّائِع حول مُتَحَجِّرات حيوانات الأَمُونِيْت البائِدة الموجودة بكثرةٍ في صُخورِ قعرِها، وبأنواعِها المُتعدِّدة، التي كان يعرِفُها واحدًا واحدًا، بأشكالِ أجسامِها، وبمبانِيها الفِسْيولُوجِيَّة، وبأسمائِها العلميَّة الَّلاتينية الطَّويلة المُعَقَّدَة. وبِفَضْلِ حَذَاقَتِهِ في وَصْفِ نُظُمِ حياتِها، وكَيْفِيَّةِ حركةِ كلِّ نوعٍ مِنها في الماء، كانت تَرْتَسِمُ في مُخَيِّلاتِنا، عندما كُنَّا نُصْغِي لشرحِهِ الوافِي والدّقيق حول هذه الكائِنات البحريَّة البائِدة، بجانِب بِرْكَة يِرْكا، صُوَرٌ لَها، وكُنَّا نَخَالُهَا وكأنَّها تسبحُ أمَامَنا في مياهِ البحر، وتَغُوصُ وتَعُوم، معَ أنَّه مَرَّت على الفترة التي كانت فعلاً تسبح خلالَها في مياهِ البحر الذي كان يغْمُرُ منطقة بِرْكَة يِرْكا ومُحيطها مُدَّةٌ مِن الزَّمانِ لا تَقِلُّ عن 90 مليون عامًا. ولا يزال الكتاب الذي وَضَعَهُ، بالاشتراك مع مِناحِيم رَاب (Menahem  Raab)، مِن المعهد الجيُولُوجِي الإسرائيلي، حول حيوانات الأمُونِيت البائدة مِن عصر الطُّورون الأسفل في إسرائيل، مِن أهمِّ المراجع العِلميَّة في هذا المجال. في هذا الكتاب يوجد شرحٌ وافٍ ودقيقٌ حول هذه الحيوانات القديمة المُنقرِضة الموجودة بغزارةٍ  في "تكوين يِرْكا".
 
 ومِن الجدير بالذِّكر أنَّ المرحوم البروفيسور رافِي فْرُويْنْد أجرى أبحاثًا رائِدةً على المبنى الجيُولُوجي للجليلِ الأعلى، وعلى التّغيُّرات التي طرأت على هذه المنطقة في أعقاب تكوُّنِ الشِّق السُّوري – الأفريقي العظيم، وقد حَظِيَ الكسْرُ الجيُولُوجيُّ الكبير المعروف ﺑــ "كَسْر البُقَيْعَة" (שֶבֶר  פּקיעין) بأبحاثٍ كثيرةٍ مِن قِبَلِه، لا تزال مَرْجِعًا أساسيًّا لكلِّ طالبِ عِلمٍ في هذا المجال.  
 
 
أين  تَنكَشِف صُخُور "تكوين يِرْكا" في القرية وفي أراضيها ؟
 
تنكشفُ الطَّبقاتُ الصَّخريَّةُ التي يتكوَّن مِنها هذا التَّكوين، في القرية وفي أراضيها، في المواقع التَّالية (قائِمة جُزْئِيَّة فقط بأسماءِ مواقِع الأرض):
 
أ‌.  في الموضِع الذي أُقيمت عليه القرية خلال العصر البرُونْزِي القديم، قبل حوالي 5000 عام مِن زمانِنا الحاضر، أي حول السَّاحة المركزيَّة المعروفة لدى سكَّان يِرْكا باسم "الحَارَة". تواجُد مُنْكَشَفات، أي طبقات صخريَّة مكشُوفة على سطح الأرض، تابِعة لهذا التَّكوين في هذا الموضِع بالذَّات كان سببًا أساسيًّا في تعيين موضِع انشاء القرية في ذلك المكان، ويرجِع ذلك إلى خواصِّ تلك الطَّبقات الصَّخريَّة، ولكن هنالك عوامل إضافيَّةٌ أخرى كان لها دَوْر في دفعِ أجدادِنا الكِنعانيِّين لاختيار هذا الموضِع لإنشاء القرية، ولكنَّ هذه القضيَّة هي موضوعٌ لِحديثٍ آخر.
 
ب‌.  في القسم الغربي مِن القرية: يصل امتداد هذا التَّكوين حتَّى الموقع المعروف ﺑــ "الدَّبَّة". إلى الغرب مِن ذلك الموقع، أي في موقع الأرض المعروف باسم "الخَشْنَا"، توجد مُنْكَشَفاتٌ لتكوينٍ جُيولُوجيٍّ آخر، هو "تكوين سَخنين" (תֽצוּרָת  סח'נין)، نسبة لمدينة سَخنين، وهو أقدم مِن تكوين يِرْكا، ولذا فإنَّ صُخورَهُ موجودةٌ تحتَ صُخورِ تكوين يِرْكا، وهو يرجِعُ إلى العصر الجيُولُوجي المعروف  ﺑــ "عصر الكينُومان"، وأعمارُ صُخورِهِ تتراوح بين حوالَي99.6 ± 0.9   و 93.5 ± 0.8 مليون عامًا. صُخور هذا التَّكوين هي رُسوبيَّة بحريَّة مِن نوع الدُولُومِيت الصُّلب، وهي تنكشِف أيضا في موقع الأرض المعروف باسم "دَرْب أبو سنان".
 
ت‌.  في القسم الشّمالي مِن القرية: تنكَشِف صُخور تكوين يِرْكا في القسم العُلوي مِن الموقع المعروف ﺑــ "الرَّبَاعِين الشَّمَالَى"، حتَّى الموقع المعروف ﺑــ "خَلَّة المِشْمِش"، ومِن ضمن ذلك المقبرة الشَّماليَّة وضريح الشَّيخ أبي السَّرايا غنايِم بِن محمد، وكذلك في الموقع المعروف ﺑــ  "الهْدَافات"، إلى الجِهَة الشّماليَّة الشَّرقيَّة مِن القرية.
 
ث‌.  في القسم الجنوبِي مِن القرية: تنكَشِف صُخور تكوين يِرْكا في القسم العُلوي مِن الموقع المعروف ﺑــ "الرَّبَاعِين القَبَالَى"، الأشدّ انحِدارًا مِن "الرَّبَاعِين الشَّمَالَى"، وكذلك في "البْرِيْكِه"، وتمتدُّ مُنكَشَفات هذا التَّكوين شرقًا حتَّى الموقع المعروف ﺑــ "خَلّة دَرْب صَفَد" أو "خَلَّة أبو دِبْس". في القسم الأوسط مِن "الرَّبَاعِين القَبَالَى" توجد مُنْكَشَفاتٌ لتكوين جُيولوجي آخر، هو "تكوين البِعْنَة"، وهو يرجِعُ إلى "عصر الطُّورُون الأعْلَى"، ثَمَّ تنكشف صُخُور "تكوين يِرْكا" مرًّة أخرى على طُول شريطٍ ضيِّق على بجانِبَي القسم الأوسط مِن مجرى وادي الكَوَاشِين.
 
ج‌.  في القسم الشَّرقِي مِن القرية: تنكَشِف صُخور تكوين يِرْكا في مواقعِ الأرضِ التَّالية: "ظهر البِرْكة"، ومُحيطِ رُقْعةِ الأرضِ التي كانت تُعْرَفُ سابقًا بالاسم "بَيَادِر البِرْكة"،  و "الشَّواحِيط"، و "الكُرُوم"، و "حاكُوْرَة شَمْخ"، و "البَيَّاضَة" – نسبَةً لِبَيَاضِ صَخْرَيِ الحُوَّار والطَّباشيرِ المُنْكَشِفَيْنِ بها، و "الرُّغَب"، ومُحيط "بِير الخلوة"، أي بِئر خلوة الرُّغَب.
 
أين  تَنكَشِف صُخُور "تكوين يِرْكا" في مُحيطِ يِرْكا ؟
 
تنكَشِفُ صُخورُ تكوينِ يِرْكا، إضافةً إلى المناطقِ الذي ذُكِرَتْ أعلاه، في مساحاتٍ صغيرةٍ، هُنا وهُناك، في الجليل الأعلى الغربي، وذلكَ كما يلِي: بالقُرْبِ مِن خِربَة مِبلِي، إلى الشَّرق مِن يِرْكا، في قرية يانُوح ومُحيطِها، النُّواةُ القديمةُ لهذه القرية، كما هيَ الحالُ بالنِّسبة لقرية يِرْكا، أُقيمَتْ على طبقاتٍ صخريَّةٍ رُسُوبيَّةٍ تابِعةٍ لتكوين يِرْكا، في مساحاتٍ ضَيِّقةٍ بالقُرب مِن إلْكُوْش (אלקוש)، بالقُربِ مِن حُرْفيش، في مساحات صغيرة بالقُربِ مِن خِربَة المَنصُورة، إلى الشّمال مِن حُرْفيش، قُربَ الحُدُودِ مَعَ لُبنانَ. في باطِنِ الأرضِ تَتَوَاجَدُ صُخورُ هذا التَّكوين في سَهْلِ زﭙولون (עמק זבולון) (سهل عكَّا) وتَمتَدُّ في باطِنِ الأرضِ حتَّى خليج حيفا، أي أنَّها تَتَواجَدُ تحتَ سطحِ سَهْلِ مُرَّانَ، التَّابِعَةِ مُعظمُ أراضيهِ لسكَّانِ يِرْكا، وكذلكَ تحتَ جُزءٍ مِن سَهْلِ جُولِس. صُخُورُ تكوين يِرْكا غنيَّةٌ، بشكلٍ عامٍّ، بِمُتَحَجِّراتِ حيواناتِ الأمُونِيت البائِدَة.
 
كيف تُسَمَّى الكائناتُ الحيوانيَّة البائِدة والمُتَحَجِّرَة ؟
 
التَّسميةُ العلميَّةُ لهذه الكائناتِ، ومِن ضِمنِها حيواناتُ الأَمُونِيْت الكثيرة التَّواجُدِ في "تكوين يِرْكا"، يتمُّ عن طريق إعطاء إسمٍ لاتيني لكل نوعٍ مِنها، كما هو مُتَّبَعٌ في تسمية الكائنات الحيَّة النَّباتيَّة والحيوانيَّة.  ويشمل هذا الإسم أوَّلاً لفظةً لاتينيَّة تُعَبِّر عن اسم الجنس الذي ينتمي إليه ذلك الكائِن الحيوانِي البائِد، وهو يبدأُ دائِمًا بحرف كبير، تَليه لفظةً لاتينيَّة أُخرى تُعَبِّر عن اسم النَّوع، وهو يُكْتَب بأحرُفٍ لاتينيَّة صغيرة. في حالات كثيرة يلِي هَذَيْن الإسمين اسمُ الباحث الذي اكتشف ذلك الجنس، وعندما يُضافُ اسمُهُ، يُكْتَبُ أوَّل حرفٍ مِنه بحرفٍ لاتينيٍّ كبير، ويليه عادةً رقم السَّنة التي اكْتُشِفَ خلالها. الإسم يُكتب عادةً بأحرفٍ مائِلة. وفيما يلي مثال على ذلك: 
    Thomasites   jordani  (Pervinquière، 1907)
 
هذا الإسم هو لنوعٍ مِن حيوانات الأَمُونِيْت البائِدة، وهو موجودٌ في طبقات صخريَّة رُسوبيَّة في مناطق عديدة في العالَم، مِن ضمنِها الطَّبقات الصَّخريَّة التي مِنها يتكوَّن "تكوين يِرْكا"، اكتَشَفَهُ عالِم الحيوانات البائِدة لِيُون ﭙيرﭬينكيير  (Leon   Pervinquière)  (1873 – 1913 عام 1907.
 
ماذا نرى اليومَ مِن هذِهِ الحيواناتِ بعدَ أنْ تَحَجَّرت ؟
 
ما نراهُ اليوم مِن هذه الأمُونِيتات البائِدة الموجودة في "تكوين يِرْكا"، وكذلك أينما تتواجَد الأمُونِيتات في جميع بقاع الأرض، هو عادًة القالب الدَّاخلي (Cast) للجسم فقط، فهذه الحيوانات كانت تَتَرسَّب، بعد مَوْتِها، في قاعِ البحرِ، ثمَّ كانت أصدافُها التي كانت تتكوَّن، كأصْدافِ غالبيَّة الحيوانات البحريَّة ذات الأصْداف، مِن مَعْدِن "الأرَاغُونيت" (Aragonite)، تذوب في مياه البحر. مَعْدِن الأراغُونيت يتكوَّن مِن مادَّة كربُونات الكالسيوم، CaCO3، تمامًا مثل مَعْدِن "الكالسيت"، الذي تتكوَّن مِنه غالبيَّة الصُّخور الجيريَّة والطَّباشريَّة، والاختلاف بين هذيْن المَعْدِنَيْنِ هو فقط في الشَّكل البَلُّورِي لكلٍ مِنهُما، ولكن نتيجًة لهذا الاختلاف نشأت فُروق هامَّةٌ بينَهُما، أحَدُها هو كَوْنُ مَعْدِن الكالسِيت أكثر ثباتًا تحتَ ظروفِ الحرارةِ والضغطِ المألُوفَيْنِ في قِيعانِ البحارِ والمُحيطات، وعلى سطح الأرض على حَدٍّ سَوَاء، مِن مَعْدِن الأراغُونيت، ونتيجًة لذلكَ تَمِيلُ بلُّورات الأراغُونيت إلى التَّحَوُّل إلى بلُّوراتٍ لمَعْدِنِ الكالسيت، الأكثر ثباتًا، وهذا هو السَّبب في اندِثار أصْداف هذه الحيوانات البائِدة.
 

تكويناتٌ صخريَّةٌ رُسوبيَّة أخرى مِن نفسِ عُمْرِ "تكوين يِرْكا"
 
يوجدُ في إسرائيلَ تكوينانِ صخريَّانِ رُسوبِيَّانِ آخرانِ مِن نفسِ عُمْرِ "تكوين يِرْكا"، وهما: "تكوين دالِيَة الكَرْمِل" (תֽצוּרָת  דָלְיָה)، المُتَكَوِّن مِن صخرِ الحُوَّار بشكلٍ خاص، والغني جدًا بِمُتَحَجِّراتِ حيواناتِ الأمُونِيتات بشكلٍ خاصّ أيضا، والمُنكَشِفَةُ طبقاتُهُ في جبل الكَرْمِل، و "تكوين أُورَا" (פּֽצְלֵי  אוֹרָה)، المُتَكَوِّن مِن صُخُور الطَّفْلِ (Shale)، في النَّقَب الجنوبِي. في شبهِ جزيرة سيناءَ وفي المملكةِ الأردُنيَّةِ أيضا، وكذلكَ في مناطقَ أخرى في الشَّرقِ الأوسط، توجدُ تكويناتٌ مِن نفس العُمْرِ الجيُولُوجي.
 
مُلاحظات:
 
أ‌.  الطَّفْل (Shale): صخرٌ رُسُوبِي بحرِي غير صُلب يظهرُ على شكلِ رقائِقَ، ويتكوَّنُ مِن حُبيْباتٍ ناعِمةٍ مِن بعضِ معادِن الطَّمْي، ومِن معادِن أخرى، كالمَرْوِ (أو الكْوَارْتْس، Quartz)، الذي يتكوَّنُ مِن ثانِي أُوكسيدِ السِّيليكُون (SiO2)، ومن معدِن الكالسِيت، الذي يتكوَّنُ مِن كربوناتِ الكالسيُوم، وأحيانًا مِن موادّ عُضويَّة، وغيرِ ذلك. رَقائِقُهُ تظهرُ في بعضِ الحالاتِ على شكلِ تَبادُلاتٍ بينَ رَقائِقَ ناعِمةٍ وأُخرى خَشِنَة، وأحيانًا على شكلِ تَبادُلاتٍ بينَ رَقائِقَ مِن الطَّمي وأُخرى مِن كربوناتِ الكالسيُوم. مظْهَرُهُ الرَّقائِقِي ينتجُ بشكلٍ خاصٍّ عن تَعَرُّضِ حُبيْباتِ الطَّمْي التي تَتَوَاجَدُ بِهِ إلى الضَّغط مِن قِبَلِ الطَّبقاتِ الصَّخريَّة التي تَتَرَسَّبُ فوقَها.
 
 
 
"تكوين يِرْكا": طبقاتُهُ الصَّخريَّة وظروفُ ترسيبها
 
 
ترَسَّبَت الطَّبقات الصَّخريَّة التي مِنها يتكوَّن "تكوين يِرْكا" (תֽצוּרָת  יֽרְכָּא, Yirka  Formation)  خلال العصر الجيُولُوجي المعروف باسم عصر "الطُّورُون الأسفل"، أي عصر الطُّورُون الأقدم (تمييزًا لَهُ عن "عصرِ الطُّورُون الأعلى"، الأحدثِ مِنه)، قبل حوالي 90 مليون عامًا مِن زمانِنا الحاضر، وحَصَلَ التَّرسيب على قعر البحر القديم الذي كان يُغَطِّي البُقعة الجغرافيَّة التي أُقيمَت عليها القرية مُدَّة طويلة جدًّا فيما بعد، خلال العصر التَّاريخي المعرُوف باسم "العصر البرونزِي القديم" (نسبةً لمادَّة "البْرُونْز"، وهي سبيكةٌ مِن النُّحاس والقَصْدِير، وسبَبُ تسمِيَة تلك الفترة التَّاريخيَّة بهذا الاسم هو بداية استخدام الإنسان خلالَها لتلك المادّة في صُنْع أدواتِهِ التي كان يستعمِلُها في حياتِهِ اليوميَّة) أو "العصر الكِنعانِي" (نسبةً للكِنعانيِّين، سكَّان البلاد القُدَامَى، قبل قُدُوم بني إسرائيلَ إلى أرضِ فلسطين واستيطانِهِم بها)، قبل حوالي 5000 سنة مِن عصرِنا الحاضر، أي في حُدُود عام 3000 قبل الميلاد.
 
 يتكوَّن "تكوين يِرْكا" مِن عددٍ مِن الطَّبقاتِ الصَّخريَّةِ الرُّسوبيَّةِ، وكُلُّها غنِيَّة بِمُتَحَجِّراتِ الأمُونِيتات (אמוּניטים, Ammonites)، وهيَ حَلَزُونات بحريَّة بائِدة. هذه الطَّبقاتُ هي كما يلي، مُرَتَّبَةً مِن أقْدَمِها
 (في الأسفل) إلى أحْدَثِها (في الأعلى):
 
1.  طبقاتٌ مِن الجير والطَّباشير المائِل إلى الحُمْرَة، مع طبقات رقيقة مِن الصُّوَّان، سُمْكُها يتراوح بينَ 10 و 20 مترًا، غنيَّة بمُتَحَجِّرات الامُونِيْتات خُصوصًا مِن الأنواع المعروفة بالأسماء العِلميَّة التَّالية:
 
  أ‌.        Choffaticeras   quaasi  (Peron)   
ب‌.      Choffaticeras   securiforme  (Eck, 1909)
ت‌.     luciae Leoniceras   ( Pervinquière)
         
2.   طبقةٌ مِن الجيرِ الأصفرِ وقليلٍ مِن صخرِ الحُوَّار الأصفرِ أيضا، يبلُغُ سُمْكُها حوالي 25 مترًا. هذه الطَّبقة غنيَّة بالمُتَحَجِّراتِ، خُصوصًا مُتَحَجِّرات الأَمُونِيتات مِن الأنواعِ المعروفةِ بالأسماءِ العِلمِيَّة التَّالِية (النَّوعُ الأخير فيما يلي هو نوعٌ مِنَ "النُّوتِيَّات"، وليسَ مِنَ الأمُونِيتات):
 
  أ‌.      Choffaticeras  quaasi  (Peron, 1904)
ب‌.     Thomasites  rollandi  (Thomas &  Peron)
ت‌.    Thomasites  jordani   (Pervinquière)
ث‌.    Neoptychites  cephalotus (Courtiller)
ج‌.    Neoptychites  xetriformis  (Pervinquière)
ح‌.    Leoniceras   luciae  (Pervinquière)
خ‌.   Mammites  sp.
د‌  Nautilus  sp.
 
3.      طبقةٌ مِن صخرِ الطَّباشيرِ الأبيض، والأزرقِ والأصفرِ في المُنكَشَفاتِ الطَّريَّة، سُمكُها يتراوح بينَ 10 و 15 مترًا. أهمُ الكائِنات المُتَحَجِّرَة في هذه الطَّبقة أيضا هي  مِن الأمُونِيْتات، خُصوصًا مِن النَّوعيْنِ التَّالِيَيْنِ:
 
أ‌.           Thomasites  rollandi  (Thomas  &  Peron)
ب‌.      Leoniceras   luciae  (Pervinquière) 
 
4.      طبقة مِن صخر الطَّباشير الأبيض الطَّرِي، مَعَ الحُوَّار والجير، سُمكُها حوالَي 30 مترًا. أهمُّ الكائِنات المُتَحَجِّرَة في هذه الطَّبقة أيضا هي  مِن الأمُونِيْتات، خُصوصًا مِن الأنواعِ الآتية:
 
أ‌.     Neoptychites  cephalotus   (Courtiller)
ب‌.  Neoptychites  Pseudaspidoceras  salmuriensis  (Courtiller)
ت‌.   Mammites  nodosoides  (Scholtheim)
ث‌.    Romaniceras  deverianum  (d'Orbigny)
ج‌.    Thomasites  rollandi   (Thomas  &  Peron)
ح‌.    Thomasites   jordani   (Pervinquière,  1907) 
خ‌.   Fagesia  thevistensis  (Peron)  
 د‌.    Fagesia   lenticularis   subsp.  nov.  &    elliptica  sp.   
(
نوعٌ جديدٌ وتَحْتَ نوعٍ جديدٍ مِن  الأمُونِيتات تمَّ التَّعَرُّف عليهما في حينِهِ على يد البروفيسور رافِي فْرويند في "تكوين يِرْكا").
 ذ‌.   Fagesia   lenticularis   asymmetrica    sp.  &   subsp.  nov. 
  (نوعٌ جديدٌ وتَحْتَ نوعٍ جديدٍ مِن الأمُونِيتات تمَّ التَّعَرُّف عليهما في حينِهِ على يد البروفيسور رافِي فْرويند في "تكوين يِرْكا").
ر‌.      Fagesia   lenticularis   lenticularis  sp.  subsp.  nov.    (نوعٌ جديدٌ وتَحْتَ نوعٍ جديدٍ مِن الأمُونِيتات تمَّ التَّعَرُّف عليهما في حينِهِ على يد البروفيسور رافِي فْرويند في "تكوين يِرْكا").
ز‌.  Choffateceras  luciae  trisellatum  subsp. nov.  (تَحْتَ نوعٍ جديدٍ مِن الأمُونِيتات تمَّ   التَّعَرُّف عليه في حينِهِ على يد البروفيسور رافِي فْرويند في "تكوين يِرْكا").
س‌.    Choffaticeras  segne  (Solger)
ش‌.    Choffaticeras  quaasi   (Peron)
ص‌.   Hoplitoides  cf.  Choffaticeras  mokattanicum  (Greco)
ض‌.     Protexanites  salmuriensis  
(Courtiller)
 
مُلاحظات:
 
أ‌. معدِن (מינירל,  :(Mineral مادَّةٌ طبيعيَّة غير عُضويَّة صُلبَة تتكوَّن نتيجةً لعمليَّاتٍ جيُولُوجيَّة، ذاتُ تركيبٍ كيماوي مُحدَّد ولونٍ مُعيَّنٍ أو عددٍ مِن الألوان، ومبنىً بلُّورِيٍّ مُحَدَّدٍ، ودرجة صلابة مُحَدَّدِةٍ أيضا، وقد يتكوَّن المعدِن مِن عنصر كيماويٍّ واحِد، أو مِن عددٍ مِنَ العناصر الكيماويَّة.
 
ب‌. الصُّوَّان (אֶבֶן  צוֹר, :(Flint,  Chert صخر رُسوبي بحري صُلب، بمعنى أنَّه تكوَّن عن طريق التَّرسيب على قعر البحر، يتكوَّن مِن ثاني أوكسيد السِّيليكُون (SiO2).
 
ت‌. الطَّمْي (חרסית, :(Clay فِئة مِنَ المعادِنِ السِّيليكاتيَّة. حُبيْباتُها دقيقة جدًا، قُطرُ الواحِدة مِنها أصغر مِن 0.002  ملمتر، ومِن غيرِ المُمْكِن مُشاهَدَتُها إلاَّ في المجهر الإلِكْتْرُونِي. تنتُج هذه المعادن عادًة عن تأثير المياه المُحتَويِة على الحوامِض، كحامِض الكربُونيك (H2CO3) (وهو الحامِض المعروف أيضا ﺑــ "ماء الصُّودا"، وهو المشروب الغازي المعرُوف، الذي ينتُج عن تفاعُل غاز ثانِي أُوكسيد الكربون مَعَ الماء، وكذلك نفس الحامِض الموجود في المشروبات الغازيَّة الخفيفة الأخرى، كَالكُوْكا كُوْلا، والكِينْلِي، وأمثالِها)، على الصُّخور.
 
ث‌. الحُوَّار أوِ الحُوَّر (חַוָּר, חוואר, Marl بالإﻧﭽليزيَّة، وMergel  بالألمانيَّة): صخرٌ رُسوبيٌّ بحريٌّ لَيِّنٌ، بمعنى أنَّه تكوَّن عن طريق التَّرسيب على قعرِ البحر ومِن مِياهِهِ، وهو خليطٌ مِن مادَّة كربونات الكالسيُوم (CaCO3) ومِن بعضِ معادِن الطَّمي، بِنِسَبٍ تَتَراوَحُ بينٍ 35 % و 65 % مِن كِلا هاتَيْنِ المادَّتَيْنِ. لونُهُ أصفرُ عادًة، وعندما يُسْتَخْرَجُ مُباشرةً مِن باطنِ الأرض قد يكون لونُهُ أخضرَ أو مائِلاً قليلاً إلى الزُّرْقة، ولكن بعد مُلامَسة الهواء يَبْيَّضُ لونُهُ. وهنالِك، مِن سكَّان يِرْكا وبعضِ القرى المُجاوِرة لها، مَن يُطْلِقُ على هذا الصَّخر أيضا الإسمَ "حَثَّان". عند وضعِ نُقَطٍ مِن حامِضِ الكْلُورْدْرِيك (HCl) عليْهِ تَنْبَعِثُ مِنْهُ فُقاعَاتٌ مِنَ غازِ ثاني أُوكسيد الكربون، بسبِبِ تفاعُلِ الحامِضِ مَعَ مادَّةِ كربُونات الكالسيُوم الموجُودَةِ بِهِ، مُخَلِّفَةً وراءَها راسِبًا مِن مادَّةِ كلوريد الكالسيُوم (CaCl2)، مَعَ جُزيئاتٍ مِنَ الماء.

 
أصلُ الَّلفظَتَيْنِ "حُوَّار" و "حُوَّر" هو الجَذْر السِّرياني ܚܘܪ (الَّلفظ: حور)، التي يعني المَيْلَ إلى البَيَاضِ بتلك الُّلغة. الَّلفظتَانِ حُوَّار وحُوَّر، المُستعملَتانِ عندنا كَأسْمَيْنِ لهذا الصَّخر، لم تدخُلا بشكلٍ واسعٍ  لدى الجيُولُوجيِّينَ في مِصْرَ وبُلدانِ شمال أفريقيا، ورُبَّما كان سببُ ذلك عدمَ تغلغُلِ الَّلغتينِ الآرامِيَّة والسِّريانيَّة بشكلٍ واسِعٍ إلى تلك البُلدان، كما حَصَلَ في بلاد الشَّام. في بُلدانِ شمال أفريقيا يَسْتَخْدِمُونَ عادةً الَّلفظَتَيْنِ "مَرْل" و "مَارْل" إسمًا لَهُ، وهاتانِ الَّلفظتانِ، كما هو واضِحٌ، هُما نفسُ اسمِهِ الإﻧﭽليزي مكتُوبًا بأحْرْفٍ عربيَّة.
 
ومِن الجدير بالذِّكر أنَّ سكَّان يِرْكا، مثل غالبيَّة سكَّان البلاد، وغالبيَّة سكَّان بُلدان الحوض الشَّرقي للبحر الأبيض المتوسِّط، وسكَّان مناطق أخرى عديدة في العالَم، استخدموا مسحُوق صخر الحُوَّار، ولمدَّة طويلة مِن الزَّمان، بسبب خواصِّه الكيماويَّة والفيزيائيَّة، في صُنع الطِّين، الذي كان مادَّةً أساسيَّة في البناء، وبَقِيَ الحُوَّار مُستعمَلاً في هذا المجال إلى أن اسْتُبْدِلَ بموادّ بناءٍ حديثةٍ، أفضلَ مِنه، وكان الحُوَّار يُسْتخرَجُ مِن المواضع التي ينكشِف بها على سطح الأرض في أطراف القرية. واستُخْدِمَ مسحوق صخر الحُوَّار في الماضي كذلكَ في ترْويقِ عصيرِ العِنَب قبل غَلْيِهِ مِن أجلِ صُنعِ الدِّبْس.
 
 وقد أُطْلِقَ اسمُ صخرِ الحُوَّار مُنذ عهودٍ بعيدة على أسماءِ مواقعَ عديدةٍ في هذا الشَّرق، نذكرُ مِنها قرية "الحُوَّارة" بالقُربِ مِن نابلِس، وقرية "حوَّارَة" بالقُرب مِن مدينة الرَّمْثَا بالمملكَة الأردُنِيَّة، وقرية "بحوَّارَة" (أي بَيْت حوَّارَة) بالقُرب مِن بلدة عَالِيه بلُبنان، وقرية "حُوَّأرة" بقضاء الضَّنِّيَّة بمُحَافَظَة لُبنان الشّمالِي، وقرية الَحَوْرَة ووادِي الحَوْرَة بالقُرب مِن بلدة الرَّقَّة بسوريا، وقرية الحَوْرَة في مُحافظة طَرْطُوْس أيضا بسوريا، وقرية "حُوَّارِين" بقضاء حِمْص كذلك بسوريا، وقرية "كَفْر حُوَّار، أو كَفْر حَوَر أوِ كَفْر حَوْر، او كّفْر حُوْر" التي تقعُ إلى الجهة الجنوبيَّة الغربيَّة مِن دمشق، على السُّفُوح الشَّرقيَّة لجبل الشَّيخ، بالقُربِ مِن بلدةِ الحِينَةِ بإقليمِ البِلاَّنِ بسوريا، وقرية "كَفْر حُوَّار" بالقُرب مِن بلدة الدَّانَا بمُحافظة إدِلِب بسوريا أيضا، و "حُوَّار كِلِّس" بمنطقة أَعْزَاز بالقُرب مِن بلدة صُورَان بمُحافظة حَلَب، وكذلك "حُوَّار النَّهر" بمنطقة أَعْزَاز بالقُرب مِن مدينة مَارِع كذلك بمُحافظة حَلَب، بسوريا.
 
 
 
الحُوَّار والحُوَّر والحَوَرُ والحَوْرُ والَحَوَارِيُّ
 
لفظات عربيَّة عديدةٌ اشتُقَّت من المصدر "حَوَرَ"، الذي مِنهُ أتت الَّلفظتانِ "حُوَّار" و "حُوَّر"، ومِن بينِ تلك الَّلفظات نذكُرُ الفعل الَّلازِمَ إحْوَرَّ، يَحْوَرُّ، إحْوِرَارًا، بمعنى اشتدَّ بَيَاضُهَ، أو تحوَّل لونُهُ إلى الأبيض، وكذلك الفعل الَّلازِمَ حَوِرَ، يَحْوَرُ، حَوَرًا، فهو أَحْوَر، وهي حَوْرَاءُ، وهكذا فَحَوَرُ العُيُونِ هو اشتدادُ بياضِ صُلْبَتِها، والصُّلْبَة هي الجزءُ الأبيضُ مِن العَين، المعروفُ أيضا ﺑــ"بياض العَيْن" (Sclera)، واشتدادُ بياضِ صُلْبَةِ العَيْن، خصوصًا لَدَى النِّساء، كما هو معروفٌ، يُكْسِبُهُنَّ هيبةً ويزيدُهنَّ جمالاً، وقد تَغَنَّى شعراءُ العربيَّة بذلك كثيرًا. ونذكر كذلك الفعل المُتَعَدِّي حَوَّرَ، يُحَوِّرُ، تَحْوِيرًا، فهو مُحَوِّرٌ (إسم الفاعِل)، ومُحَوَّرٌ (إسم المفعُول)، وهكذا ﻔــ "الاحْوِرَار"، هو اشتدادُ بياضِ الأشياء، أو تغيُّرُ ألوانِها إلى الأبيض، فنحن نقول مثلاً "قميصٌ مُحَوَّر"، وباللهجة الدَّراِجَة "قميص محَوِّر"، بمعنى أنَّ لونَهُ تغيَّر إلى الأبيض، ونقول كذلكَ "عَيْنانِ حَوْرَاوانِ"، بمعنى أنَّ صُلْبَتَيْهِما شديدتا البياض، ونقول كذلك "إمرأةٌ حَوْراءُ"، بمعنى أنَّها بيضاءُ البَشَرَة. هذه اللفظاتُ دخلتْ إلى العربيَّة مِن السِّريانيَّة، فالَّلفظةُ المُقابِلة للفظة "بيضاء" بالسّريانيَّة هي  ܚܶܘܳܪܬ݁ܳܐ، والَّلفظ: حِوَرْتَا، والَّلفظةُ المُقابِلة للفظة "أبيض" هي ܚܶܘܳܪܳܐ، والَّلفظ: حِوَرَا. ومِن السِّريانيَّة أتتْ أيضا لفظةُ "الحَوْر"، التي تُطْلَقُ على الشَّجرة البَرِّيَّة الجميلة المعروفة، ذات السَّاقِ الأبيضِ والأغصانِ البيضاء، والأوراقِ ذات السَّطحِ السُّفلِي الفِضِّيِّ الَّلوْنِ المائِل إلى البَيَاض (צַפְצֽפָהּ  מַכְסִיפָה, Populus  alba)، التي نُسِبَ إلى اسْمِهَا عَدَدٌ مِن المواقِع، كقرية عَيْن حُور، التي تقعُ بالقُرب مِن بلدةِ الزَّبَدَانِي بمُحافَظَة رِيْفِ دمشق بسوريا.  
 
مِنَ المصدر "حَوَرَ" اشْتُقَّت لفظاتٌ عربيَّة كثيرة أُخرى تُعبِّرُ عن الابيضاض، أي التَّحوُّل إلى الَّلون الأبيض. مِن بين هذه الَّلفظاتِ نذكرُ لفظةَ "الحَوَارِي"، التي تعني القَصَّار، أي مُبيِّضَ الثِّياب، والتي تعني أيضا واحِدًا مِن رُسُلِ السيِّدِ المسيحِ عليه السَّلام، وذلك لأنَّ رُسُلَهُ، أيِ "الحَوَارِيِّين"، كانوا يلبسُون كَتُّونَاتٍ بَيْضاواتٍ وقتَ الخدمةِ الدِّينيَّة. وهنالِكَ مِنْ بينِ باحِثِي التَّوْراةِ مَنْ يقولُ أنَّ الاسمَ "حُوْر" (חוּר)، وهو اسمُ رفيقِ النَّبِي مُوسَى ورفيقِ أخِيْهِ هارُونَ عَلَيهِما السَّلام، الوَارِدِ ذكرُهُ في سِفْرِ أخْبارِ الأيَّامِ الأوَّلِ (الفصل الثَّانِي، الإصْحَاحَانِ التَّاسِع عشر والعِشرون)، وكذلكَ في سِفْرِ الخُرُوجِ (الفصل السَّابِع عشر، الإصْحَاح العاشِر)، مَنسُوبٌ هو الآخرُ للبياضِ. 
 
الَّلفظة العِبريَّة "חַוָּר, חוואר"، وهي الإسمُ العِبري لهذا الصَّخر الرُّسُوبِي الأبيضِ المائِلِ إلى الصُّفْرَة، أتتْ هي الأخرى، من الَّلغة الآراميَّة، ومِن قريبَتِهَا الُّلغةِ السِّريانيَّة، ومِن هَاتَيْنِ الُّلغَتَيْنِ الشَّقِيقَتَيْنِ أتَى أيضا الفِعلُ العِبري הִחְוִויר، أي شَحُبَ وابْيّضَّ لونُهُ، ومِن هذا الفِعل أتَت الَّلفظةُ חִוָּרוֹן، التي تعني الشُّحُوبَ أوِ البَيَاضَ، وهي لفظةٌ تقابِلُها بالَّلغة الآراميَّة الَّلفظة חֽוְרָא، ومِن هُنا أتَى كذلكَ المَثَلُ الآرَامِيُّ: "אָזֵיל  סֻמָּקָא  וְאָתֵי  חֽוָּורָא"، الذي يعني "زالَ الاحْمِرارُ  وأتَى الشُّحُوْبُ"، والاحْمِرارُ هُنا هو إحْمِرارُ الوَجْهِ، والشُّحُوْبُ هو شُحُوْبُهُ أوِ ابيِضَاضُهُ، وهو مثلٌ يُضْرَبُ بِمَن أُحْرِجَ مَوْقِفُهُ، فانْفَعَلَ واحْمَرَّ وَجْهُهُ، بعد أنْ كانَ أبيضَ حينما كانَ واثِقًا بنفسه. لفظة סֻמָּקָא الوارِدَة في هذا المَثَلِ، والتي تُعَبِّرُ عنِ احْمِرَارِ الوَجْهِ في حالاتِ التَّأثُّرِ، أتت هي الأخرى، مِن لفظة سِريانيَّة وهي ܣܘܡܩ، وهي اسمُ نباتِ السُّماقِ المعروفِ بتلك الُّلغة، ومِن هذه الَّلفظةِ أتَى كذلكَ الفِعلُ العِبري הֽסְמִיק، الذي يعني "احْمَرَّت بَشَرَتُهُ"، وخصوصًا خُدُوْدُهُ، نسبةً للَّونِ الأحمرِ لثمرِ السُّمَّاق. وهنالِكَ مَثَلٌ آرَامِيٌّ آخُرُ يدخُلُ بِهِ اسمُ نباتِ السُّمَّاقِ مِن أجلِ التَّعبيرِ عَنِ حُمْرَةِ الوَجْهِ، وهو: "מַאי  חֳזֽית  דּֽדְמָא  דֽידָךְ  סֻמָּק  טְפֵי ?"، الذي يعني: "هل رَاَيْتَ أنَّ دَمَكَ أكْثَرُ حُمْرَةً ؟"، بمعنى: "بماذا أنْتَ أفضلُ مِنَ الآخرينَ ؟". وهكذا، فإنَّ لَوْنَ الوَجْهِ حِينَ شُحُوبِهِ، يُشّبَّهُ، بالُّلغة العِبريَّة، بلَوْنِ صخرِ الحُوَّار، أمَّا احْمِرَارُهُ وقتَ الانفِعالِ والتَّأثُّرِ، فيُشّبَّهُ بلَوْنِ ثَمَرِ السُّمَّاق. بَقِيَ أن نذكُرَ أنَّ الإسمَ العِلمي للسُّمَّاق هو Rhus  coriria، واسمُهُ العِبري هو אוֹג  הַבֻּרְסְקָאִים.
 
 
لماذا اسْتُخْدِمَ صخرُ الحُوَّار في الماضي في صُنعِ الطِّين ؟
 
نقولُ أوَّلاً أنَّ الطِّين هو تلك العجينَةُ التي تنتُجُ عن بَلِّ مسحُوق صخر الحُوَّار بالماء، وخَلْطِهِ مَعَ التِّبْن، الذي يزيد تلكَ العجينَةَ تماسُكًا بعد جفافِها، وبنفسِ الوظيفة تقومُ مادَّة كربُونات الكالسيُوم الموجودة في الحُوَّار.
 
الجواب على هذا السؤال بشكلٍ عامّ هو لأنَّ هذا الصَّخرَ غيرُ نَفَّاذٍ للماء. وإذا سألَ سائِلٌ: لماذا هو غيرُ نَفَّاذٍ للماء ؟ فيكُونُ الجواب: لأنَّهُ يحتوِي على معادِن للطَّمْي، وغالبيَّة هذه المعادِن غيرُ نَفَّاذَةٍ للماء. وإذا أرْدَفَ بالسُّؤال: ولماذا غالبيَّة معادِن الطَّمي غيرُ نَفَّاذَةٍ للماء ؟ عِندَها يكونُ الجوابُ على ذلك، بشكلٍ مُبَسَّط، كما يلِي.
 
 
معادِنُ الطَّمْي: قادِرةٌ على اجتِذابِ جُزيئاتِ المياهِ بسُرعة، وعندما يحصلُ ذلكَ تنغَلِقُ مساماتُها وتُصبحُ غيرَ نَفَّاذَةٍ للماء
 
جميعُ المعادِنِ التي تتكوَّن منها مادَّةُ الطَّمْي أو صُخورُ الطَّمْي، تنتمِي، مِن ناحيةِ المبنى المَعْدِنِي والبَلُّورِي، إلى فئة المعادِن السِّليكَاتيَّة المعرُوفة بمعادِن "الفيلُوسيلِيكات" Phyllosilicate  minerals))، مصدرُ هذا الإسم هي الُّلفظة اليُونانيَّة Φύλλον (فِيْلُّوْن"، التي تعني "وَرَقَة")، وهي معادِن ذات مبنى صَفَائِحي، أو وَرَقِي، أو رَقائِقي، وسببُ هذه التَّسْمِيَة هو كَوْنُ بلُّوارتِها تتكوَّن مِن صفائِحَ رقيقةٍ جدًّا، الواحِدة فوق الأخرى، مُتَّحِدة مَعَ بعضِها بأربطةٍ كيماويَّةٍ تَسَاهُمِيَّة (كُوﭬﺎلِنْتِيَّة). المعادِن السِّليكَاتيَّة هي تلكَ المعادِن التي يكونُ فيها عنصر السِّيليكُون (Si) العنصرَ الأساسيَّ في مبانِيها الكيماويَّة، ومِن المُهمِّ أنْ نذكر هُنا أنَّ وظيفةَ عنصرِ السِّيليكُون في الكيمياءِ غيرِ العُضويَّة وكيمياءِ المعادِن شبيهَةٌ بوظيفة عنصرِ الكربون (C) في الكيمياءِ العُضويَّة والكيمياءِ الحَيَوِيَّة، فكلاهُما يُكَوِّنانِ سَلاسِلَ كيماويَّة، وَيَقَعَانِ في العَمُود الرَّابع في التَّرتيب الدُّورِي للعناصر الكيماويَّة، ومِن هُنا أتى هذا التَّشابُهُ بينَهُما في هذا المجال.
 
معادِنُ الطَّميِ تُعَرَّفُ بأنَّها "معادِن صفائِحِيَّة سيليكاتِيَّة مائِيَّة حاوِيَة على عنصُر الألُومنيوم"
 (Hydrous  aluminium  phyllosilicate   minerals) ، وذلكَ لأنَّها، كما ذَكَرْنَا، تنتمِي إلى المعاِن السِّيليكاتِيَّة، وبالذَّاتِ إلى فِئَةِ المعادِن ذاتِ المَبنَى الوَرَقِي أوِ الصَّفائِحي مِن بين فِئاتِ تلكَ المعادِن، وكذلكَ نظرًا لأنَّها قادِرة على جذبِ جُزيئاتِ الماء إليها، وكذلكَ نظرًا لاحتِوائِها على عنصُر الألُومنيوم.
 
هنالِك وِحْدَتَانِ كيماوِيَّتانِ أساسِيَّتان تشتَرِكانِ في تكوينِ مبانِي معادِن الطَّمْي كُلِّها، وهي كما يلِي:
 
أ‌.  وِحدة "ألتِّتْراهِيدرُون" (Tetrahedron بصيغَة المُفرد، و Tetrahedra بصيغة الجَمْع)، أو "وِحدة الهَرَم الرُّباعِيّ السُّطُوح". لكُلِّ هَرَمٍ مِن هذه الأهرام أربعةُ سُطُوحٍ، وكُلُّ سطحٍ مِنها هو مُثلَّث مٌتساوِي الأضلاع. وتتكوَّن الوِحدة الواحِدة مِنها مِن ذرَّةٍ واحِدةٍ مِن عُنصُر السِّيليكُون (Si) مُتواجِدَة في مركز الهَرَم، وأربعِ ذرَّاتٍ مِن عنصُر الأوكْسِيجين (O2)، ذرَّةٌ واحِدة مِن كلٍ مِنها موجودةٌ في كلِّ واحِدةٍ مِن الزَّوايا الأربع للهَرَم. ثلاثُ ذرَّاتٍ مِن بين ذرَّاتِ الأوكسِيجين الأربَعِ هذه تتواجَدُ في نفسِ المُسْتَوَى، وترتَبِط مَعَ ذرَّاتٍ لعُنصرِ الأوكسِيجين في أهرامٍ أخرى مُجاوِرَة رُباعيَّة السُّطُوح، أمَّا ذرَّة الأوكسِيجين الرَّابِعة فَتُكَوِّنُ رأسَ الهَرَمِ، وتَرْتَبِط مَعَ أحدِ المُجَسَّمات ذاتِ السُّطُوح الثَّمانية التي تتكوَّنُ مِنها الطَّبقة الثَّانية، التي تتكوَّنُ مِنها معادِن الطَّمْي. وبسببِ الفارِقِ في الشَّحنات الكهربائيَّة بين عُنْصُرَيِ السِّيليكُون والأوكْسِيجين ينتُج أنَّ مُجْمَلَ الشَّحنةِ الكهربائيَّة للوِحدة الواحِدة مِن هذه الأهرام الرُّباعيَّة السُّطُوح هو  4 –، بحيث يكون الرَّمز الكيماوي للهَرَمِ الواحِد مِنها
SiO4)-4). ولكن نظرًا لأنَّ ثلاثَ ذرَّاتٍ مِن بين الذرَّاتِ الأربع لعنصرِ الأوكْسِيجين المُحيطة بذرَّة السِّيليكُون تتَّحِد، كما ذَكَرْنا، مَعَ هَرَمٍ مُجاوِرٍ آخرَ رُباعِيِّ السُّطُوح، فينتُج أنَّ الرَّمزَ الكيماوي للوِحدة الأساسيَّة لهذه الأهرام هو (Si2O5)-2. الأُلُوف  مِن هذه الوِحدات الأساسيَّة تتَّحِد مع بعضِها مُكَوِّنَة صفيحة أو طبقة رقيقة جدًّا، يُطلق عليها اسم "صفيحة الأهرام الرُّباعيَّة السُّطوح".
 
  وتجدُرُ الإشارةُ إلى أنَّ الهَرَم الرُّباعِيّ السُّطُوح (ألتِّتْراهِيدرُون)، الذي تنتَمِي إليْهِ المُجَسَّمات الصَّغيرة جدًا التي تتكوَّنُ مِنها هذه الوِحداتُ مِن معادِن الطَّمْي، هو واحِدٌ  مِنَ المُجَسَّمَات الفَرَاغيَّة الأفلاطُونِيَّة الخمسة المشهورة.
 
ب‌.  وِحدة "المُجَسَّم الثَّمانيُّ السُّطُوح" أو وِحدة "ألأُوكتاهِيدرُون" (Octahedron بصيغَة المُفرد، و Octahedra بصيغة الجَمْع).  لكُلِّ مُجَسَّمٍ مِن هذه المُجَسَّمَات ثمانِيةُ سُطوحٍ ذاتِ مساحاتٍ مُتساوِية، وكُلُّ سطحٍ مِنها هو مُثلَّث مٌتساوِي الأضلاع. هذا المُجَسَّم هو في الواقِع هَرَمَانِ رُباعِيا السُّطُوح أُلْصِقَا الواحِدُ بالآخرِ على قاعِدةٍ مُشتَرَكِة بينَهُما، وهذه القاعِدة هي واحدٌ مِن سُطوحِ كُلٍّ مِنهُما. في مركز كُلِّ مُجَسَّمٍ مِنها تتواجَدُ ذرَّةُ ألُومنيُوم، وهي ذات شَحْنَة كهربائِيَّة ثُلاثِيَّة مُوجَبَة (Al+3)، أو ذرَّة ماغنيسيُوم، وهي ذات شَحْنَة كهربائِيَّة ثُنائيَّة مُوجَبَة (Mg+2)، أو ذرَّة حديدٍ ثُنائِيَّةَ الشَّحْنَةِ الكهربائِيَّة المُوجَبَة (Fe+2)، أو ذرَّة مًنْغَنِيز ثُنائِيَّةَ الشَّحْنَةِ الكهربائِيَّة المُوجَبَة (Mn+2). كُلُّ واحِدة مِن هذه الذَّرَّاتِ ترتبط مَعَ ذرَّاتِ أوكسِيجين، أو مَعَ "مجموُعات هِيدرُوكْسيل" (OH-1). وتتَّحِد الأُلُوف مِن هذه الوِحدات أيضا مع بعضِها مُكَوِّنَةً صفيحة أو طبقة رقيقة جدًّا، يُطلق عليها اسم "صفيحة المُجَسَّمات ذات الثَّمانية سُطُوح".
 
المُجَسَّمُ ذو السُّطُوحِ الثَّمانية (ألأُوكتاهِيدرُون)، الذي تنتَمِي إليْهِ المُجَسَّمات الصَّغيرة جدًا التي تتكوَّنُ مِنها هذه الوِحداتُ مِن معادِن الطَّمْي، هو أيضا واحِدٌ مِنَ المُجَسَّمَات الفَرَاغيَّة الأفلاطُونِيَّة الخمسة.
 
هاتانِ الصَّفِيحَتانِ، او الرَّقيقتانِ، تَتَّحِدانِ مع بعضِهِما، وتنتظِمانِ الواحِدةُ فوق الأخرى، ويتمُّ الاتِّحادُ الكيماوي بينهُما بواسطة مُشاركتِهِما لذرَّاتِ عنصرِ الأوكسيجين الموجودة في رؤوسِ الأهرام الرُّباعيَّة السُّطوح معَ تلكَ الموجودةِ في رؤوس المُجَسَّمات ذات الثَّمانية سُطوح. وقد تتَّحِد فقط طبقةٌ واحِدة مِن كلِّ نوع مِن الصَّفائِح المذكورة مَعَ طبقةٍ مِن النَّوع الآخر، وعندها تنشأ أنواعٌ معيَّنة مِن معادِن الطَّمْي، مثل معدِن "الكاؤولِينيت (Kaolinite)، الذي يُستخدم بكثرة في صُنعِ اﻠﭙورسِلان. على معادِن الطَّمْي التي تنتَمِي إلى هذه الفِئَة يُطْلَقُ الاسم: "معادِن طَمْيٍ مِن نوعِ واحِدٍ إلى واحِد" (1:1)، وذلكَ لأنَّ طبقتَيْنِ، واحِدةً مِن كُلِّ نوعٍ مِنَ نَوْعَيِ المُجَسَّمات المذكورَيْنِ، اتَّحَدَتا مُكَوِّنَتَيْنِ هذه المعادِن. وقد تتَّحِد طبقَتَانِ من "صفائِحِ الأهرام الرُّباعيَّة السُّطوح" مَعَ طبقة واحِدة مِن "صفائِح المُجَسَّمات ذات الثَّمانية سُطُوح"، وتَكُونُ هذه الطَّبقة الأخيرة في الوَسَطِ بين الطَّبقتيْنِ الأوْلَيَيْنِ، وعندها تنشأُ أنواعٌ أخرى مِن معادِن الطَّمْي، يُطْلَقُ عليها الاسم: "معادِن طَمْيٍ مِن نوعِ اثْنَيْنِ إلى واحِد" (2:1). مِثالٌ على هذه الفِئَةِ هو معدِن المُونتْمُوريلُّونِيت (Montmorillonite). جُزيئاتُ هذا المعدِن، مِثلُ جُزيئاتِ غالبيَّةِ معادِنِ الطَّمْي، مشحُونَةٌ بشَحْناتٍ كهربائيَّةٍ سالِبَة، وبِسَبِب ذلكَ فهيَ قادِرَةٌ على اجْتِذابِ جزيئاتِ الماءِ إليْها بسُرعَةٍ عندما تَتَرَطَّبُ، وعلى فُقدانِها بسُرعَةٍ عندما تَجِفُّ، وهي قادِرَةٌ كذلكَ على اجْتِذابِ الأيُوناتِ المُوجَبَةِ الشَّحْنَة الكهربائِيَّة الموجودة في الأترِبَة، والمطلوبَة لِنُمُوِّ النباتات كُلِّها، وهي تُعَطِّلُ بِذلكَ تأثيرَ الجاذبِيَّةِ الأرضيَّة على هذه الموادِّ، وتمنع تَسَرُّبَها إلى الأسفل، وبفضلِ ذلكَ تكُونُ هذه الموادِّ جاهِزَةً كي تَمْتَصَّها جُذورُ النَّباتات وقتَ الحاجةِ إليْها.
 
معادِن الطَّمْي كثيرة التَّواجُد في الأتربة بشكلٍ عام، ولوْلا وُجودُها في الأترِبة لتسَرَّبت مِنها المياهُ مَعَ ما يتواجَدُ فيها مِن معادِن مُذابَةٍ، تحتَ تأثيرِ الجاذبيَّةِ الأرضيَّة، إلى أعْماقٍ لا تصِلُهَا الجُذُور، وفي حالةٍ كهذِهِ ما كانَ يُمكِنُ للنَّباتاتِ أن تتواجَدَ على سطحِ الأرض. ولإكْمالِ هذه الفِكْرَةِ نُضِيفُ ونقولُ أنَّ تَوَاجُدَ المياهِ في التُّربة، وحِفظَها في معادِن الطَّمْي، حتَّى بالقَدْرِ الكافِي، ليسَ كافِيًا وحدُهُ لِنُمُوِّ النَّبات، إذ يجبُ أن تَتَوَاجَدَ وسيلةٌ لِرَفْعِ المياهِ مِنَ التُّرْبة إلى النَّبات، وعمليَّةُ الرَّفْعِ هذه تأتِي عن طريقِ ظاهرةٍ طبيعيَّةٍ بسيطةٍ جدًّا أخرى، ولكن هامَّة جدًّا في نفسِ الوقت، وهي تلك الظَّاهرةُ التي تقضِي بأن يَتَحَرَّكَ السَّائِلُ ذُو التَّركيز الأَخَّفِّ لللأمْلاح، إلى السَّائِلٍ ذِي التَّركيزِ الأعلى لللأمْلاح، عَبْرَ غِشاءٍ شِبْهِ نَفَّاذٍ، إذا تَوَاجَدَ غِشاءٌ كهذا بينَهُما. هذه الحركةُ تَحصلُ مِن أجلِ مُوَازَنَةِ تركيزِ الأملاحِ في السَّائِلَيْنِ، وهي تَنْشَأُ نتيجةً للفرقِ في تركيزِ الأملاحِ بينَهُما، أو نتيجةً للفَرقِ فيما يُعْرَفُ بالضَّغطِ الأُسْمُوزِي، أوِ بالضَّغطِ التَّنَاضُحِي (Osmotic  Pressure)  بينَهُما. وهكذا، فَبموجبِ هذه الظَّاهرة تصْعَدُ المِياهُ عن طريقِ الجُذُورِ، تمامًا ضِدَّ الجاذِبيَّةِ الأرضِيَّة، مِنَ التُّربة ذاتِ تركيزِ الأملاحِ الخفيفِ نسبيَّا، إلى النَّباتات ذاتِ التَّركيزِ الأعلى لللأمْلاح، وتَمُدُّها بالماءِ وبالمعادِن المطلوبةِ لِنُمُوِّها. لوْلا هاتَانِ الظَّاهرتانِ ما كانَ يُمْكِنُ للنَّباتاتِ، ولِكُلِّ الكائِناتِ الحَيَّةِ التي تَتَغَذَّى على النَّباتاتِ، أن تَتَوَاجَدَ على سطحِ الأرض.
بفضلِ مَقدرةِ معادِن الطَّمْي الموجُودة في صخر الحُوَّار على جذبِ جُزيئات الماء إليها استُخْدِمَ مسحُوق هذا الصَّخر في الماضي في صُنع الطِّين.
 
مِن المُهمِّ أن نذكُر هُنا أنَّ جُزيئات الطَّمي تنتَفِخ بعد أن تنجذِب إليها أوَّلُ جُزيئاتِ ماء وعندها تنغلِق المسامات الموجودة بينها، بحيثُ تعجز جُزيئات الماء الإضافيَّة عَنِ اختراقِهَا، ومِن أجلِ هذا السَّبب استُخْدِمَ الطِّينُ كطِلاءٍ لسُطوح المنازل في الماضِي، لأنَّ أوَّلَ دفعةٍ مِن مياه الأمطار كانت تُؤدِّي إلى انغلاقِ المسامات الموجُودة في تلك السُّطوح الطِّينيَّة، الأمر الذي كان يمنعُ تسرُّبَ مياه الدُّفعاتِ التالية مِن مياه المطرِ بداخِلها، وبالتَّالِي يمنعُ تسرُّبَهَا إلى داخلِ المنازل. مياهُ الأمطار الإضافيَّة كانت تجري على السُّطُوح، وبعد ذلك، وفي أغلبِ الحالات، كانت تجري إلى المَيَازيبِ، إلى أن تصِلَ في النِّهاية إلى الآبارِ الموجودةِ في ساحاتِ المنازل، أو بداخِلِها. ومِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أنَّ تلكَ الأسْطُحَ الطِّينيَّةَ كانت بحاجةٍ إلى الصِّيانَةِ الدَّائِمة وإلى "التَّطيين" كُلَّما دَعَتِ الحاجةُ لذلكَ، لأنَّها كانت تَنْجَرِفُ بفِعْلِ مياهِ المطرِ مِن جهةٍ، وكانت تنمو عليها أعشابٌ بَرِّيَّةٌ، كانت تُسَبِّبُ تَشَقُّقَها مِن جهةٍ أخرى، ومِن أهمِّ تلكَ النباتاتِ نذكرُ نباتَ البابُونج، الذي كان أصحابُ المنازلِ يحشُّونَهُ ويُجفِّفونَه ويستعملونَهُ مَغْلِيَّا في الماء مِن أجلِ علاجِ بعضِ الأمراض، كالسُّعالِ والزُّكامِ.
 
مُلاحظات:
 
أ‌. المُجَسَّمَات الفَرَاغيَّة الأفلاطُونِيَّة الخمسة (The  Five  Platonic  Solids)
المُجَسَّمُ الأفلاطُونِيُّ هو مُجَسَّمٌ مُتَعَدِّدُ السُّطُوحِ، كُلُّ سُطُوحِهِ مُتشابِهَةٌ، وزوايا تلكَ السُّطُوحِ مُتساوِية، وعندَ كُلِّ واحدٍ مِن رؤوسِهِ يلتَقِي نفسُ العددِ مِنَ تلكَ السُّطُوح. توجد في الطَّبيعةِ فقط خمسةُ مُجَسَّمَاتٍ مِن هذا النَّوع، وهي الهَرَمُ الرُّباعِيُّ السُّطوح، والمُكَعَّب، والهَرَمُ الثُّمانِيُّ السُّطوح، والمُجَسَّمُ المُنْتَظَمُ ذُو الاثْنَيْ عشرَ سطحًا، والمُجَسَّمُ المُنْتَظَمُ ذُو العِشرينَ سطحًا.
 على هذهِ المُجَسَّمَات الفَرَاغيَّة (وكذلكَ على سائرِ المُجَسَّمَاتِ المُتعدِّدةِ السُّطوحِ) يَسْرِي قانونُ أويْلِر
 (Euler's  Formula  for  Polyhedra)، الذي ينُصُّ على أنَّ الفرقَ بينَ عددِ الرُّؤوسِ وبينَ مجموعِ الحَوَافِّ والسُّطوحِ في المُجَسَّمِ الواحد = 2
وقد رَبَطَ أفلاطُونُ بينَ هذهِ المُجَسَّمَات الفَرَاغيَّة الخمسةِ وبينَ العناصِرِ الخمسةِ التي كان فلاسِفةُ الإغريقِ يؤمِنونَ أنَّ الأرضَ كُلَّها مُكَوَّنَةٌ مِنها، بمعنى أنَّ كُلَّ  مُجَسَّمٍ مِن هذهِ المُجَسَّمَات يُمَثِّلُ واحداً مِن تلكَ العناصِر الخمسةَ، وهذه العناصِر هي الأرضُ، والماءُ، والهواءُ، والنَّارُ، والأثيرُ.



                            
 
لماذا تستطيعُ معادِنُ الطَّمْي أنْ تَجْتَذِبَ المياهَ إليها ؟
 
ترجِعُ مقدرة معادِن الطَّمْي على اجْتِذابِ جُزيئات المياه مِن التُّربة إليها إلى عامِلَيْنِ اساسِيَّيْنِ، أوَّلُهُما: كَوْنُ غالبيَّة معادِن الطَّمْي تحمِلُ شحناتٍ كهربائيَّةً سالبةً على سُطُوحِها، بسبب تواجُدِ ذرَّاتٍ مِن عنصرِ الأوكْسِيجين غيرِ الكاملةِ الارتِباطِ الكيماوي في تلك السُّطُوح، وثانِيهُما: كَوْنُ جُزئِ الماءِ قُطْبِيًّا. العامِل الثَّاني بحاجةٍ للتَّوضيح، وهذا التَّوضيح هو كما يلِي.
 
 
جُزئُ الماءِ:  جُزئٌ قُطْبِيٌّ
 
يتكوَّن جُزئ الماء (H2O) عن طريقِ اتِّحاد ذرَّتَيْنِ مِن غاز الهيدرُوجين مَعَ ذرَّةٍ واحدة مِن غاز الأوكْسِيجين، ويتِمُّ هذا الاتِّحاد بواسطة إشْراكِ الإلِكْترُونَيْنِ الموجُودَيْنِ حول ذرَّتَيِ الهيدرُوجين مع الإلِكْترُونات السِّتَّة الموجُودَة في المدار الإلِكْترُونِي الأخير لذرَّة الأوكْسِيجين في الرِّباط الكيماوي بين هذه الذَّرَّات الثَّلاث، على هذا النَّوع مِن الأربِطَة الكيماويَّة يُطْلَقُ اسم "رِباطٌ كُوﭬالِنْتِي" أو "رِباط تَسَاهُمِي"، ولكن نظرًا لأنَّ ذرَّة الأوكْسِيجين تجذُبُ هذه الإلِكْترُونات المُشتَرَكة بينَها وبَيْنَ ذرَّتَيِ الهيدرُوجين بقوَّةٍ أكبر مِن قوَّة جذبِ ذرَّتَيِ الهيدرُوجين لَهَا، فإنَّ هذه الإلِكْترُونات المُشتَرِكة تكونُ أقرب إلى ذرَّة الأوكْسِيجين مِن قُرْبِها إلى ذرَّتَيِ الهيدرُوجين، ونتيجًة لذلك فإنَّ ذرَّتَيِ الهيدرُوجين لا تكُونانِ على استقامَةٍ واحِدة مَعَ ذرَّة الأوكْسِيجين، وإنَّما تنشأُ بينَ هاتَيْنِ الذَّرَتَيْنِ وبينَ ذرَّة الأوكْسِيجين زاوية مِقدارُها حوالي 105 دَرَجات. في وضعٍ كهذا ينشأُ على ذرة  الأوكْسِيجين فائِضٌ صغير، ولكن هامّ، مِن الشَّحنة الكهربائِيَّة السَّالِبة، أمَّا على كُلِّ واحِدة مِن ذرَّتَيِ الهيدرُوجين فينشأُ فائِصٌ صغير أيضا، ولكن هامٌّ أيضا، مِن الشَّحنة الكهربائِيَّة المُوجَبَة. جُزئٌ كيماويٌّ مِن هذا النَّوع، الذي لا تتوزَّعُ فيه الشَّحناتُ الكهربائِيَّة بشكلٍ متساوٍ بين الذَّرَّات التي تُكَوِّنُهُ، يُعْرَفُ باسم "جُزئ قُطْبِي"، وإلى هذه الفِئة مِن الجُزيئات ينتمِي جُزئُ الماء، ولهذه الحقيقة أهميَّة كبيرةٌ جدًا في التَّصَرُّف الكيماوي للماء، فبِسببِ ذلك الماءُ هو أهمُّ وأشهرُ مُذِيبٍ على سطحِ الأرض، فهو قادِرٌ، كما هو معرُوفٌ، على إذابَةِ موادّ عديدة، كغالبيَّة الأمْلاح، فمِلح الطَّعام وهو كْلُورِيد الصُّوديُوم، (NaCl)، مثلاً، يذوب في الماء، وذلك لأنَّ ذرَّات الأوكْسِيجين ذات الشَّحنة الكهربائِيَّة السَّالِبة الموجُودة في جُزيئات الماء تجذِبُ إليها ذرَّات عنصر الصُّوديُوم ذات الشَّحنة الكهربائِيَّة المُوجبة الموجودة في جُزيئات مِلح الطَّعام، أمَّا ذرَّات الهيدرُوجين ذات الشَّحنة الكهربائِيَّة المُوجبة الموجُودة في جُزيئات الماء فَتجذِبُ إليها ذرَّات عنصر الكْلُور ذات الشَّحنة الكهربائِيَّة السَّالِبة الموجودة في جُزيئات مِلح الطَّعام، وعندما يحصل ذلك يكُون المِلح قد ذابَ في الماء، أو "تَأَيَّن"، بلُغة الكيمياء، أي أنَّه تحلَّلَ في الماء إلى ذرَّاتٍ مُوجبة الشَّحنة الكهربائيَّة، هي ذرَّات الصُّوديُوم، وإلى ذرَّاتٍ سالِبة الشَّحنة الكهربائيَّة، هي ذرَّات الكْلُور.
 
 
نَشْاَةُ الأمُونِيتاتِ وانْقِراضُها: مَتَى نَشَاَتْ ومَتَى انقَرَضَتِ ولماذا انقَرَضَت ؟
 
ألأمُونِيتات كانتْ حيواناتٍ لا فَقَارِيَّة بحريَّة تَنْتَمِي إلى شُعْبَة "الرَّخَوِيَّات" (Mollusca)، وذلكَ لأنَّ أجسادَها كانتْ رَخْوَةً، وكانتْ تعيشُ داخلَ أصْدافٍ صُلبَةٍ، وهيَ تَنْتَمِي أيضا إلى طائِفَةِ "رأْسِيَّاتِ الأرْجُلِ" (Cephalopoda)، وذلكَ لأنَّها كانتْ تملُكُ مَجَاسًّا في رُؤوسِها، وتَنْتَمِي كذلكَ إلى "تَحْتِ طائِفةِ الأمونيتيّات" (Ammonoidea). أوَّلُ ظُهُورٍ لَها كان خِلالَ آخر العَصْرِ الدِّﯾﭬونِي، قبلَ حوالَي 240 مليون عامًا، وآخرُ ظُهُورٍ لها كان قبلَ 65 مليون عامًا، مَعَ نهايةِ العصرِ الطَّباشِيرِي، حينَما انقَرَضَت كُلِّيًّا مِنَ الوُجُود. خِلالَ فترةِ تَوَاجُدِها تَطَوَّرَت كثيرًا، وهي تُقْسَمُ إلى ثمانِي مَرَاتِب (Orders)، وهذِهِ تُقْسَمُ إلى مِئاتِ الأجناسِ (Genera) والأنواعِ (Species). وكَسِائِرِ "رأْسِيَّاتِ الأرْجُلِ"، كانتْ لها أحناكٌ قويَّةٌ كالمَنَاقِيرِ موجُودةٌ بداخِلِ حَلَقَةٍ مِنِ المَجَسَّاتِ، كانتْ تمتَدُّ خارِجَ الصَّدَفَةِ، وبِها كانتْ تصْطادُ فرائِسَها، كالأسماكِ الصَّغيرة وبعضِ أنواعِ الحيواناتِ ذاتِ القواقِعِ. أطوالُها كانتْ تَتَراوَحُ بينَ عددٍ مِنَ السنتيمِترات وأكثَرَ مِن مترٍ واحدٍ.
 
مصدرُ تسمِيَتِها بهذا الاسمِ هو الإله الفِرْعَوْنِي "آمُون"، الذي كانَ يُرْسَمُ على شكلِ بَشَرٍ، ولكنْ مَعَ قَرْنَيْنِ كَقَرْنَيِ الكَبْشِ، قَرْنٌ واحدٌ حَوْلَ كُلِّ واحِدةٍ مِن أُذُنَيْهِ الاثْنَتَيْنِ. أوَّلُ مَنِ استَخْدَمَ اسمَ هذا  الإله في تسمِيَتِها كان الفيلسوفُ والكاتِبُ الرُّومانِيُّ الشَّهيرُ "ﭙلينيُوس الأسَنُّ، أيِ الأكبرُ سِنًّا" Pliny  the  Elder)   23
  ب. م. – 79 ب .م.)، وقد أَطْلَقَ عليها الاسم
الَّلاتينِي Ammonis  Cornua، أي "قُرُون آمُون".
 
ألأمُونِيتات كانتْ قادِرةً على السِّباحةِ والعَوْمِ والغَوْصِ، وعلى توجِيهِ أَنْفُسِها في الماءِ، وكانتْ لَدَيْها آلِيَّةُ دفعٍ خَلْفِيٍّ، شبيهةٌ بتِلكَ التي يَمْتَلِكُها الحَبَّارُ (أوِ السَّبَيْدَج) والأُخْطُبُوط، وبعضُ النُّوْتِيَّاتِ.
 
الصَّدَفَةُ التي كانَ الأمُونِيتُ يعيشُ داخِلَها كانتْ لَوْلّبِيَّةَ الشَّكلِ، وكانتْ تُقْسَمُ إلى عددٍ مِنَ َالتَّجَاوِيْفِ تفصِلُ بينَها جُدْرانٌ رقيقةٌ، وخطُّوطُ التَّمَاسِّ بينَ تلكَ الجُدْرانِ والسَّطحِ الخارِجِيِّ للصَّدَفَةِ كانتْ مُلْتَوِيَة ومُتَعَرِّجَة، وهي تُسَمَّى "خُطُوط الدَّرْزٍ" (Suture  Lines)، تَشْبِيهًا لها بخُطُوطِ الدَّرْزِ التي تُكَوِّنُها ماكِيناتُ الخِياطة. الحيوانُ نفسُهُ كانَ يعيشُ في التَّجويفِ الخارِجي، أيِ التَّجْويفِ الأقْرَبِ إلى فتحةِ الصَّدَفَة. هنالِكَ ثلاثةُ أنواعٍ لخُطُوطِ الدَّرْز تلك، ولها دَوْرٌ هامٌّ في تصنيفِ تلكَ الحيواناتِ.
 
  ألأمُونِيتات، مَعَ كائِناتٍ حيوانيَّةٍ ونباتيَّةٍ عديدةٍ جدًا، انقرضَت كُلِّيًا في نهاية العصر الطَّباشِيرِي، وهو آخرُ عصورِ دَهْرِ الحياة الوُسطى أو دَهْر الميسُوزُويْكُون، ((The  Mesozoic  Era الذي امتَدَّ بين 252 عامًا و 65 مليون عامًا مِن زمانِنَا الحاضِر،  وفي بدايةِ الفترةِ الأولى مِن دَهْرِ الحياة الحديثة أو دَهْر الكِينُوزُويْكُون، ((The  Cenozoic  Era الذي كانت بدايتُهُ 65 مليون عامًا، ولا يزالُ مُستَمِرًّا حتَّى هذه الأيَّام الحاضِرة. ويُطْلَقُ على الحَدِّ الفاصِلِ بين تلكَ الفترتينِ أحدُ المُصْطَلَحَيْنِ الأجْنبِيَّيْنِ: K-T  Boundary، أو
 K-Pg  Boundary. الحرف K في هذيْنِ المُصْطَلَحَيْنِ هو أوَّلُ حرفٍ مِنَ الَّلفظة الألمانيَّة Kreide، التي يُقْصَدُ بِها صخرُ الطَّباشِيرِ بتلك الُّلغة، ذلك الصَّخرُ الذي إليْهِ يُنسَبُ اسم ذلك العصر، ويَرْمُزُ الحرف T في المُصْطَلَحُ الأوَّل إلى الحِقبة الجيُولُوجيَّة المعروفة باسم حِقبة "الثُّلاثِي" (Tertiary  Period)، وهو أولى حِقَبِ دَهْرِ الحياة الحديثة، ويرمُزُ الحرفانِ Pg في المُصْطَلَحُ الثَّانِي إلى لفظةِ اﻠﭙﺎليئُوﭽين (Paleogene) ، هو أوَّلُ قسمٍ مِن أقسامِ حِقبة "الثُّلاثِي". بناءً على ذلك أُطْلِقَ على حادِثِ الانقراضِ الجماعِي الكبير الذي حصلَ خلالَ الفترةِ الانتقاليَّة بينَ الفترتَيْنِ المذكُورَتَيْن، المُصْطَلَحَانِ الإﻧﭽليزيَّانِ التَّالِيانِ:
K  -  T  Extinction  Event، و    K  -  Pg Extinction  Event. خلال ذلك الحادِث انقرضَ حوالَي 80 % مِنَ الكائِناتِ الحيَّةِ التي كانت تعيش على سطحِ الأرضِ اليابِس، وكذلك في البحارِ والمُحيطات، ومِن ضِمنِ تلك الكائِنات كانت حيوانات الأمُونِيت التي كانت تملأُ بحار الأرض، وكذلك حيوانات الرُّوْدِيسْتات (Rudists)، التي يتواجدُ الكثير مِنها في الشِّعابِ المَرْجانِيَّة المُتحَجِّرة المُوجودة في مُحيط يِرْكا، وكذلك في جبلِ الكَرْمِل، ولكنَّ أشهرَ الحيوانات التي انقرضت تمامًا خلال ذلك الحادث كانت الدِّيناصُورات (Dinosaurs)، التي كانت تُهَيْمِن على مساحاتٍ واسعةٍ مِن سطحِ الأرض.
 
مِن الأهميَّة بِمكانٍ أن نذكُرَ أنَّ انقِراضَ الدِّيناصُورات، تلك العَظَايَا الهائِلَةِ الحجمِ والكُتلة، أفسَحَ المجالَ أمَامَ كائِناتٍ حيَّةٍ كثيرةٍ جديدةٍ أن تنشأ وأن تتطوَّرَ بعدَها، ومِن أهمِّها كانت تلكَ التي تَنْتَمِي إلى "مَمْلكة الثَّدْيِّيَات" (Mammalia)، وعلى رأسِها العائِلةُ البَشَرِّية (Hominidae)، التي نشأَتْ وتَطَوَّرتْ في مرحلةٍ لاحِقَةٍ جدًا فيما بَعْدُ.
 
الانقراضُ الجَمَاعِيُّ الذي حصلَ خلالَ الفترةِ الانتقاليَّةِ بينَ عَصْرَيِ الحياة الوُسْطَى والحديثة، قبل 65 مليون عامًا، كانَ واحِدًا مِن خمسة انقِراضاتٍ جماعيَّة كبيرةٍ رئيسيَّةٍ، حيوانيَّةٍ ونباتيَّةٍ على حَدٍّ سَوَاء، عرفتْها الكُرة الأرضيَّة، أعْنُفُهَا وأقسَاهَا كان ذلك الذي حصلَ خلالَ الفترةِ الانتقاليَّة بينَ آخرِ عصرٍ مِن عصور دَهْرِ الحياة القديمة (The  Paleozoic  Era)، وهو "العَصر اﻠﭙيرْمِي" (Permian  Period)، وبينَ أوَّلِ عصرٍ مِن عصورِ دَهْرِ الحياة الوُسْطى، وهو عصرُ "التّْرِيَاس" (Triassic  Period). خلالَ ذلك الحادِثِ انقرضَ حَوَالّي 96 % مِنَ الكائِناتِ البحريَّة، وحَوَالَي 70 % مِنَ الكائِنات البَرِّيَّة، التي كانتْ تعيشُ على الأرضِ في ذلكَ الزَّمانِ.
 
هُنالِكَ إجماعٌ بأنَّ الانقراضَ الجَمَاعِيَّ الذي حَصَلَ قبل 65 مليون عامًا نَتَجَ عن ارتطامِ جِرْمٍ سماوِيٍّ كبيرٍ (Meteorite) بالأرض، وأنًّ منطقةَ الارْتِطامِ كانت بشِبهِ جزيرة يُوكاتان بالمكسيك
(Yucatan  Peninsula)، وقد عُثِرَ هناك فعلاً على حُفْرةِ قُطْرُها حوالي 180 كيلومترًا، ولكنَّ الرَّوُاسِبَ، مُنذُ لحظةِ الارتِطامِ إلى اليوم، غَطَّتْها كُلِّيًا وسَوَّتْهَا مَعَ سطحِ الأرض، بحيثُ لا تظهرُ إلاَّ في عمليَّاتِ المسحِ الجيُولُوجيِّ العميق. على تلكَ الحُفْرةِ يُطْلَقُ اسم "حُفْرَة  تْشِيْشُوْلُوب"  (Chicxulub   Crater) . هذا الارتِطامُ أدَّى إلى تطايُرِ كَمِّياتٍ كبيرةٍ مِنِ الغُبار وإلى تناثُرِها في جميعِ أجواء الكُرة الأرضيَّة، لمدة أشهرٍ عديدةٍ، إنْ لمْ يَكُنْ لسنواتٍ طِوالٍ، الأمر الذي أدَّى إلى حَجْبِ ضوء الشَّمسِ لمدَّةٍ طويلة، وإلى تعطيل عمليَّة التَّمثِيل الضَّوئِي، وإلى القضاءِ على نباتاتٍ وعَوَالِقَ (Phytopalnkton  &  Zooplankton) كثيرة، وإلى قطعِ السِّلْسِلَة الغِذائِيَّة، وبالتَّالِي إلى القضاءِ على ما قُضِيَ عليْهِ مِن كائِناتٍ حيَّةٍ، حيوانيَّةٍ ونباتيَّةٍ.
 
إصطِداماتٌ لأجْرَامٍ سَمَاوِيَّةٍ بالأرضِ، خِلالَ تاريخِها الجيُولُوجي الطَّويل، هي قضيَّةٌ معروفةٌ، ورُبَّما كانَ أشهرُ آخرِ تلكَ الاصطِداماتِ ذلكَ الذي حَصَلَ قبلَ 50,000 عامٍ تقريبًا، حينَما ارتَطَمَ جِرْمٌ مِن هذا النَّوعِ بِسطحِ الأرضِ بِوِلايَةِ أَرِيزُوْنَا بِالوِلاياتِ المُتَّحِدة الأمِيركيَّة. هذا الاصطِدامُ خَلَّفَ وراءَهُ حُفْرةً لا تزالُ قائِمَةً بِسطحِ الأرضِ هناك، قُطْرُها 1,186 مترًا.  
 
 
 
الطَّبقاتُ الرُّسُوبيَّة الغنيَّةُ بمُرَكَّبَاتِ عنصُرِ الإرِيْدْيُوم: دليلٌ قاطِعٌ على ارتِطامِ جِرْمٍ سماوِيٍّ بالأرض قبلَ 65 مليون عامًا
 
أدِلَّةٌ عديدةٌ تُثْبِتُ أنَّ اصطدامَ جِرْمٍ أتى مِنَ الفضاءِ الخارجِي حَصَلَ فعلاً قبل 65 مليون عامًا، ورُبَّما كان أهمُّ هذه الأدِلَّةِ هي الطَّبقاتُ الرُّسُوبيَّةُ الرَّقيقةَ التي عُثِرَ عليها في مواقِعَ عديدةٍ على سطحِ الأرضِ، والحاوِيةُ على نسبةٍ عالِيَةٍ مِن عنصرِ الإرِيْدْيُوم (Ir)، وهو أكْثَفُ العناصِر الكيماويَّةِ على الإطلاقِ (كثافَتُه: 22.5 غرام للسَّنتيمترِ المُكعبِ الواحِد، بالمُقارَنَة مَعَ كثافة عنصرِ الأوسْمِيُوم (Os)، ثانِي أكْثَفِ العناصر الكيماويَّة، وكثافَتُهُ هي 22.4 غرام للسَّنتيمتر المُكعبِ الواحِد)، وَبِسَبِبِ ذلكَ عنصرُ الإرِيْدْيُوم نادِرُ الوجودِ على سطحِ الأرض، وهو موجودٌ بكثرَةٍ عميقًا بباطِنها، في الطَّبقةِ التي تقعُ مُباشَرَةً تحتَ القِشْرَةِ الأرضيَّة، فبِسَبِبِ كثافَتِهَ العالِية، غاصَ وتَجَمَّعَ هناك مُنذُ عُهُودٍ بعيدةٍ جدًا، عندما كانتِ الكُرةُ الأرضيَّة لا تزالُ في مرحلةِ التَكَّوُّنِ والتَّكَوِّرِ، ونسبَتُهُ العاليةُ في تلك الطَّبقات الرُّسوبيَّةِ تُعْتَبَرُ دليلاً قاطِعًا على اصطِدامِ جِرْمٍ سماوِيٍّ بالأرضِ، فقد قَدِمَ هذا العنصر مِن خارِجِ الكُرَة الأرضيَّة، مَعَ ذلكَ الجِرْمِ، وكانَ جُزءًا مِنْهُ، وبعدَ اصطِدامِهِ بالأرضِ، تناثَرَت مُرَكَّباتُهُ مَعَ الغُبارِ الذي مَلأَ أجواءَ الأرضِ بعدَ الاصطِدامِ، ثمَّ ترسَّبَت على سطحِ الأرضِ، مَعَ ما تَرَسَّبَ على سطحِها مِن غُبار.  
 
مُنذُ اكتشافِ "حُفْرَة  تْشِيْشُوْلُوب" عُثِرَ، في عددٍ مِنَ المواقع في العالم، على حُفَرٍ لأجْرْامٍ سماوِيَّةٍ أخرى ارتَطَمَتْ بالأرض قبلَ 65 مليون عامًا أيضا، أو قليلاً قبلَ ذلك، أو قليلاً بعدَ ذلك، ولا شكَّ في أنَّ لها كان دورًا في الانقراضِ الجماعِيِّ العظيمِ التي نَتَحَدَّثُ عنهُ. 
 
الفعاليَّاتُ البُركانيَّةُ العنيفةُ التي حصلت قبل 65 مليون عامًا تقريبًا في هضبةِ الدِّكَن بالهِند كانت هي الأخرى سَبَبًا في الانقراضِ الجماعِي في ذلك الزَّمان
 
هنالِك أيضا فِكرَةٌ تقولُ أنَّ للفعاليَّاتِ البُركانيَّةَ التي حصلت قبل 65 مليون عامًا تقريبًا في هضبةِ الدِّكَن (Deccan Plateau) بالهِندِ كان دورٌ هامٌّ في ذلك الانقِراضِ الجَمَاعِي. الفعاليَّاتِ البُركانيَّةَ التي حصلتْ هناكَ كانت مِن أعْنَفِ الفعاليَّات البُرْكانيَّةَ التي عَرَفَتْها الأرض خلال تاريِخِها الجيُولُوجي الطَّويل، فقد تراكَمَت على سطحِ الأرض هناك، خلال تلك الفعاليَّات، طبقاتٌ سميكَةٌ مِنَ الموادّ البُركانيَّة، يصلُ سُمْكُها إلى مِئاتِ الأمتار، وقَطَعَتِ التَّيَّاراتُ البازلتيَّةُ المُلْتَهِبَةُ، خلال حَرَكاتِها، مسافاتٍ تصلُ إلى 1000 كيلومترًا مِن مَوَاضِعِ خُرُوجِها مِن باطنِ الأرض. ونَتَجَ عن تلكَ الفعاليَّاتِ تناثُرُ كميَّاتٍ ضخمةٍ مِنَ الرَّمادِ والغازات البُركانيَّة السَّامَّة، الأمر الذي أدَّى إلى حَجْبِ ضوء الشَّمس لمدَّة طويلة، مِن جِهة، وإلى تساقُطِ أمطارٍ حامِضِيَّة أوْدَتْ بحياة كائِناتٍ كثيرة، مِن جِهَة أخرى. الأمطارُ الحامِضِيَّةُ نتجت عن تفاعُلِ بعضِ الغازات البُركانيَّة، كَغَازَيْ ثانِي أوكسيد الكِبريت ((SO2، وثالِثِ أوكسيد الكِبريت (SO3)، مَعَ مياهِ المطر، مُكَوِّنَةً حَامِضَيِ الكِبريتُوز (H2SO3) والكِبريتيك (H2SO4). بعضُ الغازاتِ التي انطلقَت إلى الجَوِّ في أعقابِ تلكَ الفعاليَّاتِ البُركانيَّة، كغازِ ثانِي أوكسيدِ الكربون ((CO2، وهو مِن غازاتِ الدَّفِيئةِ، سبَّبَ تسخينَ الهواءِ إلى حَدّ كبير، وهذا الأمرُ أيضا كان عامِلاً في اندثارِ أشكالٍ عديدةٍ للحياةِ مِنْ على سطح الأرض. ومِنَ الجدير بالذِّكر أنَّ هذا الغاز يسْمَحُ للأشِعَّةِ الشَّمْسِيَّةِ، وهي ذاتُ أمواجٍ قصيرة، أن تختَرِقَهُ وأنْ تَصِلَ إلى سطحِ الأرضِ وأنْ تُدَفِّئَهُ، في حين يمْنَعُ الأشِعَّةَ الحراريَّةَ الأرضِيَّةَ، وهي ذاتُ أمواجٍ طويلة، أنَ تختَرِقَهُ وأن تَتَسَرَّبَ عَبْرَ جُزيئاتِهِ إلى طبقاتِ الجَوِّ العُلْيا، فهو يَرُدُّهَا ويُرْجِعُها إلى الأسْفلِ، فيَمْنَعُ بذلكَ تخفيضَ حرارةِ سطحِ الأرض، ووظيفةُ هذا الغازِ، مِن حيثُ رَدِّهِ للأَشِعَّة الحراريَّةِ الأرضيَّة ثانِيَةً إلى الأرضَ، شبيهَةٌ بوظيفَةِ الكِساءِ الذي يَتَغَطَّى بِهِ الشَّخصُ عندَ نومِهِ، فهو يحفظُ حرارةَ جسمِهِ، لأنَّهُ، أيِ الكِساءَ، عازِلٌ للحرارةِ، فهو يمنعُ تَسَرُّبَ حرارةِ الجسمِ إلى الخارِج، مِمَّا يُسَبِّبُ لدى النَّائِمِ الشُّعُورَ بالدِّفْءِ.
 
عَوْدَة إلى موضُوعِنا، حيواناتُ الأمُونِيت المُتَعَدِّدةُ التي كانت تعيشُ نماذِجُ لها في البحرِ الذي كان يَغْمُرُ منطقة يِرْكا، قبلَ 90 مليون عامًا، مَعَ حيواناتِ الرُّودِيسْتاتِ التي كانت تُكَوِّنُ الشِّعابَ المَرْجانِيَّة العديدةَ الموجودةَ في مُحيطِ يِرْكا، وأنواعٌ حيوانيَّةٌ كثيرةٌ أخرى غيرُها، انقرضتْ كُلُّها خلالَ الانقِراض الجماعِي الذي حَصَلَ قبلَ 65 مليون عامًا.


فيما يلي فيلمٌ حولَ كيفيَّة استخراج أمُونِيتٍ مُتحَجِّرٍ في ولاية تِكْساس بالولايات المُتَّحدة:


وفيما يلي أيضا فيلم آخرَ حولَ كيفيَّة استخراج أمُونِيتٍ مُتحَجِّرٍ في بريطانيا:


وفيما يلي أفلام حولَ اصطدامِ الجِرْمِ السَّماوِيِّ بشبهِ جزيرةِ يُوكاتَان بالمكسيك، ذلك الاصطدام الذي يُعتَقَدُ أنَّه كان السبَّبَ الأساسِيَّ في انقراضِ الدِّيناصُورات والأمُونِيتات والرُّودِيستات، وكائِناتٍ حيَّةٍ، حيوانيَّةٍ ونباتيَّةٍ، كثيرةٍ غيرها:


   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
   
   
   
   
   
     
   
     
   
   
   
     
   
     
   
   
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
     
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
   
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
     
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
     
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
     
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
   
     
     
     

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق