شخصيات درزية اعداد منير فرّو
2012-08-28 23:48:08

" فخر الدين المعني الثاني والتسامح الديني" فخر الدين المعني الثاني بالحرية والمساواة والإخاء قبل أن تنادي بها في باريس الثورة الفرنسية بقرنيْن.
 
اعداد منير فرّو
ان الدروز دائما وأبدا كانوا مثلا للتعايش الاهلي والسلمي في كل مكان، فهم حماة الارض والعرض والدين، سهلوا المعاشرة، لينوا الجانب، بشوشوا الوجوه، حسنوا الضيافة، ماءهم صاف عذب زلال لمن يستميلهم اليه ويحترم صداقتهم وجيرتهم، فهم يحفظون الجار لو جار، يدافعون عنه لو كان ليس من ابناء جلدتهم،  ومع كل هذا اللين والبشاشة  فهم اقوياء بواسل، يستأسدون من اجل انفسهم، لا يهابون الموت ولا يخشون الاعداء مهما كانت قوتهم، وقد اثبت التاريخ ان الدروز قوة لا تلين، وعاصفة عندما تثور، لا تهدأ حتى تقلب كل شيء رأسا على عقب،  فهم لا يعتدون على احد بل يدافعون وينتصرون مهما عتا اعدائهم وتجبروا، ويتحملون المكاره والشدائد ويصبرون حتى يشعرون بان الظلم قد تجاوز الخطوط الحمراء وانهم امام مصير مجهول اما ان يكونوا او لا يكونوا، فعندها تنقلب كل المعادلات والموازين وفي النهاية يخضع كل شيء امامهم صاغرا، مستشفعا بهم، طالبا العفو والسماح، فهم يفضلون الموت من ان  يبقوا على قيد الحياة بدون كرامة، فعزة النفس عند الدروز، ورفضهم الضيم والظلم مجبول في جبلاتهم بالفطرة، فمن يظن ان الدروز يوما ما قد ضعفوا فهو مخطيء، لأنه كما قال الشاعر طرفة بن العبد :
            ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً          ويأتيك بالأخبار من لم تزود
او كما قال الشاعر عمرو بن كلثوم :
            ألا لا يجهلن احد علينـــــــــــا           فنجهل فوق جهل الجـــاهلين
لقد لمع في تاريخ الدروز، شخصيات دينية ودنيوية ارتقت الى مطاف الشخصيات العالمية، وصارت في يومنا هذا تدرس في الجامعات الدولية،  وكل شخصية منها كانت عبارة عن كنز ثمين للبشرية والتاريخ، فلم يكن من تلك الشخصيات التي برزت سوى تقديم الخير وإبراز الفضيلة ليس إلا، لذا كانت كل شخصية منها تلتف حولها جميع الطوائف لوجودها في تلك الشخصية الهيبة والأمان والطمأنينة والعدل والتسامح والمساواة، لان الدروز دائما وأبدا تعاملوا مع الشعوب بالتسامح الديني اذا كانوا حكاما، ومخلصين اوفياء اذا كانوا سكانا، ومن تلك الشخصيات التي برزت وحكمت وتسامحت، شخصية الامير فخر الدين المعني الثاني الكبير، الذي استطاع ان يقيم امبراطورية درزية ممتدة الاطراف داخل امبراطورية بني عثمان في زمن اوجها، ونشر العدل والتسامح الديني بين الطوائف دون استثناء، وشاركهم صلواتهم وأعيادهم، وبنى لهم بيوت عباداتهم، كل حسب شريعته، حتى قيل عنه لتسامحه الديني بأنه : " الدرزي بالولادة والمسيحي بالحماية والمسلم ببناء الجوامع "،
الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (980 - 1044 هـ / 1572 - 1635 م) هو أحد أمراء لبنان من آل معن الدروز الذين حكموا إمارة الشوف من حوالي عام 1120 حتى عام 1623 عندما وحد فخر الدين جميع إمارات الساحل الشامي.
 يُعتبر فخر الدين الثاني أعظم وأشهر أمراء بلاد الشام عموماً ولبنان خصوصاً، إذ أنه حكم المناطق الممتدة بين يافا وطرابلس باعتراف ورضا الدولة العثمانية، وينظر إليه العديد من المؤرخين على أنه أعظم شخصية وطنية عرفها لبنان في ذلك العهد وأكبر ولاة الشرق العربي في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
 يُعتبر فخر الدين الثاني الأمير الفعلي الأول للبنان، إذ أنه سيطر على جميع الأراضي التي تضم مناطق لبنان المعاصر بحدوده الحالية، بعد أن كان يحكمها قبل عهده أمراء متعددون، وبهذا، فإنه يُعتبر "مؤسس لبنان الحديث".
كان فخر الدين سياسيّا داهية، فقد استطاع أن يمد إمارته لتشمل معظم سوريا الكبرى، ويحصل على اعتراف الدولة العثمانية بسيادته على كل هذه الأراضي، على الرغم من أن الدولة في ذلك الوقت كانت لا تزال في ذروة مجدها وقوتها ولم تكن لترضى بأي وال أو أمير ليُظهر أي محاولة توسع أو استقلال أو ما يُشابه ذلك.
 تحالف فخر الدين خلال عهده مع دوقية توسكانا ومع إسبانيا، وازدهرت البلاد طيلة أيامه وكثرت فيها أعمال التجارة مع أوروبا والدول المجاورة، وعاش الناس في رخاء وراحة، إلى أن عاد السلطان العثماني مراد الرابع ليرى بأن فخر الدين يُشكل خطرا على السلطنة بعد أن ازدادت سلطته وذاع صيته في أرجاء الدولة وتحالف مع أوروبا، فأرسل حملة عسكرية تمكنت من القبض على الأمير وإرساله إلى إسطنبول حيث أعدم( المصدر ويكيبيديا الموسوعة الحرة) .
عُرف عن الأمير فخر الدين المعني الثاني، تسامحه الديني وترفّعه عن كل النعرات المذهبية الضيقة، وتصرّفه مع كافة مواطنيه بالمساواة والعدل، ومنح حرية العبادة، ودعم المقدّسات والأماكن الدينية لكافة لطوائف.
نستطيع القول ان فخر الدين ( الدرزي بالولادة والمسيحي بالحماية والمسلم ببناء الجوامع ) بانتصاره على والي دمشق والعثمانيين قال باسم اللبنانيين ان لبنان الذي نريده هو لبنان المتسامح الحر المستقل من اي نعت إلا نعت نفسه بنفسه. فكما دعوات وحدة التاريخ والجغرافية، يستطيع اللبنانيون اليوم بحجة حكم فخر الدين على مقاطعات كبيرة في الشرق الاوسط ان يقولوا ان العريش كانت جزء من لبنان وان تدمر وحماة كانت جزء من لبنان وان الكرمل كانت جزء من لبنان. وعلى هذا المنوال يستطيع ابناء روما اليوم الادعاء ان سوريا وإسرائيل ولبنان ايطالية/رومانية، فهم حكموا الشرق الاوسط الف سنة. وبذات الحجة يستطيع الانكليز المطالبة بضم الولايات المتحدة لأنهم استعمروها مئات السنين.
وقد جاء في كتاب عيسى إسكندر المعلوف عن الأمير فخر الدين قوله :” كان يحترم الديانات ويكرّم رؤساءها … وكان له الحق بالحكم في قضايا الجيش وحفظ الأمن والشريعة، تاركا للبطاركة حق الحكم بالشؤون الكنسية مهددا مَن يخالف أوامرهم “.
وجاء في نفس الكتاب عن الدويهي: “وفي أيام فخر الدين ارتفعت رؤوس النصارى، وعمّروا الكنائس، وركبوا الخيل، ولفّوا شاشات بيضاء وكُرورا (مناديل الشاش) ولبسوا طوامين (سراويل واسعة) وزنانير مُسقّطة (مزركشة)…” .
وسمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية جهارا، وبقرع النواقيس والأجراس، وبحمل الصليب أمام الجنازة وتشييد الأديار والصوامع … مما كان محذورا عليهم قبل هذا واهم اعماله للمسيحيين انه قام بتشييد اهم كنائسهم، وهي كنيسة البشارة في الناصرة في الجليل، والتي منها بدأت انطلاقة يسوع المسيح –ع- بالتبشير بالدين المسيحي، وما زالت كنيسة البشارة تحمل على مدخلها صورة واسم فخر الدين المعني الكبير تخليدا لفضله وإكراما لشخصه وتسامحه. وكثيرا ما كان يفكّ الأسرى، ويعتق العبيد، ويؤاسي الحزانى، ويطعم الجياع، ويحضن اليتامى.
ولقد أحسن مثوى النصارى في بلاده، حتى كثر قدوم أسرهم من الشمال إلى الجنوب ومن حوران وغيرها. فاستعمر المسيحيون لبنان بعهده، وأنالهم امتيازات، ووسّع نطاق مملكته، ونشر فيها حب التساهل والعلم، فكثر مريدوه وأخلصوا له الولاء والطاعة… وأطلق الحرية أيضا، إلى حاخامي اليهود الذين في فلسطين ولبنان وسوريا،  للتصرّف بما يحفظ لهم حقوق مذهبهم وعاداتهم، بحسب توراتهم وتلمودهم وتقاليدهم، فكانوا يحبّونه ويأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه. وكان كثير منهم من التجار وأرباب الأعمال الأخرى فخدموه خدمة مفيدة.
أما المفتي والقاضي عند السُّنة والشيعة، فكانا نائلي الحظوة لديه، وهو يحافظ على حقوق كل منهما، وينفذ ما يقضي به الجميع في المدنيات، ولا يعترض ما يجري من الأحكام الدينية، بل يساعد على تنفيذها عند الحاجة، إذا تعذّر ذلك على الرؤساء الموكول إليهم حلها، مما يدل على تساهله وعدم تعصّبه وحُسن سياسته.
وعلى الجُملة، فإن المعني كان حاكما عادلا يقظا، لا تخفى عليه خافية، ولا يخدعه مخاتل، بل هو حاضر الذهن، بعيد النظر دقيق البحث جيد الفراسة، يفكر بمصيره ببصيرة وقّادة، ليقف على كل ما يجري في ولايته من الأعمال.”
 وجاء في كتاب الخوري بولس قرألي بعنوان “فخر الدين المعني الثاني حاكم لبنان” عن تسامح الأمير ما يلي:
“لما اجتاح العرب الشرق المسيحي، ودوّخوا ممالكه، وأصبحوا أسياده، أنكروا على المسيحي الذي كان سيّدا، المساواة بالمسلم في الحقوق المدنية، وضيّقوا عليه الحرية الدينية, ولما غزا الصليبيون الشرق عدّ المسلم مواطنه المسيحي عدوّا وأضمر له الحقد والانتقام، حتى إذا عاد هؤلاء إلى بلادهم، عامله كعبد مكروه واستباح ماله وعرضه وحياته.
وكانت الإضطهادات والمذابح، فهلك الكثير من مسيحيي الشرق وجحد الكثير، وأمسى البقية أقلية ذليلة فقيرة.
وكان حظّ اليهودي شبيها لحظ المسيحي، ولعله كان أرفق حالا لمقدرته على ابتياع راحته بالمال، ولم يبقَ عند المسيحي مال. ولم يخلُ الأمر من كره بين الشيعي والدرزي، بيد أنه كان كامنا وظهر نادرا. واستحكمت البغضاء بين الدرزي والسُّني، وخاصة الأتراك بعد السنة 1585، التي قتلوا فيها ستين ألف درزي.
دام هذا الظلم عشرة قرون طوال، إلى أن جاء فخر الدين، فساوى بين رعاياه، وأطلق للجميع الحرية الدينية، مستأصلا بهذا التدبير العلة الأولى للمنازعات الداخلية والتعدّيات الفردية، مكتسبا لنفسه وأسرته ولدولته محبة العنصر المظلوم وإخلاصه وعطف أمراء الغرب واحترامهم.
 ونشأ بين مختلف العناصر اللبنانية تضامن أخوي في سبيل الدفاع عن الوطن الذي أصبح للجميع وأصبح الجميع له. ومن أمجاد هذا الأمير الدرزي العظيم، أنه أقرّ في بلاده الحرية والمساواة والإخاء قبل أن تنادي بها في باريس الثورة الفرنسية بقرنيْن.
ولننظر الآن كيف عرف الأمير أن يضع هذه الفكرة الشريفة موضع العمل في معاملته لشتى المذاهب والطوائف اللبنانية :
أولا المسلمون :
 لم تكن الحماية التي أولاها فخر الدين للمسيحيين لتحمله على أن يبخس المسلمين من سنيين وشيعيين حقهم. فمراعاته لرؤسائهم الروحيين لم تكن أقل مما يبديه للأولين. كان يسهر على راحتهم وكرامتهم وينفذ أحكامهم في بني ملّتهم.
وقد شيّد لهم الجوامع، كجامع القاع في البقاع، والجامع البرّاني في صيدا… ومع كونه درزيا كان يحضر رسميا الصلاة في الجامع أيام الأعياد الكبيرة، ويرتّب في حاشيته العلماء والمؤذنين، كالشيخ ناصر وأسيره المتصوف، والشيخ حمد صبايا البيروتي. لقد اصطحبهم إلى إيطاليا وكانوا يصلّون ويؤذنون في جماعته… وكان يسمح لأسرته بصوم رمضان ويحفظ الأعياد الإسلامية ويتبرّع بتموين الحجاج والمحافظة عليهم بالجنود والقواد، وينصِّب أحيانا اخيه أو أحد أولاده أميرا للحج . بيد أن السنيين لم يكونوا راضيين عنه الرضا كله، لعطفه على المسيحيين. وكان الشيعيون أقرب إليه منهم وأكثر إخلاصا له وللبنان ومع ذلك كان الأمير يجنّد من الاثنين على السواء..
 ثانيا اليهود :
ساواهم بالمسلمين والمسيحيين في الحقوق المدنية والدينية، وحماهم وشجّع هجرتهم إلى بلاده. فأصبحوا على قول ساندس “قابضين على زمام التجارة في صفد” وكانوا عاملا صالحا في نمو اقتصاد لبنان. واتّخذ منهم الكتبة والحسبة واستوزر بعضهم كإبراهيم ناحمياس الذي جعله قيّما على أشغاله الخاصة، وكاتبا أولا لولده الأمير علي حاكم صيدا.
 وكان من أخص أخصائه نفحه بلقب” أعز المحبين” الشرفي الذي خوّل الحق في تركه لأبنائه وأحفاده. ونعرف من أخصائه اليهود إسحاق كارو، رافقه إلى توسكانا وآخرين كانوا يتعاطون الطب في صيدا.
وأكبر الظن أنه كلّف اليهود ضبط حسابات دولته ومسك دفاترها. وقال عنهم سانتي في تقرير  سنة  1614 ” أنهم في لبنان أكثر جاها وأكبر ثروة من المسيحيين”.
 ثالثا الملكيون:
مع أنهم كانوا غير خاضعين للكرسي الرسولي حليفه، لم يكن الأمير بأقل مراعاة لهم من الكاثوليك. فكان يشجّع هجرتهم إلى لبنان الجنوبي ويحميهم من التعدّي. ولما ضمّ إليه طرابلس وعكّار والكورة حيث يكثر عددهم جنّد قسما منهم في جيشه ووضع بطريركهم أغناطيوس عطية تحت حمايته."
وبذلك يكون الامير فخر الدين الكبير قد اثبت انه مهما يكن في الدولة شعوبا، وقبائل، وطوائف، واديان، ومذاهب، يمكن التعالي عن كل الخصومات والنعرات الطائفية، والعيش بوفاق وتسامح وسلم اهلين تطبيقا لقوله تعالى : " وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ".

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق