إسرائيل تعاني أزمة عميقة في القيادة السياسية
2008-09-03 23:38:19

أكد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، الدكتور أمل جمال، أن الجهاز السياسي الإسرائيلي يعاني من أزمة عميقة في القيادة يشكل اولمرت اكبر تجلي لها. واعتبر جمال أن الإسرائيليين يشعرون بأنهم يفتقرون لزعيم سياسي قائد قادر على اتخاذ القرارات، يمكن لهم ان يثقوا بقراراته وسياسته، معتبرا أن أكبر دليل على هذه الأزمة والقطيعة بين الأحزاب السياسية والجمهور الإسرائيلي، هو انخفاض نسبة المشاركين في الانتخابات، وعدم قدرة أي زعيم سياسي أو حزب على نيل أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية. وقال الدكتور أمل جمال المختص في مجال الإعلام والسياسات، إن أزمة الجهاز السياسي والحزبي في إسرائيل تبه إلى حد بعيد الأزمة والأوضاع التي سادت في كل من إيطاليا وألمانيا قبل صعود النازية والفاشية،

 

وهو ما يفسر تعطش الإسرائيليين إلى قائد حازم. فيما يلي نص الحوار: منذ بدأت قضية أولمرت، والتحقيقات معه، وإسرائيل تعيش أجواء انتخابية، مع ما يبدو بأنه عدم ثقة الجمهور الإسرائيلي بالجهاز السياسي ككل، قضايا الفساد المتلاحقة، التداخل في المصالح بين الأحزاب.كيف تقرأ الصورة في هذا السياق؟

 د. أمل جمال: إذا أردنا أن ننظر على السياسة الإسرائيلية بشكل العام، فيمكن ان نراها من منظور، ومنظار صدمة. فحسب اعتقادي فإن أولمرت يعكس الحالة السياسية الإسرائيلية بشكل عام. فالمؤسسة الإسرائيلية تبدو للوهلة الأولى، ذات حركة سريعة ، ذات قدرة على المبادرة، وعلى التحايل ، والتحكم بالوضع، ولكن في الواقع نحن ندري أن أولمرت تنقصه التجربة ، وتنقصه الخبرة، وجازف باتخاذ قرارات سريعة جدا، لا يوجد أفق في القرارات التي اتخذها في مواضيع مختلفة ، وعدم الاتزان في هذا المجال يعكس حالة المؤسسة السياسية بشكل عام. فالمؤسسة السياسية موجودة في مأزق عميق جدا ، على مستوى القيادة، على مستوى القدرة على استشراف المستقبل واتخاذ قرارات استراتيجية يمكن تطبيقها في المستقبل، في المجالات المختلفة، سواء كان ذلك في مجال الأمن الاستراتيجي ، الاقتصادي، والتربوي، وفي مجال السياسات الخارجية. هناك وهن عميق في المؤسسة بشكل عام، وعدم الاعتراف بهذا ينبع في الأساس من المأزق القيادي العميق. ونحن نرى في المؤسسة السياسية بشكل عام تفكك أو ضعف الأحزاب السياسية الإسرائيلية، وبالتالي تحول الكنيست على ساحة لا يوجد فيها لاعبين أساسيين مركزيين قادرين على تجاوز المهاترات والتوازنات والصراعات الداخلية بين الأحزاب التي لا تتجاوز العدد المطلوب لإقامة حكومة ثابتة ذات قدرة على السيطرة وذات على الحراك، وعلى اتخاذ القرارات بشكل مبرمج.

عندما تتحدث عن أزمة  في القيادة تتطرق إلى أولمرت الذي قلت عنه إنه قليل التجربة مع العلم أنه موجود في الكنيست منذ أكثر من عشرين عاما، هناك مشكلة في القيادة الإسرائيلية، بمعنى أنه بعد جيل شارون ورابين وبيرس فإن القيادة المتوفرة المطروحة حاليا، تتكون من نتنياهو الذي جرب في رئاسة الحكومة وفشل، وبراك فشل برغم رصيده العسكري، وأولمرت فشل هو الآخر ، وكان شارون أخر رئيس حكومة تمكن من اتخاذ قرار على مستوى الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة. الصورة الآن تشمل كلا من ليفيني وموفاز وبراك ونتنياهو، مع ذلك يبدو أن ليفني تتفوق في كثير من النقاط، والأمر ينطبق على نتنياهو الذي يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور الإسرائيلي كيف ترى ذلكو,

د. أمل جمال: أفسر ذلك بأن الجمهور الإسرائيلي قصير الذاكرة. وبعد التجربة مع نتنياهو كان واضح جدا بأنه لا يوجد أي أمل لنتنياهو للعودة إلى السلطة، خصوصا في تواجد شخصيات مثل شارون في المشهد السياسي، لكن شارون غاب عن الصورة، ورابين غاب عنها قبله وبيرس اعتزل الحياة السياسية . والشخصيات التي بقيت على الساحة السياسية هي شخصيات متوسطة، أو دون المتوسطة، وبالتالي فإن الجمهور الإسرائيلي يبحث عن شخص مع تجربة، حتى لو كانت عنده نواقص معينة، يمكن له أن ينقذ الوضع الحالي، والشخصيات الوحيدة القادرة على ذلك على ما يبدو هي نتنياهو بالأساس، وليفني في حزب كديما من جهة أخرى. أما براك  غير محسوب، إذا نظرنا إلى الاستطلاعات الأخيرة، واضح أن العمل سيحصل على 12-15 مقعد فقط، وطبعا يوجد عدم إنصاف هنا على اعتبار أن الاستطلاعات أجريت بعد الكشف عن شركة زوجة براك للاستثمار والاستشارة. باعتقادي فإن حزب العمل غير قادر على الوصول على 20 مقعد في الانتخابات القادمة، من جهة أخرى الليكود عنده إمكانيات بالحصول على 26-28 مقعد وكديما بقيادة ليفني على 28-29 . هذا يعني أن أحد الحزبين سيكون قادرا على تشكيل حكومة، لمنها لنت تتجاوز الوهن البنيوي الذي سيطال المؤسسة الإسرائيلية. فأكبر حزب في السلطة اليوم يمكن له أن يحصل على 28 -29 مقعدا، أي أنه سيكون حاجة إلى ثلاثة أحزاب أخرى لتشكيل ائتلاف لتثبيت الحكومة، وهذا يعني ضعف رئيس الحكومة. هذا الوضع يدعو طرح الأفكار إلى تغيير المؤسسة ربما من مؤسسة برلمانية إلى رئاسية، أو تغيير طريقة الانتخابات من نسبية قطرية إلى إقليمية.
الإمكانية الوحيدة للتغلب على هذا الوهن للمؤسسة الإسرائيلية، كانت عندما توفرت قيادة سياسية ذات كاريزما، ذات قدرة عالية على العمل، عندما ذهبت هذه الشخصيات، ظهر الضعف في المؤسسة وهو ضعف بنيوي، وعدم وجود قيادة قوية هذا يعني طبعا ترهل على جميع المستويات، وهذا هو سبب التراجع في نسبة التصويت في إسرائيل. 

إذا أنت تتوقع استمرار هذا الانخفاض في نسبة المشاركة في الانتخابات بسبب ياس الجمهور الإسرائيلي وعدم ثقته بالأحزاب السياسية

 د. أمل جمال: جزء من ذلك في القيادات، ونظافة وشفافية العملية السياسية والسياسيين بشكل عام, يعني هناك أزمة ثقة كبيرة تجاه المؤسسة السياسية الإسرائيلية وهذا يؤدي إلى دعم أحزاب يمينية قومية فاشية على حد ما. أنا حسب اعتقادي هناك وجه شبه بين ما يحدث في إسرائيل في السنوات الأخيرة وبين ما حدث في ألمانيا، وإيطاليا في عشرينيات القرن الماضي: ضعف كبير للمؤسسة عدم ثقة عارم، عدم قدرة عند الأحزاب على إقامة سلطة ذات قدرة على القيادة، وبالتالي غما أن ينسحب المواطنون من التصويت وتتراجع نسبة التصويت وهذا يدل على عدم ثقة، أو تتوجه كمية متزايدة من الأصوات إلى قوى تعد بتغيير بنيوي، تعد بتغيير فجائي، تعد بتغيير شامل، وهذا ينعكس في التصويت لنتنياهو وليبرمان، أحزاب يمينية ذات نزعات فاشية، وطبعا يمكن الإمكانيتين معا، أي كلما تراجعت القوى الديموقراطية كلما قويت نسبيا القوى الفاشية القومجية وهذا ما يحدث باعتقادي.

في المقابل فإن اليسار الإسرائيلي يتجه إلى المركز، فحزب كديما يمثل عمليا حزب وسط، ليفني تمثل الجناح "اليساري" سابقا في الليكود ومعها جماعات الأجنحة اليمينية في حزب العمل!

د. أمل جمال: طبعا، ولكنه حزب وسط له قدرة على الحراك، إلا أن قدرته على تطبيق رؤياه السياسية محدودة للغاية وهذا هو الإشكال، فنحن لا نتحدث عن الطروحات الأيديولوجية للأحزاب بقدر ما نتحدث عن الممارسة الفعلية، فمن الناحية السياسية فإن الفروق الجوهرية بين الأحزاب الكبرى في إسرائيل أخذت في التقلص. فاليوم الليكود وحزب العمل وكديما يعون جيدا أن هناك معادلة سياسية واحدة يمكن تطبيقها مع الفلسطينيين. الفروقات
هي على مستوى الأشخاص، والتكتيك، أما على المستوى العام فهي ضئيلة جدا. المشكلة في إسرائيل اليوم، ليست أيديولوجية وإنما هي عملية، مشكلة في التحكم والسيطرة على الجهاز السياسي واتخاذ قرارات حاسمة تقف من رائها قوى سياسية قوية يمكن أن توفر لها الشرعية وتضمن تطبيقها. انظر مثلا ما يحدث في المفاوضات بين أبو مازن ورئيس الحكومة، عم يتحدثان: الحديث هو عن التوصل إلى اتفاق رف (يوضع بالخزانة) ولا يتم الحديث عن التطبيق لأن أولمرت ونتنياهو، كما برام وتسيبي ليفني وموفاز يعون جيدا أن هذه الحكومة الحالية لا يمكن أن تطبق هذا الاتفاق، وأنا أقول لا يمكن لأي حكومة إسرائيلية في المستقبل القريب أن تطبق أي اتفاق مع الفلسطينيين، ولا يعود السبب في ذلك لوجود مشكلة أيديلوجية، ولكن بسبب المأزق السياسي في إسرائيل، والتخوف على مستوى المجتمع الإسرائيلي من عدم قدرة السياسيين على اتخاذ قرارات وتطبيق قرارات يمكن لها أن تخدم إسرائيل على المدى البعيد، وعدم وجود  شخصية كارزماتية يمكن أن تعطي أفقا للعملية السياسية وأن تعد بأن مستقبل إسرائيل  مضمون في حال التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. أي أن غياب شخصيات مثل بن غوريون، بيغن، رابين شارون، له إسقاطات خطيرة جدا على عقلية وذهن المواطن الإسرائيلي المتوسط. فهو يبحث عن شخصية يستطيع أن يثق بها وبأنها في حال فعلت شيئا سيكون له مردود إيجابي على الدولة ويضمن أمنها في المستقبل.

 وليس بالضرورة أن يكون عسكريا؟ الاستطلاعات الأخيرة تقول إن الإسرائيليين لا يريدون جنرالا في ديوان رئاسة الحكومة، ولكن في وزارة الأمن والدفاع؟

 د. أمل جمال: هذا غير صحيح باعتقادي فالإنسان الإسرائيلي المتوسط يؤمن بقدرات ضابط الجيش على اتخاذ القرار، أو شخصية ذات مرجعية أمنية، فخذ مثلا الإشارة، في حالة تسيبي ليفني، على خلفيتها المنية، سابقا في الموساد، من أجل توفير هذه الخلفية لها.الإنسان الإسرائيلي يثق أكثر بشخصيات ذات خلفية أمنية، لأن الذهنية الإسرائيلية ما زالت تتميز بعقدة الأمن، وعدم الثقة بالواقع السياسي ز لذلك لا أتفق بأن شخصية غير أمنية يمكن أن تتحول إلى قيادة فاعلة في المجتمع الإسرائيلي.
 
 تحدثت عن التهديدات الاستراتيجية من وجهة النظر الإسرائيلية كيف تحصر هذ التهديدات؟
د. أمل جمال: يعني هناك إيران، وحزب الله وحماس، والتغييرات المحتملة في الأردن، هناك تهديدات استراتيجية يأخذها بعين الاعتبار بصورة عامة ولذلك هناك حاجة عند الإسرائيليين لشخصية أمنية، ذات قدرة ووعي أمني يمكن وضع الثقة بها من أجل اتخاذ قرارات استراتيجية في المستقبل إذا ما دعت الحاجة. المشكلة أن المنظور الإسرائيلي الأساسي هو منظور عسكري امني يعتمد على المواجهة، يعني يعتمد على الصراع وليس على السلم. العقلية الإسرائيلية ما زالت محتجزو في منظور أمني ، حسب اعتقادي هنا يصل المأزق ذروته، يعني إذا إسرائيل أخذت وجه أخرى وجهة سلامية تصالحية مع العالم العربي، وأخذت بعين الاعتبار المبادرة العربية، والحل السلمي مع الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية، ومن الجولان، كان يمكن أن تكون حسابات إسرائيل مختلفة وإمكانية لقيادة مدنية مختلفة ومغايرة عن الهاجس الإسرائيلي العام والدائم، وهو الصراع والحرب والمواجهة والمنافسة.
 
 أي أن الانتخابات الإسرائيلية القادمة ستكون حول من يستطيع مواجهة إيران وحماس وحزب الله؟؟
 

د. أمل جمال : بدون شك، وليس من يكون قادرا على الانسحاب من الراضي الفلسطينية وإبرام سلام مع سوريا وما إلى ذلك. هناك تأكيد على استراتيجيات أكثر من التأكيد على استراتيجيات السلام. هذا التأكيد على استراتيجية المواجهة والصراع تبرز محورية سلك الأمن والمؤسسة الأمنية التي تحدد سلم أسبقيات إسرائيل، وتحاول أن تبرز أن العالم العربي والإسلامي لا يمكن أن يقبل بإسرائيل بمحض إرادته وإنما يجب فرضها عليه، بمعنى فرض الاعتراف بإسرائيل على العالم العربي، وهي لا تكتفي بذلك بل هي تريد من العالم العربي أن يعترف بحق إسرائيل بالوجود، ولا تكتفي بالاعتراف بوجودها وبالتالي هناك حاجة للقوة وللمواجهة ولفرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة، وفرض الهيمنة الإسرائيلية، سواء كانت اقتصادية أم عسكرية، والمحافظة على التفوق النوعي الإسرائيلي 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق