قراءة في سفر الايام بقلم اليف صباغ
2012-03-11 13:57:04

مع وصول بنيامين نتانياهو الى واشنطن أطلق وزير الخارجية الاسرائيلي، افيغدور ليبرمان، تصريحا مقتضبا قال فيه: "كل اللقاءات الرئاسية بين اسرائيل وأمريكا هامة، ولكن اللقاء المرتقب بين نتانياهو وأوباما هو أهم لقاء في تاريخ العلاقات بين البلدين". فهل كان كذلك؟
منذ ان وصل اوباما الى البيت الابيض، قبل ثلاث سنوات ونيف، ونحن نراقب لعبة شد الحبال او لي الذراع بينه وبين نتانياهو، وكان العرب قد علقوا آمالا على اوباما بانه "سيجلب لهم رأس كليب"، كما علقوا آمالا على من سبقه ومن سبق من سبقه وهكذا دوليك دون نتيجة. كل مراقب موضوعي لا يخطئ اذ يقول: ان اوباما خسر في كل معاركه وكانت المعركة الاكثر قسوة اثناء لقاء الفريقين في السنة الماضية فأُهين اوباما امام الكونغرس وامام إيباك وامام نتانياهو ولم يبق له سوى الركوع على ركبتيه، كل ذلك بفضل النفوذ والقوة التي يتمتع بها اللوبي الصهيوني في امريكا، و"بفضل" العجز العربي المتوارث والمتراكم، الذي لايشكل أي قوة سياسية في الولايات المتحدة بالرغم من تراكم مئات ملياردات الدولارات التي يوفرها او يستثمرها او يخسرها العرب في البنوك الامريكية والبنك الدولي على حد سواء. يذكر ان إيباك هو احد اللوبيهات الثلاث الاقوى في الولايات المتحدة (المتقاعدون، مجمعات الانتاج العسكري وإيباك).
قبيل هذا اللقاء بين نتانياهو واوباما سمعنا خطابات ومواقف، وهي بموجب العرف الدبلوماسي مقدمة للقاء المشترك واستعدادا له، وضمن هذا الاستعداد لاحظنا غياب قضية فلسطين من خطاب اوباما، ولأول مرة، في محاولة لاسترضاء نتانياهو واللوبي الصهيوني. وهو اول انجاز حققه نتانياهو قبل اللقاء، ليس هذا فقط، بل سبق اللقاء استضافة مميزة للرئيس الاسرائيلي في البيت الابيض وتقليده أعلى وسام في الولايات المتحدة، هذا الوسام الذي يقدم عادة لمن قدم خدمة تاريخية ومميزة لأمريكا، فماذا قدم بيرس؟ ام انه محاولة استرضاء اضافية؟ فوق هذا وذاك، اكد اوباما التزامه الشخصي، وبنبرة اختارها بدقة لكي لا تقبل التشكيك، والتزام امريكا "بالحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي"، كما أكد على "قدرة اسرائيل ان تقرر ما هي حاجاتها طبقا لقدراتها الامنية". وكان اوباما قد تطرق قبيل اللقاء الماضي الى مطالب اسرائيل بحيازة تكنولوجيا متطورة لكي تبقى متفوقة ليس فقط عسكريا بل تكنولوجيا ايضا. وفي اللقاء الاخير مع نتانياهو اكد ان "لأمريكا واسرائيل هدفا مشتركا لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي" في حين طالب نتانياهو ان تعمل امريكا على منع ايران من الحصول على "القدرة النووية"، وهذا الاختلاف ليس كلاميا او عفويا بل هو في صلب الموضوع، الامر الذي يعني ان القدرة النووية السلمية أي القدرة التكنولوجية العالية في مجالات عديدة ومنها الطب وانتاج الطاقة وتطوير العلوم الفضائية والالكترونية هي ما يقلق اسرائيل، وليس فقط القنبلة النووية. فاسرائيل تعلم كما يعلم كل مطلع سياسي وعسكري في العالم ان استخدام القنبلة الننوية الايرانية، ان حصلت عليها، ضد اسرائيل، يعني توجيهها ضد الفلسطينيين ايضا، وبالتالي فاحتمالية استخدامها تقرب من الصفر.
الخشية من القدرة التكنولوجية ليس جديدا ولكنه لا يعرض للعالم لأنه لا يعطي الشرعية لحرب مدمرة لمنع دولة ما من الحصول عليه، وهذا يذكرني بمقال كتبه موشيه آرنس عشية الحرب على العراق بحجة احتلالها للكويت، ونشره في المجلة الايديولجية باللغة العبرية عام 1990 فقال: "ان ما يقلقنا ليس ما بقي عند صدام من فرق عسكرية مدربة وعتاد عسكري بعد وقف الحرب مع ايران، بل ما بقي عنده من تكنولوجيا وعقول علمية قادرة ان تعمل وتنتج"، ويذكرني ايضا بان المطلب الاهم، والخير الذي طالب به بوش ورفضه صدام حسين عشية غزو العراق عام 2003 هو قائمة العلماء العراقيين، وان المستهدفين الاوائل بعد احتلال العراق كان العلماء العراقيين. اذن، القدرة العلمية هي المستهدفة في ايران اولا وقبل السلاح نفسه. وما يزيد الامر تأكيدا هو المطلب "الوحيد" لنتانياهو من اوباما استعدادا لمفاوضات الدول الست العظمى مع ايران، "الانجاز المطلوب من هذه المفوضات هو اغلاق موقع تخصيب اليورانيوم فوردو بالقرب من مدين قم، التوقف نهائيا عن عن تخصيب اليورانيوم في ايران واخراج كل غرام يورانيوم مخصب بدرجة اعلى من 3.5% خارج ايران". اما دون ذلك فاسرائيل "غير مستعدة ان تنتظر اكثر" يقول نتانياهو وهو يعلم ان اوباما لا يستطيع ان يقنع حتى الدول الست بهذا المطلب، ويعلم الجميع ان اليورانيوم المستخدم في صناعة القنبلة النووية يجب ان يصل تخصيبه الى 90% واكثر، وبين هذا المستوى من التخصيب ومستوى 3.5% هناك درجات كثيرة يمكن استخدامها في تطوير العلوم والتكنولوجيا المدنية السلمية. ويمكن ان نتساءل ايضا، لماذا عرضت امريكا وفنسا تقديم اليورانية المخصب بنسبة 22% واكثر الى ايران شرط ان يتم تخصيبها في الغرب وليس في ايران؟
إذن اسرائيل ذاهبة الى حرب نووية، وما يمنعها اليوم هو الموقف الامريكي المتردد طبقا لمصالحه، ولكن ذلك لا يمنع اسرائيل من زيادة الضغط لرفع مستوى الاسترضاء، وزيادة اسعار النفط في العالم، وزيادة الارباح المتراكمة في البنوك اليهودية في الولايات المتحدة واسرائيل، وزيادة ارباح الشركات العالمية المنتجة للسلاح والتي لا تجد صعوبة، في هذه الاجواء، من تصدير اسلحتها الى دول النفط بعشرات ملياردات الدولارات سنويا. سياسة الاسترضاء التي انتهجتها اوروبا في الثلاثينيات من القرن الماضي لاسترضاء هتلر لم تمنعه من شن الحرب على جيرانه، هذا الحرب التي حصدت اوراح اكثر من 51 مليون انسان ولم تجلب سلاما لالمانيا ولا لأي دولة في العالم، ولم توقف سبق التسلح بل جعلت من السلاح النووي منتشرا في عدد كبير من دول العالم بدل ان كان حكرا على امريكا.
نتانياهو لم يبق ورقة لديه الا واستخدمها لكسب التأييد للحرب القادمة، بما في ذلك ورقة التذكير بالمحرقة اليهودية، متهما العالم وامريكا بشكل خاص بعدم القيام بعمل عسكري كان مطلوبا لإنقاذ اليهود، ويرى الوف بن، المعلق العسكري في صحيفة هأرتس العبرية ، في ذلك اقتراب نتانياهو الى الحد الاقصى من الالتزام الذي لم يعد يمكنه التراجع بعد. ويرى عكيفا الدار، المعلق السياسي في هأرتس، ان ما اراده اوباما خلال لقائه مع نتانياهو هو التأكد من ان الاخير فهم الرسالة بان الحرب على ايران قبل الانتخابات الامريكية هي ضربة موجهة ضد اوباما نفسه ، وان امريكا مستعدة ان تدفع كل ثمن لكي تمنع هذه الحرب في هذا التوقيت بالذات. وعليه، اتفق الطرفان  في نهية لقائهما على زيادة التنسيق العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي بينهما وهذا بحد ذاته مكسب كبير لاسرائيل وكعادتها لا تتردد ولا تتأخر في استثمار الاستعداد الامريكي حتى آخر لحظة وأخر معلومة وأخر اختراع، المهم، كما يؤكدون دائما هو "مصلحة اسرائيل".
اما نحن فتبقى امامنا اسئلة مفتوحة تحتاج الى اجوبة: ما هي مصلحة شعبنا الفلسطيني؟ وما هي مصالح الشعوب العربية من الحرب القادمة؟ و لماذا يتوجب على شعوب العالم ان تدفع ثمنا باهضا للنفط من اجل عيون اسرائيل، وثمنا لتهديدها الدائم لكل من يفكر في امتلاك تكنولوجيا قد تنافسها في المستقبل؟ لقد دفع العالم، والعرب اولا، ثمنا لا يقدر بمال نزولا عن رغبة اسرائيل في ضرب العراق بقيادة صدام حسين بذريعة انه يطور سلاحا نوويا وبحجة تعاونه مع القاعدة وثبت للعالم كله ان الادعاءات الاسرائيلية كانت كاذبة. منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ارتفع سعر النفط من 11 دولار الى 128 دولار للبرميل. من المستفيد؟ ومن الذي يدفع الثمن؟ الجواب واضح. المستفيد هم شركات النفط العالمية وشركات انتاج الاسلحة الامريكية والاسرائيلية والاوروبية والبنوك الكبرى التي لا يكفيها كل اموال العالم، حتى اصبح 1% من سكان العالم يملكون اكثر من 40% من امواله ومقدراته.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق