الرِّجال مواقف !!! بقلم د.نجيب صعب – أبو سنان
2012-02-09 10:41:14

نعم يردد الجمهور بين الفينة والاخرى، وفي العديد من المجالس الاجتماعية ، العائلية والجماهرية هذه العبارة "الرّجال مواقف" ، وألأغلب من بني البشر يدركون انه حقاً "الرّجال مواقف"، الا انهم في الآونة الاخيرة أخذوا بالتراجع وببطء عن هذه العبارة ، هذا يعود على ما يبدو الى التغيرات والمستجدات والمؤثرات على جوهر الرجال، الامر الذي قد ينعكس ايضاً على مواقفهم، فكيفما يتأثر الرجل ويتحول من صفة لاخرى او من مبدأ لآخر، هكذا بدون ريب تتاثر مواقفه ووفق ما يقوم به من تصرف وعمل.
   فقد عهدنا في السابق كما عهد من قبلنا الآباء والاجداد أنواعاً كثيرة ومتنوعة من الرّجال ، منهم من يقفون عند كرامتهم ويبذلون الغالي والنفيس في الحفاظ على هذه الكرامة بشتى وسائل الحياة الممكنة، ومنهم من يتهاون في كثير من الامور وكذلك في كرامته ولا يقف عندها.. بل قد يتجاوز ذلك وقد يسيء بهذا التصرف لهذه الكرامة التي هي من صنع يديه، فالرجل الرجل هو ذلك الذي يعرف كيف يصون كرامته وكرامة الغير ايضاً، ويعرف كيف ومتى يقف عند حدّه ويولي هذه الكرامة حقها، والرّجال الرّجال ايضاً هم أولئك الذين أكل الدهر وشرب على مواقفهم الجريئة، على مواقفهم الخلاّقة في الحفاظ على كرامتهم وكذلك على كرامة الآخرين في كل ما يعملون وكيفما يتصرفون.. فعندما تكون المواقف ثابتة، خلاّقة، مبدئية وصامدة لا تهزها ولا تثنيها مغريات الزمن من الاموال وربما الوظائف، تراها ثابتة ومحصّنة بأصحابها ويبقى هؤلاء الرجال ذخراً ومرجعاً للمجتمع والناس، في كل أمر حيث ينظرون الى هؤلاء أناساً مستقيمين، مدركين، واعين، صامدين في مواقفهم  الرجولية , والتي تعتبر مرجعاً ومعهداً منه تستمد الرجولة والمواقف الانسانية الثابتة. 
   فالرّجال حقاً مواقف وكلما كان الرجل صاحب موقف واضح غير متذبذب ومتلون كلما كان هو كذلك، وكلما كان صاحب مبدأ وكلمة ومستقيماً وصادقاً هكذا يكون موقفه ايضاً.
   وإذا أمعنا النظر قليلاً في رجال اليوم ومواقفهم على الغالب فحدث ولاحرج، فالرجال الرجال هم قلائل في هذه الايام والاغلبية الساحقة من الجمهور تُدرك ذلك، الا انها لا تملك الجرأة في قولها صراحة، فمعظم الرجال في شتى المستويات والمجالات، الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها أخذت بالابتعاد رويداً رويداً عن مواقفها، أو انها أخذت تستبدلها بمواقف غير تلك التي عهدناها وعهدها من قبلنا السالفون، فنرى اليوم بعضاً من الناس معروفين برجولتهم الاجتماعية، الا انهم باتوا يتخذون مواقف كلها ميوعة ،كلها مداهنة ،كلها استرضاء وكلها تملّق الخ...، ومن ناحية أخرى يبدأون بإنتقاد الغير، وهم بألتأكيد يتصفون بتلك الصفات التي يذكرونها , ذلك لأبعاد الشبهات عنهم، فلا يخفى على أحد أنهم ومواقفهم يشكلون شهادة فقر للمجتمع , فلا ثبات لهم، ولا أمان لهم ولا ثقة بهم من أقرب الناس عليهم  ولا من ذويهم وربما من أصدقائهم ايضاً، فالمواقف المائعة والمواقف غير الواضحة، والمواقف التي تأتي لأسترضاء فلان او علان لغاية معينة فهذه مواقف لا يستحق اصحابها ان يكونوا في عداد الرجال الرجال، وعليهم تقييم أنفسهم، وتقييم مقوماتهم الاجتماعية ويراجعون انفسهم ويحاسبونها على خيانتهم وعلى عدم وفائهم، وعلى انحرافاتهم الكثيرة وخاصة الاخلاقية وفي نفس الوقت يدعون العكس، فبربكم ايها الناس المحترمين هل يخفى هذا على أحد؟؟ وهل ستبقى الغشاوات على العيون؟؟ واذا بقيت فالى متى؟؟ هذه الاسئلة وغيرها قد تلقى أجوبة نافية بشكل قاطع، فقبل ان ينبري المرء لاتهام هذا أو ذاك بأمور قد تكون متأصلة في نفسه هو، عليه ان يقف عند حدّه وعليه ان يعلم جيداً ان الخشبة التي في عينه ولا يراها هي أكبر بكثير من القشة التي يراها عند الاخرين.. فمهلاً ثم مهلاً يا هؤلاء...
ويصح هنا قول الإمام محمد إدريس الشافعي:
إذا شئت أن تحيى سليماً منَ الأذى     وحظّك موفورٌ وعِرضُك صَيِّنُ
لسـانُك لأتذكر بهِ عورةَ امرئ    فكلُّكَ عوراتٌ وللناسِ ألـسنُ       وعينكَ إن أبدتْ إليكَ معايـباً          فَصُـنها وقُلْ يا عينُ للنـاسِ أعينُ   وعاشِرْ بمعروفٍ وسـامِحْ من اعتدى     وفارِقْ ولكنْ بالتي هيَ أحسنُ. 

 وأخيراً، ينبغي على المرء وعلى كل من يعد نفسه رجلاً حقيقياً ان يسأل ويتساءل عن صفات الرجال الرجال، لان الرجال يعينون ويعتبرون من خلال مواقفهم، من خلال نهجهم الاجتماعي والتعامل الصادق والمستقيم من أخلاصهم ، وفائهم وانسانيتهم وليس من مواقفهم المهتزّة صباح مساء والتي تزخر بالانحرافات الاخلاقية والمواقف المتقلبة والمتعددة على مدار  24 ساعة، في ذلك دمار لهم أولاً واساءة لذويهم ثانياً وهدماً للمجتمع ثالثاً، فالافضل الابتعاد عن ميوعة المواقف واتخاذ المواقف الانسانية الحكيمة الصلبة في كرامة الانسان واحترام الغير.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق