المحارب الدرزي في التاريخ بقلم الدكتور اكرم حسون
2012-02-07 08:41:13

بقلم الدكتور اكرم حسون / مجله العمامه

ان تاريخ الطائفة الدرزية, هو سجِّل طويل لمعارك وحروب ومناوشات. فقد تأسس المذهب الدرزي في مصر في مستهل القرن الحادي عشر, واضطر المؤمنون الى النزوح من مصر الى وادي التيم والجليل والجبل الاعلى في منطقة انطاكيا, حيث اتخذوا رؤوس الجبال معاقلا لهم والمناطق الشاهقة والشاقة منازلاً وشقوق الصخور بيوتا,ً ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم, تعرض الدروز في اماكن تواجدهم لهجمات واعتداءات, إمّا لأسباب قبلية او دينية او سياسية او اقتصادية. وفي كل هذه المعارك وعلى مدى الف سنة, استطاع الدروز المحافظة على كيانهم واستقلالهم وكرامتهم, بالرغم من انهم تحملوا الاف الضحايا وفقدوا مئات القتلى وتعرّضوا للغزو والتشريد والدمار. والتاريخ يتحدث عن شعوب وطوائف كثيرة كانت اقوى واكبر من الدروز, إلا انها انقرضت وانمحت من الوجود. اما الدروز فقد استطاعوا البقاء مع ان عددهم قليلا وامكانياتهم محدودة واسلحتهم بدائية, لكنهم اكتسبوا شهرة وسمعة طيبة لشجاعة ابنائهم وبسالة محاربيهم وتضحية فرسانهم وإقدام قوادهم.
لقد امتاز المحارب الدرزي بدرجة عالية من التقنية والتنفيذ والإقدام, وبما انهم خرجوا محاربين لا لإعتداء او لغزو او لنهب, وإنما دفاعاً عن المرأة والبيت والحقل والشرف والدين لذلك وضعوا كل ثقلهم وكل شجاعتهم وكل حنكتهم من اجل صد المعتدين والمهاجمين. لقد عاش الدروز حتى بداية القرن العشرين في نطاق تجمعات قبلية او عائلية او حمائل او قرى. ولا توجد في عُرف المحارب الدرزي وسائل دفاعية ومنشآت حماية مثل اسوار وقلاع وقنوات ماء وغير ذلك من المنشآت الحربية, فقد اعتمد المحارب الدرزي على ايمانه بالله وعلى قوة ذراعه وسرعة حركته, فاتخذ من رؤوس الجبال وسيلة تسبب صعوبة للذين ينوون الهجوم عليه, وقليلا ما نجد قرية درزية في السهل او على شاطئ البحر. وقد أكسبت المناطق الوعرية التي عاشوا فيها وظروف المعيشة والخطر المحدق بهم اكسبت الاسرة الدرزية على جميع افرادها, الوعي للأخطار المحدقة بها, وبالتالي الطرق والوسائل لتقليل حدة هذه الاخطار. فقد كان الدرزي من صغره يجابه صعاب الطبيعة والطقس وشظف الحياة والأعداء. فتعلّم الصبي الدرزي ركوب الخيل من صغره, واضطر الى نقل المحاصيل الزراعية ومواد البناء على دابته وهو صغير، وتعلم كيف ينقل المياه ليسقي الاشجار وكيف يقطف الثمر ويحمله الى مسافات بعيدة. وكمحارب تمرن وتدرب على استعمال السيف والاسلحة البيضاء كالخنجر والرمح وما شابه . فقد تعوّد الصبي الدرزي ان يتغلب على قوى اكبر منه وتعلّم كيف يجتاز عقبات ارضية او مائية بطرق مختلفة كما انه فهم مع الوقت انه يجب ان يظل ساهراً يقظا كي لا يفاجأ بهجوم .
وحتى القرن العشرين لم يكن المحاربون الدروز مجندين في جيش منظَّم, إلا في بعض الفترات مثل فترة فخر الدين المعني الثاني . أما في باقي الوقت فقد كان كل شاب فوق الخامسة عشر جندياً بالقوة ومهيأً للخروج للمعركة, فقد كان يركب الخيل ويتعلّم حمل السلاح ويتدرّب مع أقرانه, لكنه اكتسب كذلك ثقافة عسكرية من مصدر هام وهو الديوان . فقد كانت القرى الدرزية صغيرة وكان جميع الرجال والشباب في القرية يجتمعون في بيت المختار او في المنزول في المساء. وكان كبار السن والوجهاء في القرية يتحدثون عن تجاربهم والحوادث التي وقعت لهم . وكان الحضور يطلبون سماع قصص البطولات التي كانت معروفة في الوسط الدرزي . وكان في المجلس اشخاص معروفون بطلاقة اللسان والقدرة على الحديث, فكانوا يصفون اخبار المعارك والحوادث بسرد لذيذ يجذب انتباه الشبيبة الصغيرة, وقد تحوّل المحاربون الى ابطال في نظر الشباب فكان كل شاب يتوق لأن تسنح له الفرصة لأن يشترك في معركة ويثبت جدارته وبطولته, وهكذا سمع الشباب القصص واستوعبوها وانتظروا بشغف الفرصة لتنفيذ ما يشبهها. وعندما كانت تقع الموقعة كان الشاب الدرزي يشعر انه يدافع عن الاولاد والبيت والأم والأخت والقرية والطائفة, وهكذا نجد أمامنا مجموعة من الشباب لهم عزيمة قوية ودوافع حاسمة للقتال والدفاع عن شرفهم. وهم غير منظمين في جيش تقليدي لكنهم تعلمّوا عند الضرورة ان يتوحّدوا وأن يطيعوا أوامر القائد الذي كان ينشأ منهم تلقائياً. فقد كان إثر وقوع نفير يتأهب المجتمع الدرزي بأسره للحرب ويبرز قائد عسكري ويبدأ بتنظيم القوى بشكل عفوي وبدون ان يكون قد جرى تدريب مسبَّق. وقد كانت طريقة النفير بدائية لكنها مجدية . فعندما كانت احدى القرى تشعر بخطر يقترب كانت تدب الصيحات وتُشعَل النيران حيث كانت اشارات متفق عليها من قبل. ويذكر المسافر الفرنسي فولني انه شاهد اثناء وجوده في المنطقة ، انه في القرن السادس عشر كان يجتمع بهذه الطريقة حوالي خمسة عشر الف محاربا خلال ثلاثة ايام. وكان سلاحهم السلاح الابيض وكان بعض المحظوظين منهم يحملون بندقية. وفي القرن التاسع عشر حارب الدروز جيوش منظمة للامبراطورية العثمانية ولابراهيم باشا المصري, وقد كانت هذه الجيوش مجهزة بكافة الاسلحة والامكانيات اما الدروز فقد كانوا محاربين بسطاء ولكنهم شجعان, وكان عدد الجيوش الهاجمة اضعاف اضعاف عدد الدروز لكن معظم المعارك كسبها الدروز واستطاعوا صد الهجوم والمحافظة على كيانهم.
وفي تلك الفترة صرّح اثنان من اعدائهم واعترفا بشجاعتهم, اولهما القائد ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا الذي احتل كافة اقسام سوريا حتى جبال الاناضول الا جبل الدروز, وقد قال موجهاً, كلامه لخصمه القائد المجاهد شبلي العريان : " لو كان لي محاربان مثلك لما كان هناك جيش اخاف منه." وكان الثاني القائد ممدوح باشا, قائد الجيوش العثمانية الذي أُرسل في حملة لمحاربة الجبل عام 1890 والذي قال :" لو كان لي شعب كهذا لكنت قيصراً" .
لقد حكم الدروز في لبنان منذ القرن الحادي عشر بواسطة التنوخيين والمعنيين والشهابيين, واشتركوا في المعارك ضد الصليبيين وكذلك في معركة حطين وفي معركة عين جالوت ضد التتار. وفي عهد فخر الدين المعني الثاني استطاع هذا الامير ان يبسط حكمه على كل لبنان وقسم من سوريا وكل فلسطين حتى العريش, وذلك بقوة جيشه المنظم القوي.
وفي عام 1921 حاول الانتداب الفرنسي اقامة دويلة للدروز في الجبل الى جانب دويلات طائفية اخرى, لكن الدروز بقيادة سلطان باشا الاطرش, اشعلوا نار الثورة ضد الانتداب الفرنسي, وعُين سلطان الاطرش القائد العام لجيوش الثورة, وجرت معارك ضارية بين الطرفين أبلى فيها الدروز بلاءً حسناً. وكانت اشهر معركة للثورة هي معركة المزرعة, التي اشترك فيها جيش فرنسي مكوَّن من ثلاثة الاف جندي مجهزين بالدبابات والمدافع والطائرات والاسلحة المختلفة, إلا أن بضع مئات من المحاربين الدروز فاجأوا الجيش الفرنسي وطوّقوه وتوغّلوا فيه وأبطلوا مفعول الدبابات والطيارات وأجبروا الجنود الفرنسيين على محاربتهم بالسلاح الابيض. وقد اندحر هذا الجيش وخسر خسارة فادحة. اما الدروز فقد دفعوا ثمنا لهذا الانتصار باستشهاد 341 شهيداً. وقد جرت معارك اخرى في نطاق الثورة السورية الكبرى. وعاد الدروز للحرب عام 1954 حينما ثاروا ضد الطاغية السوري اديب الشيشكلي. وفي عام 1983 وقعت الحرب اللبنانية حيث خطط زعماء الكتائب الى مهاجمة الدروز والقضاء عليهم, فهبّ الشباب الدروز واستطاعوا, بعونه تعالى, صد هجمات الكتائب وإثبات وجودهم في المنطقة والانتصار على اعدائهم بشكل ساحق.
وفي الحكومات المنظمة في سوريا ولبنان, تجنّد الشباب الدروز في الجيش واستطاعوا الترقي الى اعلى الدرجات. فقد وصل في سوريا الشباب الدروز الى رتبة قائد اركان الجيش مرتين, في الاولى تسلّم هذه الوظيفة الجنرال شوكت شقير, وفي الثانية الجنرال عبد الكريم زهر الدين وهناك عشرات الجنرالات في الجيش السوري . اما في الجيش اللبناني فقد كان قائد الجيش الشهيد نديم الحكيم من ابناء الطائفة الدرزية, وكان المرحوم الامير مجيد ارسلان وزيرا للدفاع خلال سنوات طويلة. ونحن نلاحظ ان شباب الدروز خدموا في الجيش الامريكي بعد ان حصلوا على الجنسية الامريكية, كما يوجد قواد دروز كبار في جيوش دول امريكا الجنوبية.
المحارب الدرزي في جيش الدفاع الاسرائيلي
الدروز في كل مكان مخلصون للحكم المحلي, طالما يؤيدهم هذا الحكم ويحترمهم ويحافظ على دينهم وكيانهم ومجتمعهم. وقد ثار الدروز ضد العناصر والحكام والدول التي حاولت المس بكرامتهم, مثل ابراهيم باشا والعثمانيين والانتداب الفرنسي وغيرهم. وفي اسرائيل انخرط الدروز في نطاق المجهود الحربي الاسرائيلي لكي يحافظوا على وجودهم في هذه البلاد, بعد ان شاهدوا نزوح الاف السكان من جيرانهم العرب من البلاد. وقد قرر الدروز في حينه الاستماتة والدفاع عن الارض والعرض والبقاء في بيوتهم وقراهم مهما كلّف الثمن. وقد ظلّ كل المواطنين الدروز في البلاد ولم يترك اي لاجئ وبالعكس, فقد شجع الدروز في القرى المختلفة اخوانهم المسلمين والمسيحيين بالبقاء في بيوتهم, فسمع لهم قسم , أما القسم الآخر فقد انجرف وراء الدعاية العربية ونزح عن البلاد وهو ما زال يعاني حتى اليوم.
وقد انضم عدد من الشباب الدروز قبل قيام الدرولة الى القوات الاسرائيلية وتدرب معها وحارب في صفوفها وبعد قيام الدولة أقيمت الوحدة الدرزية في نطاق جيش الدفاع الاسرائيلي وانضم اليها جنود دروز على اساس تطوعي وفي عام 1955 تقرر فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على كافة الشباب الدروز والشركس وذلك في نطاق الوحدة الدرزية وأقيمت وحدات حرس الحدود التي استوعبت كذلك عددا من الشباب الدروز. ومع الوقت تطورت الوحدة الدرزية وأصبحت من الوحدات الطلائعية في الجيش بحسن تدريباتها وتنظيمها وقد اشترك عدد كبير من الشباب بدورات الضباط وعملوا ضباطا في الوحدة نفسها. وفي اواخر السبعينات وعندما انتخب السيد امل نصر الدين عضوا في الكنيست اثار موضع اغلاق وحدات الجيش امام الشباب الدروز وقد اقنع رئيس الحكومة السيد مناحيم بيغين بأهمية الموضوع فاتُخذ في هذه الفترة قراران هامان الاول هو فتح معظم وحدات الجيش امام الشباب الدروز مع المحافظة على وجود كتيبة درزية خاصة والثاني هو فتح مدرسة القيادة والاركان امام الضباط الدروز وقد كان كل ضابط درزي يصل الى رتبة نقيب ( راب سيرن) ولا يستطيع الاستمرار في الترقي لأنه لا يشترك في هذه الدورة. وعندما فُتحت هذه الدورة امام الشباب الدروز بدأ عدد كبير منهم بالترقي حتى وصلوا اليوم الى اعلى الدرجات. ونجد اليوم ان هناك عددا كبيرا من الجنرالات الدروز اصحاب الجدارة والتأهيل المناسب وهم يتبوأون مراكز قيادية هامة في نطاق جيش الدفاع الاسرائيلي ويوجد كذلك مئات الضباط في الدرجات المتوسطة يشغلون مناصب مهمة. وقد فُتحت وحدات كانت مغلقة مثل سلاح الطيران والكومندو البحري وغيرها امام الشباب الدروز وفيها ضباط وجنود متفوقون. ويمكن القول ان المؤسسة الوحيدة التي تحافظ على مساواة تامة بين اليهود والدروز هي جيش الدفاع اللاسرائيلي ففيه يستطيع كل انسان ان يتقدم حسب مقدرته ومؤهلاته وبذلك يتساوى المحارب الاسرائيلي في اسرائيل مع باقي الدول التي يعيش فيها دروز من حيث بلوغ كافة الوحدات واعلى المناصب وكل ذلك بفضل اخلاص الشاب الدرزي للدولة التي يعيش فيها وبسبب مقدرته وتأهيله والمبادئ التي يتشربها من البيت ومن الاصول التوحيدية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق