الأحاديات العقائدية في الرؤية العرفانية التجاوزية - كميل شحادة
2012-01-20 22:04:03

آراء كثيرة ومختلفة ، ومواقف عديدة ومختلفة تبرزعلى خلفية الذي يحدث من متغيرات في الأوطان العربية .. ودون دخول الآن في التحليل من منطلقات  تنظيرية تقليدية حول الثورة ومفهوم الثورة ، عناصرها ومقوماتها . وبغض الطرف عن الآراء المختلفة في هذا الشأن ، وإذا ما كانت ترقى الانقلابات الشعبية في كثير من البلاد العربية ، إلى مستوى الثورة ،حسب بعض القوالب الجاهزة أيديلوجيا وثقافيا لمفهوم ( الثورة ) فإن الذي حدث ويحدث يستدعي الخروج من النظر التقليدي، المستمد من الذاكرة الزمنية، المرهقة المزدحمة بترهات وأوهام الدعاة والمتخصصين  في كتابة التاريخ ، ليس المقصود هنا المؤرخين فقط طبعا ،  كنقلة  وحملة أوزار وآثام وخناجر مسمومة وألغام ، كي يستمر التاريخ نفسه بدورانه ودوراته ذاتها ،بل أساسا هم ثقيلو الوزن في الصنع للأحداث والتأثير في العقول وتوجيه الطاقات والنفوس .. فما زال الذي يحدث ، أصداء  قواميس ومعاجم ومكتبات وكتابات  صادرة بدورها عنها من أقدار خياراتها الباطلة السابقة ،من جاهلياتها القديمة ،عبر جدلية تفرخ ذاتها على الدوام .. انها الأصداء التي تصل اليوم مترنحة باهتة ضعيفة مبتذلة مفارقة لما تبغيه  ،منقطعة عما تصبو إليه، وقد تحول بعضها في جحيم الواقع إلى رماد ، وبعضها هياكل عظمية مجردة  .. فتنفرج الفرصة والساحة لتلاقي وتصادم المعتقدات والمذاهب والتوجهات على  تلك الساحة " الفاكوم" أو الفراغ الجاهز لتدفق الفيضان الديني السياسي الاجتماعي .. الساحة التي لم تكن ساحة "التحرير" في مصر وسواها من ساحات، سوى بعض تجسيدات وانعكاسات لتاريخيتها العتيقة الساحقة الغائرة في لا وعي الإنسان القديم ذاته تقريبا  .. أجل في تلك الساحة ،إثر سقوط التمثال الحديدي للطغيان، بعد ان أكله الصداء من الداخل، وبعد انزياح ظله الرهيب السمج عن الساحة ، يبرز الفارس الإسلامي والفارس العلماني ،والعروبي واللبرالي ، والسلفي والاشتراكي والرأسمالي والوسطي والعقلاني والفوضوي والصوفي  وو .. وما تشاء .. ولا يلبث معظم هؤلاء يخيل في الساحة يرفع صوته ويزمجر حتى يهدأ ،ثم يتوارى ويصمت، كي يبقى في هذا الصراع من البقاء ،الأقوياء ، وهم الإسلاميون ، كما يخبرنا بذلك الفضاء ..  غير ان مشكلة الإسلاميين لا تختلف بجوهرها عن مشاكل الآخرين من عروبيين وقوميين وشعوبيين وأمميين ،إلخ عندما تأتي الفرصة لبدء حل حقيقي ، بل ربما هي أشد وأصعب ، رغم مختلف (التدويرات) والتلطيفات  لزوايا الفكر الديني المعروف . وقد يفعل مثل هذا أصحاب وأتباع الفكر الآخر،من نفس الحاجة التي تفرضها المرحلة للتلاقي مع الآخرين في سبيل إنقاذ (الثورة ).. وهنا لا بد من التأكيد إلى اني أتناول الموضوع لا كرد فعل سياسي ، بل تفكيكيا في ضوء رؤيتي العرفانية التجاوزية للواقع الفسيفسائي الملتهب والمركب المُعقد  .. على ذلك أقول: سواء جاء الطرح الديني السياسي لهذا الحزب أو ذاك ،لهذا المذهب أو ذاك ، تكتيكيا أو استراتيجيا ،تقويا يطوي أسراره الخاصة في باطنه ،أوعلنيا مباشرا، فإن مثل هذه الطروحات ،أولا تختزل المكنة البشرية والتاريخية ،الواقعية والميتافيزيقية والتطورية على السواء ،في تعاليمها وفي اجتهاداتها الخاصة .. هو طرح يستثير حتما طروحات مماثلة مضادة من نفس المنطلق المقدس والأبدي لعقائديات مقدسة مطلقة ،حتى لو لم يبرز ذلك حالا وللعيان .. وتغدو الديمقراطية رهينة طرح أكثرية مغلقة على معتقدها النهائي في الله والمجتمع والثقافة والفن والقيم ، وفي كل شيء . وهكذا يبرز التصادم ويستمر الصراع القديم نفسه بين "الأدضاد" .. الصراع  الذي احتاج دائما حلا جذريا ،الذي لم يكن ولم يقم تاريخيا وواقعيا ،إلا في استثنائات وفي أفراد قلائل . ان الخروج للعالم بحلول قبل معرفة المشكلة ثم الإقرار بها ، هو مشكلة أصعب . وليس المقصود بالكلام هنا  الحل الإسلامي بالذات " الإسلام هو الحل"  لأن طبيعة الحل العقائدي، خصوصا إذا كان دينيا ، هو ذاته يحمل نفس الطبيعة والإشكال لأي عقائدية مختلفة  . فكل منها "يمتلك" أسرار الخلاص الأرضي والأبدي للجميع . وكل منها متفرع لمسالك ومذاهب وشيع مختلفة كثيرة .. للأسف لا زلنا  كأتباع ومجندين ودعاة مختلف المعتقدات ،ومنها السياسي والأيديلوجي  والفكري أيضا ، ليس فقط الديني الغيبي البحت ،لازلنا من التطور المطلوب ذهنيا ونفسيا وعقليا وروحيا ، نراوح في الماضي الذي يتكرر في لحظة الحاضر ، التي تأتي دائما بفرص وانفراجات، عبر الزمن وبين الأنفاس ،عبر غياب الفكرالحاجب .. كي نفكك كل ما بناه هذا الفكر الجاهل ،بتؤدة ودقة وإخلاص وإبداعية كاذبة سطحية ، وقد سكب عصارة النفس والقلب في قوالبه وهياكله ، وزخرفها بأوجاعه وتطلعاته وأشواقه للحقيقة .. الحقيقة التي لازالت خارج جميع القوالب والهياكل – معنوية ومادية ،من حيث هي قائمة في البعد غير المعروف .              

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق