الموقع الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على الثورات والانقلابات العسكرية
2012-01-09 12:06:59

بسم الله والحمد لله  الذي أحصى جميع الأشياء ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء,والصلاة والسلام على عبده ورسوله  سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد:
منذ بداية السنة الميلادية الحالية ساد الثورات في معظم  دول الشرق الأوسط  ضد  أنظمة الحكم المحلية, هذه الظاهرة عادت بعد سبات  نصف قرن, بحيث  تميزت خلال أواخر سنوات الأربعين وبداية سنوات الخمسين من القرن السابق دول  الشرق الأوسط بالانقلابات العسكرية ومن أهمها ثورة الضباط الأحرار عام 1952 بقيادة قادة الجيش محمد نجيب وجمال عبد الناصر، وفي سوريا حسني الزعيم 1949،  وثورة ميشيل عفلك 1951.
في هذا المقال سوف نبحث مدى تأثير الموقع الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط  على ظاهرة الثورات العسكرية والمدنية.   الهدف الأساسي لهذا المقال هو إظهار العلاقة بين الموقع الجغرافي للشرق الأوسط  من  ناحية التضاريس والمناخ وكونه جسر يربط  بين ثلاثة قارات،  على ظاهرة الثورات والانقلابات العسكرية في الدول.
تقع منطقة الشرق الأوسط غرب قارة أسيا وشمال قارة إفريقيا،  قسم من نفوذها يقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ( تونس, ليبيا,مصر,سوريا ولبنان) وقسم أخر في صحراء الشام  وشبة الجزيرة العربية كدول الخليج.
تتميز منطقة الشرق الأوسط بعاملين اساسيين:
 أ- الأراضي الخصبة  التي تتناسب مع الزراعة.
ب- كثرة المياه  بوجود البحر الأبيض المتوسط والانهار، كنهر النيل في مصر، نهر الأردن في بلادنا، ودجلة والفرات في العراق.
 هذه الأسباب أدّت إلى اعتماد سكان المنطقة  حتى منتصف القرن العشرين على الزراعة  وخصوصا الزراعة التقليدية . وبسبب التكاثر الطبيعي المنخفض, بحيث أنّ نسبة الوفيات عالية، كان المحصول الزراعي كاف للسكان. فلم تكن هنالك حاجة للبحث عن أساليب وطرق أخرى لزيادة كمية المحاصيل  بعكس الدول الأوروبية التي بحثت عن طرق بديلة حتى وصلت للثورة الصناعية  في وقت متقدم عام 1775.
ذكرنا أنّ مميزات الشرق الأوسط الأراضي الخصبة ووفرة المياه , ومن ناحية أخرى تكاثر طبيعي منخفض أدى لاكتفاء ذاتي للسكان المحليين  وعدم البحث عن بديل أو طرق أخرى لازدياد في كمية المحاصيل. على غرار الدول الأوروبية التي نجحت في  الوصول للثورة الصناعية. الأمر أدى إلى كونهم أفضلية وزاد  قدرتهم على احتلال واستعمار مناطق أخرى في العالم. وأول منطقة فكرت الدول الأوروبية باستعمارها واحتلالها كانت منطقة الشرق الأوسط  والسبب يعود إلى الموقع الجغرافي :
 1- جسر بين ثلاثة قارات  (أوروبا- أسيا- إفريقيا)
 2- مهد الثلاث ديانات السماوية.
3- معبر بين البحر المتوسط والبحرالاحمر ، بمعنى أخر معبر بين الدول الأوروبية وشرق جنوب أسيا كالهند.
هذه العوامل ساهمت وبشكل كبير باحتلال منطقة الشرق الأوسط من قبل الدول العظمى في حينه (فرنسا- بريطانيا)
رغم كون الشرق الأوسط في الأصل تحت احتلال  أو تحت سيطرة من نوع أخر, بحيث بعد انتهاء الفترة الإسلامية التي بدأت زمن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه 638 حتى 1099، عاد الشرق الأوسط تحت حكم الصليبيين،  بعد ذالك حكم صلاح الدين الأيوبي حتى عام 1260, حيث سيطرة المماليك على المنطقة   (1517-1260) ومن ثم تمّ احتلال الشرق الأوسط على يد الدولة العثمانية  عام 1517 حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918. وبعد ذلك فرض الانتداب البريطاني والفرنسي على منطقة الشرق الأوسط حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1948.
الشرق الأوسط بعد انتهاء الانتداب البريطاني والفرنسي 1948.
 

إذن  حسب ما ذكر اعلاة  مكث عبر التاريخ الشرق الأوسط تحت سيطرة وحكم خارجي , وهنا نريد أن نشدد ليس كل الفترات أو الدول المحتلة كانت  شديدة بأمر سكان الشرق الأوسط فالدولة الإسلامية (1099-638م) تعاملت مع السكان المحليين بشكل ايجابي حتى أهل الذمة والتاريخ يشهدون على ذالك.
 نحن نريد أن نبين مدة مدى تأثير الموقع الجغرافي لهذه المنطقة والإصرار على احتلالها من قبل قوات خارجية.بحيث غالبية السكان المحليين كانوا منهمكين في العمل بالزراعة, من اجل الاكتفاء الذاتي , ومن جهة أخرى استغلال الموقع المميز للشرق الأوسط من قبل تلك الدول.
لهذا قرون عديدة مكثت هذه المنطقة تحت الاحتلال واستعمار الأرض والفكر, بحيث تأخر وصول الثورة الصناعية للشرق الأوسط أدّى إلى  اتساع الفجوة والفرق بين الحضارة الأوروبية والحضارة المحلية وخصوصا خلال  فترة الانتداب الأوروبي (1948-1918) وبعد إنتهاء فترة الانتداب الأوروبي على الشرق الأوسط وتقسيمه لحدود تم أعطاء السكان المحليين مهمة لاول وهلة قد تكون بشرى، ولكنها في الحقيقة صعبة ومتعبة وهي حكم أنفسهم بأنفسهم  وادراة شؤونهم!!!!.بمعنى اخر بعد مرور:
 1- قرون وسنين واشهر من الاستعمار.
 .2- - قرون  وسنين واشهر من الاحتلال.
 3-- قرون وسنين واشهر من الظلم.
 4—قرون وسنين واشهر من سفك الدماء. دون إعطائهم معرفة ماذا نعني بدولة ؟ فجأة يتم توكيلهم  بما لا طاقة لهم به.
 من سوف يحمل هذا العبْء الكبير ومن هو الرجل المناسب لإدارة الدولة  وكيف !!!!  من هنا بدأت الحروبات المحلية بين كتل ورجال عسكريين من اجل إطاحت الأخر والجلوس مكانه على كرسي الحكم، بحيث كل حزب وكل منظمة وكل قائد عسكري  اعتقد أنة الأكثر مناسب  للسيطرة على الحكم فمثلا : في مصر قادة الجيش قاموا بثوره عام 1952 (ثورة الضباط الأحرار), في نفس الوقت ثورة حسني  الزعيم في سوريا عام 1949 وبعدة في عامين ثورة  أديب شيشكلي 1951. بعد ذلك استطاع حزب البعث بقيادة صلاح جديد بالقيام بثورة والسيطرة على الحكم وفي عام 1969 استطاع حافظ الأسد بقيام بثورة والسيطرة على الحكم في سوريا.
,في العراق التي حصلت على استقلالها عام 1932 عبرت العديد من الثورات بعد منتصف القرن العشرين:

- عبد الكريم قاسم تولى الحكم عام 1958
 - عبد السلام عارف تولى الحكم  عام 1963
- بعد بثلاثة أعوام سيطر على الحكم احمد حسن بكر
 صدام حسين تولى الحكم سنة 1979. -
هذه الثورات توقفت بعد قيام الأنظمة الحاكمة الأخيرة  بفرض حكم شديد على الشعب سواء في مصر او في الأردن وسوريا  والعراق,بحيث قام هؤلاء الحكام باستبداد في الحكم واستعمال القوة  وانتشار الجاسوسية في الدول من اجل منع ثورات أخرى والتسلط على الحكم. الأمر الذي أدى إلى سيطرة  أنظمة معينة خلال فترة زمنية طويلة كعائلة الأسد في سوريا،  ألقذافي في ليبيا وغيرهم. حيث وصفهم  الله تعالى :  " فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا" –(النساء,65) استمر هذا الوضع حتى طفح الكيل الزبى ، وعدم  قدرة الشعب تحمل الظلم والاحتلال المحلي, حيث استيقظ الشعب من سبات عميق وطويل وبدأ يطالب بإسقاط النظام وعادت الثورات  مع بداية سنة  2011
وتم إسقاط بعض الأنظمة العربية في بعض الدول.
للتلخيص: نحن لا نتهم سكان الشرق الأوسط بعدم المعرفة أو بتأثر متأخر مع الثورة الصناعية . بل نحن نتهم الاستعمار الذي استغل هذا المنطقة وسكانها, بسبب الموقع الجغرافي المميز للشرق الأوسط الذي جذب جميع دول  العالم للسيطرة عليه وظلم  السكان والتحكم بتفكيرهم ومعرفتهم, فعاش حتى منتصف القرن العشرين سكان الشرق الأوسط احتلال واستعمار خارجي  كالاحتلال والاستعمار الأوروبي.
الأمر الذي صعب مهمة القيادة الذاتية لدى الأنظمة المحلية لهذا في السنوات الأولى لهذه الأنظمة كثرت الثورات ومن اجل إيقافها قامت بفرض سياسة  "يد من حديد" للسيطرة على كرسي الحكم لعقود.

والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق