موقع المدار في حوار مع الكاتبه دينا سليم
2012-01-01 23:42:46

الذي قدمته لنا دينا سليم هو روائع من الأدب العربي وقد أثرت المكتبة العربية برواياتها التي أشّعت بنورها في السّاحه الأدبية، دينا، لقد كتبت رواية أكثر من رائعة سنة 2004 وكانت أولى روايتك وتحمل عنوان "الحلم المزدوج" حدثينا عن هذه التجربة الأولى.

دينا: لقد كانت تجربتي الأولى مع الرواية تجربة رائعة لا تنسى، أذكر جيدا أين كتبت أول كلمة فيها وذلك بعد أن أحسست بأقصى درجات الحزن في حياتي، حينها كنت أبحث عن الخلاص، فكان القلم ملاذي الأول للهروب من الواقع، حيث مارست الكتابة سرا لكي لا أسيء لأحد.

أذكر أني كنت في رحلة جماعية قضيتها في جزيرة "قبرص"، وتحديدا في مدينة "ليماسول" السّاحلية، حينها شعرت بولادة قصيدة أتت بعد مخاض طويل، والتي بدأت تطرق ذهني أياما طويلة، جلست في شرفة تطلّ على البحر وإذا البدر يحتل السماء الصافية، لقد توسّط السماء بشموخه، كان عاليا ثم بدأ ينخفض أمامي، منظر غير عادي استفزني وهو اتكائه على أمواج البحر بسرعة لم أتوقعها، ولدت قصيدة بالحال، لم أكتفِ فبدأت حالا بكتابة أول السطور من الرواية التي بدأت فيها حياتي الأدبية بعد انقطاع طويل. أتذكر التفاصيل الدقيقة كلها أثناء الكتابة، الوقت هنا لا يسعفني لأتحدث عنها، لكن يجب أن أعترف أن "الحلم المزدوج" أولى خطواتي نحو حياتي الأدبية.

ما هو حلم دينا سليم على الصعيد الأدبي والشخصي؟
دينا: أحلامي كثيرة وكبيرة، حتى أني بدأت أقتصد فيها حتى لا أصاب بالنرجسية أو أتهمُ بها، أنا انسان جريء، وإن قررتُ شيئا مستحيلا لا أتنازل عنه حتى يتحقق الهدف، أحقق الحلم فعلا وذلك عندما أجد رواياتي ومؤلفاتي في حضني أخيرا بعد مشاق الكتابة وانتظار طويل، أنا لا أحلم بأن تمتليء الرفوف بكتبي فقط لمجرد الانتشار، لا طبعا، أنا أحلم بأن أستطيع الاستمرار في الكتابة الإبداعية، وبجعبتي الكثير لتدوينه، أتمنى أن أبقى قوية كفاية كما أنا الآن لكي انجزها، اعتقدت سابقا أن ثلاث سنوات تكفيني لكي أكتب، لكني متأكدة الآن أن ثلاثون سنة قادمة وربما أكثر لن تكفيني، فهل يمنحني الله هذا العمر لكي أستمر!

لك تجارب في  كتابه مسرحيات للأطفال ولكن لم تنشريها حدثينا عن هذه  التجربه ولماذا لم  تنشر هذه المسرحيات؟
دينا: لقد كتبت مؤلفا كاملا تضمن حوالي ستين قصة للأطفال، عدا المسرحيات والأغاني والأناشيد، والتهاليل، في فترة ما من حياتي حيث امتهنت مهنة التدريس، كنت أضع يدي على مساويء واخفاقات كثيرة، أسلوب تلقين الطفل لم يعجبني، لم أوافق على بعض أساليب التلقين المتبعة، كمربين مطالبين بأكثر من مجرد التلقين العادي، هنالك تحديات كبيرة إن أردنا لأطفالنا مستقبلا "زاهرا" ولكي نغذي هذا العقل الصغير الذي يكبر بسرعة، أذكر أني كنت أعود إلى بيتي بعد يوم شاق وأنا أفكر كيف يمكنني التدخل حتى أخلق من هذا الكائن مخلوقا مبدعا، لم يكن همّي الوحيد أن ألقنه الدرس لكي يحفظه غيبا، أكره هذه الطريقة، وأمقت أسلوب التكرار، وأنتقد مقولة " التكرار يعلّم الحمار" بل لم أوافق بأن ينعت أي طفل بهذه الصفة، لكني لم أستطع التدخل إلا بما سُمح لي، آمنت دائما، أن داخل كل طفل مهارة يجب التنقيب عنها.

في مرحلة أخرى أصبحت فاحصة ذهنية (מאבחנת דידקטית) لطلاب يعانون من العسر التعليمي وذوي الإعاقات السمعية، هذه التجارب أثرّت بي كثيرا فبدأت أكتب للطفل الذي لم يستطع التأقلم في بيئته ومجتمعه. أيضا ساهمت كثيرا من أجل الأطفال ضعيفي السمع، كنت أدربهم على المسرح وعلى أداء الأدوار الإيمائية الصامتة، بمصاحبة موسيقى لم يسمعوها، دربتهم على الإشارات، وقفت خلف الكواليس وقمت بتوجيه حركاتهم من مجرد إشارة معينة كانت كفيلة بأن يفهموا ماذا أريد منهم، كانوا أذكياء جدا، فقاموا بتبديل خطواتهم وحركاتهم حسب الإيقاع، كانت لنا مشاركات عديدة في مهرجانات ومسابقات، للأسف أضعت معظم المواد أثناء هجرتي، وتركت بعض القصص بأيدي بعض الناشرين في البلاد، ولم أتابع الأمر، وهم بدورهم لم يعودوا لي، ومنهم من اقتنى بعض النصوص، وقد أهديت الكثير أيضا.

والآن، فقد عدت مؤخرا حيث خصصت ملحقا باللغتين العربية والإنجليزية للأطفال، يوزّع مجانا، يعنى بشؤون الطفل العربي الأسترالي، يتضمن قصتان وعدة صفحات منوعة مميزة، لكل عدد، ضمن مشروع مجلة (آفاق) فقد وجدت إقبالا لا مثيل له من العائلات العربية.

لكني أكتب المسرحيات للكبار، وأحيانا باللغة الفلسطينية المحكية، وكنت قد بدأت قبل رحيلي مشاورات مع الفنانة سامية قزموز وأذكر أني تركت بين يديها نسخة، وأيضا لم أتابع الأمر. عادة أقوم بنشر المسرحيات في موقع (مسرحيون لقاسم مطرود) وقبل فترة وجيزة كتبت مسرحية (هناك) أحداثها تتناسب وما يحدث الآن في عالمنا العربي، أتمنى إخراجها على المسرح. وقد أضعت مسرحيتان، واحدة سلمتها إلى قيمين لنشرها، ولم أتابع الأمر فضاعت، وأخرى سلمتها لفنان مسرحي (لا أريد أن أذكر أسمه هنا) لكي ينفذها على المسرح، قام بترجمتها الى العبرية وإخراجها، طاف فيها عدة دول أوروبية متجاهلا اسمي، أعتبر الموضوع انتهى الآن.


لقد حصلت على جائزة الإبداع (ناجي نعمان  للثقافه في لبنان سنه 2007 عن مجموعة قصصية بعنوان الحاسة السابعة حدثينا عن هذه الجائزة وماذا أضافت للكاتبة دينا  سليم.
دينا: لقد شاركت في المسابقة بمجموعة قصصية تحمل عنوان " الحاسة السابعة " وقد فزت بجائزة الإبداع فيها، شاركت بعشرين محاولة قصصية أهمها قصة بعنوان "الحاسة السابعة" التي استوحيتها من حادثة حصلت فعلا حيث أقيم، وقد ترجمت القصة إلى الانجليزية وقمت بقراءتها في إحدى الأمسيات الثقافية، أذكر أنها أبكت الحضور، لقد استطعت في هذه المجموعة أن أخلق عالما آخر أحبه وهو عالم القص المختلف كثيرا عن عالمي الروائي.

وقد تُرجمت جميع القصص الى اللغة الإنجليزية، الكوردية والإيطالية، ناهيك عن بعض القصائد، ونُشرت في صحف ومواقع كثيرة، ولدي مجموعة أخرى عدا المجموعة المذكورة آنفا جاهزة للطباعة تنتظر دار نشر تتبناها.


-روايتك "قلوب لمدن قلقه" حدثينا عنها؟
دينا: يا لها من رواية، كم أحببتها، تغتالني حتى الآن، لكل رواية كتبتها ذكرى خاصة في قلبي، عندما قررت الكتابة بدأت أستجمع أفكاري وتجاربي المدخرة لكي أخرج بشيء يليق ويفي بالغرض، من عادتي الجلوس مع نفسي قبل البدء أحدثها وتحدثني، أتأمل وأتشاور معها، هذه الفترة أسميها " فترة استدعاء الوحيّ الكتابي " أنا أستدعيه وأفتح له أبواب عقلي بعد أن أكون قد استعددت له تماما، وعندما تأتيني أول كلمة أفتح الحاسوب وأجلس، ثم، وبعد ذلك لا أعرف كيف ومتى أنتهي، وعندما حضرت أحداث الرواية بعد تأمل دقيق، لم أستطع تسكيت أصابعي من النقر، عادت الذكرى بي إلى إحدى الجارات القديمات، التي روت لي عن قصة حقيقية حصلت سابقا، بدأت أبحث عن شخصية البطلة التي سألبسّها الأحداث، فاخترت ابنة أخيها الذي قام بعمل تفجيري سنوات الستين، وهذه حادثة حقيقية حصلت فعلا وما يزال الأبطال على قيد الحياة حتى الآن، لم أخترها هي، بل اخترت شخصية أخرى سمعت عنها فقط، ولم ألتقي بها أبدا في حياتي، هذه الشخصية فتاة لأب مسلم وأم يهودية، تزوجت رجلا يهوديا متدينا، وعاشت في مدينة القدس بعد أن قطعت علاقتها مع عائلة والدها الذي حُكم عليه بالمؤبد، وبعد أنفصال والديها وهجرتها هي وشقيقها ووالدتها الى كندا، تدور الأيام والأحداث حيث بدأ شقيقها يبحث عن هويته العربية، فاختار ابنة عمه لكي يقترن بها، الشقيقان شخصيتان متناقضتان، هذه هي الحبكة التي أردت أن أحيك لها المزيد من الأحداث، لم تكن أحداثا كافية لرواية كاملة، فبدأت أنبش وأنكش عن أحداث تهم المتلقي، ودائما أحرص على ألا تكون رواياتي مكررة، بل يهمني دائما أن آتي بالجديد، وفعلا، جاءت الرواية بأسلوب متجدد، زرت من خلالها الشرق والغرب، وأعتنيت بمشكلات العصر الحديث فتطرقت لأمور كثيرة، الرواية كما قيل عنها (انطولوجيا روائية)، جريئة وتتناول أحداثا يجب التحدث عنها وعدم تجاهلها، تحدثت في المحذورات والممنوعات، الفراغ النفسي والعاطفي الذي يعيشه الإنسان، عن الحب والجنس، الحرمان والمحرمات، عن السياسة والدين، تحدثت عن صورة اليهودي المتزمت دينيا، بما أني عشت في مدينة مختلطة استطعت أن أوفر للقاريء أجوبة على تساؤلات كثيرة عن هذه الفئة المغلقة على نفسها.

الأحداث طويلة وشيقة، استخدمت مخيلتي الخصبة ومزجتها بوقائع وأماكن زرتها وزارتني، وقد كتب عنها العديد من الأصدقاء والزملاء قبل صدورها، وكل واحد منهم وجد شيئا جديدا، أسعدتني الآراء، وها هي الرواية وصلت البلاد، والنص سوف يتحدث عن نفسه.   


الزمن  الحالي يشهد اسم "مجانيه الموت" بسبب الإنتهاكات ومصادرة الحريات في  جميع انحاء العالم، هذا ما قلته في حوار لك، ما هي الحريه بالنسبة للكاتبه دينا  سليم وإلى أي مدى تمتد وأين نهايتها؟
دينا: قبلا تعالي نسأل أنفسنا، هل الحريات التي ينعم بها الفرد تكفيه لأن يقول كل شيء يفكر فيه، تعودنا أن نحجم عن قول الحقيقة خشية على أنفسنا من سوط الدكتاتور، تعلمنا الكذب والنفاق ومارسنا الازدواجية في حياتنا لكي لا نُغضب الآخرين، والله، والمجتمع، والأناة المريضة، نحن نؤطر حريتنا كبشر ونضعها في إطار يتناسب والمجتمع الذي يقف لنا بالمرصاد ويتربص لنا وينتظر لنا أصغر زلة، أصبحنا جميعنا ( سيزيف ) ذلك الذي بحث على ما هو أبعد من أنفه فغضبت منه الآلهة، عاقبته أشدّ عقاب، ولقنته درسا موجعا وهو ألا يقول"لا" أبدا مهما جار عليه الزمان ودار.

لكن العصور تتغير وتتبدّل، نحن في عصر الانترنيت الذي بدأ يكشف لنا المستور والمسكوت عنه، هو المدرّس الخفيّ الذي يساهم في البناء والهدم أيضا، وكل نفس تتعلم منه حسب أهوائها ومعتقداتها ونياتها وطباعها وجنسياتها وتخلفها وحضارة تفكيرها، شيء هام بدأ يحصل وهو أن (سيزيف) انتفض فجأة ولم يعد يهمه العقاب، لأنه جاع وتألم وتمرغ وصبر وجرب جميع سبل الحياة ولم يستفد منها.

الحرية بالنسبة لي هي أن أحترم حرية الآخر وألا أحكم على المختلف عني بالنفيّ وأسلوب الرفض، أن أقبل بالمُسلمات دون عنصرية، وألا أتدخل بشؤون الآخرين وخصوصياتهم، أن أتقبل كل ما هو شاذ عنّي، حريتي أن أنظر لكل عين حيّة على أنها مخلوق له حيزا مثلي في الكون، حريتي أن أؤمن بأنه هناك من يشاركني في هذا العالم النقيض ويجب أن أتقبله بكل مقوماته، عاداته ودينه وجنسيته ولونه ولغته وتصرفاته وحتى شذوذه، أقصد، إن اعتبرنا تصروفات الآخر التي لا تشبهنا تصرفات شاذة.


الإغتراب عن الوطن هل أثر على دينا سليم، أم أنها بالغربة وجدت نفسها وحريتها على الصعيد الأدبي؟
دينا: أولا أنا اخترت الغربة بمحض إرادتي، أو بمفهوم أدق، الهجرة، لأني كنت أعلم جيدا أنني لن أبقى دينا سليم إن حصل ولم أبارح المكان وبأقصى سرعة ممكنة، هل يمكن للطير أن يكون أخرسا أو بلا أجنحة، هل يزهر الورد في غير تربته، هل يمكن للقلم الجاف أن يكتب، لقد وجدت نفسي فجأة بدون ملجأ وأنا في قعر داري، وسمائي ضيقة عليّ، وحيدة وغريبة في وطني، أصعب شيء في الحياة أن تكون غريبا في وطنك وأنت بين أهلك وعائلتك، ولأني قلت "لا" ولم أنخ كما ينخ " الجمل" زادت أرصدة عذاباتي، أنا لا أعتبر أستراليا غربة، بل هي وطني الحقيقي الذي منحني ما افتقرت له، الحب، الأمان، والإنتماء والسعادة، يكفي أني أشعر هنا بانسانيتي ووجودي.

تعلمت من وطني الجديد أن أستغل كل يوم وساعة ودقيقة  لكي أكون سعيدة، خاصة لأني أمتلك حرية الكتابة وساعات الكتابة التي أريدها، دون معيقات أو حاسبة تحسب خلف ظهري كم كلمة كتبت في اليوم الواحد، الكتابة بالنسبة لي استمرار الحياة، فإن توقفت أغادرها بأقسى سرعة، علمني وطني الجديد ألا أعمل حسابات للآخرين الذين يمقتون وجودي، وأن أدير لهم ظهري وأستمر في مشواري الصعب، أهم شيء هو أني بدأت أكتب بجرأة مطلقة وابتعدت عن أسلوب الرمزية  والإختفاء خلف ظهر الكلمات.


هناك الكثير من المغتربين الشباب وهذا نشاهده ويحصل مع الكثير أن الغربه تأخذهم  إلى ضياع والكثير منهم رجعوا إلى موطنهم بحاله يرثى لها من مشاكل  نفسية وأخلاقية وغيرها وحالات كثيرة من اللذين كان منهم يعمل أو يتعلم في الخارج، هل الاغتراب أو العالم الغربي يؤثر على أخلاقنا كعرب، بما أنك  مغتربه، ما هو رأيك بالذي يحصل لهذه الفئه من الشباب، ما الذي  يفسد أخلاقهم  لهذه الدرجة ويدمر  نفسياتهم وما هي نصيحتك لكل مغترب؟
 

دينا: قبل أن أبدأ بالإجابة أنوّه أن الوصول إلى أستراليا بالذات يلزمه الكثير من الشروط مسبقا وقبل أن يصل الفرد إليها، وأكثر الواصلين هنا إما للإقامة أو للدراسة والعمل، لذلك يخضع كل آتٍ لاختبارات هامه ويبقى في الصورة من قبل الحكومة الأسترالية أو الجامعة التي تتتبع جميع خطواته، من ينتسب ولم ينجح يعود، ومن ينجح تفتح له أبواب التقدم والبقاء أحيانا، والطالب يعرف ذلك ضمنا، عادة أرى الواصلين الى هنا يتأقلمون في المجتمع بسرعة، ولي تواصل مع المبعوثين من الدول العربية، الذي وجب عليهم مغادرة البلد بعد انتهاء الدراسة فورا.


أما الذي يعاني من الضياع، ربما لا أتفق معك كثيرا على التسمية، فهو العربي المقيم هنا، خاصة الشباب الذي يترعرع في بيئتين مختلفتين، البيت من ناحية، خاصة إن كان ملتزما دينيا ومنغلقا على نفسه، رافضا التأقلم مع المجتمع الجديد، متشبثا بآرائه التي ورثها في بلاده والتي حملها معه وأتى بها الى بيئة لا يتقبلها، ومن ناحية أخرى المجتمع الأسترالي المنفتح على عقول الآخرين، هذا المجتمع يتمتع بحرية جميلة ويوجد فرق شاسع بين الفوضى في الحرية، والحرية الجميلة التي تستند على تقبل الآخر، هنا يتمتع الفرد بخصوصية، أساليب الحياة تختلف عن الشرق، مجتمع متعدد الثقافات والديانات، ولكل فئة مساحتها وحريتها في الحياة وشؤون العبادة.

للأسف، عندما نتفوه بكلمة "الحرية" الجميع يفزع، لأنهم لا يدركون تحديدا ما تعنيه هذه الكلمة من مفهوم، ما تتحدثين عنه هو الشباب الضائع الذي يمكنه أن يضيع في بلاده أيضا، وللضياع أسبابه، وكل شيء يعود إلى نظام البلد ونوعية المجتمع والبيئة والناس والتقاليد.


في حوارات لك تكلمتي عن مدى عشقك لمدينة القدس ماذا تعني القدس لدينا  سليم؟ 

دينا: القدس، هي نبض الحياة الساكن داخلي، هي مراحل عمري الجميل، هي ذكرياتي الحلوة، هناك دفنت دموعا كثيرة لم يرها الآخرين فيحسبوها انتقاصا في رصيدي المعنوي، فيها وجدت الراحة، عشت في القدس مدة طويلة، أو لنقل قضيت فيها جلّ أيامي، لا تنسي أني ولدت ونشأت في مدينة اللد القريبة من المدينة المقدسة، وفي مرحلة أخرى من حياتي، شاءت الظروف أن أعود اليها فكنت أعرج خفية بعد يوم طويل مضنٍ أمضيه في ( مستشفى هداسا عين كارم) وقبل أن أعود إلى بيتي الكائن في شمال البلاد، كنت أعرج للصلاة في القيامة، أدخل الكنيسة يائسة متألمة، أبكي على حافة القبر كثيرا، فأخرج بعد ذلك قوية صلبة، لم أشارك أحدا أحزاني، لم يعرف أحد مدى الألم الذي كان ينهش قلب أم، الشكوى كانت عيبا عليّ، حتى لو اشتكيت، لا أحد يستطيع أن يحمل عبء أحد، ربما هذه المرة الأولى التي أتحدث فيها في هذا الموضوع، لقد استفززتني بهذا السؤال، فأنا عادة لا أحب أن أتحدث عن حياتي الشخصية، لكني لا أستطيع تجاهلها لذلك فقد بدأت بتدوين سيرتي الذاتية لنفسي، لكي لا أنسىى أو ربما لكي أشفى من الحزن المقيم داخلي، وقد كتبت في القدس عدة قصص، (دموع وشموع) و ( صدى الجدران) و (المفاتيح كاتمة أسرار) وغيرها، أردت أن أقول أن القدس المكان الوحيد الذي كنت أجد فيه الراحة، ربما يكون إيمانا أو ضعفا، لا أعرف. كما كانت القدس حاضرة بشدة في رواية "قلوب لمدن قلقة" أيضا، فهي مدينة القلوب القلقة المحرومة منها.


الإلهام الكتابي لديك هل تستوحينه من واقع الناس، أم من خيال تبنيه وترسميه في  رواياتك وتسيري عليه في كتابه الرواية أو القصة؟
دينا: كل كاتب يضع وبدون أن يدري بعضا منه في أعماله الكتابية، تجربتي في الحياة غنية، فقد مرت علي مراحل وتجارب كثيرة، ومنذ طفولتي، دعتني غنية بالأحداث التي أراها مهمة للتدوين، لكني أتمتع أيضا بخصوبة الخيال، خيالي واسع جدا، يمكنني أن أكتب الكثير من محض الخيال، وهذا ما أفعله حاليا في رواية أكتبها الآن، لقد خلقت الشخصيات في مكان لا وجود له بنيته في مخيلتي، أحركهم كما أشاء في بيئة مختلفة جدا وفي مكان وهميّ، صديقة مقربة قرأت بعض الفصول فوجدت المكان حقيقة راسخة فسعدتُ برأيها لأني استطعت بذلك أن أبني قرية كاملة غير موجودة وأقنع القاريء بوجودها، الرواية لم تنتهي بعد.

أريد أن أقول أنه بدون خيال واسع لا يمكن للكاتب المبدع أن يكون، يوجد كاتب ويوجد كاتب مبدع والفرق بينهما شاسع، أنا لست مدرّسة، ولا أمارس مهنة التدريس أثناء الكتابة، لست مرشدة اجتماعية، ولا منظرة، ولا مُحكمة، ولا واعظة، أنا كاتبه حيادية، ليست وظيفتي أن أنصح، أنا لا أكتب لكي يتبع الآخرين نصيحتي من خلال رواياتي، في الحياة العامة الأمر يختلف تماما، ثم، لا يصح للكاتب أن يتحدث عن الميثاليات، أروي الحدث وأدع المتلقي يحكم، لا أعتمد كليا على شخصيات من الحياة، لكن أستغلّ مشاهداتي اليومية أو السابقة في بناء شخصياتي، الكاتب يرى الأشياء التي لا يراها الإنسان العادي، خاصة كاتب الرواية، يحتاج الى قوة ملاحظة وسعة تفكير وصبر طويل، المثابرة والنضوج العقلي، كذلك حُسن الربط بين الأحداث وبلورتها، ناهيك عن الجرأة والدخول في أجواء الكتابة بعنف دون التردد، وكذلك استغلال الوحي عندما يطرق باب العقل دون موعد أو لقاء، والاعتذار للأصدقاء من عدم الوفاء بالارتباطات والمواعيد وأحيانا المشاركة معهم بالمناسبات الاجتماعية، على الكاتب أن يتفرغ تماما، فله أجواءه الخاصة يجب أن يحترمها الأخرون، وأن يساهموا بمنحه هذه الخصوصية. 


-من هو الرجل بعين دينا  سليم، وما هي مكانة المرأة في المجتمع بعين دينا سليم،  هل وصلت دينا سليم إلى المكانة التي تطمح أن تصل إليه؟
دينا: سؤالك صعب جدا، خاصة تقييم الرجل، لا أعرف ماذا أقول عن الرجل العربي بالذات، سؤالك يحيرني، لذلك قمت باستشارة بعض الزملاء على الفيس بوك وطلبت منهم أن يبدوا الرأي، وقبل أن أكتب ما أرسلوه لي هنا أقول عن الرجل العربي، أنه رجلا ضعيفا، حتى لو بدت عليه علامات القوة، هو ابن المجتمع، أب محتار في كيفية بناء أسرته، الرجل قربان، يريد أن يكون القوي، الناجح والمثالي، أراه محتارا ضائعا في زحمة الآخرين، غاضبا أو عابسا، روتينيا، خائفا، لكنه بالأخير مهما كان فيبقى محبا لأسرته وذويه، أما المرأة، هذا الكائن الجميل الذي سلبوه حريته وجماله وحقه في الوجود، تعودت المرأة أن تكون معلقة بالرجل أو الذكر، لأنها تخشى أن تكون عانسا، وكأن العنوسة عيبا، أنا شخصيا أفتخر بالأنثى العانس، وأوجه لها كلمة، وهي ألا تهتز من هذه الكلمة غير العادلة بحقها، هي قررت ألا ترتبط بذكر لا يمكنه أن يكون مصدرا لسعادتها، هي جريئة وأغبطها على جرأتها لأنها قالت (لا) في أكثر الأحايين، إن أردنا أن ننظر إلى الفتيات العازبات حولنا نراهن مثقفات جدا مما لا يرضي الرجل لأنه يريدها دائما مطوية مثل بطانية تحت أبطه، إذن، يمكنها أن تستعمل البطانية لتدفيء جسدها بعيدا عنه، نحن الآن وفي عصرنا الحالي، نحصد ما زرعته أيدينا، إن زرعنا تخلفا نحصد عبودية، وإن زرعنا انفتاحا نحصد علما.

أما شق الثالث للسؤال وهو إن كنت قد وصلت إلى ما أطمح له، طبعا لا، ما زلت على أول سلّم الصعود، على الرغم أني استطعت وفي خلال مدة قصيرة أن أحظى بمكانة ما، لا أريد أن أقول كرسي، لأني أكره هذا المصطلح، ما فعلته لا يكفي أبدا، ثم مشوار العطاء الأدبي لا نهاية له، مهما وصلنا نجد دائما من يسبقنا، لا توجد قمّة، هذا المشوار له طريق واحد مفتوح لا نهاية له، وأنا سعيدة وفخورة بنفسي أني مع غيري أسلك هذا الطريق الشاق الجميل.

وأنقل لك ما كتبه الآخرون من الرجال عن الرجل والمرأة على السواء: 
(مالك عبدون، إعلامي مغربي: أبي وقطرته البيضاء/ أمي وخدها الصامت/ عبئوا الموت إلي /كي أحيا).
( هندي الهيتي، كاتب من الموصل: لا فرق بين رجل عربي وأعجمي إلا بنوع الحاكم)
( واصف شنان: كاتب من سيدني: الرجل العربي: هو كائن خنثوي من نوع حشرات إسطورية غير منقرضة، يحب القمع كبيئة دائمة وكذلك الغيبيات كوسيلة حياة غامضة وسهلة وفاشلة على كافة الأصعد، وخاصة الرومانسية..
    أما المرأة العربية: وعاء فارغ لمصوغات ذهبية، بغي مقدسة محجورة، قارورة عطر   مزجّجّة، نوع من أدوات المطابخ، وشرشف في غرفة نوم، بل مدرّسة لتعليم الأميّة الذهنية والعبودية الحديثة، نحن الرجال نعتقد أننا أنبياء عصرنا، كل واحد هو نبي كما يشاء )

( على هادي جابر، كاتب من العراق: المقدس هو جزء من الشخصية المهمة للإنسان الشرق أوسطي، وصناعة الأصنام وعبادتها لم تأتي من الفراغ، فكل له صنمه يصنعه ثم يقدسه ثم يخاف منه، وحال سقوط الصنم تجده لا يتأخر بصناعه صنم آخر له صفات القوة والشراسة تفوق الصنم القديم، وأعتقد كلمة الرجل بمعناها الإنساني لا تنطبق على العربي، وهنا المرأة التي لا تختلف كثيرا عن هذا المخلوق، ولعل هناك صفة تكمل شخصية هذا المخلوق وهي - الشيزوفيرنيا الحادة - انفصام حاد في الشخصية، فلا نجد عند هذا الكائن وضوحا بالرأي، ما يقوله صباحا لا يشبه مساءه، أو ما يفعله في مكان وظرف معين يقابله العكس في مكان وظرف آخر، وبنفس التوقيت أو بفارق المسافة الحقيقية، لديه شيء غريب لم يألفه، وربما لا تهمه لأنها ستكشف واقعا وقناعا يخفي خلفه كل أوساخ الماضي وربما حاضره الآني، التغيير عنده من الكبائر والموبقات وربما أحد أوجه الفساد الخلقي والأخلاقي ولكن الحقيقة هي أن التغيير سيكشف عورته وسيعرضه لوضع يتحتم عليه مجابهة الآخرين، هذا المخلوق عندما يحس بالأمان الشخصي يعتبر نفسه أنه صاحب الحقيقه المطلقة ويركبه جنون العظمة، ولا تهمه آراء الآخرين وحتى العلماء والفلاسفه، وأقصد هنا بالأمان المدجج بالقوة السادية والسلاح، لذا تجد أنه لا يعرف الإستقرار ويعيش بحالة خوف دائم.
إن ما يمرّ به المجتمع من تخلف وجهل يقع بالدرجة الأولى على تخلف المرأة وتعمدها إلى تدمير المجتمع وأعتبرها المجرم رقم - ١ - في ضياع المجتمعات الشرق أوسطية، حيث هي المسؤولة الأولى على تربية وتنشئة الطفل في مراحل حياته الأولى - حيث هي من يزرع عامل الخوف في عقل الأنثى الطفل من كل ما هو ذكري، وهي من تلغي عقل الفتاة نهائيا لتصنع منها عضوا أنثويا فقط، وبنفس الوقت هي المسؤولة عن جعل الطفل الذكر رجلا بيتيا فقط مشجعة له تسلطه على كل شيء أنثوي في البيت الواحد لاغية الطفولة البريئة وعنصر النمو الطبيعي لهذا المخلوق البسيط ، ثم طبيعة المرأة الشرقية هو الغيرة القاتلة من بني جنسها من الإناث ومن نفس البيئه والمجتمع. المرأة ألغت عقلها نهائيا وباعت نفسها للتخلف والتسلط الذكوري واعتبرت نفسها المخلوق رقم  ٢ ومقتنعة بأنها فعلا خلقت من ضلع آدم، نسيت حقوقها أو ترفض المطالبة بحقوقها.

 لقد غلفت نفسها وعقلها بقناع الدين، وباعت كرامتها وشرفها إلى شرذمة من رجال الدين المتخلفين ومن الشاذين منهم، المرأة الشرقية اليوم لا تعرف سوى الأدعية والخرافات التي تتداولها كثقافة دنيئة لتغازل بها رجال الدين ولإثبات شيئا لا أعرفه حقا، هذا هو واقع المرأة الشرقية اليوم، عسى أن لا أكون قد تجاوزت في وصفها وعسى أن يتم إثبات العكس).

كانت هذه بعض آراء الآخرين.


مجلة "آفاق" الأسترالية، حدثينا عن بناء هذه المجلة الخاصه بك.
دينا: "آفاق" مجلة ثقافية أدبية اجتماعية شاملة، تصدر باللغتين العربية والإنجليزية، أدير تحريرها، ومعي زملاء محررين من أستراليا وخارجها، مشروع جميل أحبه كثيرا، وأحرص دائما على أن يصدر في أبهى حلة، خصصت زاوية اسميتها (أستراليات) فيها نتحدث عن تاريخ أستراليا، عجائبها وغرائب الطبيعة فيها، ننقل أخبار ونشاطات الجالية العربية، الجدير ذكره هو أني أنشر فيها صورا التقطتها في كاميرتي الخاصة أثناء تجوالي في القارة، وأدعو الجميع المساهمة مشكورين، يكفي أن يعلم القاريء هو أني أخصص أيضا صفحات عن الفن والأدب والتراث الفلسطيني.

 وماذا عن الإذاعة؟

دينا: أعمل إعلامية ومذيعة، وفي غرفة الهندسة الإذاعية أيضا، في محطة محلية في مدينتي (بريزبن) أعد البرامج وأقدمها مع طاقم رائع، وأنا سعيدة بهذا العمل كثيرا، من خلال الميكرفون أستطيع أن أطل على الجميع، أشعر بالتحليق عندما أستلم مكاني أثناء البث على الهواء، لا أحتمل البرامج المسجلة، أحب الفورية والتلقائية في الأداء الإذاعي، يمكنكم متابعتنا عن طريق الانترنيت أيضا.

 كلمة أخيره للمدار.

دينا: أشكركم لأنكم أتحتم لي فرصة جديدة للقاء مع القراء في الداخل من خلال هذا الحوار، أعتذر لهم عن جرأتي في الإجابات عن أسئلة مطروحة، أتمنى لكم الموفقية، موقعكم جميل جدا أتابعكم دائما، أتمنى لكم الإستمرارية وإلى الأمام.

يبقى  أن نقول أن لدينا  سليم (حنحن) ست روايات مطبوعة: (الحلم المزدوج) 2004 لبنان، (تراتيل عزاء البحر) 2007 لبنان، (سادينا) 2007 لبنان، (الحافيات) 2008 أزمنة الأردن، (قلوب لمدن قلقة) 2011 دار  شمس القاهرة، (ربيع المسافات) 2012 دار  شمس القاهرة.

أعمال تنتظر الطباعة: (دائما  معا) رواية، (القضاء والقدر) مسرحية، (هناك) مسرحية، (اللوحة الخالدة) مجموعة قصصية. ناهيك عن أعمال وروايات أخرى لم تكتمل بعد، وكل هذا الزخم الكتابي بدأ فقط من سنة 2002 حيث عادت دينا سليم الى الساحة الأدبية بعد انقطاع.

يمكن  الحصول على مؤلفات الكاتبة من الداخل الفلسطيني، الاتصال  بربيع خوري، مكتبة  كل شيء، يحيي عامر حرفيش. وعن طريق الانترنيت، مكتبة النيل والفرات. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق