جرافة خوف...
2011-12-03 10:50:22

السابعة وخمس وثلاثون دقيقة صباحًا. صافرة مرعبة إلى جانبي تفلق الفضاء. تنطلق من جرافة كبيرة لا تأبه بالسائرين ولا بالمسافرين على الطريق. توقفت أمامها سيارة تركبها أم مع طفلتيها. توقفت الأم بسيارتها إلى جانب الطريق فوصلت الجرافة مكشرة عن أنيابها تزمجر في الطريق الذي لا يكون إلا لها، هكذا تظن، حين تسافر إلى جانب سياراتنا الصغيرة، فارتبكت الأم الطيبة التي كادت تتلخبط، ربما، بين الدواسات، ونسيت أن "تسحب الهاندبريك" فراحت سيارتها تتراجع إلى الوراء، حتى أسعفتها غريزة البقاء أو استغاثة طفلتها، فداست مجددا على الفرامل وكبحت تدهور السيارة إلى الخلف منقذة الطلاب الذين راحوا يقطعون الشارع من خلف المركبة، ومنقذة مركبتي، التي كانت على مسافة غير بعيدة منها.
وكانت الطالبتان الغضتان تنظران من الزجاج الخلفي نحو الجرافة التي لم تتوقف عن الجعير. تحملقان خائفتين بهذا الجسم الحديدي المتثاقل الذي يزعق في وجه الطفولة البريئة والحلوة، وحين لم تكترث الجرافة الجاثمة على الاسفلت بنظراتهما، راحتا تنظران إليّ، تعبيرًا عن عجزهما المطلق أمام الجرافة الصفراء الرهيبة.
ماذا حدث لو انتظر صاحب الجرافة عدة ثوانٍ حتى يتسنى للأم إنزال ابنتيها على قارعة الطريق في طريقهما إلى المدرسة؟ إنها لم تأتِ للتسوّق بل لتنزل طفلتيها قبالة مدرستهما؟ لماذا يكون نهارهما متشحًا بالسواد الغامق والقاتم في هذه الساعة المبكرة من الصباح خوفًا من تهوّرك وعدم مراعاتك؟ لماذا نخيف الطفولة طالما نستطيع أن نفرشها بالحب والخير والعطاء؟
مهلًا، أعزائي السائقين، قد يؤخركم موقف ما ثواني، أو أكثر، غير أنكم، بعصبية متشنجة وبأصوات الزمامير التي تنطلق كفحيح البوم في ساعة صباحية مشبعة بالحركة والنشاط قد تنهبون الفرح من قلوب الصغار.. والكبار. (بيني وبينكم: أنا أيضا أرعبني صفير الجرافة)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق