نظرة في مثل أهل الدنيا وأهلها كمثل أهل سفينة ألقتهم الريح إلى جزيرة (الجزء 2/1)!!!
2011-10-20 21:08:28

منير  فرّو

بما أننا اقتربنا من عيد  الأضحى والأيام العشر، تلك الأيام المباركة،  فيها يتقرب المؤمنون من الخالق بالصلوات والدعوات والاستغفار،  وأيضا تتم في هذه  الأيام مناسك الحج في بيت الله الحرام،  والطواف حول البيت  العتيق بلباس الإحرام، ملتفين في أطمار كأنها أكفان الموتى في يوم يخرجون من الأجداث، متعرضين لمراحم من نطق بلسان الحكمة، حرمه وحله، والمعبود الذي إليه يرجع الأمر كله، وأيضا التلبية وتنتهي بالوقوف في جبل عرفة، حيث تنحر الذبائح وتوزع على المحتاجين، ويجزي الله المحسنين، فحجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وعيدا مباركا مسرورا.

اعلموا  هداني المولى وإياكم، وأرشدني إلى طاعته وكفاني وكفاكم،  ونزع من قلوبنا حب الدنيا وكلاني وكلاكم، فهو نعم المولى ونعم المعين النصير على إبليس والدنيا والنفس والهوى ألد أعدائي واعداكم وبعد :

 قال تعالى : " ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، هذا برهان واضح على سبب خلق الله لهذا الكون وهو العبادة له تعالى دون غيره، وان الإنسان هو المقصود في هذه العبادة دون غيره، لان الله خصه بالعقل والروح والشكل والنطق والعلم والتعليم دون سائر المخلوقات، والعاقل من يعمل بمراد الله، ولا يشتغل عن ذكره بسواه،

وقد سأل احدهم حكيما  أراد هدايته إلى الدين  وطلب الآخرة والزهد في الدنيا : "أرأيت هذا الأمر الذي تدعوني إليه، أهو شيء نظر الناس فيه بعقولهم واختاروه على ما سواه أم له اصل غير ذلك ؟

  فأجاب الحكيم : "هذا الأمر اجل وأعظم واغرب من أن يكون من أمر أهل الأرض أو برأيهم يدبرونه، ولو كان من عقل أهل الأرض ورأيهم لدعاهم إلى نعيمها وعمارتها، من أكلها وشربها وعيشها وزينتها ونكاحها ولباسها وعملها وشهواتها ولهوها وطربها ( كما تفعل العلمانية الرأسمالية التي تدعو إلى الحرية الإباحية، محللة ما حرمته الأديان مموهة على الناس بأنها تدعو إلى سعادتهم، فأفقدتهم الأبوة والأمومة والبنوة والسعادة الأسرية، ودبت بهم الطمع والجشع، واغمستهم بالشهوات والاباحات، حتى أعمت أبصارهم وبصائرهم، وأبعدتهم عن الحياة الروحية، فلم يعودوا يرون الحقيقة جلية لغلبة الران على القلوب)،

ولكنه أمر غريب فيها مخالف  وهي دعوة من الله تعالى نور ساطع وهدى مستقيم ناقض على  أهل الدنيا أعمالهم  ولذاتهم وشهواتهم، كما قال يسوع المسيح –ع-: " إن النور جاء إلى العالم فأحب الناس الظلام بدلا من النور لأنهم يعملون الشر"، فالحق جاء من عند الله عز وجل، والله دعا العباد إليه، فقبله قوم بحقه وصدقه وشروطه، وقبله قوم ولم يكن لهم إليه عزيمة، ولا على العمل به ضمير، فضيعوه واستثقلوه، كقوله تعالى : " آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضِهِ الآخر " .

  فالله جل وعلا خلق الدنيا وعرّف الإنسان سوءاتها ومنافعها، ووعد بالآخرة وخوّف من عقابها، وشوّق بثوابها، وحذر من الشيطان وقال : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا".

  والعاقل من جعل الدنيا دار ممر، لا دار مقر، ودار عبور وانتظار، لا دار خلود واعمار، وعاش فيها كعابر سبيل، مرتقبا الرحيل، فأخذ من دنياه ما ينفعه في أخراه، فعلم أن الدنيا ساعة، فجعلها طاعة، وعلم ان النفس أمارة فعوّدها القناعة، فأخذ من الدنيا ما يسد الجوعة ويسد الضمأ ويستر العورة، وأخذ من النساء الصالحة منهن لتعينه في أمر الله وطاعته وقضاء حوائج المؤمنين في معايدة مرضاهم وإجابة دعواتهم ولم شملهم ومشاركتهم مسراتهم ومضراتهم وأفراحهم وأتراحهم، لا أن تكلفه ما لا يطيق لانه قيل : تعس عبد الزوجة"، وقال تعالى : " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع، واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا "، بمعنى أن الله تعالى جعل الرجال موكلين على تأديب النساء يقومون اعوجاجهن بما خص الله الرجال بالعقل والدين والولاية، ويصونهن من الفتنة، لان النساء يفتتن بحب الدنيا وزينتها والمال وعلى الرجال ان يحدوا لهن من هذه الفتنة فلا يعطوهن كل ما يرغبن به، ولا يحرمهن من كل شيء فينقلبن عليهم، وجاز لهم ضربهن إذا عصين أمرهم، فالهيبة للرجال على النساء حتى يضبطن أنفسهن وإلا قتلتهن الفتنة والحيرة، ولكن الضرب يكون غير مبرحا بحيث لا يكسروا لهن عضوا ولا يهمشوا لهن الوجه، فالمرأة تطيع الرجل والرجل يصون المرأة ويرعاها، وإذا انعكس الأمر دب الهلاك بالبشرية كما اليوم لان الرجال محكومون للنساء بدون لا لم ولا كيف، فإذا أراد الله فساد مملكة جعل ولايتها بيد امرأة، لان المرأة لا تصلح لسياسة المجتمع، لان مسؤوليتها الاعتناء بالأولاد وشؤون البيت، فهي تعمل بالعاطفة والأحاسيس ولا يمكنها إدارة جيش أو أحكام وقضاء ومؤسسات الخ فالخالق جعل لكل من الذكر والأنثى وظيفة تلائمه وتجعل له فيها مكانا مرموقا، فالمرأة تمتدح على أنها " ست بيت " والرجل على انه "صاحب مسؤولية"، فلعنة الله وقعت على كل من يتعدى طوره من زوجة وولد ووالد، ومن هو في العلم زائد، فهذا نظامه تعالى حتى يعترف الكل بفضله ورحمته، ويستدرجون إليه كل في مرتبته ودرجته، فهذا نبي ووصي ورسول، وإمام وخليفة وراع ومسؤول، وأب وأم وأخ وأخت، وجد وجدة، وعم وعمة، وخال وخالة وولد ومعيول،  

  ومن الأولاد القليل لئلا ينشغل هو وزوجته بهم عن ذكر الله وتأدية الفروض الملقاة، فمن قلّت أنجاله كان أنجا له، والأولاد يجب تربيتهم تربية صالحة مبنية على الدين وسبل الصالحين لا على حب الدنيا وإتباع الشياطين، كما جاء في الحديث النبوي  الشريف: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"،

 وكما جاء عن لسان الله تعالى في إحدى الصحف المنزلة على احد الأنبياء : " يا أيها الناس إنما الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له، وبها يفرح من لا يقين له، وعليها يحرص من لا توكل له، ويطلب شهواتها من لا معرفة له، فمن اخذ نعمة زائلة، وحياة منقطعة، وشهوة فانية، ظلم نفسه، وعصى ربه، ونسي آخرته، وغرّته حياته، فمن قنع استغنى، ومن رضي بالقليل من الدنيا فقد وثق بالله عز وجل، من أصبح حريصا على الدنيا لم يزدد من الله إلا بعدا، وفي الآخرة إلا جهدا، والزم الله قلبه هما لا ينقطع أبدا، وفقرا لا ينال غناه أبدا، وأملا لا ينال مناه أبدا"،

 وقال بعض الصالحين : "عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يجمع المال؟ وعجبت لمن أيقن بالقبر كيف يضحك؟ وعجبت لمن أيقن بزوال الدنيا كيف يطمئن إليها؟ وعجبت لمن أيقن ببقاء الآخرة ونعيمها كيف يستريح ؟ وعجبت لمن هو عالم باللسان وجاهل بالقلب؟ وعجبت لمن هو مطهر بالماء وغير طاهر بالقلب؟  وعجبت لمن اشتعل بعيوب الناس وهو غافل عن عيوب نفسه؟ وعجبت لمن يعلم أن الله تعالى مطلع عليه كيف يعصيه؟ وعجبت لمن يعلم انه يموت وحده ويدخل القبر وحده ويحاسب وحده كيف يستأنس بالناس؟"،

 وقال داوود النبي عليه السلام : " ما مثل الدنيا مع الآخرة إلا كمثل قطرة طارت من سبعة أبحر في صحاري رمل "،

 وقال التنوخي جمال الدين عبدالله الملقب بـ "السيد" من السيادة والسؤدد قدس الله سره : " واعلموا إن الدنيا ميدان، والأجسام خيل، والنفوس فرسان، والسباق هو إلى الله، فمن أراد عز الدين والدنيا معا، كان هو والكافر سوا، فالعالم اشر مكانا للحق والدين، واكبر أعوانا للشيطان الغوي المهين، فلا راحة في الآخرة لمن تعجل الراحة في الدنيا، ولا حظ للنفوس في النعيم لمن اثر حظ الأجسام في دار الفنا، ومن لم يترك في الدنيا ما يحب، لم يبلغ في الآخرة إلى ارب، فلا جعل الله للعبد جنتين، ولا قدّر له براحتين، ولا حكم له بنعيمين، فنعيم الآخرة ينال بالصبر والاحتمال، وعذابها يُطال على أهل التعدي والضلال، فالأولى بكم أن تصرفوا العناية إلى ما أنتم به مطالبون، وعنه مسؤولون، وعلى تركه معاقبون، وعلى العمل به مثابون، وأجل الناس من كان مشغول بما هو عنه مسؤول "،

 وقيل : مر المسيح عليه السلام برجل نائم قال له: قم وتعبد قال: يا روح الله قد تعبدت قال: وما تعبدت قال: تركت الدنيا لأهلها فقال: نم فقد فقت على المتعبدين .

فالدنيا أساس كل خطيئة، ومحبتها والانشغال بها تعمي البصائر والأبصار، وتورد إلى الهلكة والبوار، والمتعلق بها مصيره في الآخرة إلى النار، فكما انه لأجسامنا أرواح تحيا بها، كذلك لأرواحنا أرواح تحيا بها وهي الإيمان بالخالق، فغذاء الروح هو أهم من غذاء الجسد، والجسد فاني والروح هي الباقية، فمن كان دأبه المبالغة في حظ جسمه على التوفر والأكل والشرب واللبس والنوم والنكاح، كان نصيبه من الدنيا تربية جسده، لذلك الروح هي الجوهر يلمع بريقها كلما تجوهرت بالإيمان كما أن الجواهر واليواقيت  من المعادن هي التي تسحر الأنظار وتجذبها إليها، فصارت ذات قيمة عالية لمنظرها وخواصها.

  وهنا لا بد من أن أضرب مثلا ضربه الحكيم اليوناني ذي يوجانس في مثل أهل الدنيا وأهلها: يتبع ...يتبع ... يتبع ...


نظرة  في مثل أهل الدنيا وأهلها كمثل أهل سفينة ألقتهم الريح إلى جزيرة (الجزء 2/2)!!!
 

منير  فرّو

بما أننا اقتربنا من عيد  الأضحى والأيام العشر، تلك الأيام المباركة،  فيها يتقرب المؤمنون من الخالق بالصلوات والدعوات والاستغفار،  وأيضا تتم في هذه  الأيام مناسك الحج في بيت الله الحرام،  والطواف حول البيت  العتيق بلباس الإحرام، ملتفين في أطمار كأنها أكفان الموتى في يوم يخرجون من الأجداث، متعرضين لمراحم من نطق بلسان الحكمة، حرمه وحله، والمعبود الذي إليه يرجع الأمر كله، وأيضا التلبية وتنتهي بالوقوف في جبل عرفة، حيث تنحر الذبائح وتوزع على المحتاجين، ويجزي الله المحسنين، فحجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وعيدا مباركا مسرورا.

اعلموا  هداني المولى وإياكم،  وأرشدني إلى طاعته  وكفاني وكفاكم،  ونزع من قلوبنا حب الدنيا وكلاني وكلاكم، فهو  نعم المولى ونعم المعين النصير على إبليس  والدنيا والنفس والهوى ألد أعدائي واعداكم  وبعد :

يقول  الحكيم أن مثل أهل الدنيا وأهلها كمثل أهل سفينة ألقتهم الريح إلى جزيرة في البحر، فيها معادن الجواهر كلها، من الياقوت والزمرد والزبرجد والبلور والمرجان والدّرّ واللؤلؤ، وما دون ذلك إلى العقيق، ثم بعد ذلك زلف وحجارة لا قيمة لها، وفيها أنهار وبساتين وحمى للملك، وقد حدّد له حدودا،  وأحاط عليه حائطا، وفيه خزائن للملك، وآماء وولدان، فنزل أهل السفينة في الجزيرة، وقيل لهم: " إن مقامكم بها يوما وليلة، فاغتنموا مدتكم القصيرة فيما أمكنكم من أخذ هذه الجواهر"،

  فأما الحازمون فجعلوا يتنقون من تلك الجواهر ويحملونها إلى مخازنهم في السفينة، ويجدّون ويجتهدون، فإذا تعبوا تذكروا قدر تلك الجواهر التي يُحصلونها وقيمتها، وقلة مقامهم في الجزيرة، وأنهم عن قليل راحلون منها، فرفضوا الراحة، وتركوا الدعة، واقبلوا على الجد والاجتهاد، وان عرض لهم النوم تذكروا ذلك فيذهب عنهم لذيذ النوم والكرى، كقوله تعالى : " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون"، وامتثلوا بقوله تعالى:  "عند الصباح يحمد القوم السّرى"،

وأما  آخرون أخذوا من الجواهر شيئا واستراحوا في وقت الراحة، وناموا وقت النوم،

وأما  الفرقة الثالثة فلم تتعرض للجواهر أصلا، وآثروا النوم والراحة والتفرج، ومنهم قوم أقبلوا على بناء المساكن والقصور والدور، وقوم أقبلوا على النزهات، وتشاغلوا باللذات، ( كما اليوم مجتمعنا يعمل، يقصد الفنادق في كل أنحاء العالم للترفيه والتبذير وطلب الفاني) وسماع الحكايات،

وأما  الفرقة الرابعة عدلوا إلى حمى الملك، فطافوا به فلم يجدوا له بابا، ففتحوا فيه ثلمة، واقتحموا خزائن الملك، وكسّروا أبوابها، وانتهبوا منها، وعبثوا بجوار الملك والولدان، وقالوا: ليس لنا دار غير هذه الدار(كما يقول البعض اليوم هذه هي جنة ولا جنة غيرها فاهتموا بالآجل وتعاموا عن الآجل)،

  وأقاموا على مثل  ذلك حتى ذهبت  مدة المقام، ودقت طبول الرحيل، ونودي بالتحويل، والحث على التعجيل.

فأما  الذين حصلوا على  الجواهر فرحلوا مغتبطين ببضائعهم، لا يأسون على المقام إلا للازدياد مما كانوا فيه .

وأما  الفرقة الثانية فاشتد جزعهم لعدم استبضاعهم، وكثرة تفريطهم، وقلة زادهم، وتركهم ما عمّروا، وارتحالهم إلى ما أخربوا.

وأما  الفرقة الثالثة فكانوا أشد جزعا، وأعظم مصيبة، وقيل لهم:  لا ندعكم حتى نحمّلكم ما أخرجتموه من خزائن الملك في أعناقكم، فارتحلوا على هذه الصفة حتى وردوا مدينة الملك العظمى، فنودي في المدينة أنه قدم قوم كانوا في معادن الجواهر، فتلقاهم الملك وجنوده، واستبشروا لهم، وقيل لهم: أعرضوا بضائعكم على الملك، فأما أهل الجواهر فعُرضت بضائعهم على الملك فحمدهم، وقال لهم: أنتم خاصتي، وأهل مجالستي، ومحبتي ولكم، ما شئتم من كرامتي، وجعلهم ملوكا على ما شاؤا، وان سألوا اُعطوا،  وان شفعوا شُفـّعوا، وان أرادوا شيئا كان، وقال لهم: خذوا ما شئتم، واحتكموا ما أردتم، فاخذوا القصور والدور، وركبوا المراكب، وساروا بين أيديهم الولدان والجنود، وصاروا ملوكا ينزلون جوار الملك .

وأما الفرقة الثانية فقيل لهم: أين بضائعكم؟ فقالوا: ما لنا بضائع! قيل لهم: ويلكم أما كنتم في معادن الجواهر؟ أما كنتم انتم وهؤلاء الذين صاروا ملوكا في موضع واحد؟ قالوا: بلا، ولكننا آثرنا الدعة والنوم، 

وقال  بعضهم: اشتغلنا ببناء الدور والمساكن، وقال آخرون: اشتغلنا بجمع الزلف والشقف،  فقيل لهم:

 تبا لكم، أما علمتم قلة مقامكم ونفاسة الجواهر التي عندكم؟

  أما علمتم أن تلك الدار ليست بدار مقام؟

  أما يقظكم اليقاظ؟

  أما وعظكم الوعاظ؟

  قالوا: بلا، والله قد علمنا فتجاهلنا، واوقظنا فتناومنا، وسمعنا فتصاممنا، فقيل لهم: تبا لكم إلى آخر الدهر، فعضوا أيديهم ندما، وبكوا على التفريط بعد الدموع دما، وبقوا آسفين متحيرين، كما قال تعالى :" ويوم يعض الظالم على يديه يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا• يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا• لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني• وكان الشيطان للإنسان خذولا"،

وأما الفرقة الثالثة فجاؤا يحملون أوزارهم على ظهورهم، بائسين، منكسين، حيارى، سكارى، قد زل بهم القدم، وحل بهم الندم، ونزل بهم الألم، وافتضحوا عند جميع الأمم،  فأبعدهم الملك عن داره، وطردهم عن جواره، فان صبروا فالنار مثواهم، وان استغفروا فالجحيم مأواهم،

إخواني هذا مثل الدنيا وأهلها، وزمن المقام فيها، وان الجواهر واليواقيت والزمرد والزبرجد والبلور والمرجان والدّرّ واللؤلؤ هي مثل الدين وجوهره الثمين، وسعادة المؤمن به، ورغبته في طلبه، وتكلفه العناء من اجله،والعمل الصالح لكونه هو الجوهر، والدنيا هي الصدف، وهل يستوي الصدف والحجر بالجوهر؟

  وان مثل الزلف والحجارة مثل الدنيا الفانية التي لا تساوي شيء،يراها الناس شيئا وهي لا شيء، فهي دار غرور وخداع وزينة وشقاء للعبد من الهموم والأحزان والمصائب والأوجاع والحسد والبغض والخلاف والطمع والجشع، فصاحبها لا ينال منها طائل، ولا يحصل منها على راحة، بل دائما تجعله مسرعا في طلبها دون أن ينال منها بسعادة بل سعادتها زمنية ما تلبث حتى تتلاشى ثم يتبعها الم وحسرة وتأفف ومقت وكدر،

  وان الذين اشتغلوا بالجواهر هم أهل البصائر الذين عرفوا حقيقة الدين ومحله ومراد الله، فانشغلوا بالثمين الباقي، عن الباخس الفاني،

  وان الذين اشتغلوا بالزلف والحجارة والدور والسكن، أولئك التي اشغلتهم الدنيا الفانية عن الدار الباقية فطمست بصائرهم حتى اعمتها.

  وان مثل الملك هو الله القدوس، المالك والعادل والمعز والمذل والمحاسب والمجازي، الوارث لعباده الصالحين الأرض وما عليها ، والمعاقب للأشرار ما  سوء أعمالهم وادخالهم النار .

  إخواني  اعلموا أنكم عن قريب لمسؤولون، وعلى ربكم لتعرضون، وعن شروط الدين مطالبون، فاستيقظوا من نومتكم، واقلعوا عن سهوتكم، قبل أن يحل بكم الندم وتزل بكم القدم فلا توبة تنفعكم بعد ولا شفاعة من احد، ويجازى كل إنسان بكل ما عمله وبه اعتقد،

 وهذا المثل يطابق قول يسوع المسيح عليه السلام في الإنجيل المقدس بقوله :

"فاسهروا إذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان، وكأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلمهم أمواله . فأعطى واحدا خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة .كل واحد على قدر طاقته .وسافر للوقت . فمضى الذي اخذ الخمس وزنات وتاجر بها فربح خمس وزنات أخر . وهكذا الذي اخذ الوزنتين ربح أيضا وزنتين أخريين . وأما الذي اخذ الوزنة فمضى وحفر في الأرض وأخفى فضة سيده . وبعد زمان طويل أتى سيد أولئك العبيد وحاسبهم . فجاء الذي اخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أخر قائلا يا سيد خمس وزنات سلمتني .هوذا خمس وزنات أخر ربحتها فوقها . فقال له سيده نعمّا أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير .ادخل إلى فرح سيدك . ثم جاء الذي اخذ الوزنتين وقال يا سيد وزنتين سلمتني .هوذا وزنتان أخريان ربحتهما فوقهما . قال له سيده نعمّا أيها العبد الصالح والأمين .كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير .ادخل إلى فرح سيدك . ثم جاء أيضا الذي اخذ الوزنة الواحدة وقال .يا سيد عرفت انك إنسان قاس تحصد حيث لم تزرع وتجمع حيث لم تبذر . فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض .هوذا الذي لك . فأجاب سيده وقال له أيها العبد الشرير والكسلان عرفت إني احصد حيث لم ازرع واجمع من حيث لم ابذر . فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة .فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع ربا . فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي له العشر وزنات . لان كل من له يعطى فيزداد ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه . والعبد البطال اطرحوه إلى الظلمة الخارجية .هناك يكون البكاء وصرير الأسنان،

 ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميّز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار . ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم .

جعلنا الله وإياكم من أهل اليمين "أهل الجنة"، لا من أهل الشمال "أهل النار"، ومن الذين تبتسم لهم الحضرة الملكوتية لا من الذين لا تعبس في وجههم والله يجزي المحسنين وكفى به حَكَما عدلا .  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق