نظــرة في عظيم ما خلق الله ومن اهتدى بهديه وهداه !!!
2011-10-11 11:09:02

منير فرّو

إن مهندس الكون  وصانعه  الذي هو الله  سبحانه، قد  جاد وأنعم علينا بعظيم صنعته، وبالغ قدرته، وتمام مشيئته، ومحكم إرادته، وواسع رحمته، وحسن هدايته، وفسيح حكمته، خلق المخلوقات، وأبدع المبدعات، من لا وجود إلى وجود، ومن لا شيء إلى شيء، وخلقنا نحن الآدميين على أحسن تقويم، وتمام تنظيم، ثم صورنا بالأجساد، ثم نفخ فينا الروح، وجعلنا صورا، ناطقة، متحركة، مُخيّرين لا مُسيّرين إلا بما شاء، ثم هدانا إلى صراطه المستقيم، وعرفنا حقيقة الوجود برشده وهدايته وفضله العميم، وبوسائطه الملائكة والرسل الميامين، أهل الرضى والتسليم،  وجعل علينا سننا وشرائع وقوانين، وفرائض دينية وواجبات ومتاعا ورزقا دون سائر مخلوقاته، من كل كائن حي، حيوان ونبات أو جامد لا روح فيه، كأفلاك ومعدن وتراب وهواء وماء، فصار لنا ما لنا، وعلينا ما علينا، من فعل الخيرات والحسنات والشرور والسيئات، وحكم لنا أن تكون "الحسنة بعشرة أمثالها والسيئة بمثلها"، قال تعالى : " فمن يعمل مثقال ذرة خير يره، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره"، ميزان صدق وقسطاط عدل وحاكم عادل لا يظلم مثقال ذرة خردل.

 وبعد  أن خيرنا في العبادات وحكم علينا بالحساب العاجل والآجل، جعلنا في ملكوته مراقبين، وما نلفظ من قول ونلحظ من فكر ونعمل بنية  إلا  وهو مطلع عليها دائم الأوقات، لا تأخذه سنة ولا نوم ولا غفلة ولا شوم، بل كما قال تعالى في آية الكرسي وآيتين بعدها : " الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي، لا انفصام لها والله سميع عليم الله، ولي الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلي الظلمات، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".

فالله سبحانه خلق الإنسان من أعضاء وهي الجوارح السبعة: اللسان والعين والأذن واليد والرجل والبطن والفرج، وجعله بها يجترح الخير والشر، فما عمله من خير له وما عمله من شر فعليه، وجعل أعمال الإنسان مردودة إليه، يحاسبه عليها في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فكل ما يصيب الإنسان في حياة الدنيا من مصائب من موت الأولاد وتقتير عيش وأمراض وعداوات وتسليط أناس عليه  أو سلاطين ظالمة فهو بسبب اجتراحه السيئات واستعمال الجوارح السبعة لغير ما خلقها الله له، لذلك الإنسان يجب أن يعترف ويقر بان  كل ما يأتيه من خير أو شر فهو جزاء أعماله، وعليه أن لا يتسخط بما جلب له القدر، بل يرضى بكل شيء يأتيه ويُسلـّم جميع أموره لخالقه  ويقر بان الخالق عادل لا يجور ولا يكلف نفسا إلا وسعها .

لقد خلق تعالى الإنسان من أعضاء ولكل عضو من أعضاءه جعل كمالا وهذا الكمال مقرونا بطاعة ومحبة الله طاعة كلية ومحبة كلية، وان لم يحصل له ذاك الكمال فيصيبه القلق والاضطراب ويعيش في عذاب.

فكمال العين الإبصار وهي للاعتبار بقدرة الخالق والاستدلال بها في الظلمات واستعمالها في حاجة الإنسان وقضاء حقوق المؤمنين وغضها عن كل ما هو محرم،

وكمال الإذن السمع، سمع ذكر الله وتجنب مساويء الناس.

 وكمال اليد تناول الحلال والصنعة للمعاش ومساعدة المحتاجين.

وكمال الرجل السعي إلى بيوت العبادة وقضاء حاجات المؤمنين من عيادة المرضى ومشاركة الأفراح والأتراح والمعاضدة.

وكمال البطن أكل الحلال دون الشبع.

وكمال الفرج صونه من الزنا وإبقاء النسل البشري.

 وكمال اللسان النطق والذوق وهو نطق الخير وتلاوة كتاب الله وتذوق كلام الخير وعدم الهذر والهذيان وغيبة الناس ونقل النميمة وذكر مساويء الناس، واللسان هو ترجمان القلب والقلب هو مولى الجوارح السبعة إذا صلح صلحت وإذا خبث خبثت، وأحب القلوب إلى الله القلوب الرقيقة الصافية الذي يرى الحق من الباطل بصفاته، ويقبله ويؤثره برقته، ويحفظ ويحارب عدوه بصلابته،  فهو كالآنية الزجاجية التي تتميز برقتها وصلابتها وصفاها.

  إن النطق والكلام وعلم البيان والشكل والنظام هو الذي ميز الله به الإنسان عن الحيوان الصامت، فبالنطق يعبر الإنسان به عما يجول في خاطره مالا يقدر عليه الحيوان، والنطق ليس هو بآلة اللسان فقط بل هو في جميع الحواس، وهو أفضل الحواس الخمسة لأنه المعبر عنهم، فاليد تقول لمن قابلها : تعالي بغير نطق مسموع، والعين أيضا، والإنسان يتحدث مع صاحبه ويناجيه بالتبسم واللحظ والحركة اللطيفة بجميع حواسه، لذلك قال تعالى : "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ".

 ولما علم الله مدى خطورة اللسان وما يترجم عن القلب، جعله في حصن حصين، الأسنان أمامه، والشفتان من وراء ذلك، واللهاة مطبقة عليه، والقلب من وراء ذلك، وسجنه بطول صمته عن الكلام،كما جعل تعالى للعين جفنين رقيقين يغمضهما بسرعة حتى يحجب نظره عن المحارم وتصان العين من ضرر الأشياء الصغيرة، لذلك جعلها الله لا إرادية لا تغمض إلا عند الراحة.

 وعن نطق اللسان يقول تعالى‏:‏ " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا"، وعن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم :" وهل يكب الناس يوم القيامة على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم " ، لأنه ما من شيء أعظم من اللسان يأتي بالدمار ويخرب الديار ويجر البلاء.

إن  من المؤمنين من عرف مدى خطورة اللسان، وانه يكب صاحبه في النيران، إذا ما استعمله في الهذر والهذيان، فلجمه كما يلجم الحصان، حتى جعله يطاوعه كما جاء في رسالة يعقوب في الإنجيل : " لا تكونوا معلمين كثيرين، يا إخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم،  لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا، إن كان احد لا يعثر في الكلام، فذاك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضا،  هوذا الخيل نضع اللجم في أفواهها لكي تطاوعنا فندير جسمها كله،  هوذا السفن أيضا وهي عظيمة بهذا المقدار وتسوقها رياح عاصفة تديرها دفة صغيرة جدا إلى حيثما شاء قصد المدير، هكذا اللسان أيضا هو عضو صغير و يفتخر متعظما، هوذا نار قليلة أي وقود تحرق،  فاللسان نار عالم الإثم، هكذا جعل في أعضائنا اللسان الذي يدنس الجسم كله و يضرم دائرة الكون و يضرم من جهنم،  لان كل طبع للوحوش و الطيور و الزحافات و البحريات يذلل و قد تذلل للطبع البشري و أما اللسان فلا يستطيع احد من الناس أن يذلله، هو شر لا يضبط مملو سما مميتا،  به نبارك الله الأب و به نلعن الناس الذين قد تكوّنوا على شبه الله ، من الفم الواحد تخرج بركة و لعنة، لا يصلح يا إخوتي أن تكون هذه الأمور هكذا،  ألعل ينبوعا ينبع من نفس عين واحدة العذب والمر، هل تقدر يا إخوتي تينة أن تصنع زيتونا أو كرمة تينا ولا كذلك ينبوع يصنع ماء مالحا و عذبا؟".

واليكم  هذه القصة عن بعض أصحاب الفضل  مما عرف مدى إطلاع الله على  لفظه، فقيد لفظه وحبسه عن كل ما لا يرضي الله، حتى تكلم فقط بكلام  الله، فكلما سُأل أجاب بقوله تعالى :

قال عبد الله بن المبارك: خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام

فبينما أنا في بعض الطريق إذ أنا بسَوَادٍ، فـتـَمَـيَّـزْتُ ذاك فإذا هي عجوز

عليها درع ٌ من صفوف، وخمارٌ من صوف

فقلت: السلام عليك ورحمة  الله وبركاته

فقالت:" سلامٌ قولاً من ربّ ٍ رحيم "

فقلت لها: يرحمك  الله، ما تصنعين في هذا المكان؟

قالت: "ومن يُضلل اللهُ فلا هاديَ له"

فعلمت أنها ضاله الطريق فقلت لها أين تريدين؟؟

قالت: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".

فعلمت أنها قد قضت حجتها وهي تريد بيت المقدس, فقلت لهل انت كم لك في هذا الموضع؟؟

قالت:" ثلاث ليالٍ سويّاً "

فقلت: ما أرى معك  طعامًا تأكلين

قالت: "هو يطعمني ويسقين"

فقلت: فبأي شيء تتوضئين؟

قالت: "فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيباً"

فقلت لها: إن معي طعامًا، فهل لك في الأكل؟

قالت: "ثم أتموا الصيام إلى الليل"

فقلت: ليس هذا شهر  رمضان

فقالت: "ومن تطوعَ خيرًا فإن اللهَ شاكرٌ عليم"

فقلت: قد أبيحَ لنا الإفطار في السفر

فقالت: "وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون"

فقلت: لم لا تكلمينني مثلما أكلمك؟

قالت: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"

فقلت: فمن أي الناس أنتِ؟

قالت: "ولا تـَـقـْـفُ ما ليس لك به علم إن السمعَ والبصرَ والفؤادَ كل أولئك كان عنه مسؤولا ".

فقلت: قد أخطأتُ فاجعليني في حِلٍ

قالت: "لا تثريبَ عليكم اليوم يغفر الله لكم"

فقلت: فهل لكِ أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة؟

فقالت: طوما تفعلوا من خير يعلمه الله"

فأنختُ ناقتي ........

فقالت: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"

فغضضتُ بصري عنها........

وقلت لها اركبي

فلما أرادت أن تركب نـَـفـَـرَت الناقة فمزقت ثيابها......

فقالت: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"

فقلت لها: اصبري  حتى أَعْقِلـَـها

فقالت: "ففهمناها سليمان "

فعقلتُ الناقة .......

وقلت لها : اركبي

فلما ركبت قالت: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون"

فأخذتُ بزمام الناقة وجعلت أسرع وأصيح.......

فقالت: "واقصد في مشيك واغضض من صوتك"

فجعلتُ أمشي رويدًا رويدًا وأترنم بالشعر

فقالت: "فاقرأوا ما تيسر من القرآن "

فقلت لها: لقد أوتيتِ خيرًا كثيرا

فقالت:" وما يذكر إلا أولوا الألباب"

فلما مشيتُ بها قليلاً....

قلتُ: ألكِ زوج؟

قالت: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "

فسكتُّ ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة

فقلت لها: هذه القافلة، فمن لك فيها؟

فقالت: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا "

فعلمتُ أن لها  أولادًا ......

فقلت: وما شأنهم  في الحج؟

قالت: "وعلامات وبالنجم يهتدون"

فعلمتُ أنهم أدلاء الركب فقصدتُ بها القباب والعمارات

فقلت: هذه القباب، فمن لك فيها؟

قالت: "واتخذ الله إبراهيم خليلا"، "وكلم الله موسى تكليما"K "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" .

فناديتُ: يا إبراهيم، يا موسى، يا يحيى

فإذا أنا بشبان  كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس

قالت: "فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعامًا فليأتكم برزق منه"

فمضى أحدهم فاشترى طعامًا فقدمه بين يديّ

فقالت: كلوا واشربوا  هنيئـًا بما أسلفتم في الأيام الخالية

فقلتُ: "الآن طعامكم عليّ حرام حتى تخبروني بأمرها"

فقالوا: هذه أمّـنا منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا  بالقرآن مخافة أن تزلَّ فيسخط  عليها الرحمن، فسبحان القادر على  ما يشاء

فقلتُ: ذلك فضل  الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل  العظيم.

             فلمثل ذلك فليعمل العاملون  والعاقبة الحسنى للمتقين. 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق