من واقع بني معروف "وهم لا يريدون سوى الكرامة والكبرياء فكيف لا ينتصرون" ؟
2011-05-28 19:16:39

القصة الكاملة لحرب الموحدين الدروز و جيوش إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر ...

قال تعالى: " إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون".

 إن واقع الدروز منذ أن خرجوا إلى النور كطائفة لها كيانها، مسلكها الروحي، العرفاني، الاشراقي والتوحيدي، منذ العهد الفاطمي في مصر، قبل ألف سنة، تعرض إلى محاولات إبادة وقمع من شتى الطغاة المستبدين والمستعمرين والمحتلين، ولكن بالرغم من قلة عدد الدروز، بساطة عيشهم ووداعتهم، إلا أن المعتدي كان يصطدم بقوة بأسهم وصلابة دفاعهم وشجاعتهم وتضحياتهم وطريقة قتالهم النادرة الوجود،، بالرغم من عدم وجود عندهم كليات للتدريب العسكري، بل قوتهم القتالية مغروزة فيهم  بالفطرة ومنذ النشيء الأول، كما شهد لهم الغازي الفرنسي نابليون بونابرت (1769-1821)، عندما حاول احتلال عكا، وكان قد لاقى مقاومة من الجنود الدروز البواسل، الذين كانوا يحرسون أسوار عكا، مما أفشل حملته الاستعمارية على شرقنا، وقد حاول نابليون أن يقنع الدروز من خلال الرسائل لأن يستجيبوا لمطلبه محاولا إغرائهم  بإقامة دولة درزية فرفضوا، مما جعله يتوجه إلى احتلال مصر، وقد قال فيهم : "عندما كنت محاصرا عكا قدمت علي شرذمة من الفرسان الموحدين بقيادة الشيخ عمر ظاهر ، فاندهشت لرجولتهم وعزيمتهم وإيمانهم بقضيتهم وأحسست في نفسي ميلا شديدا إليهم ، ودافعا قويا يقربني من كل فرد منهم فتمنيتهم لو كانوا فرنسيين لأقاتل بهم العالم بأسره" ،

 وأيضا ما شهد لهم احد الجنرالات الفرنسيين ويدعا "ويغان " ابان الثورة السورية بقيادة الزعيم الباسل رافع راية الأمة المغفور له سلطان باشا الأطرش بقوله :  " يمكننا القول أن الدّروز عنصر حربي لا غنى عنه لنجاح كل ثورة، فيجب إذا لإدارتهم واجتذابهم أن تنظر إليهم فرنسا بعين الحقيقة غير مغترة بالتباينات المدهشة التي تبدو في كل مكان بسوريا سواء في الطبيعة أو في الناس ... وأتعجب كجندي بشجاعتهم التي لا تقمع وبجسارتهم في المعارك ..." ،

وأيضا أدلى الكابيتان الفرنسي "بورون" بشهادته للدروز قائلا : " فحسبنا أن نجاهر بالحقيقة هي رائدنا فنقول: " إن الدرزي بشجاعته أو ببراعته في ساحة الحرب يوازي أحسن جندي أوروبي، ولسنا نعمد إلى الثناء على فروسية الدروز لنبيّن فضلنا في الانتصار عليهم، بل إننا مرغمون على إعطائهم حقهم من المدح والإطناب لنكون من المنصفين، فمعدات الدروز وهجماتهم المتتابعة واستبسالهم وثباتهم في وجه عيارات البنادق وقنابل المدافع وقذائف الطيارات تجعل منهم خصما عنيدا جبارا ومقاوما لا تلين قناته"،

وهذا الإطراء غيض من فيض، لأنه على مر التاريخ شهد الغزاة للدروز بالرغم من هزيمتهم النكراء أمامهم، ببطولاتهم المثالية، وعزيمتهم الخالصة، وعفتهم عند المقدرة، وشرفهم، وعدم تعديهم على الأعراض،

 فالدروز  لم يكونوا قط معتدين، بل دائما وقفوا مدافعين، وذلك بعد أن بلغ ظلم المعتدي عليهم الزبى وحاول المساس بعرضهم ودينهم وأرضهم، فما أعطوه الفرصة بان يحصل على مأموله، حتى قصموه بضربة العزة والكرامة، وجعلوه ذليلا بعد أن كان جبارا عتيا، لذلك فكيف لا ينصرهم الله  وهم من قاتل من اجل العزة والكرامة وحفظ الأرض والعرض والدين؟ وكما شهد لهم أمير الشعراء في قصيدته "دمشق" :

             وما كان الدروز قبيل شر     وان اخذوا بما لا يستحقوا

            ولكنهم ذادة وقراة ضيف     كينبوع الصفا خشنوا ورقوا

   

إبراهيم باشا

إبراهيم باشا (1789 - 10 نوفمبر 1848) قائد عسكري مصري، هو الابن الأكبر (أو المتبنى) لمحمد علي، والي مصر. نصب كقائم على العرش نيابة عن أبيه من يوليو حتى 10 نوفمبر 1848. قاد حملة عسكرية على وسط الجزيرة العربية وقضى على الدولة السعودية الأولى.

مولده ونشأته

ولد إبراهيم باشا عام 1789م ولد إبراهيم فى قولة - إقليم روملي في اليونان ويقال أن محمد علي تبناه. (1204 هـ - 1265 هـ = 1789 - 1848م)، كان عضد أبيه القوي وساعده الأشد في جميع مشروعاته، كان باسلا مقداما في الحرب، لا يتهيب الموت، وقائدا محنكا لا تفوته صغيرة ولا كبيرة من فنون الحرب.

مسيرته وانجازاته

حين تولى محمد على حكم مصر استدعى ابنه إبراهيم من اسطنبول وأعطاه إدارة مالية مصر. ثم أرسله إلى الصعيد لإخماد تمرد المماليك والبدو.

عينه والده قائدا للحملة المصرية ضد الوهابيين (1816-1819م). في الحجاز أظهر إبراهيم سلوكاً حميداً جذب الأهالي له. فاخمد ثورتهم وقضى على حكمهم، وأسر أميرهم وأرسله لأبيه في القاهرة، فأرسله محمد علي إلى الأستانة، فطافوا به في أسواقها ثلاثة أيام ثم قتلوه، فنال إبراهيم باشا من السلطان مكافأة سنية وسمي واليا على مكة، ونال أبوه محمد علي لقب خان الذي لم يحظ به سواه رجل من رجال الدولة غير حاكم القرم.

ثم عين قائدا للجيش المصري ضد ثورة اليونانيين الذين خرجوا على تركيا للظفر بالاستقلال، فانتزع إبراهيم معاقلهم وأخمد ثورتهم (1825-1828). ولكن نزول الجنود الفرنسيين بالمورة أكرهه على الجلاء عن اليونان. وحين طمع محمد علي في ممتلكات السلطة العثمانية بالشام أنفذه مع جيش مصري قوي ففتح فلسطين والشام وعبر جبال طوروس حتى وصل إلى كوتاهية (1832-1833) وحينما تجدد القتال 1839 بين المصريين والأتراك انتصر إبراهيم في معركة نصيبين الفاصلة (يونيه 1839)، ولكن الدول الأوروبية حرمته من فتوحه وأكرهته على الجلاء عن جميع الجهات التي كان قد فتحها.

عين إبراهيم باشا 1848 نائبا عن أبيه في حكم مصر، وكان أبوه إذ ذاك لا يزال حيا، إلا أنه كان قد ضعفت قواه العقلية وأصبح لا يصلح للولاية. ولكنه توفي قبل والده في نوفمبر من العام نفسه.

ابراهيم باشا واليا على مصر

هناك تاريخين بالنسبة لتعينه والياً أو حاكما لمصر: (1) عين واليا من 2 سبتمبر 1848 إلى أن توفى في 10 نوفمبر 1848 ويعتقد أنه الابن الأكبر لمحمد على (2) وتولى حكم مصر بفرمان من الباب العالى في مارس 1848 نظرا لمرض والده. ولكنه لم يعمر أكثر من سبعة أشهر ونصف بعد ذلك وتوفى وهو لم يتجاوز الستين من عمره في نوفمبر 1848.

يعتبر إبراهيم باشا ( 1789 - 1848 م) ابن محمد على باشا من أحسن قواد الجيوش في القرن التاسع عشر، وقد حارب وانتصر في العربية والسودان واليونان وتركيا وسوريا وفلسطين. قام بتدريب الجيش في مصر طبقاً للنظم الأوربية الحديثة أثناء حكمة عدة سنين في سوريا (1831 م - 1841 م) وقاد الجيش المصرى الذي قمع ثوار اليونان الخارجين على تركيا - قاد جيشاً مصريا فتح فلسطين والشام وعبر جبال طوروس 1832-1833. بين سنة 1816 م - 1818 م قاد جيش مصر ضد تمرد قبائل الوهابيين في الجزيرة العربية وقد حطمهم كقوة سياسية. فيما بين سنة 1821 - 1822 ذهب إلى السودان ليقمع تمرد.

الحلقة الأولى

بعد أن كسرت جيوش محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم باشا الجيوش العثمانية و احتلال سورية تقرب المصريين من الشعب السوري بشكل كبير و توطد الأمن لفترة وجيزة

ثم تعاظمت الأخطار على محمد علي فطلب من ابنه جمع المجندين من سورية و ما أن عمم الأمر على الناس حتى نشبت المناوشاة في كل المناطق السورية و هاجر الكثيرين من سكان شمال سورية إلى تركيا و العراق.

قرر أعيان الجبل أن ذاك1832 اخذ سريرة العقل و أرسلوا وفدا" إلى الوالي شرح فيه أن موقف الجبل يختلف عن باقي المناطق لأنهم مقيمون في صدر البادية و يحمون أنفسهم بقوة ذراعهم بينما تقوم الحكومة بهذا في سائر أنحاء سوريا و تكليف شبابهم بالخدمة العسكرية بعيدا" عن جبلهم سيجعل عربان البادية يسرحون و يمرحون و كان عدد المقاتلين الدروز في ذلك الوقت لا يتجاوز ١٦٠٠ مقاتل

ثم عرض الوفد دفع بدل نقدي عن المجنديين

عندها غضب الوالي و طرد الوفد بعد أن طلب منه تسليم المجنديين خلال عشرة أيام

غادر الوفد دمشق مستاء" متوعدا" وعند الوصول إلى السويداء دعا إلى اجتماع للأعيان تقرر فيه رفض تسليم السلاح أو المجندين

فنقلوا الأهالي و عيالهم إلى اللجاة الحصينة و أعلنوا مقاومة الحكومة المصرية.

و كان من زعماء الجبل آنذاك سيدنا الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجري و الشيخ أبو علي قسام الحناوي، حسين درويش، محمود هزيمة هنيدي، قاسم القلعاني و أبو محمود عز الدين الحلبي

الحلقة الثانية

بدأت الحرب عام ١٨٣٧ عندما هاجم بنو معروف بعض المواقع التي تخص شريف باشا و بحري بك ، فما كان من إبراهيم باشا إلا أن وجه إليهم كتيبة من أربعمائة فارس من الهوارة الأشداء في القتال بقيادة علي آغا البصيلي و باعتقاده أنها كافية لإخضاع الموحدين

فنزل البصيلي و متسلم حوران في قرية الثعلة الخالية من السكان و فاوض زعماء الجبل بهدوء بقصد خداعهم و لكن الله أرشدهم في كشف نواياه بالبطش بهم فأضمروا للبصيلي ما أضمر لهم

       يا أبا اليقظان كم صيد نجا ...... خالي البال و صياد وقع 
 


فأنقض نسور الموحدين على كتيبة الهوارة و قتلوا فرسانها عدا ثلاثين رجلا" فروا بأنفسهم و اخبروا شريف باشا بنكبتهم

فقرر إبراهيم باشا قمع الثورة بعنف ببدايتها فجهز لهم ثمانية ألاف جندي و خمسمائة فارس مجهزين بالمدافع بينما كان عدد المقاتلين من بني معروف في تلك المعركة لا يتجاوز ألف و أربعمائة مقاتل بأسلحة بسيطة

تصدى الموحدون للجيش الغازي قرب قرية بصر الحرير و بعد مناوشة قصيرة تظاهر مقاتلو الجبل بالانسحاب إلى داخل اللجاة تاركين أسلحتهم في الميدان فغنمها الجيش و اقتفى أثرهم حتى دخل مجاهل اللجاة عندها انطلقت أصوات المجاوز و النخوات و زغردت النساء مهللة بالقتال فانقض بنو معروف على الجيش انقضاض النسر على الفريسة و اعملوا السلاح بالجنود حتى تناثرت جثثهم في كل مكان و بين القتلى قائد الجيش و أميرلاي وأربعة عشر ضابطا

حتى لم يبقى بها من يصدر الأوامر و عقب ذلك حدث عراك هائل ذهبت فيه الحملة بين قتيل و أسير و هارب و استولى المقاتلون الدروز على كم ضخم من الأسلحة ساعدهم فيما بعد على الاستمرار بالقتال ..

          صفرة جرودي غربت ... قوطر يحث ركابها

          يـــــــا محمد خبر دولتك... حنا خذينا طوابها

-قال بودان قنصل فرنسا في دمشق : إن الذعر الذي كان يحدث بين صفوف الجنود إبراهيم باشا من شدة هجوم المعروفيين جعل أكثرهم يرمي سلاحه و يلوذ بالفرار

ذهل إبراهيم باشا من الهزيمة و وبخه محمد علي و

أرسل له رجل الحرب الاول عنده وزير الحربية حمد منيكلي فحضر على وجه السرعة ليثأر لأخيه قتيل الدروز و جهزوا أربعة عشر ألف مقاتل .

الحلقة الثالثة

أربعة عشر ألف من المشاة و الخيالة بدأوا الزحف في شهر شباط على اللجاة من قرية تبنة و عندما تجاوزوا قرية جدل شرقا" بدأت طلائع الموحدين تظهر أمامهم كالذئاب الكاسرة تناوشهم القتال فتصطاد عددا" من الجنود ثم تختفي في أعماق اللجاة

تبعهم الجيش مستهينا" بهم نظرا" لضخامة العدد و العدة و تعقبهم حتى توسط اللجاة عندها تجمع المقاتلين الدروز و صمدوا بوجه الجيش ممطرينه بالنيران

تخلخلت مقدمة الجيش إلا أن وجود شريف باشا و احمد منيكلي وزير الحربية و البصيلي ساعد في تنسيق الجيش مرة أخرى فحملوا على الدروز ثلاث حملات شرسة صمد لها المقاتلين الموحدين كاسرين رهجة العدد و التنظيم للجيش الغازي

فاعترى الجنود المصريين التعب عندها انطلق صوت المجاوز و صيحات النخوة العربية فإذا بالدروز يفاجئون الجيش بهجوم معاكس أسطوري و عددهم لا يتجاوز الثمانمئة مقاتل سطروا صفحة بيضاء للمجد العربي

و انقضوا على الجيش بالسلاح الأبيض و سط زخات الرصاص المصرية فصمد الجيش فترة" قصيرة ثم اخذ بالتراجع إمام الضواري و انقلب التراجع إلى هزيمة مريعة سقط أثناءها شريف باشا عن جواده مرعوبا" و كان بجواره البطل قاسم القلعاني الذي نظر إليه نظرة الذئب فما كان من البصيلي إلا أن هرع إليه و نظر لقاسم القلعاني نظرة استعطاف فأنزل قاسم رحمه الله سيفه و عفا عنه فأنقذه و هربا يجران الخزي و الهزيمة

مخلفين أسلحتهم و مدافعهم و أمير لواء و اميرلاي و قائم مقام و سبع و عشرين ضابطا" و سبعة آلاف قتيل و جريح من بين الجرحى وزير الحربية احمد منيكلي بثلاث رصاصات مات بسببها بعد عودته إلى مصر

فقال البطل الشاعر الشيخ أبو علي قسام الحناوي:

       أحمد باشا راح محمول نعشه .... وطيفور بك و مثله أوزار

كصفعة قاسية اتت هذه الهزيمة النكراء على إبراهيم باشا بعد أن هلك نصف جيشه و خيرة ضباطه و كبار قادته و وزير الحربية أرسل يستنجد بأبيه محمد علي الذي ذهل للأخبار المريعة

فقرر إبادة الدروز عن بكرة أبيهم و أرسل بطلب أقوى فرقة بجيشه و هي أربعة آلاف ألباني بقيادة حاكم كريت و ضم إليهم عشرين ألف جندي حشدهم أوائل نيسان ١٨٣٨ و تجمعوا مع كتائب إبراهيم باشا في قرية الصورة و استأجروا ١٥٠ بدويا" ليدلوهم على مسالك اللجاة

و قاد الجيش إبراهيم باشا بنفسه هذه المرة و قسم الجيش إلى أربعة فيالق توزعت على محور الهيات و المسمية و تبنة و قراصة و بصر الحرير و نجران و ريمة لمحاصرة الدروز ....

الحلقة الرابعة 

بعد إطباق الحصار بشكل كامل اندلعت الحرب من جديد و كانت المعارك أشد ضراوة من سابقاتها تكبد فيها الجيش المصري خسائر فادحة و من أشدها عنفا" معركة داما حين ادخل إبراهيم باشا الخيالة الأكراد الأقوياء إلى ارض داما و عددهم ٨٠٠ و تبعهم مع العساكر النظامية و ما أن داس الأكراد ارض داما حتى أطبق عليهم بنو معروف و كسروهم كسرة هائلة" فر من نجا منهم على أقدامه يستنجدون بالجيش النظامي الذي حاول إنقاذ من بقي منهم بالمدافع دون فائدة حتى نجا منهم ١٤ فقط فدب الرعب في قلوب الجنود النظاميين و قد سمعوا بما حل بالجيوش الأولى و أرعبهم سيط الدروز و بدأ الجنود بالفرار كلما لمحوا مقاتلا" درزيا من بعيد و تبعهم المعروفيون يهلكونهم بالبارود و السيوف و فر الجميع بمن فيهم إبراهيم باشا خارج اللجاة تاركا" خلفه الفان قتيل من الجنود و أكثر منهم من الجرحى...

ي هذه الأثناء استغل البدو عشيرة ولد علي بقيادة شيخهم ابن سمير و كعادتهم بالغدر و الجبن , استغلوا انهماك الدروز بحربهم الطاحنة و هاجموا جنوب الجبل و نهبوا قرية و قتلوا عدة نساء و شيوخ و سرقوا ما أتى أمامهم من متاع و ماشية و هربوا جنوبا" ...

وصل الخبر إلى مقاتلي اللجاة فغلى الدم في عروقهم غضبا" و نظموا خطة رائعة قاموا ليلا" كاملا" بجمع الحطب و جعلوه صفا" كثيفا" و غطوه بالتراب و أضرموا فيه النار فتصاعد الدخان كثيفا" لبد الجو كله و كأنه الجحيم فاستيقظ الجيش المصري مرعوبا" من الدخان و اعتقد أنها كمين من الدروز فأخذ بالتراجع و الاستعداد و حفر الخنادق ...

فيما ذهب اغلب المقاتلين الدروز ليتعقبوا البدو حتى منطقة صبحة في الأردن و من شدة غضبهم كادوا أن يفنوا العشيرة عن بكرة أبيها و استرجعوا ما نهب منهم و عادوا يحثون الخطى إلى متاريسهم في اللجاة خلال ثلاثة أيام و ليلة .

الحلقة الخامسة

ازدادت المعارك ضراوة و ازداد رعب الجنود من الدروز عندها أفلست كل خطط وجيوش إبراهيم باشا انفجر غضبا" فقرر اتخاذ الخسة طريقا" لنصر مزيف , فأمر كبير أطبائه بصنع محلول يسمم به مياه الشرب فرفض ناظر الصحة الطبيب كلوب بك الأمر و قال له هؤلاء قوم يستحقون التكريم لا التسميم و ما تخطط له عمل لا إنساني يشمل النساء و الأطفال

فأبعده إبراهيم باشا و استدعى أطباء" صنعوا له محلولا" سليمانيا"

ألقاء في المياه و الوديان و ألقى بها جثثا" لجنوده..

و أعلم الدروز بشكل غير مباشر, ثم اخذ يردم البرك هنا و هناك حتى اشتد العطش على الدروز المحاصرين في اللجاة و رغم هذا رفضوا الاستسلام بل فاجئوا المماليك بأن اشتدت قوتهم و ضراوتهم و صمدوا يحاربون بعنف لمدة شهرين ..

دارت المعارك حول أحواض المياه لأن الشيوخ و الأطفال بدأت تموت عطشا" ثم التف بعض كتائب الجيش حول أحراش قنوات و استولوا على ثمانية ألاف رأس من الغنم بعد أن قاومهم حماتها و كانوا لا يتجاوزون العشرين ليوم كامل ثم استشهدوا جميعا"

و تتالت المعارك الطاحنة و بنو معروف يسطرون صفحات المجد فيها بقلة عددهم و عطشهم و جوعهم و استشهاد أطفالهم عطشا" و يرفضون الخضوع

و قرب قرية جرين حصلت معركة رهيبة دامت ثمانية ساعات حول خزانات المياه الأربعة و كان المماليك فد ردموا ثلاثة منها حتى تمكن الدروز من حمل بعض المياه لأطفالهم و نسائهم

و كانت المعركة الأخيرة قرب نبع براق حيث استقتل فيها الدروز بعد أن بقي من مقاتليهم اقل من ستمائة محارب و استطاعوا إبادة ألفين من الألبان الأشداء المدججين بالأسلحة و المؤونة و جرحوا أكثر من ثلاثة ألاف و استشهد منهم ثلاثمائة حتى وصلوا إلى النبع و حملوا ماء" كفاهم ليرحلوا من اللجاة حتى وادي التيم بعد أن انقطع الماء عنهم تماما" ففضلوا الرحيل على الاستسلام...

ليستعيدوا عافيتهم و يؤمنوا على نسائهم وأطفالهم ثم يعودون لتطهير الجبل من المصريين المماليك .

الحلقة السادسة

رحل في البداية شبلي آغا العريان مع مئتي مقاتل من الدروز و قبلهم رحل بعض النساء و الأطفال مع قليل من الرجال إلى نيحا في لبنان فتوجهت بعض كتائب الجيش لقطع الطريق عليهم

وصل الخبر إلى العريان فحث الخطى مع مقاتليه و التحق به بعض من دروز حاصبيا و اشتبكوا مع الجيش عند أطراف الجبل و الشوف و كانت كتائب الجيش تتجاوز الثمانمائة و الدروز بقيادة العريان حوالي الثلاثمائة و ما أن حل المساء حتى كان الدروز قد فتكوا بأكثر من ٣٠٠ جندي ففر باقي الجيش نحو البقاع و بدأ البقاعيون باصطيادهم .

وصل الخبر لوالي دمشق و قرر عدم خسارة جند أكثر مما خسر فأرسل ألف جندي و لكنه أرفقهم بمائة مدفع بعد أن تأكد أن المواجهة القريبة وجها" لوجه مع بني معروف معناها إبادة لجنوده

وصلت الفرقة أطراف جبل لبنان فهاجمها الدروز و اجبروها على الهرب لتعتصم بقلعة راشيا و حالوا بين فرقة المدافع و القلعة فلجأوا إلى موقع مرتفع لكن الدروز هاجموهم ليلا" و قتلوا أكثرهم و اسروا البقية و استولوا على المدافع و الأسلحة فانقطع الأمل عند الجنود المعتصمين في القلعة فحاولوا الهروب ذات ليلة نحو البقاع إلا أن الدروز تبعوهم إلى هناك و أبادوهم كلهم و استولوا على الأسلحة

استشاط إبراهيم باشا غضبا" و أخذ يلعن دروز سوريا و يصفهم بالذئاب الجائعة فأمر أمير المسيحيين في لبنان بشير الشهابي بقيادة أربعة آلاف مقاتل من المسيحيين و ضمهم لجيش المماليك و القضاء على كل موحد في وادي التيم

علم دروز لبنان بمؤازرة بشير الشهابي لإبراهيم باشا فخف منهم ألف محارب بقيادة حسن جنبلاط و ناصر الدين عماد و تحصنوا في غابة بجانب عيحا مقابل الجيش و بدأت المناوشات دون نتيجة واضحة عندها دس إبراهيم باشا خبرا" للدروز مفاده أن قافلة أسلحة قادمة للجيش عن طريق وادي بكا فهب ثلاثمائة من الدروز لقطع الطريق عليهم و إذا بهم محاصرون من جهتين بين جيش مصطفى باشا من جهة بكا و إبراهيم باشا من الخلف و بدأ الاشتباك بضراوة عندها هب من بقي في عيحا لنجدة رفاقهم و جرت معركة هائلة في مكان وعر منبسط لا مكان للاحتماء فيه من الرصاص و بعد ٤ ساعات من القتال استشهد ناصر الدين عماد و ٢٠٠ من رجاله و نفذت الذخيرة من الدروز فأخذوا يرشقون الحجارة و يستعملون السيوف عندها رأى الشيخ حسن جنبلاط أن لا فائدة من القتال و قد خسر ١٣٠ من رجاله فانسحب إلى قرية شبعا قرب جبل الشيخ و تحصنوا عند دروز جبل الشيخ فهاجمهم المماليك من ثلاثة جهات الموارنة من الغرب و قد سحقهم الدروز و النابلسيين من الجنوب و تغلب عليهم الدروز و إبراهيم باشا من جهة الشمال مع القوات الرئيسية والذين تمكنوا من محاصرة الدروز فأعلن الشيخ حسن البيطار الصلح و ضغط الجند المنهكين على إبراهيم باشا للقبول بالصلح فوافق بشرط دية يدفعها الموحدون و هي أربعمائة بندقية فرفض الشرط دروز العريان و لبنان و الإقليم و التحقوا بالثوار في اللجاة الذين افقدوا جنوب سوريا كله الأمان بسبب غاراتهم الضارية و القاتلة على ثكنات الجيش

فاسقط في يد إبراهيم باشا الذي عجز بحيله و جيوشه عن كسر الدروز فأوفد الشيخ حسن البيطار ليعقد الصلح مع دروز اللجاة و تم الصلح بشروط الدروز و سلموا ٢٠٠٠ بندقية من غنائمهم مقابل إعفاء الدروز من التجنيد و الضرائب و السخرة و المحافظة على أسلحتهم و تعهد الجيش بعدم المس بمناطقهم و تعهد الحكومة المصرية بعدم التدخل بشؤونهم الداخلية

انتهت ثورة الموحدين بالنصر و ألف الشيخ أبو علي الحناوي ما يلي :

    من بعد ذا إبراهيم جرد علينـــا .... يبغى الحرايب عسكرا" جرار

   دخل اللجا زحفا" بجيش عرمرم...  و نحنا قــلايل و العدو كثـــار

   صحنا كمــا تهدر سباع الكواسر.... القوهم بالبلطـــات و البتـــــار

  وبرج الغضب جانا ابراهيم باشا..... بــالارنؤوط و الترك والبلغار

  ذبحنا الوزير و كل ضباط عسكرو... وثلثين جيشه راح قصف عمار

  ستين كون نقابلو و ما نهـــــــــابو .... و نكسر جيوشه بقوة المختـار

أخذنا المدافع و الجباخان و الزخر.... و الذبح لا يحصى له مقــــدار

  و كم بطل منـــــــا خلاوي إذا لكد... على الجمع يدعى للجيوش دمار

  يفعل بهم مـــا يفعل الذيب بالغنم ...   يضرب باليماني الصارم البتار

  هذي قلعتنــــــــا و هذي لجـــاتنا .... تربة عدانا من دخلها حــــــــار

  ترى جدنا النعمان خليفة سما لخم .... ومنذر و هاني ســــــــادة أخيار

سلمان و المقداد أيضا  " جدودنا....  أبو ذر و رفاعة كذا عمـــــــــار

بلغت فداحة الجيش المصري من الخسائر ما يفوق العشرة ألاف قتيل و أكثر منها جرحى و أكثر من مئتي ضابط و قائد و وزير الحربية و كانت هذه الخسائر هي سبب ضعف حكم محمد علي أمام الأوروبيين و انسحابه من سورية

و قال عندها كلمته الشهيرة (( خسرنا جيشنا بسبب 160 نفرا" )) و هو العدد المطلوب من الدروز للتجنيد .

كان من أبطال هذه الملحمة سيدنا الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجري مؤسس أول مشيخة عقل في جبل العرب .حيث أن أهم موقعة في هذه الملاحم هي موقعة صميد و قد قام بها سيدنا الشيخ مع أربعين رجلا ضد ما يزيد عن ثمانمائة جندي وصبروا واستطاعوا بعون الله أن ينتصروا بعد معركة ضارية لم يسطر التاريخ مثلها .

المعركة التي استشهد فيها ناصر الدين أيضا هي من أهم معارك هذه الحرب حيث حوصر فيها الدروز في وادي ضيق وسميت معركة الأخوة حيث استشهد فيها أربعين زوجا من الأخوة من دروز الشوف .

استشهد من دروز اللجاة حوالي الخمسمائة شهيد من أعيانهم :

إبراهيم الأطرش و إبراهيم و فندي و خزاعي عامر و حسين و يوسف عزام و عساف أبو عساف و ناصر الدين أبو فخر و غيرهم رحمهم الله

هي حرب البقاء لا الهجوم ..هي حرب صون الأرض و العرض ..هي قتال الموحد غريزة" بين عشق الكبرياء و الاستهانة بالموت .. إنها حروب الليل و النهار و المفاجأة و الغدر ..فكيف ينام الدرزي على فراش وثير و كيف يسكن إلى الظلام و يأنس و كيف يطيق فراق حبيبته التاريخية البندقية ذات الفتيل أو صاحبه الوفي السيف الصقيل

فما هي إلا صيحة و يكون أثاثه و زوجته و ولده على ظهر دابته يؤمنهم و تكون المعمعة.. و ينشأ الطفل على صوت البارود و هو يرضع الدم مع حليب أمه

هي حروب رجال يستقطرون لوليدهم و زوجاتهم الصخر و يستنبتون الوعر

بحر الدماء خلفهم و بدوي جائع غادر بجانبهم و جيوش جرارة أمامهم و الكل ينوي ذبحهم وهم لا يريدون سوى الكرامة و الكبرياء ..... فكيف لا ينتصرون ؟

المصادر

موسوعة ويكبيديا
مواقع درزية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق