أنوماليا بقلم: المحامي جواد بولس – كفرياسيف
2011-05-13 00:37:31

لم يتملكني شعور مغاير في ذلك اليوم. كما في كلِّ مرةٍ أقصد فيها محكمة العدل العليا الإسرائيلية، كنت متحفِّزًا، مليئًا بغضب لم تقوَ عليه العادة ولم يشفِهِ التكرار. غضب يلامس المرارة، ينبعث، بعد كلِّ "خسارة"، إرادةَ واعظٍ أهمله الجمع، فبكى عليهم مسترحمًا ولجأ لحقِّه، ذخيرتِه التي لا تنفد.

أقصدها منذ ثلاثة عقود، عندما كانت في المبنى القديم، مجاورة لسجن "المسكوبية" ولقيادة شرطة "أورشليم". بناية، هكذا تحدِّث القصة، امتلكتها روسيا القيصرية، أعطيت، وما أحاطها من منشآت، لحكومة إسرائيل في صفقة "تجارية" قايضت فيها حكومة الاتحاد السوفياتي، وريثة القيصر، حكومة إسرائيل الفتية، وريثة التاريخ، حجارة مقابل برتقال، جنى فلسطين التي كانت!

أقصدها بعدما انتقلت وتحولت إلى قصر منيف. من حجارة جبال القدس والخليل، أصرّ بانوها أن تُشيَّد. تجاور مبنى الكنيست ورئاسة الحكومة وبنك إسرائيل ومتحفها القومي وغيرها من عقارات أقيمت على أراض موقوفة منذ قرون للكنيسة الأرثوذكسية، أعطيت هي كذلك في صفقة "تأجير" توجع القلوب وتبقي صوت كل صارخ "كبنات الجبال"، على حافة اليأس والدهشة.

هنيئا لك يا إسرائيل، طواحين عدلك أسِّسَت على شذا برتقال يافا، تطحن ولا تعرف حكمة الأجداد عندنا، فهم رحلوا وأكّدوا "مال وقف لا تقرب"! هي الحكمة الباقية لا من استخف بها وهزئ.

عامدًا أثابر على تقديم التماساتي لهذه المحكمة. لا أملاً بجديد يفاجئ تكهني بما سيقضي به ثلاثة من قضاتها، ولا ملتمسًا عدلاً زيّن الاسم وغاب عن قراراتها. ربما يزعجهم إصراري على التوجه إليهم وربما يتركهم هذا في حالة ضيق وتململ. أخاطبهم من علياء لا أخفيها، صوت الضحية غير الذليلة. صوت الضمير والحق الذي يقض مضاجع من باسم الضمير والعدل ارتسم قاضيًا.

يحيّرني هذا العناد. ربما يحّيرهم أكثر وربما لبعضهم كان أفضل لو لم تعطَ هذه الصلاحيات لسيدة المحاكم وهي التي كانت ستقضي في مظالم سكان إسرائيل ومؤسسات الدولة. لم يثبتوا المعادلة على الطبيعي والمفروض ففي عام 1967 نصحهم من كان مدّعيًا عسكريًا عامًّا أنه وفي حالة احتلال الدولة لأرض عربية جديدة يتوجب فتح أبواب محكمة العدل العليا لسكان تلك المناطق وعلى الدولة ألّا تعترض بحجة عدم الولاية والصلاحية.

كان هذا مئير شمجار الذي ترأس المحكمة العليا لردح من الزمن ومارس ما تفتق به عقله وخططت له يداه. برَّر شمجار نصيحته تلك بضرورة "تثليم" غضب من سيُحتل من رعايا وزجه في مسارات تصب في باحات وأروقة قصر العدل الإسرائيلي حيث المطافئ مستعدة والغضب الوافد سيكون فرديّا أو فئويا وحيث السقف سيبقى سقف "القانون النيّر" الإسرائيلي. هذا علاوة على ما ستسجله إسرائيل عند مجموع "الأمم النيرة" في سجّل حسناتها، إذ تتيح لأعدائها أن يتظلموا وينصفوا بما ستدره باحة الديمقراطية وسيدة حقوق الإنسان في المنطقة!

هكذا قضيَ وهكذا وقع الفلسطيني في شَرَكٍ لم يحظ منذ يوم الاحتلال الأول ولغايته بدراسة معمَّقة مبدئية، فكان أن انساب المواطن وغاب الحق ونسي الجميع كيف كانت البدايات وما آلت إليه من مخاسر وافرة وربحٍ نادر.

في كل مرة أقصد هذه المحكمة أتذكر هذه المسألة وأصمم أن أدخلها، متحفّزًا غاضبًا، كما قلت. فعلى الأقل وبغياب موقفٍ مبدئي جامع علينا أن نسمع القضاة ما يجب أن يسمعوه، عنوانه واحد: كل قيمة إنسانية أغفلتموها بحق فلسطيني محتل مصيركم أن تغفلوها هنا في إسرائيل. كل قمع وخرق وإجحاف سوّغتموه بذريعة الأمن ومشتقاته، مصيركم تسويغه هنا في مطارحكم وبلداتكم. كل حق لفلسطيني سلب ولم تعيدوه، مصيره آن يسلب من مواطني هذه الدولة. العدل لا يقر ولا يعترف بخط أخضر أو أزرق. العدل قوامه الإنسان، حياته، حريته وكرامته.

إنٌها الحقيقة وإنها التجربة الإنسانية، إنه الواقع الذي ربما

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق