"قف بنا يا ساري" حول مسيرة الربيع ال 11 في عسفيا
2011-05-09 13:10:30

مما لا شك فيه بان إحساس الإنسان بالفن والجمال يزيد من سعادتها وقد نعكس ذلك بوضوح على وجوه المشاركين في مسيرة الربيع حيث ارتسمت البسمة على وجوههم..  الجمهور المشارك لم يشعر بالتعب بالرغم من طول المسافة وهي " 7 " كيلو متر قطعها المشاركين على مرحلتين، ويعود ذلك إلى نجاح التنظيم حيث كانت هناك عدة محطات للتزود بالماء والليمون كما أن حالة الطقس.. الجو الربيعي الذي يميل قليلًا إلى البرودة  ساعد  في راحة المشاركين ونشر جوا  بهيجًا، ومما أضفى نكهة إضافية أخرى هو إن المسيرة  أنتجت حالة رائعة من التواصل بين الأهل الذين كثيرًا ما يفتقدون إلى هذه العملية  في ظل الظروف الحياتية العصرية التي نحياها اليوم.


 انطلقت المسيرة من جانب مجمع "طربية التجاري" مرورا بجانب "عين الحايك" استمرارًا إلى "باب الهوا" و "الزراعة" وصولاً إلى  سهل "الست خطرأ" وهناك يمكن أن يتسع المكان لعشرات الألوف المدعوين التي كان من المتوقع أن يحضروا من شتى أنحاء البلاد، ولكن حتى جيراننا الحيفاويون وسكان التجمعات السكنية القريبة لم يحضروا؟! الأمر الذي جعل البعض يعتقد بان المسيرة  لم تكن جماهيرية  بالرغم من الحضور الكثيف على الصعيد المحلي وخاصة جيل الشباب  ويبدو بان  الوعود التي قطعها المسؤولين والتي منها اننا سننطلق معاً لنعيد للكرمل بهجته وخضرته كانت وعود غير صادقة كسابقاتها؟!.. فقد أردنا المشاركة لأننا نعتقد بان الشجرة هي الفرج، خاصة عندما  نريد أن تهرب  من سحيف رحى الحياة  لنخلد إلى  فسحة من الراحة.. نتقيأ بظلالها مسترخين.. نستمع إلى زقرقة العصافير ونتنفس الصعداء هواء نقيًا.
 وهناك في منطقة "الست خضرا"  المنطقة محاطة بالجبال الشاهقة التي تحاول أن تعانق السماء.. لقد اندلع الحريق.. التف حول المنطقة بشكل دائري.. كان الشجر "غصون تعانق غصون" فحترقت وتركت المزار في أمان.. إنها ليست  صدفة.. إنها إرادة العلي الجبار.. إننا بالمناسبة لا بد من أن نشكر والمشايخ الذين عمروا مقام "الست خضرا".. لقد فرضوا تواجدنا على الأرض.. تماما كما فرض أهلنا في دالية الكرمل تواجدهم على الأرض عندما عمروا عين "أم الشقف" و " مقام الست ساره " هذه الأرض لا تقدر بثمن.. ولا نغالي إذا قلنا إنها من أجمل بقاع الأرض قاطبة.. قد لا يشعر بذلك المواطن الذي درج على مشاهدة النظر منذ الصغر.. ولكن السائح الذي يزور المنطقة لأول مرة سيعود وقد بهره الجمال.. فهناك تكتمل الطبيعة ببهائها.. سلسلة الجبال المحيطة بالمكان.. المتموجة في قعر بحر الهواء اللا مرئي؟!..  البساط العشبي الأخضر الممتد على طول المنطقة كان بهجة للنظر أدخل الفرحة إلى قلوب المتأملين.. وكسر اللون الأخضر قليلاً  لون البرقوق وزهرة الصفير.. تذكرت أيام الطفولة.. حنين جارف أخذني إلى تلك الأيام  حيث كنا نتعانق "هلالاً وصليباً" وكنا نسلق البيض في عيد الفصح المجيد بأوراق تلك الأزهار ليكتسب لونها.. يا الله.. هذه الذكريات التي امتزجت بالأجواء بعثت في نفسي قشعريرة.. من فرط  سعادتي  قفزت إلى ذهني كلمات أمير الشعراء احمد شوقي:
 قف بنا يا ساري حتى اريك بديع صنع الباري
واستمرت النشوة تكبر وتكبر حتى وصلت إلى حالة  من السحر لا يدرك كنهها من لا يعيش آيات المحبة الفن والجمال بكل عمقها، وتذكرت قوله تعالى " وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ) صدق الله العظيم .
وهناك على المنصة كان الأستاذ فرح شروف مدير المركز التربوي في عسفيا يرحب بالجمهور وغبطة تشرح قلبه وهو يرى مشاركة شباب البلد خاصة الشبيبة في المسيرة وساعدته في عرافة المهرجان الأخت تمار صقر.. كنت تشاهد السعادة تتدفق من وجوه الشباب.. وهم يدبكون "الشعراوية" يتمايلون وفقا ليقاع  الغناء والموسيقى.. لقد انسجموا أقصى درجات الانسجام  مع برنامج الحفل الذي أبرز عدد من المواهب المحلية.. ورويداً رويداَ أخذت السماء تفقد من زرقتها حيث بدأت  تتلبد بالغيوم مما ادخل بعض جمهور إلى حالة ترقب مشحونة بشيء من الرهبة خوفا من أن يقطع المطر الفرحة الذي توغل إلى النفوس عميقا..  وبدأ الرذاذ يسقط قطرات خفيفة وكأنه يداعب المتواجدين على الأرض  إلا أن الشباب كانوا منصهرين كليًا في بوتقة من السعادة جعلوهم لا يشعرون بمزاح الطبيعة، ولعل تلك القطرات أنعشت البعض؟
 وعندما انتهت المسيرة أخذ الجمهور يغادر المكان بعد أن قضى فترة سعيدة في أحضان الطبيعة.. ليس قبل أن تدعو مركزة  الشبيبة السيدة علا عطشة الجمهور إلى المشاركة في تنظيف المكان، كيف لا وان المحافظة على البيئة هي من  السمات الأساسية لقياس تقدم ورقي المجتمع.
 كان المسار في اتجاه "رأس النبع"  بمحاذاة الجدول الذي يلعب راقصًا بين الأشجار.. لقد هيمنت السعادة على الجميع ًوارتفع صوتها لذا لم يسمع خرير المياه.. لقد تحول الجميع إلى شباب؟!! لم اسمع أحدًا أيا كان عمره  يتذمر من طول المسافة، ومن هناك  استقل الجمهور  الباصات  التي كانت تنتظرهم للعودة إلى القرية .

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق