الديانات السماوية والنواهي الدينية المنبثقة عنها , وكذلك النظم والقيم الاجتماعية من اقصى المعمورة الى اقصاها دعت الى احترام الغير وتقديم الاكبر منا سنا في كل المجالات العائلية الخاصة , العامة والاجتماعية , نعم دعت جميعها الى الاخذ بعين الاعتبار واحترام المتقدمين سنا , ذوي المراكز الدينية ورجال الدين , وذوي المناصب على اختلاف انواعها وخاصة الاكبر منا سنا , تقديمهم في كل المناسبات واعطائهم حقهم في الاحترام والاكرام والاجلال والكرامة , ذلك تمشيا مع النواهي الدينية والعرف الاجتماعي ومع العادات والتقاليد الاصيلة والصحيحة دون التأثر قطعيا بالمستجدات والاستحداثات العصرية على اختلاف مصادرها ومستوياتها ونوعيتها .

  وينبغي على المرء العاقل والانسان الذي يدرك معنى احترام نفسه ان يحافظ وبكل معنى الكلمة وباعتزاز على التقاليد والعادات الاصيلة واعطائها حق الاولوية في كل مناسبة ومناسبة وعدم تركها عرضة لمجريات هذا الزمان التي تعمل دون انقطاع في حرب اجتماعية هادئة ومستمرة , وقد تؤدي بالتالي الى اندثار الكثير من العادات وانصهار العديد من التقاليد الانسانية والقيم الاجتماعية التي نشأ عليها الاباء والاجداد والسلف الصالح من بني البشر .

فاذا امعنا النظر قليلا نلاحظ وبدون عناء ما آلت اليه تصرفات الكثير من ابناء الجيل الناشئ وغيرهم من افراد المجتمع من عدم اكتراث ولا مبالاة وقلة اهتمام وانعدام الاحترام لمن هم اكبر منهم سنا , ويظهر الانحدار والتقهقر في هذه الظاهرة في البيت الواحد , بين الاهل والابناء في العلاقات اليومية , في نوعية وطريقة الحديث وقلة الاعتبار , وكذلك الحال بين الافراد والمجموعات , وفي المؤسسات التعليمية وغير التعليمية على اختلاف انواعها ومستوياتها , فالامر يتفاقم يوما بعد يوم وفترة بعد اخرى , ناهيك عما يلاحظه الانسان ويرقبه المرء وبكل وضوح في المناسبات العامة من امور ممقوتة ومرفوضة وغير مقبولة ابدا .

  فمن العادات الاصيلة والجوهرية في مجتمعنا احترام رجال الدين , احترام من هم اكبر منا سنا مهما كانوا ولا يهم من هم ومن اي مكان او من اي دين , فترى الكثيرين حتى من رجال معتبرين ويتبوأون مراكز ومناصب هامة , تراهم يتسابقون في كثير من مناسبات الافراح والاتراح لا يكترثون بالغير يشقون طريقهم بين الناس لا يهمهم شيخا او رجل دين او من هو اكبر سنا , تراهم وهذا لا يغيب عن ناظر اي فرد يشارك في مثل هذه المناسبات تراهم يتسابقون ويدخلون او يخرجون قبل من هم اكبر منهم سنا في تأدية الواجب على طريقتهم , تراهم وفي بعض الاحيان يختلقون ويبتدعون الاسباب والعلل لتبرير تصرفهم غير المقبول هذا , اذ لا مبرر لتصرف لا يحترم فيه رجل دين , او الاكبر منا سنا , ولا يمكن ان يقبل اي عذر او تقبل اية ذريعة في مثل هذا الظرف مطلقا .

  فأن كان المرء في تأدية واجب معين فرح او ترح او اي مناسبة اخرى , عليه اولا وقبل كل شيئ او يعطي حق الاولوية للوجهاء الدينيين والدنيوين والذين من هم اكبر منه سنا , ويترتب وبدون اية مواربة وبمنتهى الصراحة احترام هؤلاء وكذلك احترام وتقديم الضيوف الذين قدموا لتأدية واجب اجتماعي , ويجب ان لا نظن يوما من الايام ان الانسانيات والاخلاقيات تتعرى طالما وجد اصحابها وذويها يذودون عنها وبتصرفاتهم يعطونها حقها كاملا غير منقوص .

الامثلة كثيرة وعديدة ومتنوعة ولا حصر لها, والاكثر من ذلك ان كثيرين لا يجرأوا على التحدث عنها رغم انهم يعرفونها ويلاحظونها , الا انهم يتابعون حياتهم وتصرفاتهم متناسين عمدا ان هناك مسؤولية اجتماعية معينة تذكرهم وتوقظهم من سباتهم لقول الكلمة الحرة بصريح العبارة , ونهي من هم بحاجة الى النهي والارشاد والتوجيه بقدر المستطاع , لان في ذلك حفاظا على الانظمة والعرف الاجتماعي ومقاومة بناءة وواضحة لا غبار عليها ضد التجريد والتعرية الاجتماعية التي تسببها مغريات العصر , والتي من شأنها اولا باول محو الاعوجاجات في مثل هذه التصرفات واستبدالها بروح تختلف كل الاختلاف عن جوهر وركيزة العادات والتقاليد الخلاقة التي نشأ عليها المرء في مجتمع يحترم قيمه ويحافظ عليها ويصونها من الانصهار .

  فهيا نعمل معا كل في ناحيته لمقاومة مثل هذه الظواهر , هيا لنعزز جوهر عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية , هيا لنحافظ معا على النظم الاجتماعية عن طريق الافراد والمؤسسات والهيئات الخاصة منها والعامة , لنتمشى مع مستجدات العصر والتكنولوجيا في ظل الاحترام المتبادل والحفاظ على كرامة الغير , لانه في نظري لا يوجد اجمل من التراث الحقيقي والقيم الاجتماعية محافظا عليها ومنسجمة مع النظم والقيم الاجتماعية الحديثة , من خلال ذلك نحافظ معا على اسس وركائز المجتمع بشكل عام .