تَخَوُّفٌ لا مبرر له ....
2011-03-25 20:34:42

بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية / الحركة الإسلامية
 
المتابع لردود الفعل الغربية تجاه ما يجري في عالمنا العربي من تحولات ، لا بد له أن يصل إلى أن الغرب لم يستطع بَعْدُ ( ابتلاع !!! ) ما يحدث ، لذلك نراه يقدم رِجْلاً ويؤخر أخرى ... لا شك أن التحولات الديمقراطية جاءت مفاجئة إلى أبعد الحدود لدوائر اتخاذ القرار في الغرب ، قلبت الطاولة في وجه كل تقارير أجهزة مخابراته التي جاءت دائما مطمئنة إلى أن الشعوب العربية لم تعد قادرة على إحداث أي تغيير ، وأن أنظمة الحكم المرتبطة بدوائره قد أحكمت القبضة على شعوبها بشكل لم يدع أي منفذ لخروجها من ( بيت الطاعة !!! ) ...

 
لهذه الأسباب كان الموقف الغربي وخصوصا الأمريكي مترددا مع بداية ثورة تونس ومصر ، انتهى إلى الانحياز ألقصري إلى إرادة الشعوب في مطالبتها تغيير النظام في البلدين وإن على استحياء ... تردد أمريكا  في شأن فرض الحظر الجوي في ( ليبيا ) منعا لعصابات ( القذافي  ) من الاستمرار في ارتكاب المجازر ضد الشعب الليبي الثائر ، والذي انتهى بالانصياع للضغط الفرنسي – البريطاني ، دليل آخر يشير إلى ذات التردد الذي أشرت إليه ... الموقف الأمريكي والغربي ( المائع !! )  حيال مذابح الرئيس اليمني ( علي عبدالله صالح ) ضد ثورة الشباب اليمنية السلمية ، هي أيضا دليل إدانة للسياسات الغربية ... المسارعة الغربية لإدانة عنف نظام ( الأسد ) الاستبدادي في سوريا ضد الثوار في ( درعة ) ، وكذلك إدانة قمع المظاهرات في ( إيران ) بأشد كلمات الإدانة ، والدعوة الحاسمة لفرض عقوبات على هذه الدول قد تصل إلى إعلان الحرب كما جرى في العراق وأفغانستان ، تشير بدورها أيضا إلى ذات الطبيعة المشوهة للمواقف الغربية غير المبدئية حيال التحولات العميقة في عالمنا العربي ...
 
من الواضح أن المكيال الغربي ليس واحدا ، وأن مصلحة الشعوب العربية والإسلامية ليست على قمة لائحة أولويات الغرب ولا في أسفلها ، ولا حرية شعوبنا تشكل مصدر قلق لأنظمته ، فما زالت المصالح الغربية هي الحاسمة والمقدمة على أية اعتبارات  أخلاقية ... أضف إلى ذلك القلق الغربي المستمر من أن ديمقراطية ما في عالمنا العربي ، ستفرز حتما قوى تتمتع بقدر كبير من الكرامة الوطنية والإرادة الحرة والاستقلال في القرار ، وبالتالي تعاملا نديا مع الغرب ، ومعالجة أكثر تشددا لملفاته العالقة وعلى  رأسها  قضية فلسطين ، وحرصا أكبر على خدمة المصالح القومية والوطنية العليا للمجموع العربي بعيدا عن هيمنة الغرب وإملاءاته ... هذه القيم تشكل أساس النظام السياسي الغربي وبعضا من ( أيقوناته ) المقدسة ، وهي طبيعية جدا  في بلاده ، يُذادُ عنها  بالروح والمال والولد ... أما أن تصبح جزءا من نسيجنا كعرب ، فهذا أمر فيه نَظَر ...
 
أما أن تفرز ثورات ( الاستقلال  الثاني ) في شرقنا العربي والإسلامي قيادة إسلامية ، فهي الطامة الكبرى التي ستشكل مصدر القلق الأكبر لدوائر القرار الغربية ، ولا أستبعد أن يُكَشِّرَ الغرب عن أنياب  حقده ، وأن يكشف عن وجهه البشع ، إذا ما انتهت التحولات الديمقراطية إلى انتصار كاسح للقوى الإسلامية في انتخابات حرة  ونزيهة ، فتسقط عندها الأقنعة ، وينكشف المستور ...
 
الغرب ما زال هو الغرب ، والشرق ما زال هو الشرق ، والعلاقة بينهما منذ بزغ فجر الإسلام لم تتغير ، لا بسببنا نحن ، ولكن بسببهم هم ... هذه حقيقة ليست جديدة .. إنها قديمة بدأت من اللحظة الأولى التي أشرقت فيها شمس الإسلام فبدلت شتات العرب وحدة قوية ، وذلهم عزا ، وتخلفهم تقدما وتنمية وحضارة ، وضعفهم قوة ، وهزائمهم نصرا ، ومرضهم عافية ، وفقرهم ثراء وغنى ، وبدل قبائلهم المتناحرة أمة واحدة حملت نور الهداية ومشاريع الإصلاح  وقيم الحرية والعدالة  والأخوة والمساواة إلى كل ربوع العالم ...
 
ولنا أن نسأل  ، ما سبب تخوف الغرب من قدرة الإسلام على وضع الأمة على طريق النهوض الحقيقي ؟؟!!...  اعتقد أن موقفهم منا يرتكز إلى عاملين أساسيين ، الأول ، نجاح الإسلام غير المسبوق في توحيد العرب والعجم حول مشروع نهضوي عالمي ، سجل وفي فترة قياسية أعظم إنجاز على وجه الأرض حضارة وسياسة ومدنية . لقد رأى الغرب منذ ذلك الحين في الإسلام وحملته تهديدا حقيقيا لنزعات السيطرة والهيمنة التي تميزت بها سياساتهم على مدار التاريخ ، كما وشكل الإسلام بما يتمتع به من مزايا حيوية وقدرة على صناعة الحياة ، تحديا حضاريا جديا ، وقفت إنجازات الغرب  إلى جانب إنجازاته كقزم وضيع يحاول أن يبلغ شيئا مما وصل إليه العملاق الإسلامي ، وما هو ببالغه ، فيتحول يائسا إلى اقتناص الفرص للإيقاع بالإسلام وأهله ظلما وعلوا ...
 
أما العامل الثاني ، فهو الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به الوطن العربي والإسلامي في قلب الكرة الأرضية ، على المستويين المادي والروحي . ففي أرضنا العربية والإسلامية أعظم كنوز الأرض ، وعلى شواطئنا الممتدة امتداد الأفق ينبسط الزمن ماض وحاضرا ومستقبلا ، وفي ربوعنا فقط ولد وترعرع الأنبياء والصالحون الذي رسموا في كل زاوية من زواياه لوحة زاهية تهفو إليها القلوب ، وتأوي إليها ألأرواح الباحثة عن الراحة الأبدية ...
 
لم يُقَدِّر الغرب للإسلام وأهله  إنجازه في كل ميدان ، فاندفع يكيد له بكل الخبث ويهاجمه بكل شراسة ووحشية ، فكان ما كان من حروبه المدمرة ضد بلادنا وشعوبنا والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا ، ارتكب فيها وما يزال أفظع الجرائم ... سعى المسلمون جاهدين  إلى تجاوز هذا التاريخ الدموي الذي ميز علاقة الغرب بشرقنا الإسلامي ، بحثا عن منظومة علاقات إنسانية تضمن الحد الأدنى من علاقات حسن الجوار والتعاون البناء في سبيل خدمة الإنسانية وحماية حقها في الأمن والتنمية والاستقرار والرفاه والتطور .. لقد كنا صادقين في توجهنا هذا ، بل وقدم علماؤنا مشاريع اشتملت على كل ما يضمن هذه العلاقة القائمة على التعاون والاحترام المتبادل وتعزيز قيم الخير والبر ، مع الاحترام الكامل للخصوصيات الفردية والجماعية الدينية والقومية  ... كن نتوقع أن يبادلنا الغرب نفس مشاعر الصدق والبراءة ، إلا أن الحقيقة التي صدمت المسلمين وما تزال ، هو ما نراه لا ما نسمعه أو نقرأ عنه ، من عدوان لم يتوقف ، وكيد لم ينتهي ، وتآمر لم ينضب  ...
 
وعت شعوبنا العربية الدرس ... ثارت ضد هذا الغرب التي احتل الأرض وانتهك العرض ودنس المقدسات خلال فترة استعمارية طويلة انتهت باستقلال دولنا وشعوبنا  ... ثم صبرت طويلا   على أنظمة ظنت أنها جاءت  لتحقيق آمال الشعوب وأمانيها في تحقيق الحرية وإرساء قواعد العدالة وبناء الحلم العربي في الوحدة والنهضة ، فإذا بها تتحول إلى أداة أشد فتكا وخطورة من المستعمر ، فجاءت الثورات ولو بعد عقود من المعاناة ، لتذكر الغرب ، أن محاولته الدخول من الشباك / الأنظمة ، بعد أن طُرد من الباب  مذموما مدحورا ، لم ولن تنجح أبدا ..
 
إن صبرت الشعوب ردحا من الزمن على أمل أن تصلح الأنظمة ما أفسدت ، فلن تصبر أبدا بعدما تبين لها فساد أنظمتها إلى درجة لم يعد ممكنا عقلا ومنطقا أن تُجري الإصلاحات المطلوبة ، فجاءت الثورات الأخيرة لتحقق التغيير الجذري ، ولتهدم الفساد هدما ، وتبني على أرضها النظيفة الطاهرة بنيانها الجديد المنسجم مع دينها وقيمها  ، والملبي لطموحات شعوبها.
 
شعوبنا وضعت قدمها على بداية طريق الاستقلال الحقيقي الذي سيعيد للأمة ألقها ورونقها من جديد ، فهل  سيضع الغرب قدمه معنا على طريق التعاون المشترك القائم على تحقيق العدالة في كل شؤون الحياة وقضاياها وعلى رأسها القضية الفلسطينية ؟؟ شعوبنا ماضية في طريقها حتى النهاية ، وستزيل من طريقها كل العقبات ، وعلى الغرب أن يتخذ القرار ...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق