نظــــــرة في نضال الأرض وحفظ العرض من خلال الموحدين الدروز ...
2011-03-20 11:55:42

تقرير منير فرّو

الأرض في نظر الدروز كما عند غيرهم، هي المكان الذي يلتصق به الإنسان حيا كان أم ميتا، لذلك قيل : "إن أحسن الناس أخلاقا وأكثرهم وطنية، هم القرويون والفلاحون، الملتصقون في أرضهم وقراهم، ومهما تغيرت الحكومات وتبدلت الأحوال".

وأما العرض، فهي كلمة لها صدى ورهبة عند الموحدين الدروز أكثر من غيرهم، لأنهم طائفة محاطة على نفسها، وشؤونها مغلقة على ذاتها، ومبنية على نظام لا يسلم إلا بحفظ العرض، وهو أرحام النساء، التي قدّر الله خروج المواليد منها، فسخـّر الأفلاك والكواكب والبروج الاثنعشر والنظام الفلكي من اجل نمو تلك المواليد في أرحام النساء، والكائنات الحية الأخرى، والنباتات في الأرض، لتتم صنعة الله  "تبارك الله أحسن الخالقين".

 ففي نظر  الموحدين الدروز أن أثمن ما في الوجود، هو الشرف الإنساني، المتمثل بعفة الرجل ومروءته، وعفة المرأة وشرفها، وفي اعتقادهم انه ما انهيار العائلة وقيمها، وانفراط العقد والشك في الأصالة عند المجتمعات الغربية وطهارة العرق وحفظ الأنساب، إلا نتيجة حتمية لإهمال ذلك، واعتباره عند البعض سخافة ومهزلة، وكيف يكون هذا مهزلة؟ والله جل وعلا يقول : "ومن كل شيء خلقا زوجين" .

وهنا لا بد أن ألفت نظر شبابا وفتياتا بان يحفظوا نفوسهم من الزنا،  فان الله تعالى شدد وحذر من الوقوع فيه بقوله : " ولا تقربوا الزنا  إنه كان فاحشة وساء سبيلا"،والزنا مفسدة للاخلاق وانزلاق اثر انزلاق، والزنا له عقوبة في عاجل الدنيا  وآجل الآخرة، ففي الدنيا يبتلي فاعله بالفقر والإهانة والمذلة والمعرة وحيرة في النفس، لان فاعل الزنا دائما يشعر بنفسه انه قد اخطأ خطأ عظيما لا يفارقه مدى حياته، وفي الآخرة عذاب سعير، وقد جاء في الزبور أن الزناة معلقون بفروجهم في النار، يضربون عليها بسياط من حديد، فإذا استغاث من الضرب، نادته الزبانية أين  كان هذا الصوت وأنت تضحك وتفرح وتمرح ولا تراقب المولى سبحانه ولا تستحي منه؟

أخوتي الفتيات إياكن كشف مفاتنكن وعوراتكن إلا لمن أحله الله لكن وهم بعولكن، كيما تصبحن عرضة للاغتصاب والعنف، وايضا تصبحن نادمات، فانتن ملقاة عليكن مسؤولية كبرى في حفظ الأسرة والأبناء والبنين، وصيانة  أزواجكن، فإياكن ارتكاب الهوى فانه مهلكة عظيمة، وعار عظيم، وعاقبة وخيمة، وسيرة قبيحة، وخيانة كبرى، فصيانة نفوسكن من الشهوات انتصار ساحق، وقلعة حصينة أمام الأعداء، فلا قيمة لشيء في هذا العالم  مع هتك الأعراض  وإباحة الفروج ، واعلمن إنكن عرضة للاستغلال من قبل الرجال، من اجل قضاء نزواتهن، وبعدها يرمونكن رمي الكلاب ويهتكون ستركن ويفضحونكن على الملأ لتصبحن عرضة للالسن، فهل ترضين لأنفسكن بالمذلة والاستغلال لمجرد شهوة فانية؟     

 فأساس  خلق الكون من ذكر وأنثى، حتى يكتمل نظام الكون وتتم صنعة الله على أحسن وجه وأكمل حال، وتصح له الوحدانية والفردانية وعدم المشاركة، ولا يتم بناء الرجل والامراة للأسرة وحفظ النسل البشري إلا بتقديس الرباط الزوجي، وإخلاص الزوجين وغيرتهما على بعض،

 لان الإنسان ليس كالحيوان في نظام حياته ونموه، ونظام غذاءه ومسكنه وتكاثره، فالحيوان موحى إليه ومسيّر وغريزي ويمشي وفق معايير ثابته ليس باستطاعته أن يغير ما بُني عليه،

 أما الإنسان  فهو قابل للتعليم، مخيّر يفعل ما يشاء، لأنه محاسب في الآخرة، أما الحيوان والنبات فلا، والإنسان عليه الحفاظ على طهارة النسل من الأبناء لتصح البنوة والأبوة وتصح إرادة الله من خلق الكون، واختيار العنصر البشري غايته منه، معما أن هناك بعض الحيوانات التي تثمن وفق أصالتها، كالحصان العربي أو الرئبيال من فصيلة الأسود، الذي لن يكون ملكا للغابة إذا لم يكن من نوع الرئبال، فاللبوءة في حال شعورها بان حملها ليس من أسد أصيل فأنها تقتله وهو في بطنها.

 فإذا كان هذا في حال الحيوانات الغريزية التي لا عقل لها ولا تمييز، فكيف الذي هو العاقل الذي يملك الحس والوهم والعقل والتمييز؟

 فالدروز لم يكن التصاق نضالهم وكفاحهم وحتى ثوراتهم في كل زمن بما يسمى بالأرض والعرض والدين عبثا ! كيف لا ؟ وهم الذين عاشوا على فلاحة الأرض وزراعتها، فاحترموها بإخلاصهم في العمل فيها وحراثتها، فقلبوا تربتها بمعاولهم وعود الحراثة، متحملين المشقات وحر الشمس ولذع العقارب والأفاعي، حتى يدخل إليها غاز الامونيا ليدخل إليها المواد العضوية لتصبح غذاء لنباتها ويصبح نباتها غذاء لحيواناتها وتصبح حيواناتها غذاء للإنسان الذي هو غاية الله من مخلوقاته، وهو الذي خلقه تعالى على أحسن تقويم، وخصه بالعقل والروح الناطقة، ليميزه عن باقي المخلوقات، وجعل له متاعا ورزقا وممتلكات وأملاك وأرضا يحرثها ليعتاش منها، وتصح الحياة،  فاحترمتهم الأرض وأعطتهم الغلال الوفيرة، فانجبل عرقهم ودمهم وروحهم وبقائهم وغذائهم بها، حتى صاروا هم فيها وهي فيهم.

لقد عاش  الدروز حياة قروية وعزلة عن الناس، طلبا للعبادة، ورغبة في حياة الزهد والبساطة والتنسك، للترفع عن حياة الترفه والرفاهية والتنعم، لتسلم أخلاقهم وأعراضهم، وليس كما يدعي البعض خوفا من الملاحقة والمطاردة وهربا من أجناس البشر، وإنما هذا ادعاء وافتراء، لان الدروز سكنوا الجبال لنقاوة هواءه وحبا في قساوة العيش وسلامة الأجسام والأرواح، لان الراحة لا تحصل إلا بعد تعب ونصب، فلا راحة لمن طلب الراحة،

 والتعب لجسم الإنسان له فوائده الكثيرة وراحة نفسية، لان اغلب المشاكل الصحية والنفسية، التي تعاني منها المجتمعات المتحضرة اليوم، سببه الراحة المفرطة، التي تسبب الإرهاق النفسي والقلق الفكري والانفصامات في الشخصية وتوترات واضطرابات والتي هي في كثير من الأحوال سبب للانتحار،

والإنسان عليه أن يحافظ على الحرارة الطبيعية للجسم، التي بها تصح سلامة الفكر والروح، لتنشط الحركة الدموية التي تحمل الغذاء والأكسجين للدم في الزمن المطلوب،  وبالتالي يصح المثل : "العقل السليم في الجسم السليم ".

فالدروز بحياتهم التقشفية هذه صانوا أعراضهم حتى صح تدينهم وإيمانهم وتمسكهم بالأرض، لان الأرض مقرونة عندهم بالدين، كاقتران الصدق بالإيمان، لان من لا صدق له لا دين له، كما قيل: " الصدق من الإيمان كالرأس من الجسد "، أو كارتباط شعاع نور الشمس بقرص الشمس، الذي لا انفصال لأحدهم عن الآخر، أو كارتباط الروح بالجسد، لان مفارقة الروح للجسد هو موت للجسد، الذي يصبح جيفة قذرة ونتنة، فمن لا ارض له لا دين له ولا عرض له مصون، ومن لا يحافظ على أرضه فهو كالجسد الميت لا حراك فيه، ما يلبث حتى تنتن رائحته ويقع عليه اسم النجاسة،

  والدرزي  الموحد لا يرضى بان تسلب  أرضه أو يهتك عرضه أمام عينيه  وهو ساكت، لا ينبت ببنت شفة ولا يحرك دمه بعروقه.

فالدروز لم يخشوا أحدا لأنهم لم يسيئوا لأحد، بل بالعكس تحلوا بالصفات الحميدة: كالكرم والنبل والشجاعة والمروءة والوفاء والشرف والأخلاق وصدق الكلمة وحفظ الأمانة والوديعة والتضحية والإخلاص والاستبسال والابتعاد عن الشتائم والفواحش وشرب الخمر والسرقة والكذب والقتل والزنا والفسق والفجور، وحافظوا على الجار والمستجير والطنيب المحتمي بهم وما زال الكثير من هذه الصفات مغروزة في جبلاتهم التي لن تغيرها الأعوام والدهور،

 وإنما ما يحدث هناك من اختلال عند البعض، بسبب الاختلاط مع الشعوب الأخرى، واستراق بعض خلالهم السلبية، التي بنيت على حب المال والجاه، وحياة الترف والمجون، والرقص والخلاعة، والنوادي الليلية، واختلاط النساء بالرجال ،والخروج عن الأوامر الدينية، وشرف الأنفس، التي تتنافى مع الخلال التي تربى عليها الموحدون الدروز، الذين اعتمدوا دائما على تهذيب أخلاقهم ومحاربة النفس الأمارة بالسوء، حتى نالوا الصيط والذكر الحميد بين الشعوب، لشرف نفوسهم وعفتهم وابتعادهم عن شهوات البدن، وحفاظهم على أعراض نسائهم وبناتهم، والتي خاضوا لأجلها أقسى الحروب واستبسلوا فيها، وفضلوا الموت تحت التراب من الموت إحياء فوق التراب، فلم يقبلوا لأنفسهم المهانة والمذلة كغيرهم من ضعيفي النفوس ووضعي القدر، حتى سطروا تاريخا لامعا وعنوانا برّاقا بين الشعوب، في حفاظهم على عرضهم وأرضهم، وبالتالي معتقدهم،  الذي لا يقبل النجس والرجس والعيب والدنس.

وما تعيشه  الآن الطائفة الدرزية في إسرائيل  من صراع على الأرض، ما هو إلا بسبب سياسة الدولة العنصرية، وما تحويه  من ظلم وإجحاف في حق هذه الطائفة، التي لو فكرت هذه الدولة بحق لما أقدمت على هذا الفعل البغيض بحق طائفة تتحلى بالإخلاص والوفاء وحسن الجوار مع الدولة التي تعيش فيها.

فقضية الأرض  ومصادرتها من اجل مشاريع لا تعود علينا نحن الدروز بشيء، بل تجلب لنا التوتر وعدم الاستقرار، والشعور  بالإحباط والقهر والاستغلال والإجحاف،  فحتى الآن لم تأت المفاوضات بشيء، بل الدولة تستغل المفاوضات لإتمام مشاريعها على أراضينا وتذهب وعودها ادراج الرياح، فلا دوم مقابل دونم ولا ثمن يليق بسعر الأرض، فتضيع أراضينا "بين حانا ومانا"، وبين جلسة وجلسة، وبين "طعمي الثم بتستحي العين". 

وأما نحن أبناء الطائفة فعلينا رص الصفوف، واحترام بعضنا البعض، فنحن طائفة لا نخشى بشرا ولا ننحني إلا لمن رفع السماء بغير عمد، وبسط الأرض على ماء جلمد،  وان لا نسمح  بمصادرة وسلب أراضينا رغما عنا، لان الأرض وجود وعدم وجود، ونحن لا نعادي ولا نعتدي، بل ندافع وننتصر،

 وعلى  الجميع أن يفهمنا أننا لسنا  أعداء لدولة إسرائيل، بل إسرائيل  هي التي تعادينا وتجعل نضالنا  على أرضنا مخالفة للقانون، وما يصح للمستوطن أن يفعله على ارض غيره، لا يصح للمواطن الدرزي أن يفعله على أرضه، التي هي ملك له، فالدولة تريدنا بلا ارض ولا حقوق ولا مساواة، وهذا ما لا نقبله ولا نرضى به، فقد طفح الكيل، وآن أن نصحو من سباتنا، الذي استمر أكثر من 63 عاما.

 فلم يبق لنا سوى النضال أو الرحيل، لأننا أصبحنا شعب بلا ارض ولا دولة ولا حقوق ولا صيانة في دولة تدعي بحقوق الإنسان، فلا يموت حق وله مطالب.

 فكونوا قوما إذا صيح فيهم هبوا، ولا ترضوا بالمهانة ولا بالمذلة، وكونوا لإخوانكم عونا لهم، ولا تكونوا عونا عليهم، واجتمعوا "ولا تفرقوا فتذهب ريحكم"، "والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه"، و " يد الله مع الجماعة"، "وان ينصركم فلا غالب لكم"، فصونوا الأرض والعرض يسلم دينكم وتحسن سيرتكم وتصان كرامتكم ويكبر احترامكم ،"وما ربك بظلام العبيد". 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق