في ذكرى استشهاده الرابعةِ والثلاثين بقلم حسين صعب
2011-03-18 11:48:31

- قائدُ ملء الزمن، مناضلٌ وفيلسوفُ خالدٌ في ذاكرة التاريخ-

نستذكر في هذه الأيام العصيبة والدقيقة التي يمر بها عالمنا العربي وفي خضم الأحداث التي تعصف ببلد الأرز، لبنان، غياب المناضل التاريخي والمفكر الموضوعي نبي العصر الحديث المعلم الكبير كمال جنبلاط.

لقد كان كمال جنبلاط في حياته ونضاله ظاهرةً مشرقةً في تاريخنا المعاصر، فقد علم أجيالاً بكاملها كيف يكون الالتزام بالمبدأ قولاً وفعلاً وكيف يقاتل القائد في خندق جماهيره حتى آخر نقطة دمٍ في عروقه، وحسبه فخراً ومجداً إن جميع قوى التآمر والغدر التي اجتمعت عليه وعلى شعبه الأبي قد عجزت عن قهره في ساحات الصراع الحقيقي ولكنها لم تجد مفراً من اللجوء الى أحط الوسائل والاساليب وهي الاغتيال السياسي والذي نفذته آنذاك ثله من رجال المخابرات السوريه(على رأسهم ابراهيم حويجي)بأمر من سالازار دمشق وطاغية الشام آنذاك حافظ الأسد الذي طالما تبجح وتشدق بمحافظته على العروبه وصيانتها.

لماذا اغتالوا كمال جنبلاط؟

أولا: لأن صورة الصراع العربي الإسرائيلي بكل عوامله التاريخية وحيثياته المزمنة والطارئة كل هذا كان لوحة واضحة في عقل جنبلاط.

ثانيا: لأن كمال جنبلاط لم يكن نبتاً شيطانياً من النباتات التي صُنعت أو تُصنع صُنعاً في حياة لبنان بالمال المشبوه أو بالعمالة الرخيصة، بل كان عملاقاً حقيقيا يضرب بجذوره عمق التراب اللبناني والعربي والعالمي، لا يمكن أن يتنكر له عدو أو صديق.كان كمال جنبلاط يمثل شجرة اأارز وهي تحمل على جنبيها روح الشاعر والثائر.

إن الشعور بالواجب يملي علينا أحياء وتقديم فكر الرجل الذي أجهد نفسه في صناعة نفسه وصناعة التاريخ، لقد جمع في شخصيته عقل العالم المدقق ورسولية النبي الرؤيوي المبشر وخيال الشاعر الصوفي المتسع، فلم يتوقف في محطة السادس عشر من آذار وإنما بقي مسافرًا في قطار الوجود المسافر، جرعة في تاريخنا المعاصر ومشروعا ينجز في مستقبل تفتح الآفاق. فهو المتميز بين سياسي تلك المرحلة في نهجه الجامع بين الثقافة والسياسة الهاجس بإسراء روح العقل في أمةٍ تغريها اأاساطير وتستلبها الخرافات، إنه الداعي الى

-1-

إحلال روح الدين الخُلقي في جسد دنيوي يفور كالقِدر الموضوع على نار الغرائز والرغائب.

كان كمال جنبلاط ظاهرةً خارجةً عن المألوف في عالمنا السياسي والثقافي المردي، كان وهو سيد القصر، سيد نفسه أولا وهو الزعيم المنحدر من نبالة أرستقراطيه، فارساً تقدمياً يسابق العصر ليطل على الزمن الآتي من كشوفات العلم الأخيرة والتجارب السياسية.

كان كمال جنبلاط رمزًا للقيادة الحكيمة وركناً للمعرفة والعرفان، جمع بين القلم والقيادة بين الإيمان والمعرفة بين الفلسفة والمبادىء بين الانسانية والمحبة بين التواضع والرئاسة بين إخلاصه لوطنه لمذهبه وشعبه.

أنهى المعلم كمال جنبلاط دراسته الجامعية في المحاماة في الجامعة اليسوعية ببيروت، وجامعة السوربون الفرنسية في مواضيع الفلسفة، علم الاجتماع وعلم النفس.

أما بالنسبة لمشروعه السياسي في وطنه لبنان فكان مشروعاً إصلاحياً لا طائفياً. أراد أن يضع قواعد جديدة للسياسة تستطيع أن تحول الطوائف الى شعب واحد وإن تخلص الإدارة والمؤسسات من عقده الطائفية والعائلية.

في سنة 1965 شكّل كمال جنبلاط الجبهة اليسارية التي ضمّت الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الشيوعي وتنظيمات تقدمية ناصرية، والجدير بالذكر أن كمال جنبلاط قاد الثورة ضد الفساد والتآمر على لبنان سنه 1958، وقيل عنه آنذاك أنه ينصب الرؤساء ويخلعهم إذا شذوا عن الطريق القويم.

كما حاول إلحاق لبنان الى الجمهورية العربية المتحدة التي ضّمت آنذاك مصر وسوريا،غير أن القوى الرجعية المتعاونة مع القوى الأجنبية والقوى الانعزالية والطائفية آنذاك استطاعت أن تمنع ذلك.

كان كمال جنبلاط زعيماً قومياً عربياً اشتراكياً، قائداً ثورياً معلماً، شاعراً وفيلسوفاً يمثل هو وأمثاله من القادة العرب كجمال عبد الناصر وسلطان باشا الأطرش وأمير البيان، شكيب أرسلان، الوجه الحقيقي الناصع لهذه الأمة.

كان لكمال جنبلاط دورًا كبيرًا في دعم الشعب الفلسطيني وثورته، فعندما حدثت المواجهات المسلحة سنة 1968 بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني وقف القائد كمال جنبلاط مع قواته مدافعاً عن المقاومة الفلسطينية وهكذا أصبح رمزًا لدعم القوى القومية اللبنانية للشعب الفلسطيني وأصبح الفلسطينيون ينظرون إليه كالدرع الواقي لحركتهم وحقهم في الكفاح.

-2-

في سنة 1973 عُين الأمين العام للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية والتي ضمت آنذاك 57 حزباً وتنظيماً من كافة الدول العربية. وهو العربي الوحيد الحاصل على وسام لينين للسلام إضافة الى كونه عضواً بارزاً في الاشتراكية العالمية وفي مجلس السلم العالمي.

لقد رحل عنا المعلم الكبير كمال جنبلاط في السادس عشر من آذار(1977)بجسده لكن روحه الأزليه باقيةً فينا الى الأبد، فهو في ضمير الأمة وفي وجدان الشعب بفكره وعلمه وفلسفته وتعاليمه التي لا تموت أبدا، وسيبقى فينا وينتصر...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق