حرية الشعوب بقلم طه دخل الله عبد الرحمن
2011-03-03 15:53:44

كونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا الى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون قول الحسين بن علي بن أبي طالب، فطوبى لك أيتها الأم العظيمة التي حملت كائنا غريبا لا يشبه غيره من البشر يترك كل ما له ويحارب من أجلنا ومن أجل إعلاء كلمة لطالما ذرفنا الدموع وأطلقنا الآهات والحسرات لمجرد سماعها متحسرين على فراقنا لها وحرمانا منها هذه الكلمة التي طالما أدخلت البهجة والسرور في قلوب الصغار وأفئدة الكبار وألهمت الكثير من الشعراء وأدفأت أغاني الفنانين المتحسرين على سماعها بدون خوف أو وجل تاركين كل شيء يرتطم بعرض الحائط ويطلق العنان لأشجانه وإحساسه بأن يتغنى بها ويتفاخر وهو يميل من وقع موسيقاها التي أدفأت قلوب هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل أن نعيش نحن بدفئها.

 

الشعب يريد اسقاط النظام.

مضى الآن ما يقارب من مئتي عام وأكثر القرن التاسع عشر والعشرين وربما أيضا قرننا هذا الذي نحياه والعالم العربي يصرخ صراخا مدويا من أعمق نقطة متأصلة في عقله وروحه ووجدانه صراخا تخرجه حنجرته التي أعياها الصراخ والعويل طالبا الحرية من كل القيود التي تفرضها الدولة والمجتمع عليه وعلى حرية تفكيره وحرية معتقده من دون وجه حق يذكر.

وبما أنه وقد تخلص من رقبة الاستعمار بكافة أشكاله - تقريبا - بعد أن بذل في سبيل ذلك ما بذل من دم ومال وفكر. هذا العالم الآن جدير جدا بالحصول على حريتهالمطلقة دون قيد أو شرط من أي كائن كان، حرية يكون أساسها احترام الإنسان وحفظ كرامته. الحرية التي هو جدير بها الآن هي تماما مثل تلك التي انتزعتها الشعوب الحية من طغيان وطغاة حكوماتها هي ذاتها التي يطمح إليها الشعب العربي من المحيط إلى المحيط "صوت واحد لا صوتين الحرية، الحرية، الحرية مطلب الشعوب العربية" وذلك فقط من أجل أن تتناغم مع بقية المفردات وليصبح لها وقع موسيقي قد لا يكون بمستوى وقع موسيقى كلمة الحرية، الكلمة السحرية تلك التي دفعت الشعوب من أجلها كثير من الدماء والدموع.

ماذا تعني كلمة الحرية؟ أكاديميا هي كما جاءت بها قواميس اللغة وموسوعات الفكر الحرية: الإنطلاق من رقبة الاستعباد وهي خلاف الرق والعبودية؛ وهي أثمن ما يملكه الإنسان وهي الخلاص من كل قيد؛ هي حرية فردية ومدنية، حرية المعتقد والتعبير والأفكار، حرية الصحافة والكلام. هي القدرة على التصرف بملء الإرادة والاختيار؛ ومذهب الحرية، هو مذهب سياسي يقرر وجوب استقلال السلطة التشريعية والسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ويعترف للمواطنين بضروب مختلفة من الضمان تحميهم من تعسف الحكومات، ومذهب الحرية بهذا المعنى نقيض مذهب الاستبداد بالسلطة أي ان الشعب قدحقق حريته وأصبح سيد أموره يسيرها ويمارسها كما يريد،هذا بالتخلص من السيطرة الأجنبية. ومن حقوق الإنسان أن يتمتع كل مواطن بحرية التجول وحرية الرأي وحرية الاعتقاد وحرية التعبير وحقه في اختيار ما يريد حسب اعتقاده، واقتناعه. فالحرية الفردية ما ينبغي أن يتمتع بهالمواطن من الحقوق المدنية التي يخولها له القانون. والحرية السياسية هي حق المواطن في التمتع بحقوق المواطنة في ظل نظام ديمقراطي. اما حرية الاعتقاد فهي حق الإنسان أن يعتقد الدين الذي يرتئيه. وحرية النشر حق الإنسان في أن يكتب وينشر آراءه وأفكاره. والحرية الطبيعية حق الإنسان في أن يتصرف في الحياة بطبيعةدون أي ضغط خارجي. والحرية المدنيةهي حق المواطن أن يتصرف ويعمل حسب القوانين المدنية.

لقد نظر مفكروا الإسلام للحرية من منظور إسلامي بحت ومن منظور إنساني عام عبر تاريخ الإسلام، فهناك فرق وجماعات كثيرة نظرت نظرة فاحصة لمفهوم الحرية.

في عصرنا الحاضر من منظور إسلامي خالص بأنالحرية فطرة بشرية فطر الله الإنسان عليها وجعلها مرتبطة بسعادته وهنائه، فهي التي تعبر عن شخصيته المستقلة البعيدة عن كل إكراه والقادرة على تحمل المسؤولية، فيحس من خلالها بالعزة والثقة بالنفس. وبها تحقق معنى المساواة بين الناس في تصرفاتهم، ولذلك كانت أصل جميع الحقوق، إذ لا يمكن لأي إنسان أن يمارس حقا من حقوقه بعيدا عن الحرية، إن كان ذلك من قبل الفرد نحو الفرد، أو من قبل الفرد نحو الجماعة، أو من قبل الجماعة نحو الفرد. وتتضح الصورة أكثر حين نضع الحقوق مع غياب الحرية بشكل كامل، فعندها لا تكون هناك حقوقا أصلا، بما يعني أنها لم تعد حقوقا بأي شكل من الأشكال. فإلغاء الحرية هنا استلاب وتضييع لأي حق، وهذا ما يجعلنا نطابق بين المفردتين في النهاية، حيث تصبح الحرية حقا، والحق حرية.

ويربط جل ذلك بالدين الإسلامي من دون تحديد لمذهب معين لكونه كما الحرية هو دين الفطرة يعتمد على حرية الفرد. وأن الإسلام أقر الحق كامتداد طبيعي لهذه الحرية في إبداء الرأي تجاه كافة القضايا والأمور التي تفرض نفسها على واقع المجتمع الإسلامي. وأن الإسلام يرى في الحرية الشيء الذي يحقق معنى الحياة للإنسان فيها حياته الحقيقية وبفقدها يموت الإنسان حتى ولو عاش يأكل ويسعى في الأرض كما هو حال الدواب والأنعام. ولقد بلغ من تقديس الإسلام للحرية الإنسانية أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الذات الإلهية هو العقل الإنساني فحرر سبيل الإيمان من تأثير الخوارق والمعجزات المادية.

لذا يمكن القول بأن من الصعب تعريف الحرية بالنظر إلى تباين وجهات النظر في ذلك. غير إنه يمكن القول بأن الحرية من الناحية البيولوجية هي فقدان الارغام ومن الناحية النفسية هي القدرة على الاختيار بين عدة حلول. وقال الفيلسوف "كانت" أن الحرية هي قانون العقل ومن ثم فإنها تتحد بلاستقلال المنزه فوق تعارض الرغبات. ويسود الاعتقاد في عصرنا هذا بأن التحقيق الحر هو تحقيق الذات أي تحقيق سعادة الإنسان ذاته وذلك بأن يكونألإنسان حرا في خلق حياته.

ويعتقد بعض الاشتراكيين أن الحرية هي التحرر من قهر الدولة واستبدادها لأن القدرة على تسير أمور المواطن إنما تعني تحرير العامل من القهر الاداري ومن قهر الدولة. إلا أن الأهم من كل ذلك في الحرية، حسب التحديدالاشتراكي لها، هو إمكانية تحقيقها من خلال الارتكاز إلى قاعدة مادية صلبة كتوزيع الثروة وتوفير العمل والرفاهية للجميع وما عدا ذلك فإن الحرية تظل مجرد شعور أوإمكانية.

وينطوي هذا تحت تعريف الموضوعات حرية الإعلام، حرية التجارة، حرية التعبير، حرية التنظيم، حرية دولية، حرية الدين، حرية الصحافة، حرية الطيران، الحريات المدنية، حرية الملاحة.

فحرية الاتصال السمعي والبصري ،حرية تقديم الخدمات حرية التعليم،حرية تنقل الاشخاص ،الحرية الفردية ،حرية الضمير،حرية النشاط الاقتصادي والحرية النقابية،هي ايضا تقع في باب التعريف.

جون ستيورت مل وهو أشهر من كتب عن الحرية في العالم الغربي يؤكد على أن الحرية هي نتيجة التقدم الذي أحرزته فصائل متطورة من بني الإنسان وليس بشكل طبيعي وليس لكل البشر ثم ما لبث أن انبثق هذا المفهوم من أجل تقييد سلطة الحاكم من قبل المحكومين، وظهرت بعد ذلك الأنظمة الديمقراطية، فأصبح القائمون على السلطة وكلاء عن الشعب، وتمثل إرادتهم إرادة الأمة مدة إنابتهم عنها.

ومن هنا شدد على تقييد سلطة الحاكم على المحكوميين حتى ولو كانت ديمقراطية ويرى إن استبداد المجتمع هو أخطر أنواع الاستبداد الذي يطوق الفرد بعادات وتقاليد لا يستطيع الفرار منها بسهولة ويسر.

نحن الآن خارج أزمنة الثورات الدموية وخارج أزمنة طرد المستعمرين، ونقطن داخل أروقة الثورات العقلية والسلمية ونرقص فرحا في ساحاتها ونغني؛ ثورات تحاول أن تحاور الحكومات الجائرة والعودة بها إلى الرشد في التعامل مع شعوبها وحفظ حقوقهم وكرامتهم وعدم المساس بمستقبل أبنائهم تبعا لأهوائها غير العقلانية؛ ولكوننا على ما أظن أضحينا شعوب عقلانية على عكس ما يقال عنا بأننا أصبحنا مجتمعات تستجدي الحرية ولانبدي أي جهد أو مقاومة لشرف نيلها وإن تاريخنا العربي برمته وتاريخ الإسلام ليس للحرية فيه وجود، غير إن هذا الأمر ليس بالحقيقي فأكبر شاهد على استحقاقنا للحرية هو ما بذله الشعب الجزائري لنيل حريته وقد استحقها بجدارة كما هو الحال بالشعب التونسي والمصري والعراقي وكما هو الحال بالشعب الفلسطيني الذي يبذل كل ما يستطيع لتحقيق وجوده،وما نشهده الان على الساحه لدى جميع الشعوب العربيه.

ومما يثير الدهشة حقا، أن جميع الدول العربية موقعة على الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان وقدمت إلى الأمم المتحدة تقارير عن تقدم الحفاظ على حقوق الإنسان فيبلدانها وقد قامت الأمم المتحدة برفع توصياتها الي الدولة الطرف لتعديل أوضاعها الخاصة بهذه الحقوق حقوق الإنسان.

غير أن هذه الدول لم تصل بعد إلى المستوى الذي تطمح إليه هيئة الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان فلايزال هناك تمييزا بين المواطنين على أساس المعتقد وأن العهد الذي وقعوا عليه يقتضي احترام الحرية الدينية لمعتنقي جميع المعتقدات الدينية، وعدم اقتصارها على الأديان التوحيدية وعدم تقييد الحق في تغيير الدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فإنه لا تزال ولأسباب عدة تشعر اللجنة بالقلق إزاء عدم ضمان حرية الدين والمعتقد على أكمل وجه؛ من جانب أخر فإن عالم الصحافة هو الآخر لايزال يرزح تحت وطأة التخلف والرقابة إذ ومازال يساور اللجنـة القلـق إزاء قانون الصحافة؛ إلى جانب ذلك هناك شكوك حول صدقية الحكومات حول العنصر والطائفة واللون والجنس؛ وهناك بلا أدنى شك قصور في الاعتراف بحرية الرأي إذ يساور اللجنة قلق خاص لأن أشخاصا أعربوا عن آراء سياسية معارضة للحكومة. تم اقتيادهم إلى السجون؛ أما بالنسبة إلى القضاء فإن اللجنة تعرب عن قلقها لأن حياد جهاز القضاء ليس مضمونا بالكامل.

طبعا هناك دولا عربية لاتزال تطبق عقوبة الإعدام على كل من يخالفها الرأي وهي بالطبع في مؤخرة الركب العالمي لحقوق الإنسان وللإنسانية. وهذا الحديث ليس من لبنات أفكاري المحبة لحرية الإنسان بل هو مأخوذ من تقارير قدمتها الدول العربية نفسها إلى هيئة الأمم المتحدة. ومما يثير حقيقة الإنتباه إلى أنه كيف تتطور دولة مزروعة وهي ترزح تحت هذا القدر من عدم المسؤولية والعنصرية والتبجح بأخلاقيات هي أبعد ما تكون عنها، فهي - هذه الدولة - تغتصب وتنفي وتبعد وتميز حسب تقاريرها إلى الأمم المتحدة وحسب توصيات الأمم المتحدة للدول الطرف للارتقاء بإنسانيتها المزعومة.

مهما قلنا وقال المجتمع الدولي عن الحرية فهي - الحرية - تبقى مطلبا للشعوب الحية ذات الفكر النير والمعترفة من دون أي نقاش يذكر بأن الحرية تؤخذ ولا تعطى أبدا، فالمجتمعات العربية إن هي أرادت الحرية فعليها أن تنتزعها انتزاعا مهما كلف الثمن لتصير مثل بقية الشعوب حرة بحق وحقيقة. أما هي إن انتظرت أن تمنح لها الحرية من دول ذات شأن فإنها تضع أقدامها في وحل هو أخطر من وحل الوضع القائم حاليا.

الأصوات التي تنادي بالحرية ليست وليدة هذا العصر، فالرسول العربي العظيم نادى بالحرية، الخلفاء الراشدون نادوا بالحرية، المعتزلة نادوا بالحرية، أخوان الصفا نادوا بالحرية، كل الأحزاب العربية وليدة القرن الماضي والحاضر نادت بالحرية.

أن الذين حرموا من الحرية على المدى الطويل ولم يستطيعوا أن يحققوا ولو جزءا بسيطا منها وتركوا الدنيا ورحلوا بعد أن أمضوا زهرة عمرهم وشبابهم وضحوا من أجلها كثيرا هم من أوائل الذين سينالون الفرح وسوف تعظمهم شعوبهم وتنصب لهم النصب في ميادينها وتفرشها لهم بالورد وعبق الياسمين. سيكون جزاء هؤلاء وعرفانا لهم بالجميل الذي كان البذرة الجيدة التي غرسوها في دماء الشباب وأفكارهم لكي يقفوا في وجهالطغيان وفي وجه من تسول له نفسه في إهانة كرامة الإنسان واللعب بأقداره ومستقبل أجياله.

ختاما نقول إن المرددين لشدو سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم أعطني حريتي أطلق يدي، إنني أعطيت ما استبقيت شيأ ولكل من يأملون في منحهم الحرية سيبقون يرددون معها هذا القول إلى قيام الساعة ولن يحصلوا على الحرية المنشودة أبدا. ياأمة العرب أنتزعوا الحرية إنتزاعا ومهما كلف الثمن.

لقد أصبحنا شعوبا نمتلك كثيرا من المعلومات والحنكة السياسية ولذلك أصبح يحق لنا أن نعيش في دول ديمقراطية وأن نمارسها كما يمارسها الآخرون.

يقول أحد المفكرين الإسلاميين: إن سنن الكون في انتصار الشعوب وظفرها بحريتها قد تتأخر لسبب أو آخر، لكنها لا تخيب أبدا. وليس مطلوبا منا سوى أن نعقلها، ثم نتوكل. بودي هنا أن يردد الجميع صرخة الشعوب العربية المتأصلة في كيانها: نحب الحرية ومن أجلها نموت. تماما كما تحبها جميع الأمم المتحررة من رقبة الطغاة والموهومين بالسلطة والقوة وإهانة كرامة الناس.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق