شفيق حبيب في عامه السبعين بقلم نور عامر
2011-02-23 22:40:24

كنت في وقت مضى قد تناولت بإعجاب بعض نتاج الشاعر المبدع شفيق حبيب ، وها انا التقي معه مجددا في قصيدة جديدة عنوانها " على شاطئ السبعين " نشرها بمناسبة بلوغه العقد السابع .

يسعدنا أن تمتد به الأيام حتى يرى ما تمناه في قصيدته " أسائل عمري هل سيمتد كي أرى / زغاريد ارضي في خواء الخرائب " .

ستة وعشرون بيتا من البحر الطويل قصيدة موزونة تماما يمتاز مطلعها بما يسمّى "التصريع "

المستحسن في الشعر العمودي ، دأبنا على قراءته عند الشعراء الكبار " على شاطئ السبعين حطت مراكبي / وناءت بأعباء الرزايا مناكبي " .

استهلال رائع يليه موقف أروع في التعبير عن الصمود وحب الوطن " مخرتُ عباب الليل والويل شاعرا / ولم يثنني قهر وأحقاد غاصب / أحب فلسطيني وأهلي وارضها / إذا مسّهم ضرّ ، تنادت كتائبي " .

يتابع شاعرنا ، ولعل في ذهنه قول محمود درويش : وطني ليس حقيبة ، وانا  لست مسافر .

" وتترى عقود والليالي ثقيلة / وما زال شعبي نازلا في الحقائب " .

هذا البيت لشفيق حبيب يعاني من الضعف بالقياس عمّا سبقه من أبيات قوية ثائرة . وكذلك البيت السابع " أرادوك سقّاء وطفلك حاطبا / واصبحت فأرا عندهم للتجارب " .

لو افترضنا ان هذا البيت مدماك  لتصدّع وأضرّ بكل البناء . لم أفاجأ بصدر البيت ، ولم استسغ " أصبحت فأرا " !

وأين هذا البيت من البيت الحادي عشر والذي اعتبره البيت المحور بالنسبة للموضوع الأساس .

" تمرّ بي الأيّام والعمر نازف / وما زلت في السبعين غضّ الرغائب " .

يتجلّى حب الشاعر للحياة وتمجيده لها ، ثم شعوره بالشباب والعنفوان . ولعل هذا الاحساس هو ما فجّر قريحته لفتح صفحة المرأة التي تحظى عنده بمكانة كبيرة .

" عيون الغواني كم يعذبن خافقي / ويصرعني عمدا صدود الكواعب " .

صورة شعرية مثيرة ، الرغبة والصد ، الإندفاع والإخفاق ، التناقض في التشكيل وفي ملامح الزمن : الإمتداد النضوج والكم ( الشاعر ) ، والزهور البكر ( الكواعب ) مفرد : الجارية نهد ثديها .

ويستهويه هذا العشق حتى نراه يتعالى على سليمان " نشيد الإنشاد " ويتعالى على قيس !

" نشيد سليمان صدى في محابري / وأمطار قيس قطرة في سحائبي " .

ويزداد حماسه فلا يترك في الحي حسناء ، يعشق بالجملة !!

"عشقت حسان الحي عشقا مراوغا / وقاتلت حتى قيل : خير محارب " .
ولا يرى غضاضة في الخلط بين العشق الصوفي  ، وعشق المرأة ، خاصة الفتاة  اللعوب .

" تغنيت بالعشق الإلهي مدنفا / وعدت قتيلا في سيوف اللواعب " .

هذه المفارقة تحتاج الى التفكّر لتفسير ما قصده الشاعر . الصواب في نظري أن ندع المسألة مفتوحة .. وأن نلتفت الى براعة الشاعر في التمهيد قبل دخوله عالم الأنثى ؛ ربما ليحصّن نفسه من الظنون  ...

" وإني جمبل النفس حرّ ، عفيفها / ولكنها تزداد شهدا تجاربي "  .

من خلال  معرفتنا به نقرّ له بهذه الصفة النبيلة ، ولا تفوتنا الإشارة أنه شاعر من أجل قضية يجسدها بموهبته المشبعة بالتجربة والمعرفة " أنا شاعر تغذوه آمال أمّة / وآلامها ، والحرف

ثرّ المواهب / زرعت على التاريخ رايات نصرها / ونكستها حين استبيحت ملاعبي " .

نلحظ بوضوح الفجوة الواسعة بين صدر البيت الثاني وعجزه .   مصرعان متنافران بحدة !

ليته جعل عجز البيت موازيا لصدره فخرا وشموخا ، كما فعل النابغة الجعدي مفتخرا بقومه : بلغنا السماء مجدنا

وجدودنا / وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا  .

وبخصوص القافية فإن الشاعر يتحكم بها في معظم قصيدته ، لكن بعض القوافي تخرج عن طوعه ، بمعنى انها تثبت من اجل القافية ليس إلا. كقوله على سبيل المثال " على جبهة الأيام تعلو قصائدي / وتبقى شهود العصر ، عصر النواكب " .

يعرف بدون شك ان الصحيح لغويا ( نكبات ) جمع نكبة ، وليس " النواكب " .  لكنه اضطر لوضعها كي تستقيم القافية .

إن لشفيق حبيب صولات كثيرة في شعر التفعيلة ، لكنه في الحقيقة مولع بالشعر القديم ، ومن نتائج هذا الولع أنه في قصيدته هذه تنازل قليلا عن لغة العصر في وصفه الأخطار التي تحيق بأمّتنا في ظل الهيمنة والمكر وسطوة السلاح ، كقوله " شفار المخالب . ظلال الثعالب . طعام النواعب " . ومع ذلك تبقى هذه الألفاظ القديمة محببة الى نفوسنا من منطلق عشقنا للغتنا

العربية .

لعل دافعي الأول في نقد هذه القصيدة أن شاعرنا الكريم صادق الشعور صريح العبارة ، لدرجة أنك لا تجد في قصيدته فقرة واحدة ملتوية أو مخادعة ، لذلك نقرأ هذا النص المميز بكثير من التفاعل والتقدير . 
 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق