نظرة في دولتين !!! بقلم منير فرّو
2011-01-20 15:14:11

قال تعالى : "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"(إبراهيم 42)، وأيضا : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ( الشعراء 227)، وقال الإمام علي بن أبي طالب (ك):
            لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا       فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
            تنـــام عينك والمظلوم مُنتبهٌ       يــــدعو عليك وعين الله لم تنمِ
        
إن الشرط الوحيد في بقاء واستمرار الدولة هو أن تكون عادلة تبتعد عن التمييز العنصري البغيض، بل المساواة التّامة بين جميع فئات الشعب دون تمييز لدين أو لون،
لاعتقاد إفلاطون :"غايتنا من إقامة الدولة إسعاد الجميع،لا إسعاد طبقة"، فإفلاطون يرى بالدولة هدفا،  ويرى في تقسيم المجتمع إلى طبقات صلاحا،  وذلك إذا تولى الفرد أداء الشيء الذي جعلته الطبيعة له صالحا، لان العدالة في نظره تتحقق عندما تقوم كل طبقة بالوظيفة التي تناسبها ، ولا يمكن أن يوجد هذا التقسيم إلا في داخل إطار الدولة ، فالدولة التي تبني نفسها على التمييز العرقي والمادي مصيرها الزوال والانهيار، لان الدولة عليها أن تنظر إلى المواطن كمواطن عليه أن يؤدي واجباته كاملة، وأن ينال حقوقه كاملة، ولا يكون المواطن الغير صالح الذي لا يؤدي واجباته تجاه الدولة إذا كان ذات الأكثرية العرقية، بأفضل من المواطن الذات أقلية ويؤدي واجباته للدولة،


 لذلك الدولة التي تهمل مواطنيها الذين ينتمون إلى عرق آخر، وتنظر إليهم يعانون مشاكلهم وتقف مكتوفة الأيدي هي دولة ظالمة، ولو كانت تدعي الديمقراطية، ونحن كطائفة عربية درزية إسرائيلية أقلية، أصبحت تعيش حالة من الإحباط النفسي والحيرة الفكرية  بسبب ما تعانيه من إجحاف في الحقوق، بالرغم تقديمها الواجبات كاملة،


فمؤسسات  الدولة مليئة بالوعودات دون رصيد، فهي تزيّن لنا الحقوق بشتى أنواع الأكاذيب، حتى بتنا نعيش في سراب لامع، نحسبه شيئا فنظنه ماء،  لكنه في الحقيقة خداع بصري، أوهم لنا أننا نرى شيئا حقيقيا، ما نلبث حتى يتبين لنا أنه وهم لا حقيقة، فباتت قضايانا بين مطرقة وسندان، لا دولة تهتم بها، ولا مسؤولون، ولا وكلاء، لكننا نسمع كلمات وخطابات رنانة تصن الآذان، ولكن لا نعرف صدقها من كذبها،


ومما يثير الغرابة والدهشة، أننا عندما نتكلم عن تقصير الدولة تجاه حقوقنا، يسمنا البعض أننا نعمل ضد أمن الدولة، وأننا أصبحنا نشكل خطرا عليها وكأننا منظمات تخريبية أو أصولية أو جهادية فتحاوية أو حماسية داخل البلاد وتدعو إلى العنف والتمرد والعصيان وكأننا نحن أبناء الأقليات يجب أن نصمت ونسكت في مطالبة الدولة بحقوقنا إزاء ما نقوم به من واجبات كاملة، لأننا نحن عنصر آخر يختلف عن مواطني الدولة، وعلينا أن نرضى بالفتات التي تقدمه لنا الدولة، مقابل الكم الكبير والباهض الذي تأخذه منا، من الضرائب ومصادرة الأملاك والسيطرة على كل ما نملك، وكأن الدولة هي ربنا الأعلى، يجب أن نقول لها سمعا وطاعة دون تردد أو تأفف ولو لم تف بوعوداتها، والأصعب من ذلك، أن ممثلينا من أبناء جلدتنا، والذين يتقلدون المناصب، يخافون سطوة الدولة وفقدان مناصبهم ومعاشاتهم، فيقفون ضدنا، ولو كنا على حق، ويعملون ليل نهار على إسكاتنا وإخراسنا عن المطالبة بحقوقنا، والعمل على بث الأكاذيب والادعاءات، وجعل الشارع يقوم ضدنا، بحجة أن المطالبة بالحق والحقوق هو تخريب العلاقة مع الدولة التي عمل غيرنا على بنائها، 


وهذا ما نجحت به الدولة على إشباع أفراد من الأقليات، واملاء جيبوهم لتحقيق مآربها، وللتظاهر أمام الرأي العام أن هناك مساواة، وان هناك من الأقليات ما يأخذ حقوقه كاملة وبدعاية أذنابها، والحقيقة غير ذلك !! وهذا الظلم بعينه، وعواقبه خطيرة، لأنه كما قال الشاعر :

إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر

فيجب الفصل بين مواطن يطالب دولته بحقوقه، وبين مواطن يشكل خطرا أمنيا، ولا يجب الخلط بين الاثنين، فليس إنصافا أن نرى الأكثرية في الدولة ممن يؤدون نفس الواجبات معنا وهم يحصلون على حقوقهم كاملة، ونحن نبقى ننتظر الفرج من تحقيق وعودات الوزير فلان والمسؤول فلان، وكأن وسطنا ليس من علاقة مباشرة تربطه مع الدولة، بل مع شخصيات يعملون في الدولة تذهب وعوداتهم عرض الحائط بتغيير الحكومة،


وهنا أقتبس في مقالتي هذه ما كتبه "توماس مور"، أحد مفكري النزعة الإنسانية في القرن السادس عشر، المولود في انكلترا عام 1478 م، والذي أراد أن يصلح الأخطاء الاجتماعية في بلده، فكتب كتابا أسماه "اليوتوبيا"، ومعناه المدينة التي لا وجود لها، وهي تلك المدينة المثالية المبنية على الفضائل والمحبة، ولكن  في النهاية وقع ضحية يوتوبيته، حيث حوكم وأدين وأزهقت روحه  في 6 تموز عام 1535، ليلحق بمصير الحكيم سقراط ، الذي حكم عليه بالإعدام بشرب السم، بسبب آرائه الروحية، التي تدعو إلى نبذ العنف والظلم، وتحكيم العقل والحكمة، ونشر المعرفة والفضيلة، لبناء مجتمع صالح، بعيد كل البعد عن الأنانية والطبائع الحيوانية، ليرتقي الإنسان إلى عالم الملائكي، فيقول مور : " المحبة والاحترام يسودان معاملة الناس بعضهم لبعض، ولا فضل لرئيس على مرؤوس، فلا زهو ولا كبرياء، ولا تميّز أميرهم بلبس الحرير، أو الذهب بل شارة الملك عندهم سنبلة قمح يحملها رجل أمام الملك،


أما قوانينهم فقليلة جدا، لأن شعبا بلغ ما بلغ أهل يوتوبيا من التقدم، لا يحتاج سوى القليل القليل من مواد القانون ... وهم لا يجيزون أن يلجأ أحد إلى محام يدافع عنه أمام القضاء، فلكل أمريء يحفظ القانون ويدافع عن نفسه، أما الدين فالأكثرية تعتقد في اله قوي قادر أبدي خالد، وإليه ترجع الأمور من خيرها وشرها،   تلك هي يوتوبيا الدولة المثلى التي أشاعت كل خير بين الناس جميعا، فلا تعرف الفقر وما معناه، وإن أحدا منهم لا يملك شيئا، ومع ذلك فكل الناس أغنياء،


 ثم يأتي الكاتب على دولته التي يسودها الظلم والفساد، (كمثل دولتنا كما يتبين لنا يوما بعد يوم ) فيقول :


" أليست أيها الأصدقاء بلادنا قاسية ظالمة؟" 


انظروا أنها تكيّل المال كيلا للسادة الذين لا يعملون شيئا، سوى أنهم يراقبون صعود العملات وهبوطها، وارتفاع أسعار السلع وانخفاضها، فيقتنصون الفرص لرفع الأسعار وخفضها، ويملكون آجال العمال والمزارعين والمنتجين، وبعد أن يحققوا تلك الأرباح  الخيالية في أسواق العملات والسلع ، تراهم يتجرون بالأرض كشارين وسماسرة، أما المزارعون من يستنبتون الأرض خيرا وغلالا وبركة، والعمال الذي يشيدون المنازل ويبنون الجسور ويشقون الطرق فيعيشون في فقر مدقع، يتهددهم المرض والألم والشقاء ، إن طلبوا أجرا عادلا من أرباب العمل طردوا، 


وإن طالبوا الدولة تدّعي أن خزائنها خالية وخاوية 


وإن أصروا على مطالبهم العادية بزيادة أجورهم ، ألقت لهم بالفتات المتبقي من موائدها العامرة، وإن أصروا من جديد وجهّت لهم تهم القيام بالفوضى والإساءة الى أمن الدولة والتعرض للسلطان، وعندها تصب جام غضبها عليهم وتقمعهم بالعصي والهراوات والمياه الساخنة ثم تفرق صفوفهم بالدسائس والحزازات المذهبية والطائفية والعرقية والعقائدية وتنعتهم بتهم التآمر على سلامة الأمن العام ثم تقذف بهم الى السجون والمعتقلات، وإذا ما أصرّ العمال على نيل مطالبهم، تلجأ إلى أساليب جديدة، منها أنها تبويء عددا من هؤلاء العمال في مراكز القوى العاملة لامتصاص نقمة العاملين، ولإسكات أصوات زعمائهم، متبعة سياسة "فرّق تسد"، وتلجأ الدولة بعض الأحيان إلى استقدام الأيدي العاملة الغريبة المضاربة للأيدي العاملة المحلية( كالغرباء الذين يأتون من الفلبين وتايوان وغيرهم )، ابتغاء ترويض العمال المحليين الذين لا يملكون من دنياهم سوى قوتهم وعرق جبينهم،


أما إن تقدمت بهؤلاء السن، وعجزوا عن كسب القوت، نسيت الدولة ما قدّموه لها في سن الشباب من خدمات وأعمال تركتهم يتضورون جوعا ومرضا، ويموتون هملا، لا يأبه لهم إنسان، ثم يتابع الكاتب قوله : " انظروا أيها الأصدقاء، ألا ما أبعد المثل بيننا وبين أهل المدينة الفاضلة، الذين اعتبروا المال وسيلة لا غاية، عبدا لا سيدا، عابدا لا معبودا، وعندها أمحت أسباب الشقاء والفقر والخلاف والأنانية"، 


هذه هي أحوالنا في هذه البلاد، حقوقنا مهضومة، مجالسنا في حالة إفلاس، المياه مقطوعة، المدارس معطلة، معاشات العمال تنتظر الشارة الضوئية، الدولة لا تأبه لحالنا، لا اقتصاديا، ولا تطويريا، ولا صحيا، ولا ثقافيا ولا بيئيا، ولا رياضيا، ولا تربويا، ولا خرائط هيكلية، بيوتنا مهددة بالهدم للبناء الغير مرخص، القوانين التي تسنها الدولة على وسطنا لا تتلائم  وشعارتها المنادية بالديمقراطية والحرية والعدل والمساواة ، فالدولة دائما تتكلم بالمساواة ولكن لا مساواة بل معاداة ومقاساة، فلا تسعى إلى حلول مشاكلنا التي باتت من تراكمها كأنها جبال شامخات راسخات لا يمكن للآلات المجنزرة إزاحتها، بل تزيدها تعقيدات وكلما وعدتنا بالحلول تتعقد الأمور، فتتبدل الرؤساء والمسؤولون ولكن "دق المي هي مي"، الدولة لا تريد لقرانا التقدم والازدهار، وإنما  التأخر والانتحار، والتناحر والإضرار، ليلا كان أم نهار، لان سياسة دولتنا مبنية على العنصرية وحب الذات، والكراهية للآخرين، مهما قدموا من خير للدولة، جميع الطرق مسدودة في وجهنا، مما أدب بنا الإحباط،  والفساد، وصار يتهم أحدنا الآخر، موجها له إصبع الاتهام في سوء الإدارة، دون أن يعرف أن وراء هذا الإجحاف سياسة عنصرية، لا تريدنا أن نخطو إلى الإمام،  فتبقينا نعاني التخلف الاجتماعي، الذي هو سبب لسيكلوجية الإنسان المقهور، المحبط المهزوم، أمام سياسة انتهازية، 


تريد سلب الأرض لصالح أناس جل همهم كسب المال، فيتعاطون الرشوة مع أولئك الذين نوكلهم على مصالح قرانا، من وزراء، ومسؤولين، فيبيعون الأرض والعرض والدين، قضايانا شائكة ومعقدة تريد ألف حلال، وأبشع ما نعاني منه في الكرمل وباقي القرى مصادرة أراضينا، في الزراعة والمنصورة والجلمة وأم الشقف، ولا نعرف المصير المجهول، فعلينا جميعا أن نضع جميع المصالح الشخصية والسياسة جانبا ،وأن نتحد وان نتوحد حول هدف واحدا هو وجودنا، كما قال الأستاذ كمال جنبلاط : "نكون أو لا نكون " ، وان نناضل ونتظاهر أمام مكتب رئيس الوزراء في أورشليم بكل حزم وعزم ، ونعلن الإضراب والاعتصام هناك، حتى تلبي الدولة كل طلباتنا، فلا يمكن أن نقبل بشيء تفرضه علينا الحكومة دون أن يعود بالفائدة علينا جميعا، عندها نعود ونعترف بأن دولتنا إسرائيل هي دولة حق وحقوق وديمقراطية وعدل وأن ما عملناه معها مدة اكثر من ستين عاما لم يذهب هدرا آمين آمين يا رب العالمين .  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق