نظـرة فـي الـرأسمالـيـة!!! الجزء –الثاني
2010-07-20 13:54:08

بقلم منير فرّو

 

وقد جاء تحكّم هؤلاء القلة من الافراد لتحقيق مصالحهم الفردية والذاتية، مما جعل عندهم الغاية هي الربح والكسب المادي بشتى الطرق، المعوجة والملتوية، ولو خالفت القوانين والسنن التي انزلها الله في اديانه السماوية، لان في نظرهم ومعتقدهم "الغاية تبرر الوسيلة" ،

 

 فتملكوا بالأسواق ومصادر الثروات، كالموارد الطبيعية والمياه والمعادن والنباتات والحيوانات وحتى التضاريس الجغرافية، لاستغلالها سياحيا، ونشروا سباق التسلح بين الشعوب من اجل تحقيق مطامعهم، فذاق العالم بسببهم الويلات والدمار بافتعال الحروب والمجاعات والاوبئة، وحبسوا الأمطار عن البلاد النائية، لاحتلال أراضيهم وسلب ثرواتها، وعملوا على غلاء الاسعار والسلع، واسترقاق البشر، وجعلهم عبيدا مقهورين، وابتزوا الأيدي العاملة، حيث أصبح العامل معرضاً في كل لحظة لأن يستبدَل به غيره ممن يأخذ أجرا أقل، أو يؤدي عملا أكثر أو خدمة أفضل، مما زاد من انتشار البطالة، وأصبحت الحياة محمومة نتيجة للصراع بين طبقتين، احداهما مبتزة يهمها جمع المال بشتى الوسائل، واخرى محروقة تبحث عن المقومات الاساسية لحياتها، مما زاد الغني غنى، والفقير فقرا،  واصبحت الحياة ميدان سباق مسعورا يتنافس فيه الاطراف في سبيل احراز الغلبة، وتحولت الحياة الى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، فاحتكرت البضائع في سبيل خدمة بعض الافراد اصحاب المكانة العالية او الرأسماليين، مما ادى الى ابتزاز المستهلكين الضعفاء، لان الاحتكار هو حبس البضائع حتى تفقد من السوق حينها تعرض في السوق مجددا بسعر مضاعف، مما يضرب الطبقة الضعيفة في المجتمع وتجعله يعيش في غابة شرسة تصبح الحياة عبئا ثقيلا على كاهله ،

 

 

 وهذا أدى إلى تفكك الأسرة وانحلال روابطها الاجتماعية، لانه دفع بالاسرة لان يعمل افرادها جميعهم لسبيل العيش صغيرا كان ام كبيرا، رجلا كان ام  امراءة، شابا كان ام فتاة ،

 

فالاسس التي بنيت عليها الرأسمالية، جاءت لتخدم مصالح فردية، تتحكم بمصير الدول اقتصاديا وسياسيا وفكريا، دون وازع اخلاقي او روحي ، لأن الرأسمالية تنظر إلى الإنسان على انه كائن مادي، والتعامل معه بعيدا عن ميوله الروحية والاخلاقية، فهي تفصل بين الاقتصاد والذي هو المال وبين الاخلاق، لان في نظر الرأسمالية المنفعة واللذة هما أقصى ما يمكن تحقيقة .

 

 وتعتمد الرأسمالية على نظامين :

 

1-      نظام الكارتل ويعني اتفاق الشركات الكبيرة على اقتسام السوق العالمية فيما بينها مما يعطيها الفرصة على احتكار الاسواق وابتزاز الاهالي بحرية تامة .

 

2-      نظام الترست والذي يمكن شركة من الشركات المتنافسة لتكون اقدر واقوى في التحكم والسيطرة على السوق .

 

لذلك نرى الرأسمالية تفرض على الدولة عدم التدخل في الحياة الاقتصادية الا بالقدر الذي يتطلبه النظام العام وتوطيد الامن، لانه على الدولة توفير القوانين اللازمة لحماية ونمو الاقتصاد ، وإفساح المجال لكل انسان استغلال قدراته في زيادة ثرواته وحمايتها، وعدم الاعتداء عليها، لان اعتماد الرأسمالية يكون على الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة ويتفرع الى غير ذلك، وعلى الدولة ان تضمن المناطق الصناعية والزراعية والاماكن التجارية ليقدر ذوو الرأسمال باستثمار أموالهم على طريقتهم (مثل المشاريع التي ستقام على أراضي أهالي الكرمل في المنصورة والجلمة، وهي مشاريع لطبقة رؤوس أموال، يفرضون على الدولة تحقيق مآربهم قسوة، والدولة تقوم بالضغط على أصحاب الأراضي لإقامة المشاريع على أراضيهم مقابل تعويضات باخسة )، وهذا يتطلب حرية الأسعار، وإطلاق هذه الحرية وفق متطلبات العرض والطلب، واعتماد قانون السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها،

 

 ولكن الحرية التي نادت بها الرأسمالية بحجة انها حق انساني يعبر عن الكرامة البشرية، تحولت إلى حرية سلبية، لما تتضمنه من اباحية تبيح الفساد الاخلاقي، كاستعمال دور الملاهي، والأندية الليلية، والكازينوهات والقمار، التي باتت السبب في بيع الخمور والسموم، وبيع المومسات لاجسادهن مما نزع الأخلاق، وزاد من عمليات الاجرام والقتل والسرقة والاغتصاب، والتي اعجزت رجال الامن من التغلب عليها لتمكنها في المجتمع، لان السبب في تفاقمها تشجيع الرأسمالية لها لانها تلبي حاجاتهم، وتزيد من مبيعاتهم، وتدر عليهم ارباحا كثيرة، دون الأخذ بعين الاعتبار لما تسببه من فساد، مستغلين الدعايات التجارية لنشر مشاريعهم وتقويتها، حتى اشغلوا الناس بالمواد الكمالية دون الالتفات الى الحاجات الاساسية الضرورية، فكانت سببا في نشر مال الحرام من اجرة الخمر، واجرة الزنا، وفوائض الربا، ومال الميسر والقمار، والغناء والرقص، والشعوذة والسحر، والتنجيم، ومال الاغتصاب، والسرقة، وحتى استئجار أناس لتصفية حسابات لمصالح تجارية ومقاومة المنافسين،

 

 ومن سيئات الرأسمالية ايضا انها  تعمد في كثير من الاحيان إلى حرق البضائع الفائضة، أو تقذفها في البحر خوفاً من أن تتدنى الأسعار لكثرة العرض، وبينما هي تقدم على هذا الأمر تكون كثير من الشعوب أشدَ معاناة وشكوى من المجاعات التي تجتاحها، وأيضا يقوم الرأسمالي في أحيان كثيرة بطرد العامل عندما يكبر دون حفظ لشيخوخته، وايضا إذا كان الإنتاج أكثر من الاستهلاك يدفع بصاحب العمل إلى الاستغناء عن الزيادة في الأيدي العاملة التي تثقل كاهله، والتي هي السبب العظيم في نشر البطالة، أو أحيانا يقوم الرأسمالي بالتظاهر بأن ارباح شركته تتقلص ليكون سببا في تخفيض اجورات العمال، أو زيادة ساعات عملهم ، حتى يلبوا أرباح الشركة، أو  أكل ساعات عمل كثيرة عنهم، وتهديدهم بالفصل اذا ما طالبوه بحقوقهم،

 

وباختصار النظام الرأسمالي هو نظام احتكاري، استغلالي، استبدادي، استعماري، ربوي، يبني على فصل الدين عن الدولة، ويدعو إلى العلمانية اللادينية، ليبعد خطر رجال الدين عنها، لان الدين يحارب مباديء الرأسمالية بسبب نظامها الربوي ، الذي أصبح في يومنا هذا جوهر العلل التي يعاني منها العالم الانساني، ثم دعوة الناس الى البذخ، والفوضى الأخلاقيةـ والانحطاط والانسلال نحو الرذائل، وكل ما يخالف الشرع الديني من اكل حقوق العامل واستعباده واسترقاقه، مما يجعله بعيدا عن الدين واخلاقياته التي هي اساس في بناء مجتمع صالح يدعو الى الفضيلة وينبذ الرذيلة،

 

 فالرأسمالية مما لا شك فيه أنها تقود العالم الى الهاوية والهلاك والدمار لهذا العالم البديع، لانها افسدت البر والبحر والهواء وتجاوزت كل الحدود بسبب اطماعها اللامحدودة واللامسؤولة عما تحدثه من فساد للانسان والحيوان والنبات والطبيعة، التي باتت تعاني الاحتباس الحراري وتغييرا في المناخ، وانقراضا في الحيوانات لتدخل الإنسان بجيناتها، وقتلها لأطماع مادية، كبيع العاج والعنبر والمسك وجلود الحيوانات، وايضا تلويث البيئة بسبب الصناعات المتعددة التي اصبحت سببا للامراض والفناء، كالافران النووية والذرية المختلفة التي كثر الحديث عن خطرها بين الدول، وصارت تهدد استقرار وامن العالم البعيد والقريب لتجاوزها المعقول في المقدرة على الفتك والدمار،

 

 فالرأسمالية كانت سببا للعولمة التكنولوجية التي قلبت نظام الكون رأسا على عقب، مما أحدث إنقلابا في مفهوم الحياة وسبل معيشتها، وانقلابا في عقول البشر، وفصلتهم عن تاريخ ابائهم واجدادهم وعاداتهم وتقاليدهم، والتي يحاول الكثيرون من ارجاعها والبحث عنها في كتب التاريخ والاثارات والمتاحف علّه يعيد الى نفسه الهدوء والاستقرار والسكينة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق