نحن وبنو إسرائيل
2010-03-31 10:09:49
نشرت جهة إسرائيلية ما، قد تكون حكومية، الأسبوع الماضي منشورًا في أحياء القدس العربية تحت عنوان "نداء إلى جميع المسلمين الساكنين في أرض إسرائيل"، تدعوهم فيه للرحيل عن "أرضهم التي وعدهم الله إياها" والسكن في إحدى "البلدان الواسعة"، و"تكرمت" بالعرض لمن يرغب في الرحيل بالتفاوض مع دولة إسرائيل "التي تجسد وعود الأنبياء" ليحصل على مساعدات مالية.

اللافت للنظر في هذا المنشور هو اقتباسات الكاتب بعض الآيات القرآنية، في محاولة بائسة لدعم عقيدته التوراتية والتلمودية المحرفة، مستشهدًا بالآية الكريمة: "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا". بداية، من هم بنو إسرائيل؟ إنهم سلالة سيدنا يعقوب (الملقب بإسرائيل) عليه السلام، الذين كانوا مسلمين حنفاء لله، كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم صلوات الله وسلامه، ولا أثر يذكر لهم اليوم، خاصة بين اليهود الساكنين في بلادنا؛ "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

 
ولنفرض أن هناك سلالة لسيدنا يعقوب عليه السلام في يومنا هذا، هل يعني ذلك أنهم كلهم صالحون؟ كلا، فبعض الأنبياء كذبوا من أبنائهم كسيدنا نوح عليه السلام، وبعض الأنبياء كذبتهم نسائهم كلوط عليه السلام، فليس لأولي القربى أي تفضيل إن لم يؤمنوا ويعملوا الصالحات، وقد ذكر الله تبارك وتعالى بني إسرائيل بصور سلبية بالرغم من تفضيله إياهم في زمن معين ببعثة سيدنا موسى عليه السلام؛ "لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ"، وفي الآية الكريمة: "فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" دليل على أن هناك طائفة مؤمنة وطائفة كافرة من بني إسرائيل، كما يتضح أنه ليس في هذه الآية تحديد لمكان ما في "الأرض" ولكنها الأرض بالمطلق، كان ذلك بعد أن أراد فرعون محو بني إسرائيل من الوجود، فقال لهم الله تبارك وتعالى: "وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ"، وعبرت آيات أخرى عن ذلك المكان بـ"القرية".
 
كان حري بكاتب المنشور السخيف أن يذكر بعض ما جاء في توراته على لسان موسى عليه السلام: "لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هو ذا وأنا بعد حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحري بعد موتي؟" (تثنية – 27:31)، وجاء أيضًا في توراتهم: "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريمًا، الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوّيين واليابوسيين كما أمرك الرب إلهك" (تثنية - 20: 10-18)، فهذه الأرض كانت مسكونة بأقوام قبل قدوم بني إسرائيل، لكن اللافت للنظر هو "الأمر الرباني" للتعامل مع هذه الشعوب.
 
إن الأرض وفق ديننا الحنيف ملك لله كما هو الحال مع كل موجود، أكرمنا باستخلافها لزمن محدود، لنعمرها بالإصلاح والإحسان والعدل، ولا حق لأحد بإلغاء حق غيره بالحياة فيها، فكيف الأمر بأصحاب الأرض الأصليين الذين طردوا وهجروا من أرضهم وأرض أجدادهم التي يشهد العالم لحقهم بها، إلا مزيفي التاريخ؟
 
تدخل هذه المحاولة البائسة والخطيرة بذات الوقت، في ظل الصمت الرسمي الإسرائيلي، ضمن محاولات شتى للضغط النفسي، السياسي والاجتماعي على أهل القدس بشكل خاص، للرحيل عن أرضهم التاريخية وإخلائها لليهود لتحقيق أمانيهم الزائفة، ولعرب الداخل بشكل عام. ذلك بالرغم من توجه المنشور للمسلمين، فالمسلمون ليسوا المستهدفين فحسب، إن تعامل المؤسسات الإسرائيلية مع العرب النصارى لا يختلف كثيرًا، وقد شاهدنا التضييقات على المحتفلين بأحد الشعانين حيث منع الكثيرون من الوصول إلى القدس، وتمت تأخيرات وتشديدات على الحواجز، مما أدى إلى عدم وصول كثير منهم للاحتفال.
 
كما أنها محاولة ميؤوس منها وقد جربت في السابق وفشلت، فبعد صمود أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس الأسطوري رغم كافة التضييقات، حيث عرض على بعضهم ملايين الدولارات لإخلاء بيوتهم فأبو إلا أن يصمدو ويثبتوا في مسرى رسول الله وأرض الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، عاد وذكرنا أصحاب المنشور أنهم "بنو إسرائيل"، وأنهم "شعب الله المختار"، لذا فعلينا إخلاء الأرض لهم لأنها ببساطة "لهم"، وليس بإمكاننا الإقامة فيها إلا "لزمن محدود". ألا فليعلم من يرغب بتهجيرنا وليعلم العالم كله أننا كنا هنا قبل نزول التوراة، وسنبقى هنا بعد هذا المنشور.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق