الاستعمار الفكري والجسدي للدروز في إسرائيل بقلم هادي زاهر
2010-03-06 13:51:08
واضح بأن الأقلية العربية في إسرائيل تعيش أزمة نفسية جراء المفارقات التي نحياها، ويمكننا للتخفيف عن الذهن أن نقول جراء واقع مركب له انعكاساته على جهازنا الذهني، وتتفاوت هذه الأزمة بين شخص وأخر، وبين شريحة وأخرى.
ومن أكثر الشرائح التي تعيش هذه الأزمة هي الطائفة الدرزية، إذ ركزت السلطات على هذه الطائفة وأمعنت في اضطهادها بهدف تجيرها كلياً، وقد نجحت إلى حد بعيد بالرغم من مقاومة الشرفاء في هذه الطائفة الذين صمدوا ولكنهم لم ينجحوا نجاحاً كبيراً أمام أجهزة الدولة المختلفة التي جندت كافة الموارد في سبيل نجاح برامجها، وبالمقابل..بالمقابل لم تتبنَّ أي جهة عربية دعم صمود هذه الفئة المقاومة لمخططات السلطة من هنا أقتصر نجاحها على نشر الوعي جزئياً في صفوف بعض القطاعات التي فضلت السكوت من أجل لقمة العيش بعد أن أغلقت السلطات كافة مصادر الرزق أمامها .
أما كيف كانت الخطة فقد بدأت من خلال البرامج الدراسية الخاصة التي تبغي إلى صياغة البنية الفكرية والسيكولوجية وفقاً للهداف والمصالح الإسرائيلية والتي تعتمد في الأساس على أفراغ الشاب الدرزي من الحس القومي .. من الوعي الإنساني وصفاء الضمير.
وكنا قد تحدثنا كنموذج عن قصة أدخلت سابقاً إلى البرامج الدراسية الدرزية وهي قصة "القاضي جحا" والذي يقول للأول الحق معك ثم يستمع إلى الظرف الثاني فيقول له الحق معك فتتدخل زوجته وتقول له:- لا يمكن أن يكون الحق مع كلا الطرفين فيقول لها:- الحق معك!!
هذه البرامج محشوة بالتحريض على الأمة العربية ومحبة الدولة، ليست على المستوى العام في الدولة وقد قال البروفيسور "اميتسا بارعام المسؤول عن امتحانات الدخول في جامعة حيفا في يوم دراسي جرى في تاريخ 2002-1-23 في جامعة حيفا، قال: " إن الطالب الدرزي والطالب المسيحي والطالب المسلم والطالب اليهودي يصلون إلى إجراء امتحانات الدخول للجامعة، فجميعهم ينجح ما عدا الطالب الدرزي الذي نتساهل معه إذا كان على الحافة النجاح لذلك أقول بأن هناك أمراً غريباً يجب فحصه". هذه هي الحقيقة التي لا نقاش معها.
وضمن المسار الذي رسمته السلطة قامت بسد مصادر الرزق كما ذكرنا وأهمها الزراعة وتشديد الحصار الاقتصادي بواسطة عدم توسيع المسطحات لإقامة المناطق التطويرية المختلفة كمناطق صناعية وسياحية الأمر الذي أدى إلى ولوج الشاب الدرزي في المسار المخطط، خاصة بعد أن قامت برش كروم العنب بالمبيدات، وبعد أن قامت بالإعلان عن سهل "المنصورة" التابع لأهالي الكرمل، وأراضي "الخيط" التابعة لأهالي قرية "بيت جن" كمنطقة عسكرية وبعد فترة نقلت ملكيتها لليهود؟!!
وهكذا تكون قد قامت بالاستعمار الاقتصادي الجسدي والفكري لشبابنا حيث نجد إن قسم من الشباب في غربة عن انتمائهم يتفهمون السلطة وحاجاتها أكثر مما يتفهمون ذواتهم؟!!
إنه أسوء استعمار أن يفرغ الإنسان من حسه بالانتماء ليدافع عن من يضطهده.. عن من يريد أن يفرغه من كل القيم.. أن يجد نفسه مجنداً في مواجهة أهله الذين يدافعون عن رمز وجودهم في الحياة التي هي الأرض.. أن لا يملك الرؤيا.. أن لا يرى الأبعاد.. أن لا يقف مع مستقبله، مع من يريد أن يأتي بهم إلى الحياة، لقد قتل فينا هذا الاستعمار ( الروح ) إنها مفارقة غريبة عجيبة يصعب على من يعيش هذه الأزمة من استيعاب تعقيداتها وأذكر في هذا السياق ما قاله "جبران"
وقاتل النفس مأخوذ بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر .
لقد قتلوا وقتلوا على كافة الأصعدة، قتلوا عدوهم وقتلوا صديقهم وهنا علينا أن نواجه هذه الإشكالية.. هذا المطب..
لا يجوز أن نبقى إمعات.. خداماً مستعبدين..
لا يجوز أن نكون أفقر شريحة في البلاد اقتصاديا وثقافياً ونقول أننا نعيش في نعيم الآخرة..
لا يجوز أن تمر المياه من تحتنا وتجرفنا إلى الهاوية دون أن نحس .
إن أغنية المطرب "شلوموا سيفان" الذي أحضر في أغنيته، الشابة الدرزية كي تنظف بيته وتقوم بتشطيف مؤخرة رضيعه من ال... كما قال (معذرة ) عبرت بصدق عما آل إليه واقعنا، يجب أن لا ندفن رؤوسنا في الرمل.. مؤلم.. مؤلم جداً ولكن علينا أن نعترف بالحقيقة وإن كانت صعبة، من هنا علينا أن لا نستسلم للواقع الذي اقتدنا إليه .. علينا أن نعمل من أجل تغيره فوراً..
علينا أن نتمرد..
أن نعي الحقيقة دون إيجاد المبررات لان هذا المستعمر لا يشبع ولا يقنع.
يريد العصفور وخيطه..
يريد البئر وغطاءه..
يريد الحلة والحلال..
يريد الأخضر واليابس .
انه يتنكر للاتفاقيات يتنكر للمعروف، يدوس على كل القيم والمواثيق ويريد مقابل الدونم أربع دونمات؟!!
إنه لا يؤتمن قطعياً وعلينا أن نطالب بإرجاع الأراضي التي صودرت قبل المطالبة بعدم مصادرة ما تبقى لنا من أرض..
علينا أن نطالب بالتعويض عن استعمارهم لنا فقد دفع الألمان التعويضات لليهود جراء ما ارتكبه الحكم النازي بحقهم من جرائم، كما أعترف البرلمان الفرنسي بالغبن التاريخي الناتج عن استعمار بلادهم للجزائر وهناك مباحثات بين ليبيا وايطاليا من أجل حصول ليبيا على التعويض جراء استعمار ايطاليا لليبيا، وكان الكنيست قد صادق على قرار بمنع العنصرية إلا أن الممارسة على أرض الواقع بقيت على ما هي عليه بل زادت مع صعود اليمين المتطرف وكانت قد شرعت حكومة " رابين" بممارسة (التمييز المعاكس ) إلا إنه سرعان ما قطعت أنفاسه إلى الأبد، من هنا أعود وأقول إن على إسرائيل أن تعترف بالغبن " المربع" إذا صح التعبير لهذه الطائفة وتباشر في تعويضها بدلاً من الإمعان في اضطهادها والاستهتار( بقيادتها) .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير