مسيرون أم مخيرون ؟ كميل فياض
04/07/2017 - 09:43:09 am

مسيرون أم مخيرون ؟

التأمل العميق في حياتنا يجعلنا نتجاوز الفهم التقليدي لكل المسائل الفكرية والفلسفية والعقائدية القاصرة ..

من ذلك مسألة شغلت وربما ما زالت تشغل كثير من العقول ، هي اذا ما كان الانسان مسير ام مخير ..؟

التحقق في ماهية وجودنا يشير الى ان الحرية والجمال والخير صفات ذاتية فينا ، وليس صفات عارضة او أتى بها التطور او القدر من قبل كائن ما ورائي .. وان كان للخير وللجمال صورا واشكالا في الخارج الحسي هي انعكاسات وتجليات وتجسدات للأزلي فينا ،ولذلك تلقائيا نحن ننجذب الى مواقع الخير والنعمة والجمال ، هكذا فان لأقدارنا ولخياراتنا اساس فينا وليست آتية من خارج مفارق .. نحن من فيض ازلي اذ عشقنا للحياة الغنية بالخير والجمال غير متناه ، هو من مصدر غير متناه وغير محدود ..

وعندما تأتي الشرائع الدينية والانظمة المدنية والقوانين الوضعية لتقيم حواجز وكنتونات ومربعات لحشر نزاعتانا ومشاعرنا ورؤانا في ذلك، هي لا تفلح بالحد منها ، فهي كالنور والهواء والفضاء، بل هي مادة ألطف وأدق وأعمق من ان يستطيع فكر او مادة تقييدها وتحجيمها والحد منها ..

ومن هنا نرى ان الشعوبيات والقوميات والاتنيات هي ظواهر اجتماعية وسياسية وفكرية ، برزت في مراحل معينة لظروف معينة وليست ضرورات وثوابت كضرورات وثوابت بيلوجية ، او قوانين او مشيأة ربانية كما يعتقد كثير من الدينيون، كما جاء مثلا في الاسلام وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا الخ .. ) فالاسلام نفسه صنيعة بشرية وتاريخية كاسائر الأمم والشعوب ، وقد اتى النقض من الاسلام نفسه بالقول : يولد الانسان على الفطرة وانما اهله يهودانه ويمجسانه وينصرانه .. والاسلام ليس استثاء في ذلك ،فلا يولد الانسان مسلما بالفطرة ، والا لكان البشر كلهم مسلمين بيلوجيا وتاريخيا، وليس هذا من حيثيات ومن سببيات ومن حتميات الطبيعة والتاريخ .. بينما نعم الخير والجمال صفات كامنة في نفوس المسلمين كسائر البشر ، ويختلف التعبير بين مختلف الناس عن تلك الكوامن المطلقة من حيث اختلاف المكتسبات التاريخية والظرفية والثقافية لا اكثر .. وفي اختلاف المكتسبات التاريخية - ايجابية وسلبية - تكمن اسباب مختلف الصراعات بين البشر ، فلا توجد اي دوافع للصراع في الطبيعة الاساس للناس .. ومن هناك فلا بد من العودة الى مصدر وجودنا الذي عمليا هو لا يفارقنا عبر شتى المكتسبات الثقافية وعبر التطور التاريخي ، لكنه احتجب بكل ذلك ، كما تحتجب الشمس بالغيوم ، وبمختلف عاكسات النور الواحد ، وما العرفانية التجاوزية الا استعادة ذلك الوعي بالكشف المباشر .

كميل فياض

 

 

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق