15 رصاصة على ابن 15 سنة - جدعون ليفي   ترجمة: أمين خير الدين
17/06/2017 - 01:37:00 pm

15 رصاصة على ابن 15 سنة

رشق جنود الشرطة ابن ال – 15 سنة بالرصاص فقتلوه، لكنّهم قالوا لأبيه: إنّه جريح

جدعون ليفي و أليكس ليبك

هآرتس، 2017/6/16                                          ترجمة: أمين خير الدين

   أطلق جنود حرس الحدود 15 رصاصة على رائد ردايده، تلميذ الصفّ العاشر، بعد أن هاجمهم بالسكّين كما يدّعون، طُلِب أبوه للتحقيق ولم يقولوا له إنّ ابنه قد مات، وبعد ثلاثة أيّام تلقّى مكالمة: تعال وخذ جُثّتة.

أمّه مع أحد أُخْوته

  لم يحظ  مقتل هذا الفتى بأيّ تلميح في إسرائيل:  قُتِل رائد ردايده  برصاص جنود حرس الحدود بتاريخ 22 أيّار، في نفس اليوم الذي وصل إلى البلاد رئيس الولايات المتّحدة دونالد  ترامب، كان اهتمام الرأي العام بعيدا عن ذلك. والمعلومات عن ظروف قتله قليلة. نُشِر في مواقع الأخبار خبر عن ذلك في نفس اليوم (دون ذِكْر اسمه) اعتمادا على معلومات رسميّة من الشرطة، لكن أحدا لم يُخْبِر عائلته، باستثناء المخابرات العامة [الشَّاباك] الذين دَعوا أباه للتحقيق، وقالوا له إن ابنه  جريح.

  وقد استلموا جُثّة ابنهم على الحاجز بعد أربعة أيام. متى مات؟ وأين ؟ هل مات فورا أو مات في المستشفى؟ حتى هم لا يعرفون بالضبط. والده أحمد ردايده، يقول إن  الجُثّة التي استلموها كانت مثقوبة كالغربال: لقد وجد 15 إصابة للرصاص – في  الرأس، وفي الكتفين، واليدين والرِّجْلين. كانت الرِجْل اليُمْنى مُحطّمة من الرصاص، لماذا أُطْلِقت النار عليه لقتله؟ ولماذا كان إطلاق النار هكذا كثيفا؟

   كان رائد ردايدة  تلميذا في الصف العاشر، عمره 15 سنة، :بدون بطاقة هويّة" ، وكما يقول أبوه، مُرَمِّم أبنية عمره 54 سنة يعمل منذ سنين في أورشليم وله كثير من الأصدقاء الإسرائيليين. تسكن العائلة في بيت واسع الأرجاء في مدينة العبيدية، شرقي بيت لحم، عند سفوح جبل هيروديون [جبل فريديس أو الإفرنج]. أمّه عِزِّيّه، عمرها 44 سنة، تنظم للمحادثة. يمكن الإحساس بالألم لدى هذه العائلة الثكلى، ولكن بتروّ ، وبلا دموع.

  كان رائد يطمح ليكون طبيبا، حاليا كان يهتمّ بمظهره الخارجي:  نوافذ الصالون مُغطّاة بصوره التي يظهر بها بشعر مرتَّب، أحبَّ الملابس والنظّارات الشمسيّة، وفي خزانة ملابسه قمصان تي كثيرة.  يقول أبوه  إنه تعوّد على حلاقة شعر رأسه أربع مرات في الشهر. " ما لم أستوعبه. ليس بسب  النقود - عشر شواقل للحلقة الواحدة -  لماذا  الحلاقة كلّ أسبوع؟ يستغرب الأب ويجيب بنفسه: " كان يحبُّ أن يظهر أنيقا. كان أشقرا مع عينين زرقاوين.  كان يقول "ياااااه،  أنا جميل". لو كان معنا الآن، كان سيتحدّث معك بلغة إنجليزيّة طلقة. لو التقيت به لتحدث معك كالنِّدِّ. كان تلميذا مُتميّزا".

    هل تكلّم عن الاحتلال؟  يقول الأبُ: "ابن 15 سنة –  ماذا سيقول عن الاحتلال؟". "كان مُضحِكا. يلاعب أبناء أخته ويُضحِكهم". أحمد ردايده  مع ذقن، يتكلّم العبريّة بطلاقة، كلامه ممتع ينمّ عن تعاطف لمواطنين إسرائيليين، عمل لسنوات عديدة في محل لبيع  مواد بناء في أورشليم.

  يوم  مقتل ابنه كانت هناك مظاهرة في مدارس الضفة الغربيّة، تضامنا مع إضراب الأسرى عن الطعام، هذا الإضراب الذي لم  يدرك مدى تغلغله في المجتمع الفلسطيني وأية أصداء أثار سوى قلّة في إسرائيل، خاصّة في أوساط الشباب. بقي رائد نائما لوقت متأخّر وبعد ذلك بقي في السرير يستعدّ للامتحانات النهائية القريبة. كان أبوه في العمل في أورشليم، تقول أمّه إنها ذهبت لتناول القهوة عند جارتها وقال لها رائد، حسب أقوالها: "إذهبي ، أنا باق في البيت". سوف لن تراه بعد ذلك.

بدون بطاقة هويّة

     كانت الساعة الثانية والنصف ظهرا. قال رائد لأخيه الأصغر محمد، إنّه سيذهب لزيارة جدّته التي عادت من زيارة للأردن والمُقيمة في منزل يقع على بُعْد مئات الأمتار عن بيته. خرج من البيت، ولم يصل إلى بيت جدّته. ماذا حدث خلال لك؟ ماذا خطّط وإلى أين توجّه؟  كيف وصل إلى حاجز الكونتينر، الواقع على بُعد عِدّة كيلومترات عن بيته؟ مَن نَقله إلى هناك؟ والداه لا يعرفان شيئا. وأمه تشكُّ أنه رُبّما خُطِف إلى هناك.

   عادت الأم بعد الظهر؟ لم تجد رائد. أخذت ولديها الصغيرين وذهبت إلى الجَدّة. لم يصل رائد. بعد الرابعة  سمع الأب الذي عاد من عمله، أن ثمّة قتيل عند حاجز الكونتينر. " قلتُ، ’هذا بعيد. طبعا القتيل من الخليل أو من تعمرا’. بعد ذلك أعلنوا بالخطأ عن اسم غير صحيح". في المسجد، كما يقول، من بين كلّ المصلين توجّهوا نحوه ولم يعرف لماذا. لاحَ بخاطره – الخبر، الخبر الذي سمعه، أن ثمّة قتيل عند الكونتينر وتذكر أن رائد لا يحمل بطاقة هويّة ومن الصعب التعرف عليه.

  ومرّت الساعات ورائد غير موجود.  بدأ الأهل يتصلون تلفونيا بالأقارب والأصدقاء – كلّهم. رائد غير موجود. حلّ المساء. يقول أحمد، "بدأ الخوف يغزو  قلبي وأيضا قلب امّه. إحساس سيء جدّا". اتصل بمركز الشرطة الفلسطينيّة في المدينة وأيضا هناك لم يعرفوا هويّة القتيل عند حاجز الكونتينر.

    وفجأة رنّ الهاتف. اتّصل شخص عرّف نفسه ب"عماد" من [الشَّاباك] المخابرات العامّة الإسرائيليّة، أمِرَ أحمد بالحضور إلى مركز التحقيقات في عصيون. فقط سأله إن كان رائد ابنه، وحثّه بأن يصل بسرعة. خرج أحمد إلى عصيون مع قريب له، العميل "عماد"، بمنصبه كضابط مُصابين، عرضَ على الأب صورة في جهاز المحمول التابع له. كان هذه صورة رائد، كان وجهه سليما.

    قال العميل إن رائد قد جُرح، كان في الغرفة عميل آخر. يقول الأب، "كانا لطيفين، ولم يكونا سيئين". "سألوا كم  ولدا عندي ثمّ عرضوا الصورة. رأيت الصورة فذُهِلْتُ. رأيت صورة رائد في محموله. كان حيّا. لم أرَ أيّ جرح، قلت للشاباك: لماذا أطلقتم النار عليه؟ ’لماذا لم تُطْلِقوا النار بالهواء، طلقة  بالهواء، وطلقة برجله. جرْح بسيط ثمّ تقبضون عليه. لم يغضبوا’. قالوا، هذا هو أمن جنودنا  ورجال شرطتنا، يجب أن نُدافع عن أنفسنا".

الجروح من إطلاق النار مُرقّمَة

 بعد مضي ساعات أرْسِل أحمد إلى بيته، بدون أن يُعْطى أيّة معلومات عن حالة ابنه أو عن مكانه، باستثناء حقيقة أنه جريح. كانت الساعة الثالثة فجرا، أمْضَوا ثلاثة أيّام دون أن يعرفوا شيئا عن مصير ابنهم.  يوم الخميس مساءا اتصل بهم جندي أو ضابط وعرّف نفسه باسم عنان، ربّما من الإدارة المدنيّة، وقال له: "يُمْكِنُكَ المجيء إلى حاجز مزموريا لتستلم ابنك، وهو ميت".

  أُخِذَت الجثّة إلى معهد الطِّبّ العدلي  في أبو ديس لكن لغاية هذا الأسبوع لم يستلم أحمد  نتائج التشريح. يقول إنه كان على جُثّة ابنه 15 عشر جرحا جرّاء إطلاق النار، كانت هذه الجروح مُرقّمةً. جُرْحان في الرأس، إثنان – ثلاثة  في رجله اليُسْرى، اثنان– ثلاثة في رجله اليُمْنى المُمزّقة وغيرهما. يقول: "جُنِنْتُ".

    وقد قال للجنود عند الحاجز حيث استلم جُثّة ابنه "أليس هذا خسارة؟ لماذا فعلتم ذلك؟ ألا تملكون قلوبا؟ تضعون الأصبع على بندقيّة أم-16  وتُطْلِقون النار". يقول أحمد إنّ جنديّة وضعت يدها على كتفه وقالت له: "لا يمكن عمل شيء، رُبّما وقع خطأ، لا يمكن الآن عمل شيء". ولنا يقول: رائد كان أحلى فتى".

   سمع أنه كان معه سكين. ويقول إنه رأي صورة سكين لتقطيع الفواكه. يستغرب لماذا لا يعرضون عليه أفلام كاميرات الحراسة على الحاجز، كي يعرف ماذا جرى: " نطالب برؤية شريط فيديو. نطالب بمعرفة مَنْ أخذ ابننا إلى هناك ولماذا".  تقول عِزّيه وأحمد إنّهما سمعا عِدّة تفسيرات لِمَ جرى عند الحاجز. وبمقدار ما يعرفان أن رائد لم يُشَكِّل خطرا على أحد، حتّى لو أشهر سكينا. حسبما سمعا، أُطْلِقَت النار عليه عن بُعْدٍ، حين كان لا يزال في الساحة قبل الحاجز ورجال الشرطة مُحَصَّنون في مواقعهم.

   قال الناطق بلسان حرس الحدود هذا الأسبوع إنه "بعد التحقيق بالحادث اتّضح أن المُخرب هجم باتجاه جنود حرس الحدود وهو يشهر سكّينا بيده. وقد تصرف الجنود كما هو مُتَوقَّع منهم بشكل تلقائيّ ومهني، إزاء كل اعتداء أو حادث طعن، وقد عملوا على تحييد المخرب عندما تعرّضت حياتهم للخطر". وأضاف: "إنّ محاولة الأسلوب الملتوي الذي يعرض الحادث بشكل مضلل للقرّاء، لن يجعل رجال الشرطة وجنود حرس الحدود يتهاونون في مقاومتهم المستمرة لكل عمل إرهابيّ". 

    وقد تجاهل الناطق بلسان حرس الحدود السؤال هل كانت ثمّة حاجة لإطلاق 15 رصاصة على الفتى. وبالنسبة لعدم إعطاء الأب معلومات عن حالة ابنه، قال الناطق: "جيش الدفاع الإسرائيلي هو المسئول عن ذلك". وقال الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي إنّ جهاز المخابرات العامّة [الشاباك] هو المسئول عن ذلك. وقال الناطق بلسان جهاز المخابرات: أن والد ردايده  استتُدْعي  للتحقيق بعد الحادث، وبسبب ظروف الموضوع لم يُبلّغ عن موت ابنه تلفونيّا. وعندما وصل الأب للتحقيق معه أُبلِغ أن ابنه قد قُتِل".

   على الحائط خلف سرير الفتي علّق الأب تخطيطا من عمل ابنه . يقول الأب: "أنا لا أعلم شيئا. منْ أخذه إلى هناك؟ مَن سمحَ له بالذهاب إلى هناك؟ ما سِّر ذلك؟". وقد اتصل معه زملاؤه في العمل من إسرائيل لمواساته.  ويقول:" منذ قُتِل رائد لم أبكِ. لكن الآن، "عندما أروي كل شيء بالعبريّة أشعر أنني أريد أن أبكي".

2017/6/16

  

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق