ركلات، شتائم وقَصٌّ للشعر: انتهت المظاهرة في النبي صالح بساعات من التعذيب ترجمة: أمين خير الدين     
28/05/2017 - 05:06:53 pm

ركلات، شتائم وقَصٌّ للشعر: انتهت المظاهرة في النبي صالح بساعات من التعذيب

جدعون لبفي و أليكي ليبك

هآرتس، 2017/5/26                                         ترجمة: أمين خير الدين     

ضُبِط براء كنعان وبيده مٍقْلاع. قُيِّدت يداه رُبِطَت عيناه وأُخِذ لمكان مجهول. وخلال ساعات، كما يقول، حُجِز مقيّدا على كرسيّ بلا مسند يتلقّى الضرب والإذلال. جيش الدفاع الإسرائيلي: "يظهر من التحقيق أنه لم يُمارس العنف مع براء ".

   الآن براء حليق الرأس تماما. ذهب الأسبوع الماضي إلى الحلاق ليحلق شعر رأسه، فور تحريره من المستشفى. ألآن يغطّى رأسه بطاقيّة بيسبول سوداء، ويده معلّقة بعنقه مضمّدة، خدوده شاحبة، يجلس في غرفة الضيافة التابعة لوالديه، يحيط به أقاربه الذين جاؤوا يهنئونه بعودته إلى البيت. جزّ الجنود خُصَلا من شعر رأسه، كي يُذِلّوه، وقد حاول حلاّق بيت ريما، قرية براء كنعان، إصلاح مظهر براء بواسطة حلاقة شعر رأسه كله.   

يبدو أصغر من أل – 20 سنة عمره الحقيقي، ربما بسبب الحلاقة [على القرعة]. يعمل في منجرة للأثاث في بير زيت ويقيم مع والديه في بيت ريما. يُشارك منذ عِدّة سنوات بمظاهرات في قرية النبي صالح  ضد جدار الفصل وضد الاحتلال، القرية المشهورة بالمظاهرات المتواصلة وبعدم العنف، والواقعة على بُعْد خمس كيلومترات عن بيت براء كنعان. ويوم الجمعة قبل أسبوعين ذهب كنعان للمظاهرة، وكانت المظاهرة هذه المرّة للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام. لم يُصَب كنعان أبدا في المظاهرات ولم يُعْتَقَل أيضا.  

   كالعادة خرجت المظاهرة في الواحدة ظهرا من باحة مسجد قرية النبي صالح وسط القرية، واتجهت نحو طريق الخروج من القرية، حيث يرتفع برج من الإسمنت المُحصّن لجيش الدفاع الإسرائيلي ليشرف على الطريق، مقابل مستوطنة حلميش. جنود ورجال شرطة حرس الحدود – وأيضا هذا عاديّ – استقبلوا المتظاهرين بالغاز المسيّل للدموع، وبقنابل ارتجاعية وبإطلاق نار. المتظاهرون القلّة ردوا بالحجارة. عادي. ولكن بهذا اليوم شذوا عن القاعدة  فقُتِل متظاهر هو سبا نضال عبيد، شابّ في ال -20 من عمره من النبي صالح، أُصيب بصدره من بندقيّة روجر، بجروح بالغة وتوفي بعد وقت قصير في مستشفى سلفيت، حيث نُقِل إلى هناك.

 بعد حوالي نصف ساعة من تبادل الحجارة والغاز. عندما كان كنعان مُخْتَبِئا خلف حاوية النفايات على الطريق، شاهد ابن عمّه، نديم كنعان، عمره 19 سنة، وهو يصاب. أصيب برصاصة مطّاطية في عنقه من الخلف. أسرع براء ليرافقه في سيارة الإسعاف الفلسطينية التي كانت تقف هناك، وكالعادة في مظاهرات يوم الجمعة. دائما يوجد جرحى أو مصابين من الغاز.

    دخل ابنا العمومة إلى سيارة الإسعاف، فتحركت السيارة لنقل نديم إلى مستشفى سلفيت، شمالي القرية. وعندما وصلا مفترق الخروج من النبي صالح، وتحت برج الإسمنت التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي. تقدّمت نحوهما مجموعة من الجنود من جهة البرج، وقطعت على سيارة الإسعاف مسار سيرها، براء يقدّر عدد الجنود بعشرين جنديّا.

   اقتحم الجنود سيارة الإسعاف وصوّروا نديم الجريح. بعد ذلك أمروا براء بالخروج من السيارة، وبعد التفتيش وجدوا مع براء مقلاعا (نُقيفه [عاميّة]) . أمروه بالوقوف خلف سيارة الجيب، الواقفة بالقرب من البرج، ربطوا عينيه بقماش وقيّدوا يديه خلف ظهرة  بقيد بلاستيكي. وهكذا بدأت عشر ساعات من التنكيل، وحسب وصف براء كنعان، أصعب ساعات في حياته. أحيانا لم يصدق أنه سيخرج حيّا.

قضْمتان

  أُدْخِل إلى سيارة الجيب التي سافرت حسب أقواله حوالي عشر دقائق حتى توقفت. لم ير إلى أين أخذوه. ظنّ أنهم أدخلوه إلى حاوية، لأنه  شعر بجدار معدني. لم يقل له أحد شيئا،  لم يكن له أدنى معرفة ماذا سيفعل به خاطفوه ولماذا. سأل أين هو موجود، فلم يُجِبْه أحد.

    أجلسوه على كرسي بلا مَسْنَدٍ، يداه مربوطتان خلف ظهره وعيناه مَعْصوبتان. أشخاص – على ما يبدو -  أنهم جنود دخلوا  إلى الغرفة وبدأوا يركلونه. أحدهم أصابه بوجهه. يقول إنه أحسّ بالدوران ووقع عن الكرسي. أحدهم ضغط على صدره بحذائه، عندما كان مُلْقًى على الأرض. بعد ذلك أعادوه إلى الكرسي، وهكذا كانوا بين الفترة والأخرى يدخلون إلى الغرفة ويركلونه، أحدهم ضربه  بالخوذة الحديدية، بينما شتمه آخرون.

    يقول إنه جلس هكذا لبضع ساعات على الكرسي، مُكبّلا ولا يرى. أحيانا كانوا يدفعون برأسه إلى الأمام  حتى يستريح قليلا. ويقول، كانوا يدفعونه بخشونة ويأمرونه أن يرفع رأسه، بعد ساعتين، أحضر الجنود طعاما لأنفسهم واقترحوا عليه أن يتذوّق الطعام. تناول قضمتين فقط دون أن يرى ماذا أكل – لم يعطوه أكثر. بعد ذلك أسقوه ماء من زجاجة، وقد انسكب مُعْظَم الماء على ملابسه وقد زُنق بالماء.

   وبعد مرور ساعات نقلوه لمكان آخر. مرة ثانية أجلسوه، فارتخى رأسه ثانية من التعب، فمنعوه من الاسترخاء، طلب أن يذهب للمنافع فأخرجوه لمكان مفتوح، وفتحوا سحّاب بنطلونه وركلوه، فبوّل على بنطلونه. يقول إن سحّاب بنطلونه بقي حتى آخرا لليل مفتوحا، لم يساعده أحد لأنهم لم يحلوا قَيْد أيديه حتى يجرّ سحَاب بنطلونه، شعر أنه في كرم من الزيتون.  

     شتمه خاطفوه وأجبروه، حسب أقواله، أن يردد وراءهم  كلاما بذيئا عن النبي محمّد: "محمّد خنز.." و"محمّد حم..."  [لا أريد أن أتمم العباررتين] مرة بعد الأخرى. أحد الجنود قال له باللغة العربيّة: "أنت حماري". شتموا أمّه – لا يريد أن يكرر الشتائم. يقول، مرة أزالوا الرباط عن عينيه للحظة وقالوا له: "أترى إن الجنود أصدقاؤك" وفي إحدى المرّات، كما يقول، رأى ثلاثة جنود حوله، كانوا يرمونه على الأرض ثم يرفعونه عنها. 

   في مرحلة ما شعر أنهم ينقلونه لمكان آخر، منْعزل، بدأ يحِسُّ بالخوف، اعتقد أنهم سيقتلونه، زاد خوفه عندما وضع أحدهم فوّهة بندقيته برأسه وقال له، "سأقتُلُكَ". يقول كنعان شعر أنه جادّ بنواياه. بدأ يصلي بصوت عال صلاة المسلمين قبل الموت. ركله جندي مرة أخرى فوقع أيضا. أمره الجندي بالنهوض وبدأ بالعدِّ حتى العدد عشرة. لكن براء لم ينهض حتى العشرة.     

  بقيت نُدُبٌ

   في ساعة مساء متأخرةٍ، أُعيد إلى مُعسكر  للجنود– لا يعرف أين كان. بدأ جندي بإزالة القيد البلاستيكي عن يديه بواسطة حجر، فلم ينجح، أحضر أحدهم مِقصّا وقطع القيد، وفي ذات المقص بدؤوا يقُصّون شعر رأسه.

       وأخيرا أطلقوا سراحه ليلا، وقالوا له ليذهب باتجاه النبي صالح، حيث هناك بدأ كلّ شيء. حاول إيقاف سيارات عابرة فلم ينجح. أخيرا وقفت سيارة فلسطينيّة ونقلته إلى البيت. عندما وصل إلى البيت كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، يقول، بعد عشر ساعات منذ اختطفوه. أخذه والداه إلى المستشفى في سلفيت، فرقد هناك يومين للفحوص، ثم خرج من المستشفى. بجسمه بعض النُدُبِ، لكنها ليست خطيرة. يظهر في الصورة التي يعرضها المكان الذي حلقه الجنود من شعر رأسه، قبل أن يحلقه عند الحلاّق. 

   قال الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي  لجريدة "هىرتس" إنه في نفس يوم الجمعة "جرى إخلال للنظام تخلله عنف غير قانوني في قرية النبي صالح، وخلال ذلك ألقى عشرات الفلسطينيين الحجارة ودحرجوا عجلات سيارات مشتعلة باتجاه قوّات الأمن. وقد اعتُقِل كنعان بتهمة الاشتراك بالإخلال بالنظام ووُجِد معه مقلاع من نوع "مقلاع داود".وقد أُحْضِر المتّهم إلى مُعسْكر لجيش الدفاع الإسرائيلي وتمّ توقيفه لمدة خمس ساعات خلالها، اتضح من التحقيق، أنه لم يُمارس ضده عنف. وقد اسْتُجيبت  طلباته الشخصية و خضع أيضا لفحص طبيٍّ".

إذا "اشترك بالإخلال بالنظام" لماذا أُطْلِق سراحه؟ وإذا لم يشترك بالإخلال بالنظام لماذ تمّ اعتقاله؟ هل ستشترك بالمظاهرة يوم الجمعة القادم؟ لا، يجيب مع ابتسامة مرتبكة.

2017/5/28

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق