العقل وسيلة للعالم وحجاب لله ..-كميل فياض
2015-05-06 16:26:35
 ان تحليل الخطاب الديني او الفكر الديني او الدين ، تحليلاً تاريخيًا وعقليًا – كما يفعل الاكاديمي التقليدي في دارسته - لا يُنتج  وعيًا بحقيقة الوجود  ، وانما يُنتج فهمًا عقليًا  لفكر معين  في مجتمع معين  ، حيث يبقى الوعي رهن مجموعة رموزه وأنساقه ، مشروط  ومحجوب بها وبانعكاساتها ، بغض النظر عن المضمون الاعتقادي وغير الاعتقادي لها .. قد يفيد  تطوير الفهم  للرمزية الدينية وسواها  في تطوير العلاقات الاجتماعية والسياسية  ..
 لكن تحليل النصوص الدينية لفهم العلاقة المنطقية والتاريخية  ،لا يفيد  الانعتاق الانساني جوهريًا ،اذ هو يتطلب التحقق بجوهر الوجود او بالله – وهو امر غير مطروح عمومًا وغير وارد في  برامج المفكرين لمواجهة الواقع –  هذا الانعتاق على اي حال يتطلب الذهاب الى ما وراء الفكر  مباشرة ، كحامل لكل التشكيلات المفهومية السالفة والممكنة  .. فهو "اقرب اليكم من حبل الوريد" ( حرفيًا هنا وليس مجازاً) .. وحبل الوريد كما كل ظاهرة حسية غائبة او حاضرة تُدرَك بالتجريد الصوري الانعكاسي  داخل الوعي .. والفكر ، الوريد ، الحجاب ، الوسيط الخ ،  كلمات تحمل نفس المضمون هنا  ، والاقرب كالأبعد  بين ماهيتان  لا تلتقيان ، ولا يهم عدد العقول المفارقة واحد ، عشرة  او مليون .. فلا يوجد صلة ولا اتصال بين الفكر والله رغم التوحد بينهما كالصورة والمرآة ..  ولا ينتبه لذلك المعظم بسبب المرافق الشعوري السيكلوجي الاعتقادي القائم في الذاكرة ، فيعتقدون كما يشاهدون حسيًا ، ويفهمون ما يشاهدون عن حجاب  العقل ، سواء في ذلك  الدينيين عمومًا والوضعيين ..
 
ان تصور العقل من داخل افكار ومفاهيم ايمانية ، يدخل في تعارض مباشر مع الرؤية العلمية الوضعية والعرفانية التجاوزية معًا لمفهوم العقل ، ولا يَعُد العقل عقلاً من خلال  التدليل الديني ، انما كائناً اسطوريًا ، او يصبح شخصًا مقدسًا مفارقاً .. العقل الحسي او المستنِد الى العالم الحسي كليًا ،هو مصدر التشخيص الديني في كافة الاديان والعقائد الميتافيزيقية ، سواء ( سماوية) او ( وضعية ) - لاحظ الاهتمام بالمظاهر الدينية المبالغ فيها ، الاماكن المقدسة واللباس والطقوس الخ - .. والتفكير الديني حاسم وفي اتجاه واحد لا يضع في حسابه صحة النقيض ، ليس كالعقل العلمي حين يتقدم لدراسة ظاهرة معينة ..  الدين أساسًا علاقة قلب بغيب ، والعقل فيه تابعًا وليس متبوعًا ، وحين تعترض المؤمن في نصوصه المقدسة مسألة لا يقبلها عقله يردها الى ( حكمة) الغيب " ..
هناك ثلاث طرق للتعامل مع حقيقة الوجود القائمة خلف الظواهر الحسية والفكرية .1 - الايمان  2- العقل  3 -  البصيرة الاشراقية الروحية .
الايمان او العقل الديني  :  لا يصلنا بالحقيقة وكما نرى هناك اختلافات لا تحصى حول تصور الله وتصور علاقة الانسان به ، هناك ديانات كثيرة ومذاهب كثيرة ، بحيث لكل منها كتابات وتفسيرات ومفاهيم ومعانٍ وأهواء ، ولا يمكن ان تكون  صادقة كلها مع الحقيقة ، طالما ان الحقيقة واحدة ومطلقة     .
العقل   :  وظيفة فكرية حسابية مجردة ، نستطيع ان نميز بها بين الاشياء المحسوسة ، وفيما بين الاسماء والصفات والافكار والأعداد والمصطلحات المجردة .. لكن لا يمكن ان نتصل عن طريق العقل بالله  ، وإلا يصبح الله او الوجود في ذاته  مجرد فكرة في العقل ، في حين العكس هو الصحيح ، اي ان العقل مجرد فكرة في الله  عند التحقيق .
البصيرة الاشراقية : البصيرة الاشراقية ليس مجرد مصطلح  ديني او فلسفي – كما يحلو – للمؤمن ، او للملحد ، او للعلماني ، او العلمي الفيزيقي - او النفساني الخ ..  حيث ان شرط بروز البصيرة الاشراقية من داخل الوعي ، هو توقف عمل العقل عن التفكير المنطقي العادي  .. في هذا المقام وعند صمت الفكر تتم الصلة بالله ،حيث الصلاة هنا هي " صلة قلوبكم " لا - حواسكم ولا افكاركم - بالحقيقة ..
 
كميل فياض
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق