القيامة ليس غيبًا مُنتظراً ..كميل فياض
2015-04-30 12:11:39
 كنت افضل عدم الكتابة في اي موضوع اليوم .. نفسيتي تميل اكثر الى التأمل الصامت والى الهدوء  ، وفي هذا الصباح  ما يغري لذلك كثيراً .. لكن هناك قيامة قائمة ولي كلام كثير فيها  في الصلب من حسابها وفي الجوهر من غايتها .. ولم تهدأ القيامة يومًا وهي ليست غيبًا منتظراً ، وانما صيرورة او سيرورة من الجدل التاريخي ومن الصراع المستمر بين هدم وبناء وتجاوز ، وبذلك يكتشف الانسان نفسه دائمًا ويجد معنى وجوده وتجدده .. فالجمود هو الموت وهو العدم ، أيًا يكن المعنى الذي نضفيه عليه والقداسة التي نوليه اياها ..
وبالرغم ان هذا الوصف للتاريخ يحمل مفهوم الواقع بألف لام التعريف عند معظم الجدليين ..الا ان الواقع ليس ذلك في الجوهر وليس ذلك في الحصر ، اذ ان وراء القيامة التاريخية المستمرة ، هناك الوجود بذاته او الله او الوعي المحض المطلق الطاقة الازلية  وما تشاء من تسميات ، وكلها رموز تنبع منه ولا تعبر عنه ، فهو دائمًا في ذاته  اعلى واعمق وابعد .. وهو في شموله لكل شيء ، وفي وجوده في كل شيء غير منفصل عن شيء .. 
قيامة الأحياء :
واذن القيامة قائمة .. ان مفهوم القيامة التقليدي يعني قيامة الاموات للمحاسبة وتحقيق العدل الالهي في الآخرة .. اما في مفهومنا الذي هو مفهوم الكشف والتحقق المباشر ،  يعني تحديداً تجاوز الروح  حجب الجهل والتعطيل والتغييب الى ذاته الحي الدائم ، وذلك من خلال الحركة الدائمة لطاقة الحياة داخل اطار الرموز التي يخلقها فكرنا على الدوام عن نفسه وعن العالم الواقعي .. فالواقع من هذا المرتقى ومن هذا العمق هو مجموع الرموز والافتراضات التي توافقنا ونتوافق عليها بوعي وبغير وعي لذلك .. ماهي هذه الرموز .. ؟ انها اللغة والدين والفلسفة والادب ، واذ تتغير الرموز يتغير العالم  وتتغير نظرتنا لأنفسنا ..
 لكن ذلك مشروط بتغيرات في الواقع الملموس ايضًا وليس التغيير لعبة ذهنية مجردة ، فمجرد تغيير الأسماء لا يعني تغيير الأشياء وتغير علاقتنا بالأشياء ، او خلق جديد او ابتكار حقيقي .. لكن الابتكارات تحتاج الى لغة جديدة الى اسماء ورموز جديدة تتلاءم واستعمالاتها الجديدة ، كما هو حادث بالفعل على الارض .. مثلاً قبل ابتكار الفاكس لم تكن الفكسسة ، وقبل التلفزيون لم تكن التلفزة ، وقس على ذلك معظم الابتكارات - ولا اقول كلها - فالتلفنة هي الاتصال ، وهي ذاتها (البلفنة والايفنة واللجسكة ).. كلها تحمل ذات المضمون وليس دائمًا الابتكار الجديد يحتاج الى أسماء جديدة – حتى لا نكون مقلدين عميان في طرحنا - 
 قيامة العرب :
 حديثي  عن (القيامة) ينحصر هنا في العالم العربي  وفي الهم الفكري المرتبط  بالدين ، كوني - ظاهريًا وتاريخيًا – جزء من هذا الكيان ومن هذه المنطقة .. عليه بينما عرب "الداخل" يواجهون مشاكل الدولة اليهودية ( الديمقراطية) : هدم منازل ، مصادرة اراض ، عدم ترخيص ، عدم توسيع مناطق نفوذ ، عدم تخطيط  ، عدم توسيع خرائط هيكلية ، عدم مساواة الخ ..  لا زال الكثيرين من هؤلاء يشعرون انهم في جنة بالمقارنة مع ما يجري في معظم الدول العربية ، من حروب ودمار وقلاقل وصراع دموي وانهيارات على كافة الأوجه ..
وبالرغم ان الأولوية في التعامل مع هذا الواقع المأسوي ، يجب ان تكون مع ما يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا .. الا اني اختار متابعة  ما يجري في مصر .. اولاً  لأني لا املك ما استطيع  التأثير به في مناطق القتال  ، ثانيًا لأني اجيد اكثر التعامل مع الحرف ، ثالثاً لأن حربًا فكرية وايديلوجية تدور رحاها منذ ثورة 25 يناير 2011 في مصر ، ومصر هي الدولة الاكبر عربيًا وإسلاميًا بين الدول العربية ، فهي وان لم تكن ام الدنيًا حقاً ، هي لا شك ام الدول العربية ، وعليه اي تغيير في نظامها وفي ثقافتها يكون له اثراً على سائر الدول العربية – اكبر من اي دولة عربية اخرى -   
 في مصر تدور حربًا ثقافية  بين فريقين  يشكلان معا المجتمع المصري كله ،هما الاسلاميين والعلمانيين بكل تفرعات هؤلاء وهؤلاء – على ما في النسيج المصري الغالب ما يدنو عن مستوى الديني والعلماني معًا - اذ ان الأمّية لا تُصنَّف لا كدين ولا كعلمنة ، رغم ان مَثَل المسلمين الميتافيزيقي والتاريخي الأعلى كان أميًا ،  وهو محمد  (العبقري) على حد تعبير العقاد .. في مصر اليوم  توجد بلبة كثيرة ، جدل بيزنطي رهيب ، تكفير وتحريض مقصود وغير مقصود لقتل المخالفين في الرأي والتفكير من قبل الدينيين  ، توجد محطات اعلامية كثيرة ، وفوضى كلامية ، وجرءة  واصوات مرتفعة وتجاوزات وتوترات ، تبلغ السب والشتيمة والعراك بالأيدي .. وقد يمتد هذا الوضع لعقود وربما لقرون حتى ينحسم الصراع الثقافي  ..
بكل الأحوال ما يدور هو ايجابي ورائع وخلاق ، اذ لم يسبق له مثيل منذ قرون ، انه مخاض لولادة عصر جديد للعرب .. انه نوع من بعث  لجدالات المعتزلة والاشاعرة والمتكلمين ورجال الدين حول اسس الاعتقاد والتفكير .. وتبرز نفس المسائل والإشكالات والقضايا ، لكن بزَخَم اشد واوسع لتشمل كل شرائح المجتمع ، وهي تتجاوز العصر العباسي في مطارح مختلفة بحكم التراكم التاريخي ومكتسباته الثقافية والعلمية الهائلة .. غير ان المسائل الاساسية التي اثيرت زمن المعتزلة برزت نفسها  بحدتها ،وذلك من حيث (توقف التاريخ) عند نهاية ذلك الجدل مع صعود ابن تيمية ( شيخ الاسلام ) والقضاء على حرية التفكير والتعبير .. ابن تيمية الفقيه (المتفوقه) الذي ختم فتاويه بقتل المخالفين ، ابن تيمية الذي لا زال يحمل لقبه هذا عند علماء الازهر وسائر الاتباع والفِرَق السلفية ، المُغلَقين على النص وعلى مفهوم النص الديني ومطلقاته المقدسة ... وهنا يبرز عدد من المفكرين والباحثين والمثقفين ، يقدمون مواقفهم وبرامجهم في مواجهة العقائد الدينية في العمق  .. وبدون مواربه هي عملية هدم  للأسس الثقافية والاجتماعية التي تقف وراء التخلف والجمود والعنف  .. تقوم حركة الهدم منذ جمال الدين الافغاني بداية القرن العشرين ، حتى حسن حنفي وفرج فودة وسيد القمني وسواهم القرن 21، مرورا بطه حسين وعلى عبد الرازق و ... ويتفاوت هؤلاء في درجة التمرد حسب الظروف والزمن وحدّة الفكر ، وان جاء معظمه تحت شعار الاصلاح او التجديد ..   
 السقوط الحتمي لثقافة الأسلاف :
ويبدو ان التاريخ الحقيقي للعرب يبدأ مع اسقاط الدين كليًا من عقول الناس ، كما هو سائد ،اي كغيب متحكم في الواقع ،  اي كخلفية ايمانية وثقافية مقدسة وابدية في عقول الكثرة ، اي كأداة حكم بقتل المخالف او الكافر والمارق والمرتد وما الى ذلك .. فللدين اقفال كثيرة  : الفكري والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والفني .. وبكلمة الحياتي والحضاري ..  على قدر سقوط هذا - الطغيان الاختياري - يبرز غنى التنوع والتعدد ، ويتم قبول الآخر المختلف وتتم مساواته مع الجميع امام الله بالذات ، اذ ان الله حرية مطلقة وليس كائنًا متجبراً متحكمًا من اعلى .. فأنا اومن بالله الذي يقوم وراء الأكوان والكائنات ، لا الذي يقف وراء الاديان ، فالذين يقفون وراء الاديان هم  بشر  يصيبون ويخطئون  .. وقد بين بعض العلماء والمفكرين والدارسين  اخطاء مختلفة في مختلف الكتب الدينية ، أخطاء لغوية نحوية انشائية ، اخطاء في تأخير وتقديم الكلام السليم وترتيبه ، اخطاء في الترتيب الزمني للأحداث الواردة في تلك الكتب ، وهي تعج  بتناقضات ومفارقات كثيرة  ..
 لقد تحدث الباحث والمترجم سامي الذيب ( الفلسطيني ) عن مئات الاخطاء اللغوية في القرآن ، ويقول انه ناقص ، وما بين ايدي المسلمين هو ثلث القرآن فقط ..   ولن اذكر ما جاء  عن اخطاء التوراة والانجيل هنا ، لأننا في مواجهة ما يحدث في العالم العربي على خلفيات دينية ، ولأنه لم يبقى من يقتل على خلفية دينية تقريبًا الا في العالم الاسلامي  .. والدين الاسلامي سني وشيعي وبكل المذاهب ينطوي على اشكالات متقاربة .. عمليًا كاليهودية والنصرانية ، غير ان اليهودية والنصرانية عرفتا حدودهما فانحصرتا الى حد بعيد في اماكنهما الخاصة ..  بينما لازال الاسلام عند مئات الملايين من المسلمين ، يُعتَبر هو ( الحل) لكل مجالات الحياة ..
في الوقت الذي  لا يمكن ان تكون هذه الكتب من عند الله الذي يقف وراء مئات البلايين من الاكوان والمجرات والقوى والضوابط والقوانين ، التي تعجز عن حصرها العقول والارقام والمعادلات العلمية ، مهما تقدم العلم ..
حيث اي اختلال ، نقص او زيادة في رقم من  معادلاته الضابطة ، ينهار الكون كله ، كما يقول علماء الفيزياء .. فالكائنات مخلوقات الله ، والكتب مخلوقات بشر ، وكتاب الله هو هذه الحياة كلها بكل ما فيها ، فلنتمعن ولنقرأ .. ولنتأمل ولنميِّز ونستمتع .. 
 
كميل فياض
 
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق