" مِنَ المؤمنين رجالاً صدقوا بما عاهدوا الله عليه " رياض حمزة – جولس
2015-04-07 14:19:29
مِن خلالِ ما أخذتُ على عاتقي ان أتطرّق اليهِ في كتاباتي اليكُم  , اخواني وأخواتي الكرام , كان موضوع الصدق , فقد رأيتهُ لزاماً عليَّ أن أكتب لكم عن الصدق , وعما تحويه هذه الكلمة مِن معانٍ ومفاهيم , خاصة ونحنُ نعيشُ حياةً سادَ , عند الكثيرين , الغشُّ فيها , والخداع والرياء , وأصبح الكذب منهجاً ينتهجهُ أولئك المضللون الأغبياء . فمما لاشك فيه أن أعظم ميزة يتحلى  بها المرء في دُنياه , بعد الإيمان , هي ميزةُ الصدق , فالصدق أساس الإيمان بالله, وعكسهُ  الكذب , والذي هو  أساس النفاق والتزوير , ولا يجتمع أحدهما بالأخر  إلا وكانت يد الصدق على العليا .
والمعنى لكلمة الصدق يتمحور في كلمة حق , ومنها الى حقيقة , والصح والصحيح , الى غيرها من المفردات والمجاميع التي تدل على واقعِ أمرٍ أو قولٍ حقيقٍ صحيح  , وفي كلتا الحالتين هو واقِعُ حقيقةٍ أو بيان صحيحٍ .
ولا يكون الصدق صدقاً إلا اذا جاء ظاهره كباطنه  : فالصدق بمعناه الضيق هو , مطابقة ما ننطق بهِ للحقيقة المُجردة , وبمعناه الواسع الشامل , مطابقة الظاهر للباطن , فالصادق مع نفسهِ ومع الله ومع الناس ظاهره كباطنه , ومِن هُنا جاء  ذُكر المنافق الكاذب في الوجه , مقابلاً للصادق , لأن ظاهره بعكس باطنه . قال تعالى في كتابهِ العزيز : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ) ( سورة الأحزاب - 24) .
ولا يكون الصدق صدقاً إلا اذا جاء مع الاخلاص  , والصدق أن يلتزم الإنسان منا بالعهد , كقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (الأحزاب - 23) , والصدق نفسه , بجميع معانيه , يحتاج إلى الإخلاص لله عز وجل , والى العمل بميثاقهِ الذي اخذناه على أنفسنا , قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً .. )      ( سورة الأحزاب - 7 ، 8) , فإذا كان أهل الصدق سيُساءلون , فيكف لا يُساءل أهل الكذب والنفاق على كذبهم , وكيف تكون المُساءلة والحساب لهؤلاء ؟  والصدق من الأخلاق الأساسية التي تتفرع منها العديد مِن الخصال الطيبات , وليعلم كل منا أن الصدق والإخلاص , أصل كل حال , فمن الصدق يتشعب الصبر , والقناعة , والزهد , والرضا , والمُؤانسة , وعن الإخلاص يتشعب اليقين , والخوف مِن الله , والمحبة للآخر , والإجلال والحياء , والتعظيم . والصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به , صدق القلب بالإيمان التام بالباري تعالى , وصدق النية في الأعمال , وصدق اللسان عند  الكلام  .
ولا يكون الصدق صدقاً إلا اذا جاء مرتبطاً بالإيمان , فللصدق رابطة قوية لا تتزعزع بالإيمان بالله , عز وجل , وقد يقع المؤمن بالله حقيقةً , في أخطاء كثيرة إلا الكذب , إذْ لا يُمكن لمن آمن بالله حق ايمانه أن يكون كاذباً , وهذا ما جاء في كُتب الله , عز وعلا , جميعها .
ولا يكون الصدق إلا بالاختصار في الكلام  , لأن مَن يُكثِر في الكلام ويزيد , لا بُد أن يتعرض لزلات اللسان , ومنها الى الكذب , والأصل في اللسان الحفظ والصون , لأن زلاته كثيرة , وشرّه وخيم جسيم , فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى للمتحدثين , وإذا وجدت المتحدث لا يبالي , ويكثر الكلام , فاعلم أنه قد يزل ويخطئ وينجر الى الكذب , بقصدٍ أو بغير قصد , لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب , لا محالة .
ولا يكون أن تَصدُقَ  , إلا بالالتزام  ,  ولقد خلق الله تعالى الجمال والكمال في العديد من الأشياء والأمور والخصال التي أوجدها بنو البشر , وجعل للإنسان أن يختار ما يحلو له منها   ليكتسبهُ ويعتاد عليهِ  , فيحرص على التزامهِ  والعمل بموجبه وبه , حتى يصل هذا مبتغاه من التطور والتقدم , وإلى المراتب الروحانية , او الجسمانية , العالية , يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه , وطيب مزاياه , والصدق أهمها وأوجبها وأفضلها , فالصدقُ يهدي الى البِر , والبِرُ يهدي الى جنات ربك , ونعم المصير , والكذب طريق الفجور , والفجور يؤدي الى النار , والعياذُ بالله , وبئس المصير .
ولا تكون الطمأنينة والثبات إلا بالصدق  , ولا يمكن للمؤمن أن يطمئن قلبهُ وتقر عينهُ وتثبت خُطاه إلا إذا كان صادقاً , فمن مُكتسبات الصدق ثبات القدم على ارض الواقع , ورباطةُ الجأش وقوة القلب  ووضوح البيان , ومن علامات الكذب التذبذب  , والتلجلج  , والارتباك  , والتناقض , والانخذال .  
ولا يأتي الخير ولا تكون النجاة إلا بالصدق , ويحصل أحيانا ,  أن يقف الواحد منا في موقفٍ يتخوَّف إنْ صدقَ القول فيهِ يكون عليهِ في ذلك شراً وبالا , وهو لا يدري أن الله تعالى , يبدل الأحوال مِن حالٍ الى حال ,  وأن عاقبة الصدق خير , حتى وإن توقع أن تكون العاقبة  شرًا , قال تعالى : ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) , ويوم القيامة يُقال للناس : ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم) (سورة المائدة - 119) .
ولا تكون الجرأة والشجاعة إلا بالصدق , ومما ذكرناه سابقاً , لا بُد أن يكون أنهُ قد بات واضحاً لكلِ ذي بصرٍ وبصيرة , أن الصدق يوصِلُ  صاحبه للجرأة والشجاعة والإقدام , وذلك لأن هذا الصاحبُ  ثابت حازمٌ صارم لا يتلون , ولأنه واثق لا يتردد ,  وقد عبر عن ذلك الداعية جنيد , رضي الله عنه , بقوله ,  " حقيقة الصدق  أن تَصدُق في موطنٍ (موضع) لا ينجيك منه إلا الكذب "  .
واعلموا , اخواني واخواتي في الله , اننا لن ندخُل , جنتهِ , تعالى , إلا إن كنا من الصادقين  , ولكي تكون حياتنا كلها صدقـًا , ولنُحشر مع الصديقين , دعونا نجعل مدخلنا فيها صدقـًا ، ومخرجنا منها صدقـًا , ولتكن ألسنتنا ألسنةُ صدقٍ , عل الله يرزقنا قدم صدق , وموقف صدق , ومقعد صدق , ودعونا لا نترك فرصة للشيطان يستدرجنا فيها الى الاكثار من الكذب والرياء والمخادعة والمعارضة والمخالفات المصطنعة , ولنتذكر دائماً أن الصدق صراحة ووضوح وأمانة وإيمان , وأن الميل عنه التواءٌ وزيغٌ ورياءٌ وخداع , وأن حال المؤمن لا بُد أن يكون حال القائل الفاعل العامل بالصدق , القائم الدائم عليهِ , ابد الآبدين .
قال أمير المؤمنين , الامام علي - رضي الله عنه , " من كانت له عند الناس ثلاث , إذا حدثهم صَدَقَهُم , وإذا ائتمنوه لم يخنهم , وإذا وعدهم وفى بوعدهِ لهم , وجبت له عليهم ثلاث , أن تُحبه قلوبهم , وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم , وَتَظْهَر له معونتهم " .
وما أنتم , أيتها الأخوات وأيها الأخوة , وما نحن , سوى مُريدين نسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا في جنته منازل الصديقين , آمين .
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق