مقاطعة ماذا؟ تصويت لمَن؟ سليم سلامة
2015-02-28 08:49:35
هي برقيات خاطفة أسجلها هنا لعرض الموقف من الانتخابات للكنيست عامة، والقريبة خاصة:
1. أنا، شخصيا، أمتنع عن المشاركة في انتخابات الكنيست بدءا من العام 1992، بعدما شاركتُ فيها سنوات طويلة جدا، بالعمل الميداني المباشر وبالكتابة. 
2. امتناعي هذا ليس جزءا مما تشاع تسميته بـ"المقاطعة المبدئية" التي تقصد رفض "الكيان الصهيوني" وترفض، بالتالي، المشاركة في مؤسساته الرسمية. لستُ ممن يعتقدون ويؤمنون بإمكانية إعادة "دواليب التاريخ" إلى الوراء، بل أومن بأن للتاريخ حركته الدينامية التي يؤثر عليها الناس/ الشعوب، بل يقررون وجهتها. وهذا هو دور الشعوب في حركية التاريخ. 
3. ميلي إلى هذه المقاطعة بدأ في الفترة التي كنتُ لا أزال فيها عضوا في الحزب الشيوعي ومحررا في صحيفته اليومية (الاتحاد). 
4. هذا الميل كان موضع نقاش طويل مع عدد من الرفاق آنذاك. وحين كنتُ، لاحقا، ضمن المجموعة المؤسِّسة لحركة "ميثاق المساواة"، التي انبثق عنها "التجمع الوطني" فيما بعد، كان موضوع الانتخابات البرلمانية والمشاركة فيها السبب الرئيسي لانسحابي. وقد أوضحت (في مقالات نشرت) أن منطلقي في تلك المساهمة وهدفي منها كان: بناء حركة سياسية جماهيرية، لا "قائمة انتخابية"! وحين تيقّنت، في فترة مبكرة من هذا المسعى، إن ثمة من يريده رافعة للوصول إلى الكنيست (وهو ما حصل فعلا) قلت: ليس هذا هدفي! وانسحبت. 
5. مقاطعتي نابعة من قناعة توصلت إليها ليس فقط بعدم جدوى المشاركة في الكنيست، تحديدا، بل بضررها الجسيم، في ظروف الأقلية العربية في هذه الدولة وفي ظروف شعبها الرازح تحت الاحتلال. وهي قناعة تقوم على محصّلات موازين الربح والخسارة. 
6. في الربح: أ- منبر لطرح القضايا; ب- مجال للتأثير; ت- فوائد مالية تجنيها الأحزاب (من التمويل الرسمي) تتيح لها تمويل أجهزتها ودفع مرتبات محترفيها وعامليها; ث- فوائد مالية مباشرة يجنيها أعضاء الكنيست ومساعدوهم، فضلا عن امتلاكهم الحصانة البرلمانية التي توفّر لهم مساحة لا بأس بها للحركة والنشاط (وإنْ تكن مساحة محدودة جدا في حالة أعضاء الكنيست العرب، كما نرى). 
7. في الخسارة: أ- إسرائيل تستغل مشاركتنا هذه للتغطية على عنصريتها البنيوية، بالقوانين وبالممارسة، ولترويج نفسها في العالم واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط ولتُحارب، بنا، حملات المقاطعة الدولية التي تُنظم ضد إسرائيل على خلفية مواصلة الاحتلال واعتماد نظام الأبرتهايد. ويعرف كل من اطلع على نشاط حملات المقاطعة أو كل من له أية علاقة بها مدى استغلال هذه النقطة (مشاركتنا في الانتخابات وفي الكنيست) ضدها. ولا أعتقد بأن إسرائيل قادرة على تحمّل وضع يكون فيه العرب هنا خارج برلمانها! 
ب- لم تكن لدي أية مشكلة مع الكنيست و"النضال البرلماني" طالما كان جزءا (مركّبا واحدا فقط) من أدوات وآليات النضال المختلفة التي تتوفر في حوزة جماهيرنا ولا تتوقف عن استخدامها. أما وقد تحول "النضال البرلماني" إلى المجال الحيوي الوحيد و"مَنفس" الجماهير الوحيد، فقد أصبح عاملا مضرا، بل تدميريا، لأدوات وآفاق النضال الأخرى. 
ت- اقتصار "النضال" على الساحة البرلمانية وحدها أدى إلى غياب الأحزاب من بين الجماهير، إلى غياب العمل السياسي ـ الاجتماعي ـ التوعوي اليومي المتعدد الأوجه الذي كانت الأحزاب (وخاصة الحزب الشيوعي) تمارسه على مدار الساعة في القرى والمدن العربية، في الأحياء وفي داخل البيوت. وهكذا حصل الانقطاع ما بين هذه الأحزاب وبين جماهيرها، حتى أصبحت "أحزابا" بلا جماهير، سوى في المناسبات وفي "نشاطات الطوارئ". 
ث- ساهم هذا الغياب، بل كان أحد الأسباب الرئيسية، في ما تشهده قرانا ومدننا (ومجتمعنا عامة) من آفات تفتت نسيجها وتخلخل أسسها. ولا شك عندي في أنه لو بقيت الأحزاب موجودة بين جماهيرها، كما ذكرت، لما تفشت وتفاقمت هذه الظواهر الفتاكة. وأنا أومن، إيمانا تاما، بأن إعادة ترميم وبناء هذا الوجود الجماهيري، اليومي النابض، للأحزاب يحتاج إلى إعطائها "فرصة" من "النضال البرلماني" لكي تعود إلى رشدها وإلى مجالها الحيوي الطبيعي والشرعي (وعندئذ لن يبقى سوى الحزب الذي لديه تواصل يومي فعلي وحقيقي مع الجماهير). وساعتئذ سيكون في الإمكان بناء قوة سياسية حقيقية، معبرة ومؤثرة.
وقد أصبحنا نخلط، خلطا مريبا، بين "حزب" وبين "قائمة انتخابية" إلى درجة أن كثيرين من الناس لا يفرّقون بينهما! وهذا ما يشكل، في رأيي، خيانة ارتكبتها هذه الأحزاب بحق جماهيرها ومجتمعها، تصل حد الجريمة!!
8. "حكومة نتنياهو هي الحكومة الأكثر معاداة للصهيونية التي تشكلت في إسرائيل منذ إقامتها"!!!! (الكاتب عاموس عوز، "هآرتس"، 11/1/2014). أولا، أنا أتفق مع هذا القول تماما. وعاموس عوز يعرف جيدا جدا ما هي "الصهيونية" الحقيقية. وقد يكون (سوية مع شمعون بيرس وشلومو أفنيري!) آخر الرعيل الذي يدرك ذلك، حق إدراكه. وأنا أزيد عليه: لا تزال ثمة فرصة في إسرائيل لأن تقوم فيها حكومة/ات أكثر معاداة للصهيونية، الحقيقية لا الغوغائية الشوارعية! وفي رأيي، أن هذا بالذات هو ما يخدم، في المحصلة وعلى النحو الأفضل، قضايانا ومصالحنا في هذه البلاد، كما مصالح شعبنا في المناطق المحتلة. 
9. جميعنا يعرف إن تأثير الأعضاء العرب في الكنيست، عليها وعلى قراراتها وقوانينها، كما على مجمل السياسات الرسمية هو تأثير محدود جدا، بأفضل تقدير. فوجودهم ـ منذ تأسيس الكنيست وحتى اليوم ـ لم يمنع، يوما، سن قانون عنصري واحد، لم يمنع أية ممارسات عنصرية تمييزية، لم يمنع مصادرة دونم واحد من أراضينا، لم يمنع هدم بيت واحد، لم يمنع قتل شاب عربي واحد، بل لم يمنع تعرضهم هم أنفسهم للضرب والاعتقال والمحاكَمَة! وفي المقابل، ليست ثمة إنجازات عينية جدية يمكن الإشارة إليها تأتّياً من هذا الحضور البرلماني طوال أكثر من ستة عقود، سواء في مجال حقوق هذه الأقلية، أوضاعها المعيشية، أوضاع قراها ومدنها، مناطق نفوذها ومسطحاتها أو في غيرها الكثير. 
10. من هنا، وبشديد الاختصار، يبدو (لي على الأقل) إن كفة الخسارة هي الراجحة، بوضوح خطير. وهذا هو مبعثُ موقف المقاطعة هنا. 
11. فيما يتعلق بـ"القائمة المشتركة":
أ- يعرف الجميع لماذا وكيف تم تشكيلها، وليس أدلّ على ذلك من كل التحركات والتصريحات التي سبقت الاتفاق، وأبرزها تصريح/ تهديد باسل غطاس بأنه إذا لم يحصل "التجمع" (هو شخصيا) على المكان العاشر، فلن يكون اتفاق (موقع "بكرا" ـ 22/1/2015). 
ب- مع ذلك، أرجو ـ كما يأمل آخرون ـ بأن يكون هذا الاتفاق فاتحة لطريق آخر ومسلكيات أخرى تنتهجها هذه الأحزاب والحركات، فيما بينها أولا ثم في علاقتها مع جماهيرها. 
ت- ترتكب القائمة خطأ فادحا، سياسيا ووطنيا، بتركيز "حملتها الدعائية" ـ أو جزءا أساسيا منها ـ ضد المقاطعة والمقاطعين، إلى درجة اتهامهم بـ "خدمة الأجندة الصهيونية"، ليس أقل!! بينما يمكن للآخرين أن يرموها بهذه التهمة نفسها، بالمعنى الذي سبقت الإشارة إليه أعلاه. 
ث- للأحزاب والحركات المشاركة في القائمة، مجتمعة، 11 عضوا في الكنيست اليوم، بعد الانتخابات الأخيرة التي جرت في كانون الثاني 2013، وبلغت فيها نسبة تصويت المواطنين العرب 56%، بزيادة عن الانتخابات التي سبقتها (53,4%). وهي، في المعدل عامة، نسبة تصويت المواطنين العرب في انتخابات الكنيست خلال العقود الأخيرة، بينما كانت تصل النسبة في منتصف التسعينيات، إلى نحو 80%. وهو ما ينبغي أن يدفع الأحزاب إلى مراجعة نفسها، أدائها ومسلكياتها، بدلا من البحث عن شمّاعة تعلق عليها قصوراتها. 
ج- ومن هنا، يمكننا أن نسجل منذ الآن: ارتكبت هذه القائمة خطأ جسيما، بل قد يتبين أنه قاتل، في "افتتاح" دعايتها الانتخابية بالهجوم على المقاطعين (الذين تختلف منطلقاتهم ومبرراتهم) مقابل "تأجيل" دعايتها ضد الأحزاب الصهيونية (وهو ما بدأته اليوم فقط، وببعض الاستحياء). كان يتحتم عليها، في المنظورين الإعلامي والسياسي، بناء حملة دعائية تقوم على شقّين غير منفصمين: إطلاق حملة كاسحة لا هوادة فيها ضد الأحزاب الصهيونية، من جهة، إلى جانب حملة "حوارية" توعياتية في مسألة المقاطعة. 
ح- وإذا ما حققت هذه القائمة، في الانتخابات القريبة، ما تتوقعه لها استطلاعات الرأي (أي، حول الـ 11 مقعدا) فلا تلومنّ إلا نفسها وحملتها الإعلامية. لأن هذا سيمثل، بوجه أساسي، إخفاقا واضحا من جهتها في استغلال ما تصفه بـ "الزخم" الناشئ عن "الوحدة" في اتجاه أساسي ومركزي، هو الأهمّ وهو الأخطر: محاصرة الأحزاب الصهيونية المختلفة في مجتمعنا وتقليص "قوتها" فيه. ذلك أن الزيادة في تمثيل هذه القائمة وقوتها ينبغي أن تأتي مما تستطيع "تحريره" من براثن الأحزاب الصهيونية، أساسا، وليس من مقارعة المقاطعين ومحاربتهم، بل معاداتهم، كما يستفاد من معطيات الانتخابات في الدورات الأخيرة. هذا هو التحدي الحقيقي والصحيح، ليس اليوم فقط وليس في المدى المنظور فقط بل على المدى البعيد!
خ- حين أتناقش مع الناس حول الانتخابات والتصويت، أحاول بطبيعة الحال الإقناع برأيي وموقفي بشأن ما سقته أعلاه عن الضرر الجسيم من المشاركة. أما حين أجد أمامي إصرارا على المشاركة، فعندئذ يكون الموقف واضحا لا لبس فيه: إن كنت قد حزمت أمرك على المشاركة والتصويت، فلا يجوز إلا لهذه القائمة، رغم كل ما قيل!
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق