حول الله والخلق في النظر العرفاني التجاوزي .. كميل فياض
2015-02-16 10:57:57
في المبدأ كل تعريف وتحديد لله هو تحديد وتعريف لشكل من اشكال الفكر ، بما في ذلك كلمة الله .
حالة المعرفة هي حالة خارجة عن كل تفكير وكل استخدام لرموز وكلمات .. هي رؤية شفافة واعية بعين الحقيقة ذاتها وليس بِعَرَضٍ عارِضِ من انعكاساتها .. " عرفت الله بالله " ذلك يتم في ان تفقد الوعي بهويتك الشخصية الفردية في وعي لا محدود للوجود ذاتاً خارج الزمان والمكان ، كما يفقد القمر هويته في ضوء النهار .. بعد العود الى الوعي الشخصي العادي المحدود بالزمان والمكان .. تكتشف وحدة الوجود – اي ان وجود الله هو عين هذا الوجود ولا فاصل بينهما ،كما لا فاصل بين ضوء القمر وضوء الشمس .. ولا إثنينية  الا في الفكر وفي التفكير فقط ، والفكر يماثل الظلمة .. الفكر هو الذي يقسم وهميًا الوجود لذاتي وموضوعي ، كما يفصل الظلام ضوء القمر عن الشمس في الظاهر .. اذن لا يوجد خلق انما ما يراه الفكر خلقاً هو ظلاله هو ومبتكراته ومفاهيمه وازدواجاته .. من هنا فان عبادات المؤمنين لاله شخصي ميتافيزيقي منفصل عن الطبيعة والكون ، هي عبادات وصلوات عبثية في جوهرها ، قد تفيد نفسيًا سيكلوجيًا فقط ، اذ ان هذا الاله نفسه من خلق الفكر وبمقاييس الشخص الحسي نفسه ، والشخص  نفسه ايضًا من مُدرَكات الفكر ومن تصوراته .. فنحن ندرك اشخاصنا وما تدركه اشخاصنا داخل عقولنا ومخيلتنا لا خارجها – سواء كان ذلك يجري  كنشاط بدائي او كبحث علمي -  على قدر ما نظن اننا في العالَم ، ألعالَم فينا ..
عليه فان السعي للكشف عن هذه الحقيقة هو ما يجب على العقلاء – علمانيين ودينيين – فلا تنظيرات ودراسات العلمانيين حول ماهية الوجود تفيد في الجوهر ، ولا صلوات وعبادات المؤمنين ، وكما لم تفد في الماضي لن تفيد في المستقبل ، ولو كان في الدعاء والصلاة فائدة موضوعية لانحلت جميع المشاكل .. ربما تفيد الاديان - من دون إفساد متطرفيها  ومحرفيها - من الوجه الاخلاقي والسلوكي الادبي ، لا العقائدي الغيبي ، لتسيير الحياة الاجتماعية قدر الامكان  لا اكثر .. 
الخلق فيما يتجاوز النظر العقلي الثنائي :
ان علم الله بالخلق كعلم الشمس بالغيوم التي تبخرها من البحر وتملأها بالضوء .. ومثلما ان الشمس لا تقصد صنع الغيوم ولا تدري بها ، كذلك الله لا يقصد الخلق والتكوين ولا يدري به باعتباره غير مقيد ولا محدود ، انما ذلك يحدث عفواً منه دون تخطيط وبرمجة .. تمامًا كقوى الطبيعة المختلفة وهي انعكاسات تلقائية عنه في فراغ غير محدود ..( الجاذبية والرياح في تكوين المد والجزر والامواج ، وتدفق الماء من علٍ الذي ينتج طاقة )
وربما لو لا نقطة وحركة الوصل بالظاهر العَرَضي ، التي هي نقطة الفصل عن الباطن الجوهري ، لما تم ادراك ووعي للوجود فينا ، ما يماثل ظهور الشيء بضده في الظاهر على خلفية وجودية واحدة جامعة ، كالليل الذي يمكِّن  لرؤية  النجوم في فضاء واحد جامع .. وسواء كان ذلك الخلق الفكري مقصوداً واراديًا لكي تتم المعرفة بالوجود والموجودات ، او غير مقصود فإن النتيجة في المطلق بين الوعي وعدم الوعي بالوجود سيان .. وهذا جواب للذين لا يرون من الوعي بالوجود سوى الجانب الظاهري الشخصي الذي يوح لهم بضرورة ثنائية (خالق  خليقة) وايضًا جواب للذين لا يرون في العمق من الوعي بالوجود الا كيان لا شخصي مطلق مجرد لا ثنائي .. على خلفية الوعي المجرد تتجلى الشخصية – سواء الهية او بشرية - وهي من ضمنه ومن ماهيته ، كالألوان من الضوء ، وكالحركة من الطاقة ، وكالأضلع الثلاثة من المثلث لا فصل ولا انفصال .. 
 
 
كميل فياض
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق