إنقاذ الغرقى أم منع رميهم إلى النهر؟! راضي كريني
2015-01-14 10:03:42
وقف أحدهم على ضفّة نهر؛ فشاهد شابّا يكاد ينتهي غرقا، فقفز نحوه في النهر وأنقذه .. وما أن بدأ بالتقاط أنفاسه شاهد شابّا آخر "يشعبط ويلعبط" لينقذ نفسه من الغرق المحتوم؛ فوثب نحوه وثبة فهد وانتشله من الماء، ثمّ وقف ... ورفع رأسه فرأى شابّا آخر يغرق في النهر .... فركض بعكس مجرى النهر ليقف على سبب سقوط الشباب في النهر وليعالجه.
في هذه الأيّام، يدور جدل في البيوت الجبهويّة حول ضرورة وكيفيّة وفائدة/ وضرر اشتراك الجبهة في تحالف مع الأحزاب العربيّة الممثلة في الكنيست (البرلمان الإسرائيليّ) في قائمة واحدة موحّدة، أو في قائمتين مرتبطتين بفائض الأصوات، ومتّفقتين على برنامج حدّ أدنى؛ لاجتياز نسبة الحسم، ولوقف الزحف الفاشيّ على الوجود الفلسطينيّ وعلى ما تبقّى من هامش الحريّات (الجماعيّة والفرديّة) والسلطة القضائيّة، ولمنع تكريس الأبارتهايد والتمييز القوميّ العنصريّ وقوننة ومأسَسة الفاشيّة، مثل: قانون يهوديّة الدولة وقانون الولاء، وهذا يقتضي رفع مستوى تمثيل العرب في الكنيست إلى 15 عضوًا بدل 11 اليوم.
صحيح، إنّ للجبهة الديمقراطيّة أربعة مقاعد من بين 120 مقعدًا في البرلمان، لكنّها هي المسؤولة الأولى أخلاقيّا عن مصالح وحريّة و... غالبيّة المواطنين، من اليهود والعرب، وهي التي تطرح الحلول الصحيحة للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الإسرائيليّ.
لا يمكن للجبهة أن تبقى واقفة على ضفّة النهر؛ كي تنقذ جزءًا بسيطا من المواطنين من الغرق!
لكن في هذه المرحلة، يقتضي دورها السياسيّ أن تغضّ الطرف قليلا عن دورها المبدئيّ، لتفتح أعينها المبدئيّة/الفكريّة على وسعها بعد الانتخابات!
  لا يمكن للقيادة الجبهويّة أن لا تكون فعّالة في صقل وتنمية وحدة المضطهَدين السياسيّة؛ ليتسنّى لها الإشراف والمشاركة في الإدارة ولترفع مستوى الالتزام بالمبادئ والأهداف و... للجبهة دور هامّ في المساعدة على تجاوز العقبات التي تعترض العمل السياسيّ الوحدويّ والمشترك، وفي المساندة الفكريّة، وفي الحرص والاهتمام بجودة وبتحسين الأداء البرلمانيّ والميدانيّ، وفي المراقبة والإشراف، وفي التحفيز وزرع الثقة في صفوف المقهورين و... وللقيادة الجبهويّة دور رئيسيّ في التخفيف من قلق الناس من المستقبل ومن خوفهم من العنف المتصاعد.. يمكن لها أن توفّر بعض عناصر الاستقرار والأمان في الأوساط الشعبيّة من خلال الوحدة والتحالف السياسيّ.
لم تبدأ الجبهة في تأجيج الصراعات (ثانويّة أو رئيسيّة) مع أيّ تيار من التيارات السياسيّة العربيّة الممثّلة في الكنيست؛ بل كانت دائما المبادرة والبادئة لحلّ الصراعات القائمة والمفتعَلة، ولم تتهرّب من واجبها في السعي إلى التعاون والعمل بروح الفريق الواحد، في تحقيق الأهداف الوطنيّة والإنسانيّة و... المشتركة.
لكن، لقد فرضت الظروف العمل بطريقة تحفيزيّة لبناء التحالفات؛ لذلك طغت شعارات الكمّ على الكيف.
أشعر أنّ بعض القيادات العربيّة (ومنها جبهويّة) قد بالغت في رغبتها في إقامة التحالف من أجل الكم (نسبة الحسم وعدد الأعضاء) على حساب الكيف (كيفيّة تشكيل التحالف وعمله في المستقبل)... هذا ممّا استدعى نفور وتردّد بعض الجبهويّين من التحالف؛ بالرغم من أنّهم يرغبون في تطوّر وتحسين أداء الجبهة.
 لذلك، علينا أن نمتنع عن إصدار أحكام غير دقيقة نحو هذا البعض؛ فعلينا أن نتعامل بطريقة عادلة وأن نتقبّل الاعتراض؛ فنحن لسنا عصابة. فقط في العصابات هناك إجماع، أمّا في التنظيم الديمقراطيّ فهناك  تكامل وهناك خلاف واختلاف بالرأي، وهناك الحقيقيّ والمبادر والمبدع وهناك الشعاراتيّ والبيروقراطيّ، وهناك مَن ينقذ الغرقى، وهناك مَن يعدّهم وهناك مَن يسعى ليمنع رميهم في النهر، وباختصار: الهناك المزعج ليس الهنا المريح! 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق