"حتّى تعود المياه إلى مجاريها..وقرية جميع مواطنيها!" بقلم:شريف صعب- أبوسنان
2015-01-12 16:15:49
هذه كلماتٌ من أجل تهدئة الأمور قالها الإنسان على مرّ الحقب والعصور،حتّى يتمّ أيجاد حلولٍ لمعضلةٍ ما: "حتّى تعود المياه إلى مجاريها." هذا الكلام يتلاءم مع وضعنا القائم في قريتنا،أبوسنان،بعد النّكسة الأخيرة الّتي انتابتها...وليس على حين غرّةٍ!
كيف،إذًا،يمكننا أن نقاطع مدارس القرية خصوصًا الثانويّة والإعداديّة لمدّةٍ طويلةٍ،هكذا، وأن يتعلّم فيها جزئٌ واحد من أجزائها فقط! إنّه لخطأٌ فادح كان أولى أن لا يحصل وإن حصل،فكان من الأجدر أن لا يدوم إلا لأيّام قليلة وأن يضمّ جميع الطّلاب في القرية ومن جميع الطّوائف ...احتجاجًا على ما آل إليه الحالُ!
وإذا كان لا بدّ من الإضراب بهذا الشكل لتفادي الإلتقاء في المدرسة، إذًا كان يجب أن توضع الحواجز بين كلّ درزيّ ومسلم في القرية...وأن لا نتيح لقاءاتنا في الأماكن المختلفة: في المجلس المحليّ،في الأسواق،في المناسبات وفي المؤسّسات على اختلافها!...كان أولى،أيضًا،أن يمتنع المعلّمون الدّروز عن الحضور إلى مدارسهم في الحيّ الغربيّ،مثلًا، وأن يمتنعَ المعلّمون المسلمون عن الحضور إلى مدارسهم الّتي يُعلّمون فيها في المدرسة ج في حيّ الخرّوب! فكيف يمكننا أن نُجيزَ ذلك وأن نمنعَ ذاك!؟ سؤالٌ مُحيّرٌ بالفعل.وهل كلّ واحدٍ من كلا الطرفين يشهرُ سيفه في وجه الآخرَ،بالطّبع لا!لماذا؟ لأنّنا في نهاية المطاف أبناء بلدٍ واحد وهمومنا واحدة ولا يجوز لنا أن نتخلّى الواحدُ عن الآخرَ وأن نتنازلَ عن مشاركتنا التّاريخيّة بمسيرتنا الحياتيّة الّتي بدأت قبل عشرات السّنين، بإرادتنا أو رغمًا عنّا!
لقد تأزّمت الأمور بشكلٍ كبير ،بقصدٍ أو بغير قصد،ومَن المتضرّر الأوحد حتّى الآن؟ إنّهم فقط طلابنا فلذات أكبادنا! فمن أين لنا هذه القسوة على أبنائنا يا ترى وكيف يجوز لنا أن نضرب بمستقبل أبنائنا وبشراكتنا عرض الحائط دون أن نفكّر بشكلٍ سليمٍ وعقلانيّ،أعمق وأوعى!؟ 
بفعلنا هذا نكون قد حصرنا المشكلة والخلاف، في مدارسنا الّتي خُلقت لتكون رايةً للتعايش ورمزًا للحضارة وللإنسانيّة وللثقافة ولاكتساب العلم والمعرفة!
فهل كلّما ضرب أبيضٌ أسودَ أو بالعكس،في أمريكا،من دافعٍ عنصريّ أو غير ذلك يُفصلُ الطّلاب البيض عن السّود في المدارس هناك!؟ لا وألف لا...رغم الفوارق العرقيّة والمدنيّة! وهل كلّما هاجم شيعيٌّ سُنّيًا في شرقنا،وبالعكس يُفصل الطّلاب في المدارس(هذا إذا ما زالت هناك مدارسُ قائمة على أركانها في...سوريا والعراق).
أيّها الأبوسنانيّ الكريم، يا أصحاب النّوايا الحسنة، لا يجوز لنا أن نصلح الخطأ بالخطأ...كما أنّه لا يحقّ لنا أن نُحرم أبناءنا من حقّ الذهاب إلى المدرسة وإلى دور العلم بسبب أهواء غريبة عقائديّةٍ خارجيّة فُرضت، من أجل غاياتٍ لأشخاص وجماعات ولجانٍ لها حساباتها..الخاطئة! كان أولى أن يتمسّك الجميع بالشّراكة المدرسيّة، رغم كلّ ما حصل!
لا يجوز لنا أن نُصلح الخطأ بالخطأ ولا يحقّ لنا أن نتحدّث عن فصل مدارسنا على خلفيّة دينيّة أو طائفيّة...بسبب"طوشه" هنا وهناك!والّله لقد أصبحنا"خُبــــــــــــــــراءَ كبــــــــــــــــــارًا"في إدارة الطّوش(والعالم يغزو الفضاء)ولا يجوز أن نُحكّمَ دُعاةَ الكراهية بإدارتها ...كما يروق لهم،خصوصًا بكلّ ما يتعلّق بتعليم أبنائنا وبتثقيفهم..وبمستقبلهم!
لا يجوز لنا أن ننسى أنّنا أبناء بلدٍ واحد،نشرب من نبعٍ واحد ونتسوّق في ذات السّوق ونرتكز إلى قيمٍ وتراثٍ عربيّ أصيل،مداه مدى التّاريخ الحضاريّ. فلا تُضيّقوا حضينتكم،لا تصعَدوا السّلالمَ العالية كالأسود لئلّا يتعذّر عليكم الهبوط واعلموا أنّ البعدَ جفاءٌ، اعلموا أنّ البــــــــعدَ جفــــــــــفاءٌ وأنه يجب منع ذلك! ثمّ نحن في نظام ديمقراطيّ،كما يدّعي الجاهلون،والسؤال هو،عن أيّ ديمقراطيّة تتحدّثون يا تُرى؟إنّ من يرى بدرجة سِتّة/سِتّة يستطيع أن يرى في أيّ "ديمقراطيّةٍ" نحن قابعون(رحم الّله "العقيد" وديموكراسيّته!)..فهل المواطنون في بلادنا وفي بلاد الجوار سواسيةٌ وهل نحن نحصل على كلّ ما يحصل عليه"جيراننا"في الكيبوتسات والمستوطنات..من حولنا!؟ألم تسمعون،أيّها السّادة،عن الديمقراطيّة النسبيّة...وهل أعضاء الكنيست العرب يسرحون ويمرحون في ساحات وباحات الدّيمقراطيّة الإسرائيليّة!؟ هل نستطيع أن نتخيّل زعيمًا عربيًّا يتربّع على رئاسة الحكومة في دولتنا أو رئيسًا فلسطينيًّا في لبنان أو في سوريا أو في مصرَ أو الأردن!؟عن أيّ ديمقراطيّة تتحدّثون يا تُرى!؟
إذًا يجب علينا أن نُشغّلَ عقولنا وأن لا تنبهرَ عيوننا بهذه الديمقراطيّة السّرابيّة عندنا...حتّى تستمرّ حياتنا الهنيئة وأن لا نبدأ بمحاربة دواليبَ الهواء...الّتي تكسّر عليها رأسُ"دونكيشوط"الأسباني،صاحب الرّواية الشّهيرة.
يجب أن تكون الحكمة هي نقطة انطلاقنا وأن نتفاعل مع الواقع بأسلوبٍ إبداعيّ خلّاق...حتّى لا تغرق السّفينة"المثقوبة" الّتي نبحر بها جميعنا  في بحر هذه الحياة الصّاخبة..وقبل أن يفوتنا قطار الوعي،وأن ندوس على عواطفنا وأهواءنا النابعة عن عقل سقيم. 
إنّ قلوبنا ومشاعرنا الحقيقيّة مع كلّ من أُصيب وتأذّى في"الجولة" الأخيرة الّتي نتمنّى أن تكون بالفعل الأخيرة
إنّ قرتنا الحبيبة،أبوسنان،هي صورة مُصغّرةٌ عن دولتنا إسرائيل أو عن جارتنا"لبنان" ومن المفروض أن نصبوا إلى أن تكون إسرائيل دولة جميع مواطنيها،وأن تكون قريتنا،أيضًا،قرية جميع مواطنيها مع احترام جميع أطياف تكوينتها الديموغرافيّة...وتاريخها العريق،وكما ذكرنا، دائمًا يحقّ للإنسان أن يتمنّى وأن يتوق ولكن ليس دائمًا:"كلّ ما يتمنّى المرء يدركه"وأحيانًا،أيضًا،"تأتي الرّياح بما لا تشتهي السّفُنُ!"
غضبتُ كثيرًا عندما كنتُ مُديرًا في المدرسة الثّانويّة و..."قدحت طوشة"بين طلّابٍ مسلمين ودروز وما أثلج صدري وهدّأ من روعي كان مواطِنٌ واحدٌ،وليُّ أمرٍ،حينما قال لي في اجتماع لجنة الآباء...بعد الطّوشة"لا تغضب أيّها المدير،لقد منّ الّله علينا بنعمةٍ كبيرةٍ حيث جعلنا نعيش مُتعدّدي الطّوائف في قريتنا الجميلة ونتعلّم من بعضنا بعضًا!"
لقد أعادني كلامه إلى الواقع وإلى الهدوء النّفسيّ وقلت:والّله لقد صدق ذلك الرّجلُ...لأن البلد الّتي لا طوائف فيها، "تقـــــــدحُ طوشاتها" بين عائلاتها..من نفس الطّائفة والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا
إذًا أيّها الأحبّة، ليست المسألة "طائفيّة" بل نحن بأنفسنا جعلناها هكذا..لأنّنا أُناسٌ عصبيون/مُتعصّبون فالمسألة هي قضيّة عقليّة/فكريّة...رجعيّة ورثناها عن بيئتنا الشرقيّة منذ مئات السّنين..وعن السّلف "الصّالح"وعلينا أن نكافحها بكلّ قوانا العقليّة وأن ننظر إلى العالم من حولنا وأن نحترم النّعمةَ الّتي نحن "غاطسون" فيها وأن نجعل التّواضع والتّسامح والأخوّةَ والمحبّة شعاراتً لنا،نُخرجُ من داخلنا  الغايات الهدّامة.والأحقاد...حتّى نهتمَّ بمستقبل وبثقافة الأولاد كي نُوَفّيهُم حقّهم، هكذا نبعدهم عمّا أورثنا إيّاه الأوّلون من أمورٍ سلبيّةٍ كالكراهية والعنصريّة...والشّكوك!
وعليه يجب أن تعود المياهُ ‘لى مجاريها فورًا بعودة جميع طلابنا إلى مقاعد الدّراسة وأن نلقّنهم دروسًا في المحبّة والإخلاص والتّسامح، في بيوتنا، فما يفعله الأهلُ لا تسطيع فعله أيّةُ لجنة صلحٍ مهما كان نوعها. إنّ حلّ القضيّة في البيوت، وفي البيوت فقط...وفي العقول، بعيدًا عن الصّراعات والغوغائيّة وعلينا أن نُعدّ للمئة وليس للعشرة فقط..ثمّ نعيد الطلاب ونرفع شعار:" لا لمدارس فصلٍ عنصريّ أو طائفيّ!"
كان من الضروريّ أن يكون لإدارات المدارس الّتي "تحايدت أو حُيّدت" عن المشاركة في خلق الحلول العقلانيّة الدور الأكبر في التدخّل حيث هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن حلّ هذه الصراعات الخطيرة في مدارسنا وأن لا تقفَ موقفِ المتفرّجِ-المنتظر!! 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق