حكمة الحكماء وجهل الجهلاء بقلم موسى طعمة - كفرياسيف
2014-09-17 18:07:13
حكمة الحكماء وجهل الجهلاء 
خلّص يا رب شعبك وبارك ميراثك !
ما أجمله من دعاءٍ خالد يتردّد على لسان المؤمنين في مثل هذا الموسم من كل عام وذلك في مستهل القدّاس الإلهي بمناسبة ذكرى رفع الصليب المحيي الكريم . 
ذاك الصليب الشامخ بمجدٍ عظيم والذي تحوّل من علامة قهر ٍ الى ظفر ٍ وموضع فخر ٍ واعتزاز حينما عٌلّق عليه رب المجد وفادينا الحبيب ليكون ذبيحة بشرية وكفارة عن ذنوب البشر قالباً بذلك نظام الطبيعة رأساً على عقب , ومجسّداً لمشيئة الله ومجده على الأرض . 
وكما هو معلوم تاريخياً فقد كان الصليب إبّان العهد الروماني القديم يعتبر من أقسى أنواع التعذيب والتنكيل بالمجرمين والخاطئين . ولذلك لم يكن مطلب رؤساء الكهنة بصلب المسيح مجرد صدفة أو بدعة عابرة , وإنما تأتّى من قصد خبيث لإهانة المسيح وإذلاله دون أن يقدموا علّة حقيقية لإقدامهم على فعلتهم النكراء !
ولشدة جهلهم وقساوة قلوبهم ظنوا أنهم بفعلتهم هذه ما يشفي غليلهم ويحقق مبتغاهم . 
ولكن الله خالق السموات والأرض ومدبّر الخليقة بأسرها كان قد أعدَّ مسبقاً مشروعاً أو لنقل تدبيراً خلاصياً وإلهياً حينما أُرسل الملاك جبرائيل الى عذراء طاهرة من الناصرة حاملاً لها البشارة العظيمة بمولد المخلص يسوع المسيح ! 
وبما أن كل شيئ مستطاع لدى اللة فإنه شاء أن يبدّل ويغير نظام الطبيعة فأصبح الصليب بين ليلة وضحاها علامة الظفر عوضاً عن العار ومصدراً للفخر والعظَمَة . 
وفي هذا السياق فلنتذكر ما جاء على لسان القديس بولس رسول الأمم والذي قال في إحدى رسائله " أما أنا فحاشى لي أن أتفاخر إلّا بصليب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ! 
ولا يخفى علينا أن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المخلّصون فهي قوة الله ! 
وبما أن الله قد افتقدنا من العلي بمحبته للبشر غير المحدودة لا زمنياً ولا مكانياً فإنه من الواجب بل لزاماً علينا أن نرفع صليباً شامخاً على الدوام ونحمله ليس على صدورنا فحسْب , بل بالقلب وبكل محبة وإيمان. وذلك ليس من باب التعصّب الأعمى والإنحراف وما شابه ذلك وإنما إيماناً منّا بأن الصليب وشارته كفيلان بأن يحفظوا عقولنا ونفوسنا ويبعدوا عنا جميع شرور الدنيا ومكروهاتها ! 
يعتبر عيد الصليب من أهم الأعياد المسيحية في كل عام  حيث يتشفع به المؤمنين ويتباركون بموسمه البهيّ . وككل عيد هنالك بعض العادات التي يمارسها ويتناولها المؤمنين خلال هذا العيد ونذكر منها على سبيل المثال عادة تكريس وتقديس البيوت بالماء المقدس والتي يقوم بها الكاهن في موسم العيد الكريم .
ومن العادات الأخرى والتي تجري داخل الكنيسة نذكر تطواف الكاهن بين جميع المصلين حيث يرش الماء عليهم وداخل هيكل الكنيسة للتقديس ويرافقه الأطفال وذويهم حاملين ثمار الرمان وشتّى أنواع الورود والنباتات الخضراء ذات الرائحة الذكية كأغصان الحبق وغيرها . 
وهنا نلمس التماثل مع أعياد أخرى كعيد الشعانين مثلاً حينما استقبل الجموع والأطفال يسوع الناصري مستقبيلن إياه على مشارف مدينة القدس وهو آتياً إليهم راكباً على جحش إبن أتان وذلك ليُجسّد  على الأرض قمّة التواضع والطاعة البشرية لمشيئة الله القدير .
وكما هو متّبع في كنائسنا الشرقية فقد جرت العادة أن تتخذ كل عائلة عيداً ما لتتبارك به وتُعنى به وبعاداته  ووفقاً لذلك أطلق على رب العائلة لقب " صاحب العيد " .
ولعل أهم ما يقتضيه الأمر من واجبات صاحب العيد هو أن يقدم القرابين الى خدمة قداس العيد بالإضافة الى تقديم الحلويات أو هدايا رمزية إن شاء ذلك . وكل هذا من أجل إتمام الأمور الدنيوية والواجب الإنساني تجاه أبناء رعيته المحتفلين معه بالعيد المبارك . 
وبالمقابل اعتاد الكاهن في مثل هذا اليوم أن يقوم بزيارة لبيت  "صاحب العيد " مكرّساً ومباركاً إياه بالماء المقدس . إما بمفرده أو برفقة فردٍ ما من القيّمين على خدمة ورعاية شؤون الكنيسة . 
وهذه الزيارة يتوخاها كل صاحب عيد من كاهنة وراعية الصالح الأمين الذي يعنى ويرعى خرافه بكل صدق وأمانة ! 
والآن وبعد أن ذكرنا وعددنا ميزات هذا العيد وتوقفنا عند بعض عاداته الحميدة وبالأخص واجبات " صاحب العيد " . لا يفوتنا أن نتحدث أيضاً وبالمقابل عمّا يستحقه " صاحب العيد " من معاملة وتعامل وفقاً لما يقتضيه الواجب الإنساني  والعادات المتبعة في مواسم الأعياد في كنائسنا . 
والتي بموجبها يستحق " صاحب العيد " أن يشارك بمراسيم خدمة القداس . فعلى سبيل المثال يشارك أولاده أو بناته صغاراً كانوا أم كباراً في حمل الشموع أثناء دورات الإنجيل والقرابين .
أضف الى ذلك المشاركة في التراتيل خلال خدمة القداس لمن يمتلك بالطبع المقدرة والكفاءة في هذا المجال . 
" وهنا نأتي الى بيت القصيد " !!!
ففي هذا السياق وجب عليّ أن أنوّه الى حقيقة اعتدت عليها ومنذ سنين , وهي إتاحة الفرصة لي لقراءة رسالة العيد وأقصد هنا رسالة عيد الصليب بالذات وذلك ليس لأني مميّز عن غيري لا سمح الله , بل إنما يعود ذلك الى حقيقة كوني إبناً  " لصاحب العيد "  ولي في هذا الشأن التجربة والممارسة الدائمة في مختلف الكنائس ولدى مختلف الطوائف في جليلنا . ( والله شاهد على كلامي ! )
أما ما يثير الإستغراب والتعجب هو أن الأمر تغيّر وتبدّل في قداس العيد الأخير في الأحد المنصرم . إذ لم يفسح المجال لي شخصياً هذه المرة بقراءة الرسالة كما تعوّدت في كل عام ولمرة واحدة فقط سنوياً . 
وفي الحقيقة أنا شخصياً لن أتعامل مع هذا الأمر وكأنه حدث مصيري مثير للقلق أو معكّراً لمجريات الحياة الدنيوية , وإنما جلّ ما في الأمر هو أن ما جرى ودون سابق إنذار يثير بالنفس الإشمئزاز والإستغراب ويطبع بالأذهان علامات تعجب وتساؤلات عديدة من جهة , ويثير 
الشفقة والرأفة من جهة أخرى . 
وفي الحقيقة لا بد لي أن أوجه بعض التساؤلات الى أصحاب الشأن ومن يقف وراء هذا التعامل الرخيص والمشبوه ! 
ما المقصود من هذا التعامل ؟! ماذا يدور في اذهانكم ؟ ومن أين لكم هذا السلطان للتجاسر على البشر والتنكر لحقوقهم !؟ 
الى أولئك الذين يتشدّقون ويتبجّحون بالخدمة ليلاً ونهاراً بل يستميتون في الدفاع عن بيت الرب وصونه وكأنه حصنهم الخاص المنيع اقول : أن بيت الرب هو بيت جميع المؤمنين وليس مُلكاً خاصاً مطوّباً على أسم أحد أو نفر مهما كان اسمه وخلفيته الدنيوية أو مكانته الإجتماعية . 
واقول أيضاً وبصريح العبارة أن هذه الأساليب المشبوهة في التعامل مع البشر منبوذة دينياً وإجتماعياً جملة وتفصيلاً .
وهل تظنون أن من يضرب بعرض الحائط قيماً أخلاقية ومتعارف عليها إجتماعياً سيحقق بذلك مكسباً ما أو حظوة عند الله عزّ وجل ّ . 
وهل تظنون أن قساوة القلوب وتحجّر العقول سوف يأتيكم بالخلاص والتوبة ؟! 
لا يا أحبائي وألف لا وأسمحوا لي بأن أذكركم أن مصير التينة اليابسة هو أن تُقطع وتُلقى أغصانها في نار الأتون وحينها لن تجدينا نفعاً . 
ودعوني أذكّر وأنوّه ثانية أو  ربما ثالثة بأن الرب الفادي عندما أسس كنيسته أراد لها فقط أن تكون كنيسة بشر لا كنيسة حجر . وبالتالي فإننا نضع نصب أعيننا التماثل بالمسيح مخلصنا لنمشي على خطاه ونتقيد بتعاليمه التي تملي علينا جميعاً أن نجتمع سوية وبقلوب خاشعة طاهرة نقية لنسبّح ونمجّد عظمة الخالق القدير . 
وليس المطلوب منا بالشيء اللامستطاع  فبالواقع واجب علينا أن نبغض الأثم ونتبع ونحب البر لأنه بهذا نكون أمناء عى الوديعة التي  أورثها لنا مخلصنا .
ولكن وللأسف الشديد ماذا ننتفع من سلوكيات خاطئة وبماذا نعللها . فعلى سبيل المثال ما حصل يوم العيد وبالذات في نهاية القداس من تجاهل مستغرب عجيب لصاحب العيد وذلك بعدم تقديم واجب المعايدة له شخصياً هو بمثابة تجاوزاً واستهتاراً بحقوق الناس البسيطة وذلك لا يجلب المودة والحمد , وإنما عكس ذلك تماماً . وما حاجتنا الى ذلك ؟! 
وأقول أيضاً لمن يسلك طريق الإثم والشر أن مسيحنا الفادي لم يتهاون أبداً مع الخطاة المرائين وضعيفي النفوس ومدنّسي هيكل الرب فأتى بجرأة إلهية وطردهم منه فولّوا هاربين أمام عظمة هذا الإله . 
أعود ثانية وأتساءل : ما هو المبرر لمثل هذه التصرفات في كنائسنا واقول بمنتهى الصراحة أنه مهما كثرت الأباطيل والمراوغات من حولنا فإن الغلبة ستكون فقط للناطقين بكلمة الحق وهنالك مقولة تقول : الناطق بالحق , بالحق يبرَّر .
والسكوت عن الحق جهل وعار . ونحن لسنا مما يرضون بذلك بأي شكل من الأشكال ولم نكون ولن نكون يوماً من أصحاب المصالح والباحثين عن التزعّم والوجاهة الزائفة  والفارغة من المضمون ! 
ولا نرضى بأن نسيّغ أية وسيلة من أجل تحقيق أهدافنا لأن ذلك ليس من شيَم الرجال الصالحين الأتقياء وإنما من أعمال الشيطان وأباطيله .
أحبائي وإخوتي : 
لا أبتغي من هذا الكلام أن أعيّر أحداً أو أُدينه لا سمح الله لأنني أعلم علم اليقين أن الله وحده عزّ وجلّ هو الديّان الأوحد والعادل الوحيد , وقد أوصانا أن لا ندين الآخرين كي لا نُدان ونحن نعمل ونحيا بوصيته على الدوام . 
وعصارة الحديث أيها الإخوة الكرام , إن عقيدتنا وإيماننا يرتكزان بالأساس على الرجاء بالخلاص الذي يأتينا من لدن الله لا غير . ونحن ندرك جيداً أن الخير والإحسان ينتصران على كافة أنواع الشرور والأباطيل مهما تعاظمت تماماً . كما فعل مخلصنا عندما علّق على الصليب طوعاً ومن ثم سحق أبواب الجحيم ومغاليقه وقام من القبر منتصراً وغالباً يملأ قامته سناء نوره الذي لا يغرب . 
ولا بد لنا كأبناء الرجاء والقيامة إلا أن نتمسك ونثبت بالإيمان الذي لا يتزعزع مهما اشتدت الرياح والمصاعب من حولنا . وما علينا إلّا أن نحمل صليب الرب بكل فخر واعتزاز مترفعين عن كل الأمور الدنيوية وبخضوع تام ومطلق لمشيئة الله القدير .
وفي هذه الأيام بالذات وحينما نرى ما آلت اليه الأمور من إنتهاكات للحقوق الإنسانية وتجاوزات خطيرة لناموس الله وشريعة السماء والتسلح البربري بشريعة الغاب والوحوش لا يسعنا إلّا أن نصرخ وبالصوت العالي المدوي الى الله ونتضرّع اليه لكي يظلل الناس أجمعين بنعمة الروح القدس لكي يسود السلام والوئام والمحبة والتسامح ما بين البشر ويدحر بقدرته كافة أشكال الرذيلة والنميمة والخصام .
هذا هو رجاؤنا أيها الأحبة ما دمنا مخلصين لإيماننا ولربنا . ذاك الإله الذي غلب العالم وطمأننا بأنه باقٍ معنا الى إنقضاء الدهر . 
وفي نهاية المطاف نحن نعلم جميعاً بأننا عندما نقف بتواضع وخشوع أمام العزّة والقدرة الإلهية فإننا سنبرَّر بأعمالنا فقط لا غير .
وأخيراً اسمحوا لي أن أتقدم الى كافة أبناء رعيتنا وبلدتنا الحبيبة , صغاراً وكباراً , شيباً وشباباً بأحر التهاني القلبية بمناسبة عيد رفع الصليب الكريم متمنياً لهم عيداً مباركاً وليحفظهم الصليب والمصلوب عليه ويقدس بيوتهم وعائلاتهم ويوفقهم ويمنُّ عليهم بالخير والبركات . بنعمة الآب والإبن والروح القدس  آمين بإخلاص ومحبة  موسى طعمة  إبن الرعية 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق