ردّ الفعل العاطفيّ السريع-بقلم: راضي كريني
2014-06-24 10:35:50
جاءت ردود الفعل الإسرائيليّة والفلسطينيّة على عمليّة اختفاء (حتّى يثبت أنّها اختطاف) ثلاثة شبّان مستوطنين بالقرب من مدينة الخليل المحتلّة، جاءت سريعة وارتجاليّة ومتشنّجة وبعاطفيّة متوتّرة غير مألوفة لا ترقى إلى أبسط منطق السليم.
انقسم الشارع الفلسطينيّ بين موقفين متطرّفين ومتناقضين: الأوّل؛ مرحّب، ومفتخر، و.... والثاني؛ مذنّب ومستنكر، و... ومتباكٍ. فصيل يعتبرها مقاومة مشروعة وطبيعيّة و... وحقّ وفقًا للشريعة الدينيّة والشرعيّة الدوليّة، ويذكّرنا بالمساجين والمعتقلين الإداريّين الفلسطينيّين. وآخر يعتبرها مصيبة ومدمّرة وفرجًا وتحريرًا لإسرائيل من أزمتها السياسيّة ومن الضغط والحصار العالميّ، ويذكّرنا أنّ العمليّة جاءت بدون تخطيط عامّ وبدون تنسيق بين الفصائل، وبصبيانيّة وبدون رؤية إستراتيجية، وبدون وعي ومراعاة للواقع المعيش و ... وتجرّ الويلات على كلّ الشعب الفلسطينيّ.
أمّا بالنسبة لردّ الفعل الإسرائيليّ العصبيّ فحدّث ولا حرج؛ مزّق بيبي صورة الضحيّة، وكشّر عن أنيابه الاستعماريّة القتاليّة، واستلّ تهديداته الديناصوريّة، التي أكل عليها الدهر وشرب ... لو استطاع بيبي لحوّل كلّ عربيّ إلى روبوت يسيطر عليه بجهاز تحكّم من بعد!
تقودنا ردود الأفعال الفلسطينيّة هذه إلى الاستنتاج بأنّ تقدير حجم العدوّ الإسرائيليّ لا يؤدّي بالضرورة إلى تعزيز العقلانيّة وإلى تقوية البناء السياسيّ، والاجتماعيّ، والإنسانيّ والأخلاقيّ. كما نستنتج من فوضى البيانات وسرعة التخوين ووفرة إطلاق الأحكام المسبقة؛ بأنّ غالبيّة الشعب الفلسطينيّ لا تعي بأنّ الصراع الفلسطينيّ الرئيسيّ هو مع المحتلّ والمستوطن والمضطهِد الإسرائيليّ، وهو صراع سياسيّّ واقتصاديّ واجتماعيّ وتربويّ وفكريّ.
عندما أسمع تصريحات قادة حماس أشعر بأن حماس قد حقّقت مهمّات وأهداف وطموحات الشعب الفلسطينيّ، وأنّها على وشك إنهاء بناء دولة الخلافة، وعندما أسمع بيانات فتح أشعر بأنّ فتح قد قدّمت للشعب الفلسطينيّ استقلاله السياسيّ والاجتماعيّ، وبأنّها قد أنجزت تحرّره بفضل تضحياتها الجسام. "على مهلكم علينا يا أخوان؛ كي نعرف ماذا تريدون منّا ولنا"!
أين نحن من الحوار التكامليّ/الديالوج لنجلو ولنطوّر فهمنا لماضينا وحاضرنا ولنساعد بعضنا على صياغة المهامّ الآنيّة والمستقبليّة؟!
ماذا يدعى استثمار التهم الجاهزة، وإنعاش الأحكام المسبقة، وإحياء وتكريس حالة الانقسام؟!
هناك ظروف سياسيّة عربيّة جديدة وتطوّرات بالغة التعقيد ترمي بثقلها علينا وعلى إسرائيل، وتستدعي منّا الحوار (مش طعن الخناجر وتهم خسيسة) أكثر من أيّ وقت مضى لتوسيع القاعدة الفكريّة الشعبيّة والموحّدة، كما تتطلّب منّا أن نتجدّد وأن نواجه مشكلاتنا بشجاعة وواقعيّة وبجهوزيّة، وأن نبدي ثقة واحترامًا وتقبّلا للآخر، واستعدادًا للتغيير في سيروراتنا وآليّاتنا الكفاحيّة، وللتنازل عن الثانويّ وللإصرار على الأساسيّ من أجل الانتقال إلى مرحلة تتلاءم مع ظروف شعبنا وعصرنا ومنطقتنا، ومن أجل الوصول إلى التحرّر السياسيّ والتخلّص من نير الاحتلال وتركة الاستعمار؛ فتجاربكم النضاليّة الغنيّة (مع احترامنا لها) لا تمنحكم حقّ الخوض في طموحات فلسطينيّة يسيرة المنال؛ بذريعة أنّ تحقيق السلام، على أساس قرارات الشرعيّة الدوليّة، بات من المحال وضرب من الخيال، كما ليس من حقّكم أن تنسبوا انفجار أسطوانة غاز في تل-أبيب إلى سجلّ بطولاتكم وتدّعون أنها حقّ وعملية شرعيّة، وتزعزع أمن الكيان الصهيونيّ، وتصبّ في مصلحة الشعب الفلسطينيّ الرئيسيّة والوطنيّة!
رجاء، لا تسمحوا بإفشال حكومة التوافق، وبإضعاف السلطة الفلسطينيّة، وبتأجيل المصالحة الوطنيّة، وبتكريس الانقسام؛ فحكومة اليمين الإسرائيليّة تستميت لتسليم الحكم في قطاع غزّة إلى أعوان جدد بالتعاون مع الرجعيّة العربيّة والإدارة الأمريكيّة!  
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق