الله (ج) موجود , ومن شك في ذلك كفر ! بقلم – رياض حمزة
2014-06-10 11:42:28
صديقٌ كان لي , التقيت بهِ بعد طول فراق . كانت تربطني به علاقات صداقة متينة أيام الدراسة , أيام كان المقعد الثالث مِن الريف الأول , في غرفة الصف التاسع يجمعنا , ومنه الى المقعد المشترك الذي كنا نتقاسمهُ , وحتى الصف الثاني عشر , لتفرقنا الأيام , فيذهب كل منا في طريقهِ لتحصيل العلم , ومن بعدها للعمل , انا في التدريس بقريةٍ مُجاورةٍ , وهو بممارسة عمله في مجال الطب , في بلدٍ أجنبي بعيد , لنعود فيجمع الدهر بيننا , في مناسبةٍ سارةٍ لدى صديق ثالث لنا , بعد مرور ما يربو على الأربعين عاماً من الزمن !!! وقد صِرتُ الى حالي التي أظهر بها منذ فترة وجيزة – الظهور باللباس ذات الطابع الديني , بعد التحاقي بموكب الأجاويد .
نظر اللي مِن على الكرسي الذي اتخذهُ مقعداً , وانتفض واقفاً صارِخاً مُتسائلاً , رياض ؟؟؟ واستطرد , آسف , هل انت رياض ابن صفي ؟ نظرت اليه هنيهة فعرفتهُ , وبدون مُقدمات هممتُ نحوهُ واحتضنتهُ فاحتضنني وتعانقنا طويلاً , وأفسح لي الحضور مقعداً الى جانب مقعدهِ , فجلست وانهلت عليهِ بالأسئلة , وهو كذلك , وبعد أن التقطنا انفاسنا نظر اليَّ مُحدِقاً متسائلاً , مُتديِّن ؟ قلت : نعم , فأدنى فمهُ مِن أُذني وتمتم , هل حقاً الله موجود ؟ فوقع عليَّ سؤالهُ موقع الصدمة , وبدا عليَّ موقف المُستغرب , المُتعجب والممتعض في نفس الوقت , وقلت له : عمتمزح !!
قال : لا أبداً ! هل لك أن تثبت لي بالدليل القاطع أنهُ موجود ؟
ابتسمت وقلت : اتركنا الآن مِن هذا , الوقت مش مناسب . بنحكي بعدين .
افترقنا بعد المناسبة , بعد أن تواعدنا باللقاء لاحقاً .
اثناء الطريق , وبعد وصولي منزلي , فكرت طويلاً بسؤال صديقي , ليس لأنه ادخل الشك الى قلبي , لا سمح الله, بل لمعرفتي السابقة به , وهو الذي كان مِن السباقين الى دروس الدين في المدرسة ! فكرت كيف يمكن أن يكون قد أصابهُ مثل هذا التحول , ولم أجد الاجابه , وعليه فقد قررت أن أجيبهُ كتابةً وعلانيةً فقد يستفيدُ مما سيردُ في هذه المقالة هو وغيرهُ مِن المُشككين .
ليس بالخفي أن الاحصائيات تدل علي أن أكثر مِن 88 بالمائة من سكان العالم يؤمنون بوجود الله تعالى , كل على طريقتهِ , وكلٌ منهم يرى الخالق بعين عقله , ومن المُستغرب أن مسئولية اثبات ان الله موجود تقع علي عاتق هؤلاء الذين يؤمنون بوجود الله , وأن الذين لا يؤمنون بوجوده في حلٍّ مِن البحث والتنقيب وإثبات العكس .
بشكلٍ عام , قضيةِ اثبات وجود الله مِن عدمهِ لا يمكن أن تقاس بمقاييس مُعتمدة على يد العالِمِ هذا أو ذاك . إن هذه القضيةِ عينية , ويجب التأمُّل بما هو حولنا لنُدرِك وجوده , تعالى . لقد جاء في الكُتُب المقدسة انه علينا أن نقبل حقيقة وجود الله بالإيمان الذي لدينا , ومَن لا يوجد لديهِ ايمان بنفسهِ أو في غيره مِن الناس , فلا يمكن أن يؤمن بالله ووجوده .
من المستحيل الوصول الى الله بدون الايمان , اذ ان من يتقرب الى الله لا بد له أن يؤمن بأنه موجود , ولو شاء تعالى الظهور , فانه بإمكانه الظهور و الاثبات للعالم كله بأنه موجود .
ان ما أوْرَدتَهُ أعلاه لا يعني أنه لا توجد دلائل في الكُتُب السماوية تثبت أن الله موجود , ففي التوراة بعهديها , القديم والجديد , جاء : " السموات تُحدث بمجد الله , والفلك يخبر بعمل يديه , وبذلك تتحادث الأيام أبلغ حديث , وتتخاطب به الليالي . لا يصدر عنها كلام , لكن صوتها يسمع واضحا . انطلق صوتهم فَعَمَّ الأرض كلها, وكلامهم الى أقاصي العالم وصل " , وفي القران الكريم جاء : " قُل هو الله أحد , الله الصمد , لم يلد ولم يولد , ولم يكن له كفؤاً أحد " (ص) .
وعلمياً , حين ننظر الي النجوم , أو نحاول فهم اتساع حدود الكون , او دراسة عجائب الطبيعة , أو مجرد رؤية غروب الشمس , نجد أن لدينا الكثير مِن الدلائل تشير الي عظمة الله الخالق , ونحن نعلم أنْ لا مخلوقات بدون خالق , وإذا لم يكن الانسان خالق هذه المخلوقات فمَن هو الخالِقُ إذاً ؟ . ثم إن كانت كل هذهِ الدلائل ومثيلاتها غير كافية , فهناك ايضا دلائل حسِّية موجودة في قلوبنا. هناك شيئا عميقا في كياننا يدرك ان هناك شيءٌ آخر مسئولٌ عن هذا الكون وعن هذه الحياة وما بعدها , ويقف خَلْفَ خليقة هذا العالم وما بعد الخلق . يمكننا ان ننكر هذه المعرفة بعقولنا ولكن وجود الله فينا ما زال مغروساً في القلوب , وبرغم ذلك كله نعلم أن بعض الناس يُنكرون وسينكرون وجود الله , وهذا لانعدام الايمان في نفوسهم وقلوبهم على حدٍ سواء .
معلومٌ , احصائيَّاً , أن أكثر مِن 98 بالمائة من الناس , على مر العصور , أبناء جميع الحضارات ومن مُختلف البلاد والمعتقدات المختلفة , زالوا , وما زالوا يؤمنون بوجود الله - بشكل أو بأخر – وإذ هو الأمر كذلك فلا بد من وجودِ شيءٍ ما مسئول عن الاستمرار في ترسيخ هذا الاعتقاد الراسخ أصلاً , ومَن يمكِنهُ أن يكون هذا غير العلي الاعلى خالق هذا الكون ومديرهُ ! .
هذا , وتوجد العديد مِن النظريات الكتابية الدينية أو المنطقية والفلسفية التي تثبت وجود الله , وكذلك ايضا نظريات علمية , وسأطرح بعضها ها هُنا للمعلومة والإفادة في معرفة الحقائق .
النظرية الأولى التي يمكننا التطرُّق اليها في هذا المجال هي النظرية المنطقية , وقد تأتي هذه النظرية على عدة وجوه , وأكثر انواع هذه النظرية شيوعاً هي التي تَسْتَخْدِم مبدأ تعريف الله لإثبات وجوده , وتُعَرِّفُ هذه النظرية الله بأنه " ذاك الموجود المُدْرِك الذي يفوق في العظمة اي شيء آخر في الوجود " . ومِن حيث أن الموجود أعظم من غير الموجود , فأن أعظم كائن مُدْرِك في هذا الكون لابد أن يكون موجود.
النظرية الثانية , هي النظرية التطبيقية وهي نظرية مبنية على المبدأ , وهي تشير الى أنهُ مِن حيث انه بات مِن الواضح ان الكون مبني على نظام معقد وعجيب , فلابد ان يكون هناك مهندس إلهي صممهُ , ثم أخرج تصميمهُ الى حيِّز الوجود . مثلا , لو كان موقع الأرض التي نعيش عليها بضعة كيلومترات أقرب أو أبعد من الشمس , فلن تكون (الأرض) المكان المناسب للحياة الموجودة عليها , لشدة الحرارة عليها أو لشدة برودتها , ولو كانت العناصر المناخية مختلفة , ولو بمجرد كسور , مما هي عليه الآن , لمات كل ما هو موجود علي سطح الأرض أو في جوفها , مِن انسانٍ أو حيوانٍ أو نبات , الى غيرها مِن المخلوقات .
النظرية الثالثة , هي النظرية الكونية , وهي تأكد أن لِكُلِ مُسَبَّبٍ (موجود) , سببٌ لتواجُدِهِ .
الكون , وكل ما فيه , هو مُسَبَّبٌ , وعليه فلابد مِن أن يكون هنالك سببٌ لوجود كل الأشياء المتواجدة فيهِ .
مِن هنا , نستطيع الجزم بأنهُ لا بد مِن أن يكون هناك شيء " غير مُسَبَّب " موجود , وهذا الشيء هو السبب في وجود جميع الأشياء , وما مِن شيءٍ قد يَكُونَهُ هذا الشيء "غير المُسَبَّب " سوى الله , سبحانه وتعالى .
النظرية الرابعة , هي النظرية الأخلاقية , وهذه النظرية تُلفت نظرنا الى أن جميع الشعوب والأمم التي عايشت هذا العلم , على مدار ملايين السنين , كانت لها نُظُم وقوانين تعني بالحق والباطل , وتنهي عن القتل , السرقة , الكذب , الغش , الخداع وغيرها من الصفات , وكلها صفات غير أخلاقية , متفقٌ على عدم أخلاقيتها في جميع أنحاء هذا الكون , وهنا لا بُد لنا من أن نتساءل , كيف توصَل الانسان الى هذه المعرفة بالحق والباطل ان لم تكن هذه المعرفة مُستقاة مِن ألمُسَبِّبِ للوجود , من الله , سبحانهُ وتعالى ؟ .
رغم كل ما أوردتهُ أعلاه , يبقى البعض يرفضون معرفة الله أو تَقَبُّل وجوده , رغم أنَّ لا معلومات لديهم أو دلائل تشير الى عدم وجود الخالق وتدعم رفضهم الاقرار بهذا الوجود . لقد استبدل هؤلاء الله بما هو باطل , فاتقوا المخلوق (من انسان أو حيوانٍ أو جماد ) وعبدوه بدل الخالق , تبارك وتعالى عن جميع مخلوقاته .
لقد جاء في جميع الكتب السماوية , جلياً , أنْ لا عذر للإنسان الذي لا يؤمن بالله وبوجوده , وأن عقاب الله لِمن كفر بهِ شديد .
هنالك مِن الناس مَن يدعون انهم لا يؤمنون بالله لأنه شيء " غير علمي " أو " لأنه لا يوجد اثبات لوجوده " على حدِ قولهم , ( رغم أن العلماء تحدثوا عن الخلق وعن كيفية حدوثه , وعن أنه حدث بفعل قوىً غير عادية وغير معروفة لديهم على الاطلاق ) , والحقيقة أن هؤلاء خطاءون , وأنهم يدركون أنهم حالما يعترفون بوجود الله يصبحون مسئولين أمامه وفي حاجةٍ ماسةٍ الى استجدائهِ وطلب غفرانه . ان اعتراف الانسان بوجود الله يجعله مسئولاً عن افعالهِ أمامه , وعدم إقرارنا بوجوده يُمَكِّنُنا مِن أن نفعل أي شيء نريده دون أن نخاف مُحاسبتنا من قبل الله تعالى .
كلي ثقةٌ في أن هذا السبب , هو السبب الأساس للإيمان بالنظريات العلمانية التي مِن خلالها يرفض البعض أن يتقبل وجود الله , جملةً وتفصيلا , إذ انه من خلال الايمان بنظريات النقض لا يحتاج هؤلاء الى الايمان أن الله هو الخالق , وأنهُ موجود , وأنهم بمحاولتهم اثبات عدم وجوده , وبمنتهى العنف , يثبتون وجوده .
وأخيراً وليس آخراً , اسمح لي عزيزي القارئ بطرح نظريتي الخاصة , النظرية الحسيَّة , والتي مِن خلالها أعرف وأشعر وأرى وألمس وجود الله , عز وعلا , الدائم الاستمراريةِ منذ الخلق والى ما بعده , وأنا أعلم أنه موجود لأني أتحدث اليهِ كل يوم , وأنا على ثقة أنهُ يسمعني ويرعاني , وبالرغمِ مِن أنني لا أسمع صوته بأذني أشعر بوجوده , أدرك أنهُ القائد وألمس في قيادته وتوجيهاتهُ لي الحكمة والحنكة وخير ما فيهِ الخير .
الى جانب ما تقدم , لا بُد مِن الاشارةِ الى أن جميع هذه الأدلةِ والنظريات التي تقدمتُ بها , لا يمكنها أن تقنع أي شخص قد قرر أن ينكر ما هو واضح جليٌّ للعيان , فالمُنكِرُ للشيء لا يؤمن بوجوده , ولكي يؤمن المخلوق بالله الخالق , لابد أن يكون الايمان مغروساً في قلبه , عندها , وفقط عندها , يقبل ويتقبل وجود الله , جل جلالهُ وعلا شأنهُ .
جعلنا المولى وإياكُم مِن الاخوان المؤمنين الصالحين , وهدانا بِهَدْيِهِ الى طريق الأخوة الموحدين .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير