قلق أثرياء إسرائيل بقلم: راضي كريني
2014-06-03 09:54:32
ركّزت الصحف الإسرائيليّة على شعور الرأسماليين في إسرائيل بالقلق من ازدياد حدّة انتقادات الرأي العامّ الموجهة إليهم، ومن سرعة وحجم انتشارها، بعد النشر عن ارتفاع رأسمال أغنى 500 ملياردير إسرائيليّ بنسبة 18% خلال السنة الأخيرة.
تدأب الصحافة الإسرائيليّة على تخدير الرأي العامّ في إسرائيل، كي تتمكّن من تزييف مشاعر الرأسماليّين، لتظهرهم كمَن يتحلّى بمشاعر إنسانيّة، وتميّزهم عن باقي وحوش الرأسماليّة العالميّة؛ ففي نظرها الرأسماليّ في إسرائيل هو اشتراكيّ وعادل ورقيق وحسّاس و... ويوزّع ثروته على الفقراء والمساكين والمحتاجين، كالمليونير القطريّ/الفرنسيّ، ويكتفي بالنزر اليسير من الثروة، عن طيب خاطر! 
الصحافة الإسرائيليّة تتدخّل، كغيرها، في صياغة الرأي العامّ؛ ليصبح رأيًا عامّا يقدّس الصهيونيّة والاحتلال والأمن و... فالرأي العامّ هو انعكاس للوعي الاجتماعيّ السائد؛ وفي إسرائيل يجيّر لخدمة الاحتلال وتوسيعه وتخليده، ويقيّد بالنزعة العسكريّة وقعقعة السلاح، ويذوّت الاستعلاء وعظمة شعب "الله المختار" و...، ويسم إسرائيل بالضحيّة وبالحمل الوديع المحاط بالذئاب المفترسة، و... 
هكذا تبرّر القيادة اليمينيّة سياسة التجييش والتعبئة العسكريّة العامّة على مدى أيام السنة، وتنجح في تشويه الوعي الاجتماعيّ وتسيطر عليه، وتجعله أسيرا موظّفا لمآربها.
من البديهيّ أنّ يؤدي طغيان السياسة الأمنيّة على الوعي الاجتماعي الإسرائيليّ إلى إضعاف فعاليّة الرأي العامّ وإلى إفقاده لعفويته؛ بحيث يصبح من الصعب عليه أن يتطوّر ويتبلور بشكل عفويّ إلى درجة التحرّك ضدّ سياسة إغناء الأغنياء على حساب إفقار الفقراء، وأن يتخلّص من عبء التأثيرات الأمنيّة، ليرضخ لسياسة الاستغلال ويتحمّلها، وليعتبر مضاعفة أرباح الفئة الغنيّة من الطبقة الرأسماليّة أمرًا واقعيّا وطبيعيّا، ولو كان هذا على حساب إفقار الغالبيّة العظمى من أصحاب الرأي العام، من الفئات الشعبيّة والأقليّات القوميّة وطبقة العمّال المحرومة من ملكيّة وسائل الإنتاج.
لا شكّ في أنّ الرأي العامّ الإسرائيليّ يتغاضى في الوقت الراهن عن الفوارق الاجتماعيّة ولا يعيرها اهتمامًا، لكن من المستحيل دفن الفوارق والتناقضات الاجتماعية إلى الأبد في المجتمع الرأسماليّ الاستغلاليّ والتناحريّ. حتما ستطفو في المستقبل على السطح وستبرز الصراعات الطبقيّة مجدّدا لتوجّه الرأي العامّ نحو مصالحه الحقيقيّة، وليكتسب طابعًا شعبيّا موحّدا متزايدًا لكلّ الفئات المضطهدة والمستَغَلَّة، وليتحرّر من نير الاستغلال الاجتماعيّ والاضطهاد القوميّ والاحتلال والاستيطان و....
ربما يتساءل البعض لماذا طال رضوخ/تخدير/نوم الرأي العامّ، ويسأل بيأس وبحقّ؛ متى ينتفض الرأي العامّ ضدّ أرباح وطمع رأس المال وضد الاحتلال؟
في السنة الماضية، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية، قلعة الرأسماليّة العالميّة، تحرّكًا للرأي العامّ ضدّ أرباح الرأسمال الفاحشة وضدّ الطغمة الماليّة، ما اجبر الإدارة الأمريكيّة أن تفرض ضرائب جديدة وعالية على أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وعلى أرباحهم الخياليّة، فسمعت الصحف الأمريكيّة صراخهم ووصفته بـِ "بكاء المليونيريّين"، لكن في إسرائيل يصمّ حزب "العمل والعمال" أذنيه ويشارك ونقابة العمال العامّة في سرقة العمال! (فضيحة ميناء أشدود).
إسرائيل ليست شاذّة اجتماعيّا، وهي غير محصّنة ضدّ الهبّات الشعبيّة ولجان الاحتجاج، فحركتا "أربع أمّهات" و"نساء بالسواد" استطاعتا بمثابرتهما على المطالبة بالانسحاب من جنوب لبنان أن تحرّكا، بمساعدة لجان شعبيّة أخرى، مئات الألوف في مظاهرة جبارة في قلب تل أبيب، على أثرها ولعوامل أخرى، تمّ الانسحاب من جنوب لبنان في أيّار 2000. 
 وفي صيف 2011، تعرّضت إسرائيل لسلسلة من الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيريّة (احتجاجات الخيام)، كانت بدأتها الفتاة دفني لايف ضدّ سوق السكن، بعد أن استصعبت استئجار بيت في تل-أبيب، واتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل مواضيع اجتماعيّة-اقتصاديّة عديدة.
فلا تقولوا لي مستحيل! 
بإمكاننا أن نحوّل المستحيل الراهن إلى ممكن في المستقبل.
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق