تفضّل ، هذه دعوة لفرح / نديم أبريق – ابو سنان
2014-04-29 14:39:36
جلس أبو السّعيد يتظلّل بأغصان زيتونته الشّامخة، تلك الزّيتونة التي غرسها في ساحة الدار منذ أن تزوّج، فيهرب إليها يوميًا ليُحدّثها عن آلامه وآماله، عن همومه وأفراحه، يصطحبهما رفيقا دربهما: فنجان القهوة والسّيجارة...احتسى أبو السّعيد فنجان القهوة وعبق الجوُّ برائحة سيجارته المميزة التي شدّ عليها بأصابع يده الصّفراء. لامست يده الأُخرى خدهُ واستغرق في تأًمّله وتفكيره. نظر مرّة أخرى إلى الطّاولة المليئة بدعوات الفرح الّتي تلقّاها هذا الأُسبوع وبدأ يعدّ هذه الدّعوات وللمرّة العاشرة: واحدة ،اثنتان... خمس...
لقد ضاق ذرعًا من هذه الدّعوات ومن تلك الأفراح مع أنّ موسم الأفراح ما زال في بدايته. وما أن أكمل أبو السّعيد العدّ حتى تذكّر بأنّه مقبل في الأُسبوع القادم على فرح ابن أخيه، وهذه هي الفرحة الأُولى في بيت أخيه. كان يتوقّع أن تنتابه نشوة الفرح بهذه المناسبة، ولكن أمام الكمّ الهائل من الطلبات بدأَت تختلجه مشاعر الأرق والإرهاق وحتّى الاكتئاب، فبيته يعّجّ بالطلبات والبنات، ويجب أن يشتري لبناته أجمل الفساتين والملابس من أرقى وأغلى المحلاّت التجاريّة، فالبنات بلغن سن الخطبة، والعُرس – كما تقول أُم  السّعيد – فرصة ممتازة ليراهم شباب القرية وربّما يتقدّم شاب لخطبة واحدة منهنّ بعد العرس! هو أيضاً عليه أن يظهر بمظهر أنيق، فهذا عُرس ابن أخيه ولا بدّ أن يقتني ملابس جديدة وأن يربط ربطة العُنق الّتي لا يعرف كيف يربطها، لأن آخر مرة لبس فيها ربطة عنق كانت يوم زفافه، ويجب أن يشتري ملابس جديدة لأُمّ السّعيد حتّى تتفاخر أمام الأقارب والأصحاب ونساء الحارة، ويجب...
خارت قواه من كثرة التّفكير الذي بدأ يؤرقه في ليله ويفسد عليه نهاره، فالمعاش محدود ولا يوجد مصدر دخل آخر، وأُم السّعيد لا تعمل والبنات يتعلّمن في الجامعات والكليّات والثانويّة... فكيف بإمكان هذا المسكين أن ينهي الشهر؟ والأَعراس؟ ومتطلّبات الحياة؟ وتعليم البنات؟
 بين احتساء فنجان آخر من القهوة وإشعال سيجارة جديدة تأَمّل أبو السّعيد مجددًا بدعوات الفرح المتراكمة على الطّاولة. خطر بباله أن يرتّبها ليس حسب ميعادها وتواريخها وإنّما حسب أهميّتها بالنّسبة له، فربّما يستطيع أن يجري عليها اختزالاً، مع أنّه يعرف بأنّه بعد كل فرحٍ لن يحضره سيقوم صاحب الفرح بمقاطعته:
فهذه دعوة لفرح فتاة، دعوة تدفعه للتساؤل:
لماذا بدأ أهل القرية بتوسيع الدّعوات لأفراح البنات؟ فسابقًا كان أهل العروس يدعون فقط الأقارب والمقربين للعُرس، أمّا اليوم فقد تحوّل فرح البنت إلى احتفالٍ كبير يُضاهي حتى فرح العريس!
وهذه الدعوة من إنسان لا يذكر بأنّه طرح السّلام عليه في يوم من الأيام ولا يوجد بينهما أي علاقة! وهذه دعوة لفرح في قاعة الأفراح وهو لا يذهب إلى القاعات إطلاقًا لأسباب اقتصاديّة واجتماعيّة ودينيّة! وهذه دعوة من شخص يحتفل بعُرس ابنه السّابع وفقط في السنة الماضية احتفل بعُرس أحد أولاده! وهذه دعوة... 
وقبل أن يُكمل أبو السّعيد عدّ دعوات الفرح وإذ بصوتٍ يُنادي: 
- هُنا يسكن أبو السّعيد؟
- نعم يا ابني، تفضّل !
- شكراً! أحضرتُ لحضرتك دعوة لفرح ، نأمل تشريفكم..
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق