ظواهر حربية نازفة / بقلم د. مهند العزاوي
2014-03-07 15:39:38
يدخل العالم اليوم مرحلة جديدة من  الازمات الاقتصادية والحروب الصاخبة والصامتة بين رباعية القدرة الدولية والمتمثلة بروسيا الحربية , والصين المتسلقة , والاتحاد الاوربي المثقل بالأزمات , والولايات المتحدة المتهاوية , ويبدوا من خلال خارطة التاثير الدولي وقراءة الواقع السياسي ان روسيا الحربية قد تسلقت مسرح الاحداث في رقع مختلفة من العالم ,خصوصا بعد تدخلها الرسمي والواضح في الشرق الاوسط عموما وفي سوريا والعراق تحديدا منذ ثلاث سنوات , وإدارتها حرب مركبة تمزج بين الخبرة في صناعة الارهاب وهيكلة الحدث الشبحي , ومزج تجزئة الجيش النظامي الذكي والقوة اللامتناظرة من المليشيات والتنظيمات المسلحة المتسقة بسياستها , وكذلك توظيفها مخلب القط الاقليمي عبر مراحل الوصول الى المنطقة , لتعلن عن نفسها بديل قوي للنفوذ الاميركي الذي تلاشى , وبات من الواضح انحسار تاثير المجتمع الدولي , وتقويض نظرية الدولة والسيادة , وغياب التوازن والردع والعدالة الدولية , وأصبح العالم اليوم بلا قيم سياسي ومعايير قانونية , حيث القوي يأكل الضعيف وتسوده ظواهر حربية نازفة كالتهجير الحربي الشامل , حروب السياحة الزاحفة , لعبة الحرب على الارهاب , عسكرة الاسلام , تدمير الطبقة الوسطى , الحروب التجارية , حروب الهيمنة الزاحفة .
 
 لعبة الحرب الوقائية
 
يلاحظ سعي روسي حربي لنقل الاضطراب الشيشاني من اراضيها الى بقع منتخبة في الشرق الاوسط متسقا مع مفهوم الرئيس الاميركي السابق ((الحرب الوقائية))  التي لم تنظر حربيا ولم تبرر قانونيا ولم تؤطر اكاديميا , وتقوم هذه الحروب التجارية الوقائية على تخوم  منصات الصراع الاقليمي في الشرق الاوسط ضمن الصراع الجيوقاري المضطرب , وباستخدام دول الوخز الطامحة لتسلق ادوار لتتناسب مع القدرة الجيوسياسية لها , خصوصا بعد غياب المحاور الجيوسياسية والقوة الصلبة العربية التي دمرت  خلال عقد الفناء العربي منذ عام 2003 وحتى الان , مما خلق واقع سياسي عسكري امني مضطرب ليستطيع  مواجهة الاحداث الدولية والإقليمية المتسارعة وغياب مقدرتها على التصدي نظرا للقصور الاستراتيجي
طيلة عقد من التجريف المنظم للقدرة العربية , حيث اصبح الامن والسلم الدوليين في خبر كان .

1. الحرب الوقائية هي الحرب تبدأ في إطار الاعتقاد بأن الصراع في المستقبل أمر لا مفر منه إن لم يكن وشيكا. ويكون الهدف من الحرب الوقائية هو منع حدوث تبدل في ميزان القوى. وكيبيديا ,  وحقيقة هذا التوصيف غير صحيح من النواحي السياسية والقانونية بل هو تبرير للكبار باستخدام القوة اينما يكون المزاج الحربي  وهناك فر ق بين الحرب الاستباقية التي تعني شن حرب اجهاضية لحرب محتملة الوقوع او خطر اصبح واقعا ملموس ويتطلب معالجته والحرب الوقائية التي تعتمد شن الحرب على نوايا وخيال سياسي حربي يتسق بمصالح الشركات والمال والسلام والأمن القومي لفتح اسواق جشعة تبرر بالحرب الوقائية 

 
لعبة الحرب على الارهاب
 
استطاعت روسيا بوتين ان تقتنص الفرصة المتاحة بعد الفوضى الدولية , والتخبط  والفشل الاميركي , وتخطي الدول الفاعلة لقيم المجتمع الدولي وتصدع النسق الدولي , وتجميد القانون وحقوق الانسان , وبروز ظواهر نازفة كالتهجير الشامل , الحرب السياحية , الحرب على الارهاب بطابعها الايدولوجي الديني والتجاري الجشع , حيث تمكنت روسيا من توظيف ذراع الحرب على الارهاب لتحقيق طموحها السياسي باستخدام الحرب المركبة  , دون الاخذ بنظر الاعتبار شكل الفوضى الحاصلة في النسق الدولي  والضحايا البشرية , والخسائر التي لحقت بالمنطقة بعد عقد كامل من الاستنزاف المالي والبشري على اثر غزو وتهديم العراق من قبل الولايات المتحدة الاميركية خارج اطار الشرعية الدولية , والذي اتاح لأي عضو فاعل يمتلك القوة ان يشن حرب وفق للمزاج السياسي والحربي لكارتل السلاح والمال والسياحة في ذلك البلد , لعل استخدام القوة في شبه جزيرة القرم كان بمثابة قراءة استراتيجية متأنية , وتحديد اولويات متقن , واقتناص فرص ذهبية , حيث يشهد العالم العجز والأزمات والاختلاف والخلاف , وغياب العصا الدولية الفاعلة وأنهاك القدرة العسكرية الدولية بحروب شاملة وواسعة تحت يافطة ((الحرب على الارهاب))التي استنزفت الدول والجيوش والشعوب والمجتمعات لصالح الشركات القابضة المصنعة لفلسفة الحروب الصغيرة ذات العوائد المالية الباهظة , خصوصا ان تجارة السلاح والأمن القومي قد اصبحت عوائدها المالية تفوق عائدات النفط والذهب , ويبرز هذا جليا في الحروب التي تخوضها الحكومات في بلدانها ولعل الحرب على الانبار انموذجا للاستنزاف المحلي والفائدة المالية الدولية .
 
حروب شبحيه مركبة
 
استخدمت دوائر الحرب في اميركا ((الحرب على الارهاب)) كمبرر لغزو العراق خارج اطار الشرعية الدولية , وقد خاضت حروب شبحيه مركبة في العراق واليمن والسودان وليبيا والباكستان وأفغانستان والذي انهك القدرة العسكرية الاميركية , وكذلك وسع الفوضى المسلحة التي تقوض (نظرية الدولة) , كما واكتفت بالتعامل مع اسواق الامن القومي المفتوحة في تلك البلدان , وبذلك انتهزت روسيا هذا الانهاك العسكري وسياسة اوباما المثيرة للجدل لتدخل قلب الشرق الاوسط في سوريا وتتوسع منه الى العراق واليمن لتخوض بذلك هجوم مقابل لاستعادة السيطرة السوفيتي السابقة من جديد , خصوصا ان روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي , وعبرت عن نفسها بالاتحاد الروسي مع تغيير المسالك واستخدام ادوات النظام الرأسمالي للوصول من جديد الى منصة الصدارة الحربية في المسرح الدولي , وقد اعتنقت نفس المناهج الحربية وخصوصا الحرب على الارهاب وحتى تدخلها العسكري في اوكرانيا عزته الى محاربة المتشددين الارهابيين في اوكرانيا ذات الغالبية المسيحية , وهنا انذار بتوسع اطار الحرب على الارهاب كمسوغ لشن الحروب التجارية وقضم السيادة للدول الضعيفة , وتوسيع تجارة التهجير وحروب السياحة الزاحفة , التي هدمت دول مزدهرة بالحروب المركبة الشبحية 
 نعم  كما يقال ان القوة تتمدد وتبحث عن عدو افتراضي وهمي لتبرر وجود منظومات الحرب , ونظرا لتغيير خارطة التاثير والتوازن الدولي , فان القادم اكثر اضطرابا , كما ان روسيا لتختلف عن أي دولة قوية فاعلة طامحة للسيطرة على العالم , ويذكرنا التاريخ بهتلر وحربه الوقائية وبوش وحربه الوقائية وبوتين وحربه الوقائية في سوريا والعراق , وبلا شك ان التاريخ يعيد نفسه  خصوصا في حالة وجود مفاصل لينة في التفكير والتدبير الاستراتيجي , وحينما يعجز المفكرون ويجهل المثقفون , ويمارس المعنيون الهروب الى الامام لتبرير الفضائع , فمرحبا بعالم الفوضى الهدامة وبيع الاوطان وسيادة الهمجية الدموية , ((عندما يخفق السياسي في اتخاذ قرارما عليه ان يتحمل عواقبه وقد تكون مصيرية , وعندما يتردد القائد العسكري في اتخاذ موقف فعليه ان يتوقع الهزيمة)) , وبلا شك ان العالم برمته يذوق مرارة الهزيمة الانسانية ودخوله عالم الغاب واندثار الانسانية ومصادرة حقوق الشعوب الضعيفة .

2. الحرب المركبة مصطلح للكاتب يعتمد فيه الملامح الحربية المستخدمة في حروب الوصول الى الشرق الاوسط والذي يعتمد على صناعة بيئة حربية على شكل رقع متفرقة تتيح لمستخدم القوة شن حرب غير معلنة باستخدام تجزئة القوة الرسمية الذكية ومزجها بالتنظيمات المسلحة المساندة والمصنعة  ادارة حروب خاصة ونزاعات تدار عن بعد .


 
*مفكر عربي- رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية
‏الجمعة‏، 07‏ آذار‏، 2014
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق